المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الموسوعة العربية النقدية الرقمية


عباس باني المالكي
10-13-2012, 04:03 PM
قراءات في مسارات الرؤيا
الموسوعة العربية النقدية الرقمية
المقدمة
طريقة الجديدة في قراءة النص الشعري

أن الحديث عن طرق قراءة النص الشعري وما يتعبه من انفعال سيكولوجي تجعل كاتب النص يسعي إلى التعبير عن هذا الانفعال والمرتبط بمكنونات الشاعر ومن المحيط الذي حوله والرموز النفسية التي تكمن في اللاوعي فيه وهذا ما يجعل من لحظة كتابة النص الشعري عبارة عن لغة الذات في لحظة مخاضها وتجليها وتشمل هذه اللغة كل ما يخزن الشاعر من المعرفة والرموز الكامنة فيه حيث تصبح هذه اللغة مرتبطة بتحليل الوعي الذاتي وسط المتناقضات التي تولد في رحم النص ، وبالطبع هنا توسع وتكبر هذه اللغة حسب منهجية المعرفة التي تساهم في أعادة هيكلة الوعي الذاتي للشاعر أو الكاتب ،أي تتماثل الأنا في كل الموجودات تعبيرا عن المعاني المتخفية والمكبوتة داخل الذات وبهذا تخرج الدلالات مقاربة إلى معاني هذه الموجودات ، وهنا طبعا يأتي تأثير الظرف الخارجي والذي يكون جزء مساهم في تكوين النص من خلال ما يحدث من تأثير متبادل بين الذات الواعية والظرف الخارجي ،فيخرج هذا التأثير على شكل رموز التي تمكن الشاعر التعبير عنها أو كشافها ، فتصبح الذات هي الموضوع بكل كومنها اللاواعية والتي هي عبارة عن التفكير المسبق بتواتر الوعي الوجداني ، فتصبح لحظة الكتابة هي لحظة الانفكاك من كل ارتباطات الوعي الخارجي ، لتبقى مساحة الذات هي المهيكلة للنص وفق سياق المتناقضات في الإدراك السيكولوجي ،حيث عند حدوث التوتر الوجداني المصاحب إلى التوتر الفكري الذي يؤدي بدورة إلى البحث والتقصي عن وحدات الوعي وعمق تأثرها بالظرف الخارجي وهنا تتفرع كل هواجس الحياة ونماذجها الموحية ، والتي تتفجر في لحظة الكتابة ، لأن التعبير عنها تحدد الكلمات التي تقارب هذه الرموز النفسية ، كلما كان الشاعر يمتلك معرفة واسعة يكبر نسق هذه الكلمات الموحية بالرموز البسيطة أو العميقة وطبعا هذا يعتمد على عمق ذاته وقدرتها على الاقتراب من اللاوعي فيه ورموزه التي تجاري التوتر العقلي في كشف المكنون وفق طاقة التعبير عنه أو الاقتراب منه حيث أن النص الحقيقي ينمو ويأخذ المساحة المدركة في مراحل التلقي إلى كل محسوسات الشاعر والتي هي المحددة إلى مرحلة أخرى من توالد النص وهي مرحلة التأويل أو الاستعارة لمقاربة إحداث الانزياح الصوري في تشكيل النص الشعري ، أي أن الشعر هو اللغة الذاتية المعبرة عن الهواجس الكامنة فينا وكلما أدركنا هذه الهواجس كلما كان النص أكثر اقترابا من وعنا المقارب إلى كوامن اللاوعي وهنا تصبح اللغة رموز وبناء لكل هذه المدارك في لحظة كتابة الموضوع الشعري للنص ، وهذا يختلف من شاعر إلى أخر بمقاربة الكامن مع الظرف الخارجي وطبعا هذا يؤدي إلى اختلاف في مستوياته النصية والذي بموجبه تتباين المعاني والدلالات الموحية لهذه النصوص بين الشعراء اعتمادا على أن الشعر هو منظومة نصية داخل نماذج متغيرة من المنظومات الثقافية ، كما أن النص لا يمكن اعتباره ذو معنى واحد بل النص هو عدة معاني متراكبة ومتداخلة في نسيج نفسي وفكري يعبر عن هذه الدلالات المتعددة وتبقي قدرة الشاعر على ربط هذه المعاني بخيط الحياة الذي يربط بين كل هذه المعاني دون فقد المعنى المركزي أو الجوهري الذي نشأت بسببه أزمة المعاناة الشعرية ، حيث أن هذه المعاني ما هي إلا مستويات هذه الأزمة الشعرية وتطورها داخل نفس الشاعر وحضور كل تاريخه المعرفي الذي يخرج الرموز المقاربة لكل الظروف الخارجية والداخلية ، والنص الحديث هو التجاوز المستمر لكل ما هو مألوف أو سائد بعيدا عن أفق الأيديولوجيات أو الخطاب الاجتماعي المألوف ويخضع إلى بلاغة العصر المتجدد متجاوزا مقولة الأجناس الأدبية واعتبار مفهوم النص مقولة أدبية أساسية تبحث عن المعنى الكامن في الحياة والذات ، ومبتعدا عن التكرار والاستنساخ، ومن أجل هذا سوف أتناول كثير من مقاطع النصوص الشعرية لمختلف الشعراء العرب ، لكي أبين ما حددته في القراءة الجدية للنص في لحظة كتابته مع الذات المعبرة عن هذا النص ، أي أني لا أسعى إلى تفكيك النص خارج الذات المنتجة له بل أسعى نحو معرفة ولادة النص الشعري في زمن الكتابة والظروف التي تكون أجزاء من منطق النص ومساهمتها في أعادة هيكلة الوعي الذاتي الشعري و تكوينه .
قبل تقديم القراءات للنصوص الشعراء أود أن أطرح هذه المقدمة على أهمية الشعر في الحياة والتي على ضوئها كونت نظرتي الجديدة في قراءة النصوص الشعرية
في البدء الكلام عن قصيدة النثر أود أن أطرح أفكاري التي أراها في قصيدة النثر ومن ثم أعرج إلى مناقشة النصوص المطروحة كي تكمل الصورة التي أود أن أشير لها من خلال هذه الموسوعة النقدية.
أن أهم ميزة ينبغي توفرها في قصيدة النثر هي الصورة والصورة يجب أن تختزن قابلة عالية على الحدس والإيحاء وإن تثير في عقل القارئ كل تداع وارتباط يؤديان إلى الأفكار التي تكمن وراء الألفاظ... فليكن الصورة مركزة إلى حد التكثيف ولتكن آتية من صقاع الحلم وأعماق اللاوعي ولتكن مفردة ومركبة شرط أن تبتعد عن الجمود والتنافر وإن تتخطى رغبة التوليد والتأليف وان لا تقع في الغموض الذي يجعلها غير قادرة على البوح بالعوالم التي تحتفي وراءها أو تقع في هذيان المحموم.
وهنا تحضر مهمة الشاعر الحقيقي الذي قال عنها سركون بولص (الشاعر الحقيقي هو الذي يؤمن بالشعر ولم يأت إليه عابثا... وينبغي أن يكرس نفسه وحياته للشعر ويجب أن يعد حياته للشعر ويجب أن يعد نفسه ذا مهمة كبيرة في التاريخ وإن يقدس الكتابة ويخلص لها من كل قلبه) وهذا ما يجعلنا أمام مسؤولية الشاعر الحقيقي وليس كما نرى الآن ما ينشر في المجلات والصحف و الكثير من المواقع الإنترنت الأدبية والتي يختلط فيها الشعر مع الهموم الذاتية التي لا ترتقي إلى أي مستوى من الشعر بل تسلل هولاء إلى ضفاف قصيدة النثر محاولين تمرير خوائهم المعرفي و هولاء حين يرون قصائدهم على هذه المواقع يدعون أنهم أصبحوا شعراء لسهولة قصيدة النثر من حيث عدم وجود الوزن والقافية التي كانت تثقل عليهم عملية الانتماء إلى الشعر والشعراء من أجل أن نستمر بمناقشة الفرق بين مهمة الشاعر الحقيقي والشاعر الطارئ على الشعر، الشاعر الطارئ هو الذي يلتقط الصورة بما هو شائع ومألوف وهو شاعر فقير الخيال والموهبة، بينما الشعر الحقيقي هو الشاعر الذي يجتاح من العوالم البعد ويرتاد الأفاق المدهشة ويبني علاقات أوسع في التشكيل وهو الشاعر الموهوب الأكثر قدرة على الخلود لأنه يلبي شروط الصورة التي تعمق الرؤية والإحساس وتكشف الصورة التي تعد معادلا للخيال الخلاق وأسلوبا حيا يجسد رؤية القصيدة وحركتها في كل جونب الحياة.
ولهذا أرجو من كثير الذين يتصورون أنهم شعراء أن لا يعتبرون أنفسهم شعراء بقدر ما يطرحون من هموم ذاتية لا تحمل عمق القصيدة الحديثة حيث عندما تقرأ قصائدهم لا تعرف أين يكمن الشعر في طرحهم بل مجرد أحاسيس مفرطة بالطرح وخالية من العمق والرمز وخالية من الصورة التي يجب أن تتوفر في القصيدة الحديثة والشاعر الحديث يلتقط كل ما هو قصي وشاذ أحيانا ويغترف من صقاع اللاوعي البعيدة أحيانا أخرى، أي أن الشاعر ليس صدى مكرر يسجل كل ما هو مألوف كالفوتوغرافي يسجل كل صوت حوله بل أن شعره يجب أن يكون اقتحاما لكل ما هو محسوس وملموس في حياة الإنسان موطنا وذاتا بجميع مشاعرها وآمالها وعذاباتها.
فلا أعلم لماذا هذا الجدل المستمر على شرعية قصيدة النثر وعدم شرعيتها، وبدل هذا الجدل لماذا لا نسأل أو نحدد ملامح وآفاق هذا المنجز وكيفية الوصول به إلى الآفاق التي تجعله الابن الشرعي إلى الشعر فلكل زمان أدوات التعبير عنه شرط أن لا يفقد الهوية الحقيقية للشعر التي تحدد القيمة العليا للغوص في حقيقة الأشياء والبحث عن العلاقة الجدلية لهذه الأشياء كي نكتشف الجمال وإعطاء هذا الجمال البعد النفسي الذي يخرج الإنسان من كل أزماته لكي لا تسيطر علية القوة لا تعرف معنى الجمال الحقيقي لاستمرار الحياة بكافة أبعادها خارج هذه الأزمات التي تبعد الإنسان عن أهدافه وكما قال كولردج (أن الهدف الحقيقي للشعر هو الإمتاع بما يقدمه من الجمال) أو كما قال خوري لويس بورخيس (الشعر هو التعبير عن الجمال بكلمات محبوكة بصورة فنية) بذلك أرتبط الشعر بإخراج الحياة من أزمتها ولكن بشكل جميل وبدون أطناب في هذه الإخراجية أي أن الشعر يبحث ما معنى الحياة وليس كما هي لأن في هذه الحالة يتحول إلى تقرير نثري ( صحفي) خارج البنية الشعرية ، وهذه الحالة تحفزنا إلى بناء مستقبل خارج أستيلاب القوة المسيطرة على مقدرات الإنسانية ولكن ليس تسجيل لهذا التاريخ كما يراه المؤرخ وإنما بناء هذا المستقبل كما نحلم في تحقيق الجمال والعدالة في وجودنا الإنساني وكما قال أناتول فرانس( يعبر المؤرخ عن كل ما كان ويعبر الشاعر عما سيكون) وبذلك يجب علينا أن نبني شعرا يمنح الإنسان الرضا والإحساس بالجمال الحقيقي وكما قال ألبررتي (نحن الشعراء ينبغي أن نبشر العالم بما هو جميل ، أن نكتب شعرا حادا كالسيف أحيانا وأحيانا رائعا كالزهرة، بما أنه قد حتم علينا أن نعيش بين السيف والزهرة).
وقبل البدء في الدخول إلى نقد النصوص ،نقول كما (تساءل الشاعر الإنكليزي ولتر جيمنز أي جدوى من أن يكون المرء شاعرا؟ ورد على تساؤله بتساؤل أيضا هو :أي جدوى من أن يكون المرء حيا، أن الشعر ماء الحياة وهل يمكن تصور وجود الحياة دون ماء) ولكي يبقى هذا الماء صافي ذات طعم رائع ويصبح الشاعر يعلم الناس كيف تحلم ........ سأتناول الكثير من نصوص الشعراء العرب لكافة بلدان الوطن العربي ، وبهذا كانت نظرتي ملتصقة بذات الشاعر حين تتوهج بكتابة النص الشعرية ومدى تأثير المحيط الخارجي في تكوين الجمل الشعرية في كافة التأثيرات على ذاته في تلك اللحظة :

عباس باني المالكي
10-13-2012, 04:06 PM
1-العراق




1-قراءة نقدية لنص ( عناقيد يومية) للشاعر العراقي حسين الهاشمي




عناقيد يومية



الأسى

من دون ضجيج ..

يولد ُ من رحم ِ الأزقة

وتستطيل عيونُه بحثا عن الشمس

الذي يترك غنائمَهُ

عرباتٍ تجرّها الأمهات

عربات ٍ

لا تعترضها سدودُ الظلام

ولا أبوابُ الخريف ..

بيتهُ مترفٌ بالحنين

بالثقوب

ومرآتهُ مغموسة ٌ

بوجهِ حارس ٍ سومري ّ نحيل ..

يعرفُ

أن المكانَ قبضة ٌ ضائعة

وهو حارس الفراديس ,

يعرفُ


أن الزمان َ سؤال ٌ

لا يكفّ عن الصفير ..........
الأسى

من دون ضجيج

من يوقفه ُ في الحروب

في الحقول

في المقاهي

في الحب ِ والأحلام ؟

لمن يسيل

لمن يهدي الحكايات ؟

لاثيمة للأماكن ِ

وأبطاله ُ ينقّبون عن مقاعد َ

في مخازن الريح ..

هل يرددّ للمتبقي من التبغ

ويريق ُ الذاكرة َ

في أواني الدخان

وحين تنجو بعض الأحداث

هل يقطع آصرة َ اللغة ِ

ليسمّي الصراع َ بالثرثرة

والفائض َ من روايته ِ

شظايا باردة ؟ ......................


الأسى

من دون ضجيج

ينثر الدعوات لغيومِ ٍ قادمة

ومنذ أربعين صرخة ً

يقدّم الشموع َ

لحفل ِ المجاهيل ..

ولذا

تحت مظلّة ِ عينيه

كل مساء أعدّ

طبقين من المطر ..

نحن الأرواح المتدلية

نحن العناقيد

تعصرنا قبضة ُ أمنيات ٍ

ونشرب ُالفاقة ..

لا شيء غيرنا

وحدنا نمضي على الرفوف

كحرّاس منسيين

وحدنا نتدلّى

من دون ضجيج

فوق عربات الأسئلة



·النص الفائز في مسابقة المبدع _ عيسى حسن الياسري العالمية / 2008/|/ " مركز النور الثقافي / السويد
م
حين يصبح الواقع خارج تحقيق أحلامنا وأمانينا يصبح كزمن التيه في ذاكرتنا التي تزدحم بواقع مغاير لكل ما ننشده في الحياة بأن يتحقق ، فلو تدرجنا مابين المعنى التأويلي لهذا نص ندرك أن العناقيد هي حالة متدلية أي الحالة الغير المستقرة في الحياة فندرك أن الروح وسر قلقها المستمر اتجاه ظروف لا تتلاءم مع الذات وطموحاتها الحياتية لهذا يحدث الانقطاع مع الواقع الذي حولها فتعيش هذه الذات كل حالات العزلة ، والنص هو تدرج الذات المثقفة التي تحمل الوعي كلعنة الألم ونزيفها المستمر ، حيث يصبح الوعي هو الرمح ذات اتجاهين : اتجاه الظروف المحيطة وفي نفس الوقت اتجاه الذات الواعية بقدرها أي أن الألم باتجاهي الرمح دائما ، وما العنقود ما هو إلا الحلم الذي يراه في ذاته ولكنه لا يستطيع أن يصل إليه بسبب الظروف التي حوله لهذا تبقى عالقة في ذاته وأزمتها في المكان والزمن الذي يمضي ، لذا جعل الشاعر هذه العناقيد يومية ، كي يشير أن لا تغير يحدث في الأماني والآمال التي يعيشها في جميع أيامه التي تمر ،وتشابه هذه الأيام كتشابه العناقيد المتدلية وهو يراها ولكن لا يستطيع أن يمسكها أو يصل إليها ...
الأسى

من دون ضجيج ..

يولد ُ من رحم ِ الأزقة

وتستطيل عيونُه بحثا عن الشمس

الذي يترك غنائمَهُ

عرباتٍ تجرّها الأمهات

عربات ٍ

لا تعترضها سدودُ الظلام

ولا أبوابُ الخريف ..

بيتهُ مترفٌ بالحنين

بالثقوب

ومرآتهُ مغموسة ٌ
بوجهِ حارس ٍ سومري ّ نحيل ..
نشعر أن الشاعر ينقل رتابة حياته اليومية بعد أن تكررت رتابة اليأس بالوصول إلى ما ينشده في الحياة من أحلام وآمال ظلت معلقة يراها ،ولكن ليس هناك طريق يوصله إليها حتى تحول هذا الهم إلى أسى يومي يعيشه ويجتر ألامه ، فالشاعر بعد أن يأس من الوصول بدأ يبحث عن حالة الدهشة حوله مراقبا الحياة حوله ليخرج أو يبعد روحة من الانكسار ومن أجل أن يحافظ عليها ضمن الحياة بدل إدمان العزلة ، فالأسى هنا يولد دون ضجيج ، أي أن فعل الحياة وضجيجها تحول إلى صمت , فالضجيج لا يولد إلا في حركة هذه الحياة ، بينما الأزقة التي حوله تعيش دوامة الحياة اليومية ، لهذا سعى إلى نقل الحياة حوله ليعيد تصالحه مع هذه الحياة من خلال بيت مترف بالحنين ، فهو هنا ينقل المكان حوله لعيد اكتشاف نفسه وسط ذلك ، أن الشاعر تحول من فاعل إلى الأحلام والآمال إلى مراقب حوله ، فالعربات تجرها الأمهات ، لكن هنا العربات غير العربات الموجودة في واقعه بل عربات لا تعترضها سدود الظلام ولا أبواب الخريف ، أي بالرغم أنه يشعر بالحنين حوله يبقى يمتلك الحنين إلى تغير المكان حوله فالعربة هي علامة السر نحو التغير ، والأمهات ما هي إلا علامة الحنين ، ولعجزه بالوصل إلى الغد يتراجع إلى الماضي ، فبيته بقدر ما مترف بالحنين بقدر ما هو مثقوب أي أنه عاجز عن أن يحقق إليه ما يصبو إليه، بالرغم أنه مشدود إلى هذا الواقع لكنه لا يحقق ما يطمح إليه هذا جعله يبني آمال خارجة ، وكأن كل ما موجود حوله لم يتغير منذ عهد سومر ، لهذا فهو لا يستطيع أن يغيره ، فالشاعر أستطاع أن يحافظ على ذاته من انكسارها وعجزها ورمى عجزة بالتغير إلى كل شيء حوله والتاريخ أيضا أو أن الحياة حوله لا ترغب بالتغير وهذا سر اغتراب المثقف الذي يعيش في واقع لا يلبي طموحاته في الحياة ، وسر أبداع الشاعر هنا ربطة اللحظة الآنية التي يعيشها مع التاريخ ، فهذا التاريخ هو العاجز عن التغير وليس هو ...

يعرفُ
أن المكانَ قبضة ٌ ضائعة
وهو حارس الفراديس ,
يعرفُ
أن الزمان َ سؤال ٌ
لا يكفّ عن الصفير ..........
الأسى
من دون ضجيج
من يوقفه ُ في الحروب
في الحقول
في المقاهي
في الحب ِ والأحلام ؟
لمن يسيل
لمن يهدي الحكايات ؟
وأبطاله ُ ينقّبون عن مقاعد َ
في مخازن الريح ..

ويستمر الشاعر ما أراد أن يوصله إلى المتلقي لبين أنه يريد التغير من الواقع الذي حوله بسبب ما موجود في هذا الواقع من شروط هي بعيدة عن طموحه وأحلامه ، فهذا المكان هو قبضة ضائعة ، والزمن حوله ما هو إلا صفير يمر على المكان وهو جالس يراقب ، فيولد في داخلة الأسى نتيجة هذا الصفير للزمن الذي يمر دون أن يصل إلى أحلامه ، الضجيج ينشأ نتيجة الحروب وليس الضجيج الذي يولد نتيجة حركة الحياة وتغيرها ، فهو يمتلك الكثير ليحكيه ولكن كل أبطال حكاياته يتحولون إلى وهم وأبطال ينقبون عن مقاعد في مخازن الريح أي أن كل أحلامه وأفكاره التي ينتمي إليها لا تولد إلا أبطالا لا ينقبوا إلا في الريح ،أي أن أبطالة ميتون حتى في لحظة ولادتهم لأنهم لا يستطيعون أن يغيروا الواقع الذي حوله، فالشاعر هنا يصور الأسى الناتج جراء ذلك ،ولاسيما أن حكايات الحروب هي أصبحت السائدة في حديث المقاهي والحقول ،إذا أن كل محولاته أن يعيد تنظيم الواقع حوله ليجعله قريب إلى روحة وفكره هي مجرد مخازن في الريح..


هل يرددّ للمتبقي من التبغ

ويريق ُ الذاكرة َ

في أواني الدخان

وحين تنجو بعض الأحداث

هل يقطع آصرة َ اللغة ِ

ليسمّي الصراع َ بالثرثرة

والفائض َ من روايته ِ

شظايا باردة ؟ ......................

يتبع

عباس باني المالكي
10-13-2012, 04:06 PM
وهذا التدرج بمناقشة الواقع الذي حوله أوصله إلى حالة من الغربة والمنفى داخل هذا الواقع المعاش ، فهو في حالة حيرة لا أحلامه يستطيع أن يحققها ولا الواقع يغير، وسر أبداع هذا الشاعر فبرغم جسامة وكبير أحلامه في واقع لا يقترب منه ،ولكننا ندرك صفاء وهدوء نفسه حيث نشعر أن قصائده تتمتع بالانسياب ويستخدم لغة المحاكاة الهادئة الغير مباشرة ،فهي تحمل التأويل الدلالي من خلال استعارة الواقع وفق نسق أحلامه البسيطة بتغير واقعه ، وهذا المخاض يجعله يضج بالضجيج أصوات آماله التي تسعى إلى تغير واقع لا يتألف معه فلا يحدث شيء سوى بريق ذاكرة في أواني الدخان كالبقايا التبغ في هذه الأواني لا تخرج سوى الدخان ، وهذه استعارة رائعة جدا تحمل من التأويل الدلالي الذي يسقط على الدالة رمزا مكثفا بعمق أماله المتطايرة كالدخان من أواني ذاكرته ، أي كل أحلامه صارت مجرد دخان لا فعل لها ، لجسامة واقعه وتشابكه مع آماله ، فهل تنجو هذه الآمال من الأحدث ويحافظ عليها أم يقطع آصرة اللغة المعبرة عن معناهها لتتحول إلى صراع بالثرثرة ، فائضة من حياته وتصير كالشظايا الباردة تؤدي أو توصله إلى موت من أجلها ...

الأسى
من دون ضجيج
ينثر الدعوات لغيومِ ٍ قادمة
ومنذ أربعين صرخة ً
يقدّم الشموع َ
لحفل ِ المجاهيل ..
ولذا
تحت مظلّة ِ عينيه
كل مساء أعدّ
طبقين من المطر ..
نحن الأرواح المتدلية
نحن العناقيد
تعصرنا قبضة ُ أمنيات ٍ
ونشرب ُالفاقة ..
لا شيء غيرنا
وحدنا نمضي على الرفوف
كحرّاس منسيين
وحدنا نتدلّى
من دون ضجيج
فوق عربات الأسئلة


يستمر الشاعر بالتأكيد على استمرار الأسى في حياته دون ضجيج، فهو يؤمن بأن آماله هي من العلو كالغيم وهي مرافقة له منذ بداية عمره االى أن أصبح في لأربعين ، حيث يبقى يوقد الشموع بتحقيق هذه الآمال في كل سنة من ميلاده ولكنها لا تتحقق ، والشاعر هنا أستخدم الشموع لبين أن عمرة يتحرق ويمضي ولكنه بعيد عن أن يحقق ما يطمح إليه أ وتتحول هذه الآمال إلى مجاهيل، فهو في كل مساء يعد طبقين من المطر ، فالشاعر هنا أستخدم استعارة (طبقين من المطر) ليدلل على أن حياته ما هي إلا استعارة لعناقيد تعصرها قبضة الأماني في فاقة الواقع الذي يعيش ، حتى يتحول إلى مجرد (حراس منسيين )، والشاعر أنتقل من الذات إلى الجموع ليعطي الرمز الأستعاري للهم الجمعي ،فهو بدأ يتكلم باسم الجموع ، ليوحي إلى المتلقي ليس هو فقط يسعى إلى التغير بل كذلك الناس الذين حوله ، لكنهم يتحولون إلى حراس منسيين متدلين دون ضجيج فوق عربات الأسئلة ، ، وقد تكون هذه الأسئلة بداية لنهوض هولاء الناس الذي حوله وسعيهم إلى التغير ، وبهذا الشاعر برغم من يأسه من الوصول إلى أمنياته بقى الباب مفتوح إلى هذه الآمال بمشاركته مع الآخرين بالسعي نحو التغير، أي أنه خرج من ذاته إلى الجموع لعله يحدث التغير بعد أن عجز هو بمفردة على تحقيق التغير، فأوجد أبطاله في الآخرين بدل أن يبقوا داخل ذاته يتحولون إلى أوهام ، وهذه نقلة ذكية بتحقيق معنوي بالتأويل الدلالي ليبقى نسق الدالة هي المعنى إلى كل معاناته ، لهذا سوف تبقى الأماني عناقيد متدله إذا لم نسع من أجل تحقيقها ، و قد يكون السؤال هو البداية نحو التغير .....