عباس باني المالكي
10-13-2012, 04:03 PM
قراءات في مسارات الرؤيا
الموسوعة العربية النقدية الرقمية
المقدمة
طريقة الجديدة في قراءة النص الشعري
أن الحديث عن طرق قراءة النص الشعري وما يتعبه من انفعال سيكولوجي تجعل كاتب النص يسعي إلى التعبير عن هذا الانفعال والمرتبط بمكنونات الشاعر ومن المحيط الذي حوله والرموز النفسية التي تكمن في اللاوعي فيه وهذا ما يجعل من لحظة كتابة النص الشعري عبارة عن لغة الذات في لحظة مخاضها وتجليها وتشمل هذه اللغة كل ما يخزن الشاعر من المعرفة والرموز الكامنة فيه حيث تصبح هذه اللغة مرتبطة بتحليل الوعي الذاتي وسط المتناقضات التي تولد في رحم النص ، وبالطبع هنا توسع وتكبر هذه اللغة حسب منهجية المعرفة التي تساهم في أعادة هيكلة الوعي الذاتي للشاعر أو الكاتب ،أي تتماثل الأنا في كل الموجودات تعبيرا عن المعاني المتخفية والمكبوتة داخل الذات وبهذا تخرج الدلالات مقاربة إلى معاني هذه الموجودات ، وهنا طبعا يأتي تأثير الظرف الخارجي والذي يكون جزء مساهم في تكوين النص من خلال ما يحدث من تأثير متبادل بين الذات الواعية والظرف الخارجي ،فيخرج هذا التأثير على شكل رموز التي تمكن الشاعر التعبير عنها أو كشافها ، فتصبح الذات هي الموضوع بكل كومنها اللاواعية والتي هي عبارة عن التفكير المسبق بتواتر الوعي الوجداني ، فتصبح لحظة الكتابة هي لحظة الانفكاك من كل ارتباطات الوعي الخارجي ، لتبقى مساحة الذات هي المهيكلة للنص وفق سياق المتناقضات في الإدراك السيكولوجي ،حيث عند حدوث التوتر الوجداني المصاحب إلى التوتر الفكري الذي يؤدي بدورة إلى البحث والتقصي عن وحدات الوعي وعمق تأثرها بالظرف الخارجي وهنا تتفرع كل هواجس الحياة ونماذجها الموحية ، والتي تتفجر في لحظة الكتابة ، لأن التعبير عنها تحدد الكلمات التي تقارب هذه الرموز النفسية ، كلما كان الشاعر يمتلك معرفة واسعة يكبر نسق هذه الكلمات الموحية بالرموز البسيطة أو العميقة وطبعا هذا يعتمد على عمق ذاته وقدرتها على الاقتراب من اللاوعي فيه ورموزه التي تجاري التوتر العقلي في كشف المكنون وفق طاقة التعبير عنه أو الاقتراب منه حيث أن النص الحقيقي ينمو ويأخذ المساحة المدركة في مراحل التلقي إلى كل محسوسات الشاعر والتي هي المحددة إلى مرحلة أخرى من توالد النص وهي مرحلة التأويل أو الاستعارة لمقاربة إحداث الانزياح الصوري في تشكيل النص الشعري ، أي أن الشعر هو اللغة الذاتية المعبرة عن الهواجس الكامنة فينا وكلما أدركنا هذه الهواجس كلما كان النص أكثر اقترابا من وعنا المقارب إلى كوامن اللاوعي وهنا تصبح اللغة رموز وبناء لكل هذه المدارك في لحظة كتابة الموضوع الشعري للنص ، وهذا يختلف من شاعر إلى أخر بمقاربة الكامن مع الظرف الخارجي وطبعا هذا يؤدي إلى اختلاف في مستوياته النصية والذي بموجبه تتباين المعاني والدلالات الموحية لهذه النصوص بين الشعراء اعتمادا على أن الشعر هو منظومة نصية داخل نماذج متغيرة من المنظومات الثقافية ، كما أن النص لا يمكن اعتباره ذو معنى واحد بل النص هو عدة معاني متراكبة ومتداخلة في نسيج نفسي وفكري يعبر عن هذه الدلالات المتعددة وتبقي قدرة الشاعر على ربط هذه المعاني بخيط الحياة الذي يربط بين كل هذه المعاني دون فقد المعنى المركزي أو الجوهري الذي نشأت بسببه أزمة المعاناة الشعرية ، حيث أن هذه المعاني ما هي إلا مستويات هذه الأزمة الشعرية وتطورها داخل نفس الشاعر وحضور كل تاريخه المعرفي الذي يخرج الرموز المقاربة لكل الظروف الخارجية والداخلية ، والنص الحديث هو التجاوز المستمر لكل ما هو مألوف أو سائد بعيدا عن أفق الأيديولوجيات أو الخطاب الاجتماعي المألوف ويخضع إلى بلاغة العصر المتجدد متجاوزا مقولة الأجناس الأدبية واعتبار مفهوم النص مقولة أدبية أساسية تبحث عن المعنى الكامن في الحياة والذات ، ومبتعدا عن التكرار والاستنساخ، ومن أجل هذا سوف أتناول كثير من مقاطع النصوص الشعرية لمختلف الشعراء العرب ، لكي أبين ما حددته في القراءة الجدية للنص في لحظة كتابته مع الذات المعبرة عن هذا النص ، أي أني لا أسعى إلى تفكيك النص خارج الذات المنتجة له بل أسعى نحو معرفة ولادة النص الشعري في زمن الكتابة والظروف التي تكون أجزاء من منطق النص ومساهمتها في أعادة هيكلة الوعي الذاتي الشعري و تكوينه .
قبل تقديم القراءات للنصوص الشعراء أود أن أطرح هذه المقدمة على أهمية الشعر في الحياة والتي على ضوئها كونت نظرتي الجديدة في قراءة النصوص الشعرية
في البدء الكلام عن قصيدة النثر أود أن أطرح أفكاري التي أراها في قصيدة النثر ومن ثم أعرج إلى مناقشة النصوص المطروحة كي تكمل الصورة التي أود أن أشير لها من خلال هذه الموسوعة النقدية.
أن أهم ميزة ينبغي توفرها في قصيدة النثر هي الصورة والصورة يجب أن تختزن قابلة عالية على الحدس والإيحاء وإن تثير في عقل القارئ كل تداع وارتباط يؤديان إلى الأفكار التي تكمن وراء الألفاظ... فليكن الصورة مركزة إلى حد التكثيف ولتكن آتية من صقاع الحلم وأعماق اللاوعي ولتكن مفردة ومركبة شرط أن تبتعد عن الجمود والتنافر وإن تتخطى رغبة التوليد والتأليف وان لا تقع في الغموض الذي يجعلها غير قادرة على البوح بالعوالم التي تحتفي وراءها أو تقع في هذيان المحموم.
وهنا تحضر مهمة الشاعر الحقيقي الذي قال عنها سركون بولص (الشاعر الحقيقي هو الذي يؤمن بالشعر ولم يأت إليه عابثا... وينبغي أن يكرس نفسه وحياته للشعر ويجب أن يعد حياته للشعر ويجب أن يعد نفسه ذا مهمة كبيرة في التاريخ وإن يقدس الكتابة ويخلص لها من كل قلبه) وهذا ما يجعلنا أمام مسؤولية الشاعر الحقيقي وليس كما نرى الآن ما ينشر في المجلات والصحف و الكثير من المواقع الإنترنت الأدبية والتي يختلط فيها الشعر مع الهموم الذاتية التي لا ترتقي إلى أي مستوى من الشعر بل تسلل هولاء إلى ضفاف قصيدة النثر محاولين تمرير خوائهم المعرفي و هولاء حين يرون قصائدهم على هذه المواقع يدعون أنهم أصبحوا شعراء لسهولة قصيدة النثر من حيث عدم وجود الوزن والقافية التي كانت تثقل عليهم عملية الانتماء إلى الشعر والشعراء من أجل أن نستمر بمناقشة الفرق بين مهمة الشاعر الحقيقي والشاعر الطارئ على الشعر، الشاعر الطارئ هو الذي يلتقط الصورة بما هو شائع ومألوف وهو شاعر فقير الخيال والموهبة، بينما الشعر الحقيقي هو الشاعر الذي يجتاح من العوالم البعد ويرتاد الأفاق المدهشة ويبني علاقات أوسع في التشكيل وهو الشاعر الموهوب الأكثر قدرة على الخلود لأنه يلبي شروط الصورة التي تعمق الرؤية والإحساس وتكشف الصورة التي تعد معادلا للخيال الخلاق وأسلوبا حيا يجسد رؤية القصيدة وحركتها في كل جونب الحياة.
ولهذا أرجو من كثير الذين يتصورون أنهم شعراء أن لا يعتبرون أنفسهم شعراء بقدر ما يطرحون من هموم ذاتية لا تحمل عمق القصيدة الحديثة حيث عندما تقرأ قصائدهم لا تعرف أين يكمن الشعر في طرحهم بل مجرد أحاسيس مفرطة بالطرح وخالية من العمق والرمز وخالية من الصورة التي يجب أن تتوفر في القصيدة الحديثة والشاعر الحديث يلتقط كل ما هو قصي وشاذ أحيانا ويغترف من صقاع اللاوعي البعيدة أحيانا أخرى، أي أن الشاعر ليس صدى مكرر يسجل كل ما هو مألوف كالفوتوغرافي يسجل كل صوت حوله بل أن شعره يجب أن يكون اقتحاما لكل ما هو محسوس وملموس في حياة الإنسان موطنا وذاتا بجميع مشاعرها وآمالها وعذاباتها.
فلا أعلم لماذا هذا الجدل المستمر على شرعية قصيدة النثر وعدم شرعيتها، وبدل هذا الجدل لماذا لا نسأل أو نحدد ملامح وآفاق هذا المنجز وكيفية الوصول به إلى الآفاق التي تجعله الابن الشرعي إلى الشعر فلكل زمان أدوات التعبير عنه شرط أن لا يفقد الهوية الحقيقية للشعر التي تحدد القيمة العليا للغوص في حقيقة الأشياء والبحث عن العلاقة الجدلية لهذه الأشياء كي نكتشف الجمال وإعطاء هذا الجمال البعد النفسي الذي يخرج الإنسان من كل أزماته لكي لا تسيطر علية القوة لا تعرف معنى الجمال الحقيقي لاستمرار الحياة بكافة أبعادها خارج هذه الأزمات التي تبعد الإنسان عن أهدافه وكما قال كولردج (أن الهدف الحقيقي للشعر هو الإمتاع بما يقدمه من الجمال) أو كما قال خوري لويس بورخيس (الشعر هو التعبير عن الجمال بكلمات محبوكة بصورة فنية) بذلك أرتبط الشعر بإخراج الحياة من أزمتها ولكن بشكل جميل وبدون أطناب في هذه الإخراجية أي أن الشعر يبحث ما معنى الحياة وليس كما هي لأن في هذه الحالة يتحول إلى تقرير نثري ( صحفي) خارج البنية الشعرية ، وهذه الحالة تحفزنا إلى بناء مستقبل خارج أستيلاب القوة المسيطرة على مقدرات الإنسانية ولكن ليس تسجيل لهذا التاريخ كما يراه المؤرخ وإنما بناء هذا المستقبل كما نحلم في تحقيق الجمال والعدالة في وجودنا الإنساني وكما قال أناتول فرانس( يعبر المؤرخ عن كل ما كان ويعبر الشاعر عما سيكون) وبذلك يجب علينا أن نبني شعرا يمنح الإنسان الرضا والإحساس بالجمال الحقيقي وكما قال ألبررتي (نحن الشعراء ينبغي أن نبشر العالم بما هو جميل ، أن نكتب شعرا حادا كالسيف أحيانا وأحيانا رائعا كالزهرة، بما أنه قد حتم علينا أن نعيش بين السيف والزهرة).
وقبل البدء في الدخول إلى نقد النصوص ،نقول كما (تساءل الشاعر الإنكليزي ولتر جيمنز أي جدوى من أن يكون المرء شاعرا؟ ورد على تساؤله بتساؤل أيضا هو :أي جدوى من أن يكون المرء حيا، أن الشعر ماء الحياة وهل يمكن تصور وجود الحياة دون ماء) ولكي يبقى هذا الماء صافي ذات طعم رائع ويصبح الشاعر يعلم الناس كيف تحلم ........ سأتناول الكثير من نصوص الشعراء العرب لكافة بلدان الوطن العربي ، وبهذا كانت نظرتي ملتصقة بذات الشاعر حين تتوهج بكتابة النص الشعرية ومدى تأثير المحيط الخارجي في تكوين الجمل الشعرية في كافة التأثيرات على ذاته في تلك اللحظة :
الموسوعة العربية النقدية الرقمية
المقدمة
طريقة الجديدة في قراءة النص الشعري
أن الحديث عن طرق قراءة النص الشعري وما يتعبه من انفعال سيكولوجي تجعل كاتب النص يسعي إلى التعبير عن هذا الانفعال والمرتبط بمكنونات الشاعر ومن المحيط الذي حوله والرموز النفسية التي تكمن في اللاوعي فيه وهذا ما يجعل من لحظة كتابة النص الشعري عبارة عن لغة الذات في لحظة مخاضها وتجليها وتشمل هذه اللغة كل ما يخزن الشاعر من المعرفة والرموز الكامنة فيه حيث تصبح هذه اللغة مرتبطة بتحليل الوعي الذاتي وسط المتناقضات التي تولد في رحم النص ، وبالطبع هنا توسع وتكبر هذه اللغة حسب منهجية المعرفة التي تساهم في أعادة هيكلة الوعي الذاتي للشاعر أو الكاتب ،أي تتماثل الأنا في كل الموجودات تعبيرا عن المعاني المتخفية والمكبوتة داخل الذات وبهذا تخرج الدلالات مقاربة إلى معاني هذه الموجودات ، وهنا طبعا يأتي تأثير الظرف الخارجي والذي يكون جزء مساهم في تكوين النص من خلال ما يحدث من تأثير متبادل بين الذات الواعية والظرف الخارجي ،فيخرج هذا التأثير على شكل رموز التي تمكن الشاعر التعبير عنها أو كشافها ، فتصبح الذات هي الموضوع بكل كومنها اللاواعية والتي هي عبارة عن التفكير المسبق بتواتر الوعي الوجداني ، فتصبح لحظة الكتابة هي لحظة الانفكاك من كل ارتباطات الوعي الخارجي ، لتبقى مساحة الذات هي المهيكلة للنص وفق سياق المتناقضات في الإدراك السيكولوجي ،حيث عند حدوث التوتر الوجداني المصاحب إلى التوتر الفكري الذي يؤدي بدورة إلى البحث والتقصي عن وحدات الوعي وعمق تأثرها بالظرف الخارجي وهنا تتفرع كل هواجس الحياة ونماذجها الموحية ، والتي تتفجر في لحظة الكتابة ، لأن التعبير عنها تحدد الكلمات التي تقارب هذه الرموز النفسية ، كلما كان الشاعر يمتلك معرفة واسعة يكبر نسق هذه الكلمات الموحية بالرموز البسيطة أو العميقة وطبعا هذا يعتمد على عمق ذاته وقدرتها على الاقتراب من اللاوعي فيه ورموزه التي تجاري التوتر العقلي في كشف المكنون وفق طاقة التعبير عنه أو الاقتراب منه حيث أن النص الحقيقي ينمو ويأخذ المساحة المدركة في مراحل التلقي إلى كل محسوسات الشاعر والتي هي المحددة إلى مرحلة أخرى من توالد النص وهي مرحلة التأويل أو الاستعارة لمقاربة إحداث الانزياح الصوري في تشكيل النص الشعري ، أي أن الشعر هو اللغة الذاتية المعبرة عن الهواجس الكامنة فينا وكلما أدركنا هذه الهواجس كلما كان النص أكثر اقترابا من وعنا المقارب إلى كوامن اللاوعي وهنا تصبح اللغة رموز وبناء لكل هذه المدارك في لحظة كتابة الموضوع الشعري للنص ، وهذا يختلف من شاعر إلى أخر بمقاربة الكامن مع الظرف الخارجي وطبعا هذا يؤدي إلى اختلاف في مستوياته النصية والذي بموجبه تتباين المعاني والدلالات الموحية لهذه النصوص بين الشعراء اعتمادا على أن الشعر هو منظومة نصية داخل نماذج متغيرة من المنظومات الثقافية ، كما أن النص لا يمكن اعتباره ذو معنى واحد بل النص هو عدة معاني متراكبة ومتداخلة في نسيج نفسي وفكري يعبر عن هذه الدلالات المتعددة وتبقي قدرة الشاعر على ربط هذه المعاني بخيط الحياة الذي يربط بين كل هذه المعاني دون فقد المعنى المركزي أو الجوهري الذي نشأت بسببه أزمة المعاناة الشعرية ، حيث أن هذه المعاني ما هي إلا مستويات هذه الأزمة الشعرية وتطورها داخل نفس الشاعر وحضور كل تاريخه المعرفي الذي يخرج الرموز المقاربة لكل الظروف الخارجية والداخلية ، والنص الحديث هو التجاوز المستمر لكل ما هو مألوف أو سائد بعيدا عن أفق الأيديولوجيات أو الخطاب الاجتماعي المألوف ويخضع إلى بلاغة العصر المتجدد متجاوزا مقولة الأجناس الأدبية واعتبار مفهوم النص مقولة أدبية أساسية تبحث عن المعنى الكامن في الحياة والذات ، ومبتعدا عن التكرار والاستنساخ، ومن أجل هذا سوف أتناول كثير من مقاطع النصوص الشعرية لمختلف الشعراء العرب ، لكي أبين ما حددته في القراءة الجدية للنص في لحظة كتابته مع الذات المعبرة عن هذا النص ، أي أني لا أسعى إلى تفكيك النص خارج الذات المنتجة له بل أسعى نحو معرفة ولادة النص الشعري في زمن الكتابة والظروف التي تكون أجزاء من منطق النص ومساهمتها في أعادة هيكلة الوعي الذاتي الشعري و تكوينه .
قبل تقديم القراءات للنصوص الشعراء أود أن أطرح هذه المقدمة على أهمية الشعر في الحياة والتي على ضوئها كونت نظرتي الجديدة في قراءة النصوص الشعرية
في البدء الكلام عن قصيدة النثر أود أن أطرح أفكاري التي أراها في قصيدة النثر ومن ثم أعرج إلى مناقشة النصوص المطروحة كي تكمل الصورة التي أود أن أشير لها من خلال هذه الموسوعة النقدية.
أن أهم ميزة ينبغي توفرها في قصيدة النثر هي الصورة والصورة يجب أن تختزن قابلة عالية على الحدس والإيحاء وإن تثير في عقل القارئ كل تداع وارتباط يؤديان إلى الأفكار التي تكمن وراء الألفاظ... فليكن الصورة مركزة إلى حد التكثيف ولتكن آتية من صقاع الحلم وأعماق اللاوعي ولتكن مفردة ومركبة شرط أن تبتعد عن الجمود والتنافر وإن تتخطى رغبة التوليد والتأليف وان لا تقع في الغموض الذي يجعلها غير قادرة على البوح بالعوالم التي تحتفي وراءها أو تقع في هذيان المحموم.
وهنا تحضر مهمة الشاعر الحقيقي الذي قال عنها سركون بولص (الشاعر الحقيقي هو الذي يؤمن بالشعر ولم يأت إليه عابثا... وينبغي أن يكرس نفسه وحياته للشعر ويجب أن يعد حياته للشعر ويجب أن يعد نفسه ذا مهمة كبيرة في التاريخ وإن يقدس الكتابة ويخلص لها من كل قلبه) وهذا ما يجعلنا أمام مسؤولية الشاعر الحقيقي وليس كما نرى الآن ما ينشر في المجلات والصحف و الكثير من المواقع الإنترنت الأدبية والتي يختلط فيها الشعر مع الهموم الذاتية التي لا ترتقي إلى أي مستوى من الشعر بل تسلل هولاء إلى ضفاف قصيدة النثر محاولين تمرير خوائهم المعرفي و هولاء حين يرون قصائدهم على هذه المواقع يدعون أنهم أصبحوا شعراء لسهولة قصيدة النثر من حيث عدم وجود الوزن والقافية التي كانت تثقل عليهم عملية الانتماء إلى الشعر والشعراء من أجل أن نستمر بمناقشة الفرق بين مهمة الشاعر الحقيقي والشاعر الطارئ على الشعر، الشاعر الطارئ هو الذي يلتقط الصورة بما هو شائع ومألوف وهو شاعر فقير الخيال والموهبة، بينما الشعر الحقيقي هو الشاعر الذي يجتاح من العوالم البعد ويرتاد الأفاق المدهشة ويبني علاقات أوسع في التشكيل وهو الشاعر الموهوب الأكثر قدرة على الخلود لأنه يلبي شروط الصورة التي تعمق الرؤية والإحساس وتكشف الصورة التي تعد معادلا للخيال الخلاق وأسلوبا حيا يجسد رؤية القصيدة وحركتها في كل جونب الحياة.
ولهذا أرجو من كثير الذين يتصورون أنهم شعراء أن لا يعتبرون أنفسهم شعراء بقدر ما يطرحون من هموم ذاتية لا تحمل عمق القصيدة الحديثة حيث عندما تقرأ قصائدهم لا تعرف أين يكمن الشعر في طرحهم بل مجرد أحاسيس مفرطة بالطرح وخالية من العمق والرمز وخالية من الصورة التي يجب أن تتوفر في القصيدة الحديثة والشاعر الحديث يلتقط كل ما هو قصي وشاذ أحيانا ويغترف من صقاع اللاوعي البعيدة أحيانا أخرى، أي أن الشاعر ليس صدى مكرر يسجل كل ما هو مألوف كالفوتوغرافي يسجل كل صوت حوله بل أن شعره يجب أن يكون اقتحاما لكل ما هو محسوس وملموس في حياة الإنسان موطنا وذاتا بجميع مشاعرها وآمالها وعذاباتها.
فلا أعلم لماذا هذا الجدل المستمر على شرعية قصيدة النثر وعدم شرعيتها، وبدل هذا الجدل لماذا لا نسأل أو نحدد ملامح وآفاق هذا المنجز وكيفية الوصول به إلى الآفاق التي تجعله الابن الشرعي إلى الشعر فلكل زمان أدوات التعبير عنه شرط أن لا يفقد الهوية الحقيقية للشعر التي تحدد القيمة العليا للغوص في حقيقة الأشياء والبحث عن العلاقة الجدلية لهذه الأشياء كي نكتشف الجمال وإعطاء هذا الجمال البعد النفسي الذي يخرج الإنسان من كل أزماته لكي لا تسيطر علية القوة لا تعرف معنى الجمال الحقيقي لاستمرار الحياة بكافة أبعادها خارج هذه الأزمات التي تبعد الإنسان عن أهدافه وكما قال كولردج (أن الهدف الحقيقي للشعر هو الإمتاع بما يقدمه من الجمال) أو كما قال خوري لويس بورخيس (الشعر هو التعبير عن الجمال بكلمات محبوكة بصورة فنية) بذلك أرتبط الشعر بإخراج الحياة من أزمتها ولكن بشكل جميل وبدون أطناب في هذه الإخراجية أي أن الشعر يبحث ما معنى الحياة وليس كما هي لأن في هذه الحالة يتحول إلى تقرير نثري ( صحفي) خارج البنية الشعرية ، وهذه الحالة تحفزنا إلى بناء مستقبل خارج أستيلاب القوة المسيطرة على مقدرات الإنسانية ولكن ليس تسجيل لهذا التاريخ كما يراه المؤرخ وإنما بناء هذا المستقبل كما نحلم في تحقيق الجمال والعدالة في وجودنا الإنساني وكما قال أناتول فرانس( يعبر المؤرخ عن كل ما كان ويعبر الشاعر عما سيكون) وبذلك يجب علينا أن نبني شعرا يمنح الإنسان الرضا والإحساس بالجمال الحقيقي وكما قال ألبررتي (نحن الشعراء ينبغي أن نبشر العالم بما هو جميل ، أن نكتب شعرا حادا كالسيف أحيانا وأحيانا رائعا كالزهرة، بما أنه قد حتم علينا أن نعيش بين السيف والزهرة).
وقبل البدء في الدخول إلى نقد النصوص ،نقول كما (تساءل الشاعر الإنكليزي ولتر جيمنز أي جدوى من أن يكون المرء شاعرا؟ ورد على تساؤله بتساؤل أيضا هو :أي جدوى من أن يكون المرء حيا، أن الشعر ماء الحياة وهل يمكن تصور وجود الحياة دون ماء) ولكي يبقى هذا الماء صافي ذات طعم رائع ويصبح الشاعر يعلم الناس كيف تحلم ........ سأتناول الكثير من نصوص الشعراء العرب لكافة بلدان الوطن العربي ، وبهذا كانت نظرتي ملتصقة بذات الشاعر حين تتوهج بكتابة النص الشعرية ومدى تأثير المحيط الخارجي في تكوين الجمل الشعرية في كافة التأثيرات على ذاته في تلك اللحظة :