وجدان عبدالعزيز
11-19-2012, 10:42 PM
الشاعرة عواطف عبد اللطيف
تعيش انشطارات الغربة وانشطارات الادب
وجدان عبدالعزيز
في صباح تشريني رائق من سنة 2012م ، كنت احلق في صفحات تفاعلت فيها الخلجات الانسانية ، وتصارعت في الساحة الثقافية ، لاجل الثبوت ، وجلاء حقيقة الحياة والجمال ، فتباينت بين الشعر العمودي والتفعيلة وقصيدة النثر والخاطرة ، وكأن الذي امامي يعكس صراعا ادبيا من اجل البقاء ، ولكن خلجات الانسان وتأملاته بالكون وبالوجود ، اثبت بما لايدع شكا ، بان الادب منفتحا متجددا يستوعب عوالم الفكر الانساني ويطرح استثمارات هذا الفكر في عوالم التجريب وتلاقح الفكر والتجارب الفردية منها ومنها التجارب الوطنية ، ومنها تجارب عالمية كانت اكثر انفتاحا .. لان هذا الانفتاح غايته استيعاب افاق الانسان المحلقة دوما في عوالم السمو والبحث عن مثالية مفقودة في هذه الحياة ، لذا كان سعي الادباء العرب دوما نحو التجديد والتلاقح مع الابداع ، ولكن لا ننكر بان مجموعة منهم ارادوا التمسك بالتراث كمرجع اساسي ، وكحالة طبيعية تزحزح الكثير منهم واتجه الى الحداثة والتجريب (عندما هجروا الموزون المقفى الى التفعيلة ثم تركوا التفعيلة ، ليكتبوا نثرا أسموه "قصيدة النثر" .. هذا الانشطار الادبي لم يأت اعتباطا ، بل جاء ضمن دائرة الصراع في الثقافة الواحدة ، ولكن هذه الثقافة لم تكن ، قد اغلقت الباب على ذاتها ، حتى لو تمكنت ... لأن اية ثقافة تخضع الى صراع الداخل والخارج)ص45 استرداد المعنى ، اذن الثقافة العربية قد تأثرت بالثقافة الغربية ومثلما اعطتها الكثير اخذت منها الكثير ، فحينما نتمعن في مقولة عبدالقاهر الجرجاني في كتابه "دلائل الاعجاز" ، حيث قال : (الكلام على ضربين : ضرب انت تصل منه الى الغرض بدلالة اللفظ وحده ، وضرب اخر انت لاتصل منه الى الغرض بدلالة اللفظ وحده ، ولكن يدلك اللفظ على معناه الذي يقتضيه موضوعه في اللغة ، ثم تجد لذلك المعنى دلالة ثانية تصل بها الى الغرض ) ، وكما اوضح الناقد عبدالعزيز ابراهيم بقوله : يريد الجرجاني ان يقول بان هناك نوعين من المعنى : الاول هو الذي نسميه الدال او المباشر والثاني سمّاه "معنى المعنى" او المعنى غير المباشر ، وهذا يعتبر فتحا في مجال النقد والتحليلات النقدية العربية ، من هذه المنطلقات نحاول الدخول الى عوالم الكاتبة العراقية عواطف عبد اللطيف والتي تنقلت هي الاخرى من الشعر العمودي الى التفعيلة ، ثم كتبت القصيدة النثرية وعاشت هذه التنقلات بخلجات تعددت مواضيعها ، ولكن الغالب عليها ، هي قضية الغربة والاغتراب .. حيث تقول :
(ربـاهُ ..قــد فــاض الأســى بعـراقـي
أوجــاعُ عـمــري لا تـريــدُ فـراقــي
جــرحُ البـعـادِ، وكــم أعـانـي نـزفـَهُ
مـــلأ الـفــؤادَ مــحــاولاً إزهــاقــي
تعبـتْ خطـايَ مـن المسـيـرِ ،وإنـنـي
مـا زلــت أرزحُ تـحـت نـيـرِ فــراقِ
قـلــبــي يـمــزّقُــهُ الأنـــيـــنُ، وزادُهُ
ألـــمُ الـغـيـابِ بـجـمـرةِ الأشــــواقِ
ولهيـبـُهـا يـُدمــي الـفــؤادَ كـأنـّمــا
شـــاء الـزمــانُ بلـحـظـةٍ إحـراقــي
قـد راعنـي وجـعُ الطريـقِ بغربـتـي
وخريـفُ عمـري لـجَّ فــي إغـراقـي
حـتـى النـجـومُ تهـدّلـتْ وتـرنّـحـتْ
راحــتْ تواسيـنـي عـلــى أوراقـــي
أحـلامُ عمـري أينعـتْ فـي خاطـري
بجـمـوحِـهـا وبـشـوقِـهـا الــدفّـــاقِ
بغـدادُ يــا نـبـضَ الـفـؤادِ وعشـقَهُ
آن الأوانُ لـتــبــحــري لـعــنــاقــي
نبـضُ الحـيـاةِ بموطـنـي وربـوعـِهِ
مـــا فـارقــتْ قـلـبـي ولا أحــداقــي
مـا أجمـلَ الشـوقَ الكبيـرَ بخافـقـي)
كما نعرف ان الكاتبة عواطف امرأة عراقية مغتربة ، فالأبيات الشعرية اعلاه بينت اساها وصراعها مع الغربة وألم الفراق .. وهذا الحال انعكس على انتاجها الشعري ، وتحولاتها في مساحاتها الشعرية كما اسلفنا من الشعر العمودي الى التفعيلة الى قصيدة النثر ، وحتى جربت تعبيرها عن مجمل امور الحياة بالخاطرة والمقالة وكانت الشبكة الالكترونية هي نافذتها التي تتواصل من خلالها مع ابناء وطنها العراق وابناء وطنها الكبير الوطن العربي والعالم ، وكانت في قلب الحدث والتحولات العالمية والعربية ، وهي من الاديبات اللواتي حاولنّ توجيه مهمة الادب للتعبير عن معاناتهن واعادة اعتبار لقيمة الانسان ، باعتبار الاديب او الكاتب صاحب مشاعر واحاسيس تتفاعل مع المشكلات المحيطة به من جهة ومن الجهة الثانية محاولاته لايجاد الحلول والخروج من هذه المشكلات بالتفاعل مع الاخر والحوار معه ، من هذا بقيت الكاتبة تبث نجواها ومعاناتها للحرف وللكلمة ، لتكون الوسيلة التي توصل بها افكارها ورؤاها من خلال الشعر .. كما في قولها :
(لأصـوغ مافـي القلـب مـن كلماتـي
عــقــداً ثـمـيـنـاً غـالــيــاً بـرقــيــه
أهـديـكـم عـذبــا كـنـهــر فــراتــي
إنــي لأشـكـر كــل حــرف عـابــق
بـالــود ..بـالإيـمـان ..بالـصـلـواتِ
أنـتــم لقـلـبـي مـنـبـع وعـواطــف
وقصـيـدة خـضـراء مــلء حيـاتـي)
(أي بعبارة اخرى ان الادب شخصية مسؤولة وواعية ويجب ان تبقى تلك المسؤولية واضحة وذلك الوعي ظاهرا في كل ما تقدمه لنا العملية الادبية من تجارب ، مهما اختلفت اشكالها وتباينت اهدافها وتفاوتت بيئاتها ، يجب ان تفوح منها "رائحة الانسان" عبقة تخلق من دمنا وخيالنا وفكرنا احساسا وجدانيا متوهجا منطلقا من واقع تلك الحقيقة التي نسميها "بالحياة الانسانية" وقد صدق سقراط عندما قال : "ان الحياة التي لاتخضع لاختبار لاتستحق ان يحياها الانسان) ص23 ، وهكذا تكون كتابات عواطف تتجه ، لان تكون شخصية لها ابعاد انسانية ، فرغم غربة الروح والجسد تعيش الامال والامنيات ، وتفترض السعادات في اجترار الذكريات وتبني على الامال المداعبة لنفسها ، بقولها :
(لن ألوم القلب لو يشكو الهموم
فتعال...
يا حبيبي
لأزيح الهم عن قلبي وعنك
فأنا ما زلت قربك
إن روحي بقيت تحرس قلبك
هل تعبت اليوم مثلي
عندما طال الغياب؟؟
يا حبيبي
كلما جئت إليك
رفرفت روحي عليك
فأنا يا نور عيني
رغم همي
واحتضارات سنيني
حطمت روحي عذابي وأنيني
وغدا قلبي يعيش الأمنيات)
فـ(رغم همي / واحتضارات سنيني / حطمت روحي عذابي وأنيني /وغدا قلبي يعيش الامنيات) .. اذن رهانها قوة الروح التي حطمت العذاب وجعلت القلب يعيش اشراقات الامنيات ذات الالوان الفاتحة والتي تحمل نية الاستقرار والاطمئنان قرب الحبيب وقرب الوطن لذا فـ(ان الغياب موازنة نفسية تعمق اداء فعل الذات ، فحين تصبح قوانين الخارج الضاغطة اشكالية كبرى تتهجم على خاصيات الفرد البحتة ، فان هذا يترتب عليه استبدال موقفي مواجهة لخطورة الهيمنة المتزايدة للمد الخارجي)ص7 فنتازيا الغياب ، وهكذا تعيش حالة صراع مع الضغوطات النفسية التي تركت بصماتها على ذاتها كونها تعاني غربة حقيقية بعيدا عن وطنها وعن اهلها ... ثم بعد ذلك فقدان زوجها ، لتصبح هي الاب والام لاولادها ، لكن هل نسيته ؟ هل هدأ لها حال وهي تعيش حالة الغياب؟؟ ابدا بقيت وفية وبقي الحب بروحها حد التصوف والذوبان ، وهو قمة الوفاء لزوجها الحبيب بقولها :
(يشعلني الحنين
وتشاكسني العبرة
أتوزع بين هنا وهناك
دندنة تصدح برأسي
يبسط العتاب كفه بين أكوام التعب
وقدماي يجرجرهما جذر النخيل
لا أستطيع أن أقصيه خارج حدود انتماءاتي
لا تفتشوا حقائبي عند رحيلي
فكلها لا زالت مملوءة به حد الارتواء)
فهي تحمل شعلة الحنين بين اضلاعها ، وكل ذكرياته تحملها حقائبها اينما حلت واينما ارتحلت .. هذا المداد الانساني الذي تحمله الكاتبة عواطف عبداللطيف ، لتحلق بالشعر ، كي يكون لغة كونية عابرة لقارات الخلجات الانسانية ، شعارها الحب والوفاء وسمو الاخلاق التي تفرض ان نحتفظ بهكذا ذات نقية لايمكن ان تغادر مسارات جمال الحياة ... (أقدَاح المساء لونها يحتلُّ شفاه الصبر الممتلئة بعناقيد الحنين
تَرْسمني حكايةً على جذع نخلةٍ نَخَرَتْها الأرضةُ
؛
وأنا أنتظرُ على روافدِ أنهارك
تكتبني الغيمات أنشودةَ شوقٍ في قفار العطشِ ، تهطل باللهفة على أرضك
أسمع وقْعَ حضوركَ فى عمقِ روحي
همْسُكَ يُرْبِكُ رجفة أناملي
فيتسربل الوجع منها بِيُسْرٍ
يُهشِّم صراخه جمجمة السكون
؛
الدم الذي في عروقي لا يشبه غيرك
وقارعة المشاعر تختمها صكوكٌ معتقةٌ بشمعِ الوفاء
متى تعود ؟
لأعتصر دمعَ الحبرِ على ضِفافِكَ
أصارع موجَ البحر
أقتحم أسوارَك
أتناثر بين مساماتك !!!!) وهكذا نعيش اجواء ديوانيها () و (خريف طفلة) .. فهي اجواء انسانية بخلجات الحب الصادق الساكن في اعماق نقية لاتعرف للكره طريقا ..
مصادر البحث :
كتاب (استرداد المعنى) /عبدالعزيز ابراهيم / دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد الطبعة الاولى 2006م ص45
كتاب (فنتازيا الغياب) /الدكتورة علياء سعدي عبدالرسول /الموسوعة الثقافية رقم76 /دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد ـ ص7
ديوان (خريف طفلة) للشاعرة عواطف عبد اللطيف / مطبعة دار الحوراء للطباعة والنشر / شارع المتنبي – بغداد / الطبعة الاولى 2012م ، وديوان (أتقاطر منك) ا
تعيش انشطارات الغربة وانشطارات الادب
وجدان عبدالعزيز
في صباح تشريني رائق من سنة 2012م ، كنت احلق في صفحات تفاعلت فيها الخلجات الانسانية ، وتصارعت في الساحة الثقافية ، لاجل الثبوت ، وجلاء حقيقة الحياة والجمال ، فتباينت بين الشعر العمودي والتفعيلة وقصيدة النثر والخاطرة ، وكأن الذي امامي يعكس صراعا ادبيا من اجل البقاء ، ولكن خلجات الانسان وتأملاته بالكون وبالوجود ، اثبت بما لايدع شكا ، بان الادب منفتحا متجددا يستوعب عوالم الفكر الانساني ويطرح استثمارات هذا الفكر في عوالم التجريب وتلاقح الفكر والتجارب الفردية منها ومنها التجارب الوطنية ، ومنها تجارب عالمية كانت اكثر انفتاحا .. لان هذا الانفتاح غايته استيعاب افاق الانسان المحلقة دوما في عوالم السمو والبحث عن مثالية مفقودة في هذه الحياة ، لذا كان سعي الادباء العرب دوما نحو التجديد والتلاقح مع الابداع ، ولكن لا ننكر بان مجموعة منهم ارادوا التمسك بالتراث كمرجع اساسي ، وكحالة طبيعية تزحزح الكثير منهم واتجه الى الحداثة والتجريب (عندما هجروا الموزون المقفى الى التفعيلة ثم تركوا التفعيلة ، ليكتبوا نثرا أسموه "قصيدة النثر" .. هذا الانشطار الادبي لم يأت اعتباطا ، بل جاء ضمن دائرة الصراع في الثقافة الواحدة ، ولكن هذه الثقافة لم تكن ، قد اغلقت الباب على ذاتها ، حتى لو تمكنت ... لأن اية ثقافة تخضع الى صراع الداخل والخارج)ص45 استرداد المعنى ، اذن الثقافة العربية قد تأثرت بالثقافة الغربية ومثلما اعطتها الكثير اخذت منها الكثير ، فحينما نتمعن في مقولة عبدالقاهر الجرجاني في كتابه "دلائل الاعجاز" ، حيث قال : (الكلام على ضربين : ضرب انت تصل منه الى الغرض بدلالة اللفظ وحده ، وضرب اخر انت لاتصل منه الى الغرض بدلالة اللفظ وحده ، ولكن يدلك اللفظ على معناه الذي يقتضيه موضوعه في اللغة ، ثم تجد لذلك المعنى دلالة ثانية تصل بها الى الغرض ) ، وكما اوضح الناقد عبدالعزيز ابراهيم بقوله : يريد الجرجاني ان يقول بان هناك نوعين من المعنى : الاول هو الذي نسميه الدال او المباشر والثاني سمّاه "معنى المعنى" او المعنى غير المباشر ، وهذا يعتبر فتحا في مجال النقد والتحليلات النقدية العربية ، من هذه المنطلقات نحاول الدخول الى عوالم الكاتبة العراقية عواطف عبد اللطيف والتي تنقلت هي الاخرى من الشعر العمودي الى التفعيلة ، ثم كتبت القصيدة النثرية وعاشت هذه التنقلات بخلجات تعددت مواضيعها ، ولكن الغالب عليها ، هي قضية الغربة والاغتراب .. حيث تقول :
(ربـاهُ ..قــد فــاض الأســى بعـراقـي
أوجــاعُ عـمــري لا تـريــدُ فـراقــي
جــرحُ البـعـادِ، وكــم أعـانـي نـزفـَهُ
مـــلأ الـفــؤادَ مــحــاولاً إزهــاقــي
تعبـتْ خطـايَ مـن المسـيـرِ ،وإنـنـي
مـا زلــت أرزحُ تـحـت نـيـرِ فــراقِ
قـلــبــي يـمــزّقُــهُ الأنـــيـــنُ، وزادُهُ
ألـــمُ الـغـيـابِ بـجـمـرةِ الأشــــواقِ
ولهيـبـُهـا يـُدمــي الـفــؤادَ كـأنـّمــا
شـــاء الـزمــانُ بلـحـظـةٍ إحـراقــي
قـد راعنـي وجـعُ الطريـقِ بغربـتـي
وخريـفُ عمـري لـجَّ فــي إغـراقـي
حـتـى النـجـومُ تهـدّلـتْ وتـرنّـحـتْ
راحــتْ تواسيـنـي عـلــى أوراقـــي
أحـلامُ عمـري أينعـتْ فـي خاطـري
بجـمـوحِـهـا وبـشـوقِـهـا الــدفّـــاقِ
بغـدادُ يــا نـبـضَ الـفـؤادِ وعشـقَهُ
آن الأوانُ لـتــبــحــري لـعــنــاقــي
نبـضُ الحـيـاةِ بموطـنـي وربـوعـِهِ
مـــا فـارقــتْ قـلـبـي ولا أحــداقــي
مـا أجمـلَ الشـوقَ الكبيـرَ بخافـقـي)
كما نعرف ان الكاتبة عواطف امرأة عراقية مغتربة ، فالأبيات الشعرية اعلاه بينت اساها وصراعها مع الغربة وألم الفراق .. وهذا الحال انعكس على انتاجها الشعري ، وتحولاتها في مساحاتها الشعرية كما اسلفنا من الشعر العمودي الى التفعيلة الى قصيدة النثر ، وحتى جربت تعبيرها عن مجمل امور الحياة بالخاطرة والمقالة وكانت الشبكة الالكترونية هي نافذتها التي تتواصل من خلالها مع ابناء وطنها العراق وابناء وطنها الكبير الوطن العربي والعالم ، وكانت في قلب الحدث والتحولات العالمية والعربية ، وهي من الاديبات اللواتي حاولنّ توجيه مهمة الادب للتعبير عن معاناتهن واعادة اعتبار لقيمة الانسان ، باعتبار الاديب او الكاتب صاحب مشاعر واحاسيس تتفاعل مع المشكلات المحيطة به من جهة ومن الجهة الثانية محاولاته لايجاد الحلول والخروج من هذه المشكلات بالتفاعل مع الاخر والحوار معه ، من هذا بقيت الكاتبة تبث نجواها ومعاناتها للحرف وللكلمة ، لتكون الوسيلة التي توصل بها افكارها ورؤاها من خلال الشعر .. كما في قولها :
(لأصـوغ مافـي القلـب مـن كلماتـي
عــقــداً ثـمـيـنـاً غـالــيــاً بـرقــيــه
أهـديـكـم عـذبــا كـنـهــر فــراتــي
إنــي لأشـكـر كــل حــرف عـابــق
بـالــود ..بـالإيـمـان ..بالـصـلـواتِ
أنـتــم لقـلـبـي مـنـبـع وعـواطــف
وقصـيـدة خـضـراء مــلء حيـاتـي)
(أي بعبارة اخرى ان الادب شخصية مسؤولة وواعية ويجب ان تبقى تلك المسؤولية واضحة وذلك الوعي ظاهرا في كل ما تقدمه لنا العملية الادبية من تجارب ، مهما اختلفت اشكالها وتباينت اهدافها وتفاوتت بيئاتها ، يجب ان تفوح منها "رائحة الانسان" عبقة تخلق من دمنا وخيالنا وفكرنا احساسا وجدانيا متوهجا منطلقا من واقع تلك الحقيقة التي نسميها "بالحياة الانسانية" وقد صدق سقراط عندما قال : "ان الحياة التي لاتخضع لاختبار لاتستحق ان يحياها الانسان) ص23 ، وهكذا تكون كتابات عواطف تتجه ، لان تكون شخصية لها ابعاد انسانية ، فرغم غربة الروح والجسد تعيش الامال والامنيات ، وتفترض السعادات في اجترار الذكريات وتبني على الامال المداعبة لنفسها ، بقولها :
(لن ألوم القلب لو يشكو الهموم
فتعال...
يا حبيبي
لأزيح الهم عن قلبي وعنك
فأنا ما زلت قربك
إن روحي بقيت تحرس قلبك
هل تعبت اليوم مثلي
عندما طال الغياب؟؟
يا حبيبي
كلما جئت إليك
رفرفت روحي عليك
فأنا يا نور عيني
رغم همي
واحتضارات سنيني
حطمت روحي عذابي وأنيني
وغدا قلبي يعيش الأمنيات)
فـ(رغم همي / واحتضارات سنيني / حطمت روحي عذابي وأنيني /وغدا قلبي يعيش الامنيات) .. اذن رهانها قوة الروح التي حطمت العذاب وجعلت القلب يعيش اشراقات الامنيات ذات الالوان الفاتحة والتي تحمل نية الاستقرار والاطمئنان قرب الحبيب وقرب الوطن لذا فـ(ان الغياب موازنة نفسية تعمق اداء فعل الذات ، فحين تصبح قوانين الخارج الضاغطة اشكالية كبرى تتهجم على خاصيات الفرد البحتة ، فان هذا يترتب عليه استبدال موقفي مواجهة لخطورة الهيمنة المتزايدة للمد الخارجي)ص7 فنتازيا الغياب ، وهكذا تعيش حالة صراع مع الضغوطات النفسية التي تركت بصماتها على ذاتها كونها تعاني غربة حقيقية بعيدا عن وطنها وعن اهلها ... ثم بعد ذلك فقدان زوجها ، لتصبح هي الاب والام لاولادها ، لكن هل نسيته ؟ هل هدأ لها حال وهي تعيش حالة الغياب؟؟ ابدا بقيت وفية وبقي الحب بروحها حد التصوف والذوبان ، وهو قمة الوفاء لزوجها الحبيب بقولها :
(يشعلني الحنين
وتشاكسني العبرة
أتوزع بين هنا وهناك
دندنة تصدح برأسي
يبسط العتاب كفه بين أكوام التعب
وقدماي يجرجرهما جذر النخيل
لا أستطيع أن أقصيه خارج حدود انتماءاتي
لا تفتشوا حقائبي عند رحيلي
فكلها لا زالت مملوءة به حد الارتواء)
فهي تحمل شعلة الحنين بين اضلاعها ، وكل ذكرياته تحملها حقائبها اينما حلت واينما ارتحلت .. هذا المداد الانساني الذي تحمله الكاتبة عواطف عبداللطيف ، لتحلق بالشعر ، كي يكون لغة كونية عابرة لقارات الخلجات الانسانية ، شعارها الحب والوفاء وسمو الاخلاق التي تفرض ان نحتفظ بهكذا ذات نقية لايمكن ان تغادر مسارات جمال الحياة ... (أقدَاح المساء لونها يحتلُّ شفاه الصبر الممتلئة بعناقيد الحنين
تَرْسمني حكايةً على جذع نخلةٍ نَخَرَتْها الأرضةُ
؛
وأنا أنتظرُ على روافدِ أنهارك
تكتبني الغيمات أنشودةَ شوقٍ في قفار العطشِ ، تهطل باللهفة على أرضك
أسمع وقْعَ حضوركَ فى عمقِ روحي
همْسُكَ يُرْبِكُ رجفة أناملي
فيتسربل الوجع منها بِيُسْرٍ
يُهشِّم صراخه جمجمة السكون
؛
الدم الذي في عروقي لا يشبه غيرك
وقارعة المشاعر تختمها صكوكٌ معتقةٌ بشمعِ الوفاء
متى تعود ؟
لأعتصر دمعَ الحبرِ على ضِفافِكَ
أصارع موجَ البحر
أقتحم أسوارَك
أتناثر بين مساماتك !!!!) وهكذا نعيش اجواء ديوانيها () و (خريف طفلة) .. فهي اجواء انسانية بخلجات الحب الصادق الساكن في اعماق نقية لاتعرف للكره طريقا ..
مصادر البحث :
كتاب (استرداد المعنى) /عبدالعزيز ابراهيم / دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد الطبعة الاولى 2006م ص45
كتاب (فنتازيا الغياب) /الدكتورة علياء سعدي عبدالرسول /الموسوعة الثقافية رقم76 /دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد ـ ص7
ديوان (خريف طفلة) للشاعرة عواطف عبد اللطيف / مطبعة دار الحوراء للطباعة والنشر / شارع المتنبي – بغداد / الطبعة الاولى 2012م ، وديوان (أتقاطر منك) ا