منوبية كامل الغضباني
06-23-2013, 11:36 AM
كثيراً من السنين مرَّت..وحنيني لشارع بيتنا القديم في أحد مخيمات الشتات في عمان ما زال يُحاكيني بكل الشوق الذي يمتزج فيه ويختلط بذاكرتي ونبضي..دُكانة الشركسي..والخضري أبو محمود~وعِفت العبدة صانعة الفلافل..وفرن (الفئران)!!لا تستغربوا ..هكذا كنت أُسميه عندما كنت ارتاده طِفلاً تجاوز العاشرة يحمل صحن زيت مجبول بالزعتر البري لعمل المناقيش الطازجة كما تطلبها كوكب أُمي.وفتاة تُشبه القطة..أو هكذا كنت أراها تُدعى زينب مُهاجرة أو نازحةٌ أو لاجئةٌ.. مثلي من مدينتي في الخليل تُماحِكُني على طابور المخبز لتظفر بمناقيش جدتها قبلي وسط الزُحام وضوضاء المخيم ..لكن هيهات!!ما أن تقترب لصاحب المخبز حتى أُباغِتها عابِثاً بجديلتها " الفرس" التي يتساقط منها غُبار الزينكو وبعض أشياء تُشبه رُموش النمل السابح...كبرتُ وكبرت زينب~في طريق بيتنا كان على يمين الحارة بيتها..عتبةٌ من الإسمنت مصنوعة على شكل مقعد وسور طيني بيتهم الوحيد الذي تمر من أمامه فتشعر برهبة كلما لمحت أنياب جدتها السبعينية ذات الأسنان الفضية والذهبية الكبيرة..والتي تشبه أنياب ثعلب..(لاعليكم)...وتُبرق زينب...أ...لله ...أصبحت فتية مكتنزة الصدر مشدودة القامة وتحمل ابتسامة مثيرة وصامتة.. تنطلق في تلك الأثناء أُغنية لأم كلثوم من صوت مذياعهم القديم أخطف نظرة وأُشنف مسامعي (..فترمقني بتوسعة اضافية لشفتيها مبتسمةً ...)
وكأنما تعمدت أن تُسمعني رق الحبيب..رق الحبيب وواعدنى وكان له مدة غايب عنى
صُعب عليا أنام أحسن ماشوف فى المنام غير اللى يتمناه قلبى
سهرت أستناه وأسمع كلامى معاه وأشوف خياله آآآآآعد جنبى
من كتر شوقى سبقت عمرى وشفت بكرة والوقت بدرى
وأيه يفيد الندم مع اللى عاش فى الخيال واللى قلبه سكن
وانعم عليه بالوصاااااااااااااااااااااااال
أشعر أن كل النبض تجمع هنا في تلك اللحظة ليتبدد عندما تنتهي آخر خُطواتي من أمام جدتها...وبالتالي ليس لي من مبرر للعودة من ذات الطريق ..إلا بخطة مُحكمة التدبير فجدتها فضولية للحد الذي يجعلك تتحسس ملابسك الداخلية))))في الأيام التالية أصبحت أُدمن هذه العادة وأتعمد المرور وصارت أشبه بمواعدة معها نختلس بعض نظرات ونتسابق على المخبز كونهُ ملاذنا الوحيد الذي نلتقي فيه ولكن دون مشاغبات هذه المرة...كبرنا مرااات..وتغربت أنا للدراسة والعمل وعدت بعد أعوام . في هذه الأيام قادني الحنين نحو زينب~فمررت بشارعها القديم أستذكر بعض ملامحي فيه..غاب مشهد الجدة العجوز ..وسور البيت أصبح منخفضاً أكثر تظهر منه فتاة في الرابعة عشرة من عمرها..تبدو لي شقية وفاتنة بملامح صناعية ...وشاب يرتدي جينز(ساحل)كأنما غسله بالزبدة)بملامح غربية او هبية او لا أدري~ ومجموعة فتيان على ذات الشاكلة.صوت لمغنية غانجة ( ينبعث من داخل البيت ونظرات ابتسام تتوزع دون استثناء لم احدد تماماً لأي قرد من تلك الوجوه المستفزة..والكل يردد
..يا اطبطب وادلع يا يقولي انا تغيرت عليه
انا ازعل اولع ما هو كل همه ازاي ارضيه
(شتان بين زينب وبين ......طبطب...!!!!
(مقاطع من رواية رائـــحة الأيام تحت الطبع)
قرأت هذا النّص فأصابني دوار الحنين وذاكرة الحنين ....
النّص رائع يصنّف ضمن النّصوص الكبيرة الجبّارة والعملاقة التي يمتطي فيها كاتبها الذّاكرة وما تختزنه من واقع ووقائع محدودة في الزّمان والمكان ليحوّلها الى نصّ أدبي
ثرّ
:1 (23):
فهو الحنين الذي يخصب الذّاكرة لتستحضر الأمكنة والأزمنة والأشخاص
البيت القديم برائحته ومعماره ومخيّمات الشتات ودكّانة الشّركسي والخضري أبو محمود وصانعة الفلافل وفرن الفئران
وكلّ شيئ وكلّ شخص بالتّفاصيل الدّقيقةوللأمكنة عبقها ...وكأنّي بالفريد في هذه الجملة والمقطع الأول من نصّه يذكر بالتراث والمحيط الذي نما فيه وترعرع وتشبّع من نفحاته العطرة [ ولا تستغربوا ]أن يجرف التّذكّر لديه كلّ الأشياء وكلّ المكوّنات وكلّ ما يخطر على بال ولا يخطر ...فللفئران أيضا نصيب في النّص[ ولا تستغربوا ]
ولا تستغرب يا الفريد فقد طار ما كتبت هنا تعليقا على نصّك .......
فقد وقفت عند كلّ جزئياته وقلت كلاما جميلا ....وعلّقت على ذاكرة طفل فلسطينيّ لم يصادر العدوّ ولا الظروف في المخيّمات حقّه في الحبّ ...
ولا عليكم
ولا عليكم
كم كان استعمالها مذهلا يا الفريد فقد شممت منها التّحدي لجدّة السبعينيّة بأنيابها الفضيّة والذّهبية التي تشبه الثّعلب ....
وقلت هي تلويحة أيضا لوجدان طفل العاشرة الذي يحمل قضيّة وطن وقضيّة شعب
فبمشاكساته لزينب القطّة وزينب اللاجئة انّما هو التّحدي والإرادة التي لا تقهر...
وقلت فيما قلت يا الفريد أنّ ايرادك لقصّة حب في ذاكرتك كانت الأكثر توهّجا في النّص والأكثر قوّة ...وهي التي منحته نبضا وميسما مختلفا
ففيها استعدت الحكاية وزينب بنبض رائع جعلك تحوم في أقاليم ذكرياتك بحضور مذهل وملفت انتفى فيه الفريد الرّجل بمحيطه وأطار الزّمن والمكان الحال ليغوص في عمق ماض بكلّ مشاهده...
فوصفت زينب كأنّها حاضرة أمامك وتذكّرت بيتها الذي يقع في طريق بيتكم على يمين الحارة فقد وهبت المتلقي ملامسة الوجوه والأشياء التي لم يبق الاّ صداها وظلالها ..
كتبت يا الفريد ولساعات عن نصّك الذي حوّلت فيه بمهارة واقتدار الذكريات الى نصّ أدبي وعمل ابداعي رائع
وأخذني حنيني الى هذه الذّكريات الرّكام التي تكتظ في رأسي ولا أستحضرها بدقّة لأنّ رداءة الأيّام جعلتها في عصيان وتمرّد مستمرّ على نفسي..
الفريد
حلّقت بنا في تخوم صفاء وابداع لا مثيل له فشكرا يا قدير ...وحسبي الله في هذه الآلة العجيبة وهذا الجهاز الجائر الذي سطا على كتابة وقراءة اقتلعتها من عمق ما فعله النّص فيّ ليطير بها الى عالم مجهول لا ألحقه وقد تكون أعادة القراءة فيه بعد الذي كتبته ولا أتذكره حماقة منّي فالأشياء الجميلة في مذهبي لا تقال الا مرّة واحدة وهي تخرج متوهّجة منتفضة متلويّة وكم يصعب استعادتها بنبضها الأول
وكأنما تعمدت أن تُسمعني رق الحبيب..رق الحبيب وواعدنى وكان له مدة غايب عنى
صُعب عليا أنام أحسن ماشوف فى المنام غير اللى يتمناه قلبى
سهرت أستناه وأسمع كلامى معاه وأشوف خياله آآآآآعد جنبى
من كتر شوقى سبقت عمرى وشفت بكرة والوقت بدرى
وأيه يفيد الندم مع اللى عاش فى الخيال واللى قلبه سكن
وانعم عليه بالوصاااااااااااااااااااااااال
أشعر أن كل النبض تجمع هنا في تلك اللحظة ليتبدد عندما تنتهي آخر خُطواتي من أمام جدتها...وبالتالي ليس لي من مبرر للعودة من ذات الطريق ..إلا بخطة مُحكمة التدبير فجدتها فضولية للحد الذي يجعلك تتحسس ملابسك الداخلية))))في الأيام التالية أصبحت أُدمن هذه العادة وأتعمد المرور وصارت أشبه بمواعدة معها نختلس بعض نظرات ونتسابق على المخبز كونهُ ملاذنا الوحيد الذي نلتقي فيه ولكن دون مشاغبات هذه المرة...كبرنا مرااات..وتغربت أنا للدراسة والعمل وعدت بعد أعوام . في هذه الأيام قادني الحنين نحو زينب~فمررت بشارعها القديم أستذكر بعض ملامحي فيه..غاب مشهد الجدة العجوز ..وسور البيت أصبح منخفضاً أكثر تظهر منه فتاة في الرابعة عشرة من عمرها..تبدو لي شقية وفاتنة بملامح صناعية ...وشاب يرتدي جينز(ساحل)كأنما غسله بالزبدة)بملامح غربية او هبية او لا أدري~ ومجموعة فتيان على ذات الشاكلة.صوت لمغنية غانجة ( ينبعث من داخل البيت ونظرات ابتسام تتوزع دون استثناء لم احدد تماماً لأي قرد من تلك الوجوه المستفزة..والكل يردد
..يا اطبطب وادلع يا يقولي انا تغيرت عليه
انا ازعل اولع ما هو كل همه ازاي ارضيه
(شتان بين زينب وبين ......طبطب...!!!!
(مقاطع من رواية رائـــحة الأيام تحت الطبع)
قرأت هذا النّص فأصابني دوار الحنين وذاكرة الحنين ....
النّص رائع يصنّف ضمن النّصوص الكبيرة الجبّارة والعملاقة التي يمتطي فيها كاتبها الذّاكرة وما تختزنه من واقع ووقائع محدودة في الزّمان والمكان ليحوّلها الى نصّ أدبي
ثرّ
:1 (23):
فهو الحنين الذي يخصب الذّاكرة لتستحضر الأمكنة والأزمنة والأشخاص
البيت القديم برائحته ومعماره ومخيّمات الشتات ودكّانة الشّركسي والخضري أبو محمود وصانعة الفلافل وفرن الفئران
وكلّ شيئ وكلّ شخص بالتّفاصيل الدّقيقةوللأمكنة عبقها ...وكأنّي بالفريد في هذه الجملة والمقطع الأول من نصّه يذكر بالتراث والمحيط الذي نما فيه وترعرع وتشبّع من نفحاته العطرة [ ولا تستغربوا ]أن يجرف التّذكّر لديه كلّ الأشياء وكلّ المكوّنات وكلّ ما يخطر على بال ولا يخطر ...فللفئران أيضا نصيب في النّص[ ولا تستغربوا ]
ولا تستغرب يا الفريد فقد طار ما كتبت هنا تعليقا على نصّك .......
فقد وقفت عند كلّ جزئياته وقلت كلاما جميلا ....وعلّقت على ذاكرة طفل فلسطينيّ لم يصادر العدوّ ولا الظروف في المخيّمات حقّه في الحبّ ...
ولا عليكم
ولا عليكم
كم كان استعمالها مذهلا يا الفريد فقد شممت منها التّحدي لجدّة السبعينيّة بأنيابها الفضيّة والذّهبية التي تشبه الثّعلب ....
وقلت هي تلويحة أيضا لوجدان طفل العاشرة الذي يحمل قضيّة وطن وقضيّة شعب
فبمشاكساته لزينب القطّة وزينب اللاجئة انّما هو التّحدي والإرادة التي لا تقهر...
وقلت فيما قلت يا الفريد أنّ ايرادك لقصّة حب في ذاكرتك كانت الأكثر توهّجا في النّص والأكثر قوّة ...وهي التي منحته نبضا وميسما مختلفا
ففيها استعدت الحكاية وزينب بنبض رائع جعلك تحوم في أقاليم ذكرياتك بحضور مذهل وملفت انتفى فيه الفريد الرّجل بمحيطه وأطار الزّمن والمكان الحال ليغوص في عمق ماض بكلّ مشاهده...
فوصفت زينب كأنّها حاضرة أمامك وتذكّرت بيتها الذي يقع في طريق بيتكم على يمين الحارة فقد وهبت المتلقي ملامسة الوجوه والأشياء التي لم يبق الاّ صداها وظلالها ..
كتبت يا الفريد ولساعات عن نصّك الذي حوّلت فيه بمهارة واقتدار الذكريات الى نصّ أدبي وعمل ابداعي رائع
وأخذني حنيني الى هذه الذّكريات الرّكام التي تكتظ في رأسي ولا أستحضرها بدقّة لأنّ رداءة الأيّام جعلتها في عصيان وتمرّد مستمرّ على نفسي..
الفريد
حلّقت بنا في تخوم صفاء وابداع لا مثيل له فشكرا يا قدير ...وحسبي الله في هذه الآلة العجيبة وهذا الجهاز الجائر الذي سطا على كتابة وقراءة اقتلعتها من عمق ما فعله النّص فيّ ليطير بها الى عالم مجهول لا ألحقه وقد تكون أعادة القراءة فيه بعد الذي كتبته ولا أتذكره حماقة منّي فالأشياء الجميلة في مذهبي لا تقال الا مرّة واحدة وهي تخرج متوهّجة منتفضة متلويّة وكم يصعب استعادتها بنبضها الأول