المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في قصيدة رحيل العاشق الأخير للمرحوم الشاعر عبدالرسول معله


سفانة بنت ابن الشاطئ
06-24-2013, 01:43 PM
أيها الوفاء تفضل بثوبك الملكي الفاتن و تربع على عرش الإنسانية .. و اسقنا أنخاب عزتك لعلنا نثمل من روعة مذاقك .. و لا تلمنا ... إذا ما سكرنا وترنحنا بين الواقع و الخيال .. لنسافر في عالم لا يعترف بقوانين الذئاب و لا بأنياب الغدر و الخيانة الشرسة .. و ارفع عنا هالات الحقد ... بعيدا بعيدا .. لـــعل الغرور يتدحرج من عليائه مندفعا نحو بئر التخاذل السحيق .. لـــــ يغرب عنا شبح الأنانية إلى الأبد ....

أيها القلم المتمرد .. اقبض بحروفك على قارورة عطر " الوفاء " الفاخرة تلك .. وأعد إليّا قبس النور الذي انطفئ منذ زمن .. وابدأ بترتيب نجوم السمو " العطاء .. المحبة .. المودة " ..و لا تتردد لحظة ..و وجه خطوك نحو المعاني السامية فــــــ تومئ محبرتي لآلهة الكلمات " أن انثري عبيركَ في كل الزوايا و الأرجاء " .. ترفع يدا النخوة عاليا ... تبتهل في حرم المحبة .. و الصدق خاشعا في المحراب :


ما كلُّ مَنْ نطقوا الحروفَ أبانُوا = فلقد يَذوبُ بما يقولُ لسانُ
لغةُ الوفاءِ شريفةٌ كلماتُها = فيها عن الحبِّ الأصيلِ بَيانُ
يسمو بها صدقُ الشعور إلى الذُّرَى = ويزُفُّ عِطْرَ حروفها الوجدانُ


و من بعيد .. و على درجات الغسق اللولبية .. تتدرج ألوان المشاعر ..لــــــ تشرق من رحم الوفاء جمل شعرية أشرقت علينا مع إيقاع عذب .. و السماء تصدح بتراتيل السلام .. ترسل رسائل الحنين .. تحدق في رشاقة السبابة المترنحة في اتجاهات مختلفة ..

و في كنف القيم الباذخة لم تتلكأ المخيلة عن هندسة ما يجب توصيفه لتتوه ذائقتنا بين جمال البيان و مرارة الواقع .. فتتسع العين المحبة و تزداد عملية التحديق رويدا رويدا .. فـــ نطل على شرفة البراعة .. ونتعلم فن التعبير عن مشاعر حين ينهمر منها الحسرة و الأسى .. و تذوب في قهوتها سكر الجمال .. لنرتشفه بكل إعجاب .. و تتماهى الروح مع أدق تفاصيله .. تجيش الأقلام لتعكس التعبئة النفسية ومسار الشجن .. لا تقبل انضمام الذوات الهشة .. ولتكن هذه الخفقات عطر عتق في معامل الصدق و الوفاء ..

فـــ من يلج إلى عالم القصيدة سيجزم أن الصياغة النفسية في جماليتها الميكانيكية للعمل الشعري هي بمثابة حدث نفسي جمالي في صياغته تجاه حوار داخلي مع الكلمة ..


أول ما يسترعى الانتباه و دون أي شك هذا قبل الإنطلاق الى محطات القصيدة واستكشافها من الداخل من أجل الوقوف على معانيها و بنائها .. العنوان باعتباره العتبة الأولى التي نقف عليها .. و من خلاله نتقدم خطوة خطوة باتجاه الداخل .. و هو ذاته من يسحر القارئ و يجعله مشدودا للتعرف على المزيد ..

" رحيل العاشق الأخير " ( رثائية للشاعر محمود درويش )

جمعت هذه الكلمات بين الــــــ " رحيل " الواقع فعليا .. و ميزة ملزمة لهذا الراحل " العشق " بمعناه الشمولي .. و " الأخير" وهي نقطة الختام التي لا تقبل الزيادة أبدا .. ومن ثم يبدأ الشاعر قصيدته فيقول :


لَقَـدْ غـابَ مَـنْ يُرْجَـى شَـذاهُ ونائِلُـهْ
وَظـلّـتْ تُعَـفّـى بالـبُـكـاءِ مَعـاقِـلُـهْ

أَبَـعْـدَ ابْــنِ دَرْويــشٍ يُـغـرِّدُ بُـلْـبُـلٌ
وَقَـدْ ذُبِحَـتْ فـي كُــلِّ بَـيْـتٍ بَلابِـلُـه

لَقَـدْ كـانَ فـي كُــلِّ الـبِـلادِ مُحـارِبـاً
وَلـيــسَ لَـــهُ إلا الـلِـسـانَ وَسـائِـلُــه

وإنْ منـزلٌ جـافـاهُ مــن بـعـدِ نِكْـبـةٍ
فقـدْ بُنيـتْ وَسْــطَ القـلـوبِ منـازِلُـه

وَسافَـرَ مِــنْ دُنْـيـاهُ ظَـمْـآنِ صـادِيـاً
وَخَـلّـفَ شَعْـبـاً قَــدْ تَـنَـمّـرَ بـاطِـلُـه


هذا المقصوص من القصيدة الرثائية البديعة التي نظمها الشاعر لرحيل الشاعر محمود درويش .. نوع جميل في ميكانيكية اشتغال الشاعر في الابيات وانتقاله ببراعة للتعبير عما يختلج في النفس وتصوير الشعور بما يخدم الموقف \ المناسبة .. للتعبير عنه وعن قيمته فأجاد في اختيار الألفاظ شبعتها أنامله الرشيقة بالموسيقى .. لتغرس في أرض العلاقات الإنسانية فسيلة وفاء رواها من مداد قلمه بسخاء .. لذا وصف العاشق الراحل بما يستحقه من اطراء و دقق في تفاصيل هذا الوصف .. حيث عاش غربة المكان و الزمان .. ولنضغ إليه أكثر وهو يقول :



فَسَلْ غَزَّةَ الثكْلـى ومـاذا جـرى بهـا
سَيُنْبيـكَ جُـرْحٌ مِـنْ دِمـانـا جَـداوِلُـه

وَسَـلْ بَيْـتَ لَحْـمٍ عَـنْ دِمــاءٍ زَكـيّـةٍ
سَتُخْبـرُكَ الأحْجـارُ مـا أنـت سائِلُـه

يُحَـدِّثُـنـي قَـلْـبـي بِـــأنَّ قِـيـامَــةً
علـى وَشْـكِ أَنْ تأتـي فمـاذا نحاولـه


و إلى فلسطين تتابعت الرحلة .. حيث طاف مدنها و عاش معاناتها .. دون مبالغة و بسلاسة و شلال الحزن يتدفق بسخاء يدبج الحروف خيال إنساني إزاء الأحداث الأليمة حيث استشعر الشاعر بحدسه أن يوم القيامة قد اقترب كثيرا .. ولهذا نجد الشاعر قد توجه بعد هذا العرض المصور النابض بالصدق مباشرة للراحل العاشق مخاطبا إياه :


أمَحْمودُ إنَّ الجُْرْحَ مـا زالَ نازِفـا
وَمِـنْ دَمِنـا ابْـنُ العَـمِّ يَقْـطُـرُ ذابِـلُـه

أمَحْـمـودُ إنَّ الـدِيـنَ صــارَ سِيـاسَـةً
فَرائِـضُـهُ مـاتَـتْ وحـالَـتْ نَـوافِـلُـه

أمَحْمـودُ إنَّ النـاسَ أعْماهُـمُ الغِـنـى
وإنْ نابَتْ الجُلّى أخو الَمرْءِ خاذِلُه

وصِرْنـا إلـى الـدولارِ نَلْهَـثُ يومَنـا
ولـيـسَ لـنـا شــيءٌ سِـــواهُ يُـعـادِلُـه


و في ما سبق من أبيات يلاحظ القارئ كم الحسرة و الفجيعة التي يشعر بها الشاعر .. وفـــ ساقتها الكلمات بطريقة المباشرة و كأن الشاعر يريد أن يقول لم ينفع المواربة و لا العيش في مستنقع الأحلام .. و لا المكابرة على هذا الواقع المر .. و لهذا نجده استرسل في وصف هذا الواقع المر بكثير من الأسى و الحزن .. بأسلوب سلس وواضح ليحمله رسائله العميقة و باسقة ..


ومن ثم يتوجه بكلامه للزمن قائلا :
أيــا زَمَـنـاً فـيـهِ الـدَعِــيُّ وجـاهِـلُـهْ

تَصَدّى يَقـودُ النـاسَ والظُّلْـمُ ساحِلُـه
لنـا كُـلَّ يَــوْمٍ فــي الـبـلادِ مُصيـبـةٌ



فيبحر بقلمه و سلاحه الأسف و الحسرة .. و يصفه بكل ما فيه من بشاعة و قسوة و يطلق أحكامه عليه بكل شجاعة و بكل ثقة .. فهو لا يعيش على هامشه بل يعيش فيه و يثمل من ضرباته و يغرق في ظلمه .. ولهذا كان متوقعا أن ينتقل كلامه لمن سبب الأسباب ووضع قوانين الزمن و الدنيا .. لرب العباد وخالق الكون وما فيه .. لأنه يدرك أنه الوحيد من بيده تغير كل ما هو واقع مرير .. فيقول :


حنـانـيْـكَ رَبِّـــي فـالـحَـيـاةُ مَـلـيـئـةٌ
بِـكُــلِّ دَعِــــيٍّ لا تَــــرِثُّ حَـبـائِـلُـه

تَـلَـبَّـسَ بالـتَـقْـوى وزَيَّــــنَ نَـفْـسَــهُ
وَمُـرِّغَ فـي حِضْـنِ الرَذيلـةِ داخِـلُـه

تَـــرِنُّ بـأمْــوالِ اليَـتـامـى جُـيـوبُـهُ
وَتُنْفَـخُ مِـنْ أكْــلِ الـحَـرامِ مَفاصِـلُـه

يُحَـدَّثُ عَـنْ عَـدْلٍ وَيُخْفـي شُـرورَهُ
وَعَــنْ كُــلِّ سُــوءٍ حَدّثَتْـنـا شمائِـلُـه

إذا اشْـتَـدّتِْ الأيّـــام لاذَ بـجُـحْـرِهِ
وإنْ فُـرِجَــتْ يـوْمــاً تَـكـلَّـمَ بـاقِـلُـه



نعم إلى رب المحمود و الزمن توجه شاعرنا بإيمان و خشوع يشكو له حاله و حال أمته .. و يحدد من خلاله بعض السمات التي وصم بها هذا الزمن .. بأسلوب الدعاء و الرجاء .. و فهو أصبح موقن أن لا حل مرجو من بني البشر ولهذا هو في انتظار معجزة إلاهية تغير هذا الواقع الأليم .. و حديثه الداخلي يقول :


رحمك الله يا محمود درويش فقدك آلمنا كثيرا .. و لكن لا تأسف على هذه الدنيا .. فغيابك عنها راحة لك منها و ما فيها .. و الآن هدأت روحك في عالم خاص بعيد عن بشاعتها .. لوحة فنية عبر خلالها الشاعر باتقان وفنية عالية عن لوعة الغياب وفجيعة الرحيل الأخير لعاشق عشق الحياة فعشقه قراءه ..


ومن خلال هذه القصيدة التي أبى الشاعر إلا و أن تكون على البحر الطويل لتعبر عن ألم الفراق و المشاعر الشجية .. فكل ما جاء بها من هموم هو طويل .. و تصدر رؤيته العميقة للواقع نقطة ركيزة .. جعل هذا البحر أكثر تحملا للمراكب الحائرة ..

القصيدة التي اخترتها هنا اخترتها لتكون جسر عبور لنعبر منها لميزة الوفاء التي اتصف بها شاعرنا الحكيم عبد الرسول معله رحمه الله .. و ما تركه لنا من إرث أدبي هو تراث فني و جمالي فقد نجح أن يحفر لشعره خندقا في ذوات قارئيه حيث نجح في القبض على معالم الكون البديع واستطاع بناء حصن متين يجمع بين جدلية الذاتي والكوني الواقعي و الخيالي و قد بناه بوعي جمالي يقظ من خلال اسلوب سلس و انسيابي .. بعيد عن الغرائبية و الفجائية .. يواكبه ايقاع عذب و جذاب و صور بليغة و عميقة .. صاغت الشاعرية الفياضة التي يستشعرها كل قارئ ..



فهي الركيزة الأولى لكلماته بل مداد قلمه دوما .. مكنته هذه نفحة الجمالية من نقل مكامنه الإنسانية والانفعالية في قالب فني وجمالي فاتن وأخاذ .. مهما كان غرض النص الذي نتناوله .. فانهمرت أشعاره غاصة بكرنفالات مشبعة بالشخصيات .. كثيرا ما يخاطبها و لكنه أيضا كان بحاجة أيضا أن يخاطب خالقه تارة و تارة أخرى ذاته .. فهو يصيخ السمع جيدا لمن حوله و لذاته لكي يصوغ قصائده الرائعة .. التي كثيرا ما أمتعت ذائقتنا و حلقت بنا في فضاء الإبداع لنوقع في الختام إعجابنا بكل بهاء ..

منوبية كامل الغضباني
06-25-2013, 05:35 PM
القديرة سفانة بنت ابن الشّاطئ
قراءة تتسّم بالعمق أتت بامتياز على العلاقات التتّابعية بين الجمل والمعاني على مدى النّص المشتغل عليه...
وأبرزت الحالة الشعورية لكاتبه فقيد نبعنا الأستاذ المغفور له عبد الرسول معله بما يستلزم من شواهد مجسّمة لمشاعره العميقة
رغم ما قد يحصل من تباعد بين الذّات القائلة والكاتبة للنّص وبين الذّات القارئة له فأنّي أكاد أجزم أنّ هناك توافق كبير بين من كتب ومن قرأ وحلّل ...
وهذا يعزى الى أمتلاكك أدوات القراءة الأدبية من ناحية والى مشاعر النّاقدة القارئة سفانة تجاه قامة أدبيّة كانت هنا بين أسرة النّبع فنهلوا من عطائها الثّر عن قرب ....
فشكرا يا سفانة الغالية

عواطف عبداللطيف
06-27-2013, 12:46 PM
الغالية سفانة
قراءة جميلة
لقصيدة لها مدلولاتها وقيمتها
فكانت عنواناً للوفاء

وفقك الله
دمت بخير
تحياتي

سفانة بنت ابن الشاطئ
07-06-2013, 03:05 AM
القديرة سفانة بنت ابن الشّاطئ
قراءة تتسّم بالعمق أتت بامتياز على العلاقات التتّابعية بين الجمل والمعاني على مدى النّص المشتغل عليه...
وأبرزت الحالة الشعورية لكاتبه فقيد نبعنا الأستاذ المغفور له عبد الرسول معله بما يستلزم من شواهد مجسّمة لمشاعره العميقة
رغم ما قد يحصل من تباعد بين الذّات القائلة والكاتبة للنّص وبين الذّات القارئة له فأنّي أكاد أجزم أنّ هناك توافق كبير بين من كتب ومن قرأ وحلّل ...
وهذا يعزى الى أمتلاكك أدوات القراءة الأدبية من ناحية والى مشاعر النّاقدة القارئة سفانة تجاه قامة أدبيّة كانت هنا بين أسرة النّبع فنهلوا من عطائها الثّر عن قرب ....
فشكرا يا سفانة الغالية



الغالية دعد كامل صباحك معتق بعبير السعادة و الأمل
أجمل ما في مرورك غاليتي هو جمال السباحة على السطح و الغوص في العمق .. و ابداء الرأي بطريقة تحليلية بديعة .. و هذا ما ابهج قلبي بمرورك الجميل .. سررت بما تركته من عطر .. و دمت بهذا الحضور البهي .. ودام نبض قلمك .. ورحم الله شاعرنا و معلمنا عبد الرسول معله .. و ما هذا الوفاء يا غالية الا جزء يسير من كثير يمتلكه أهل النبع بدأ من ماما عواطف الغالية الى حيث تنتهي ارقام أعضائه .. و هاقد حضينا بوفية جديدة هي أنت دمت بيننا مشرقة .. مودتي وحبي و الياسمين


سفــانة

سفانة بنت ابن الشاطئ
01-07-2015, 04:59 PM
الغالية سفانة
قراءة جميلة
لقصيدة لها مدلولاتها وقيمتها
فكانت عنواناً للوفاء

وفقك الله
دمت بخير
تحياتي

سيدة النبع الفاضلة مساء معتق بالفرح و الياسمين
شكرا لمرورك الجميل و لرأيك البديع .. فقد كان الأستاذ و الوالد عبد الرسول معله مركز اشعاع للوفاء .. و ما جاء في قصيدته هذه هو إثبات على المثبت و الراسخ في عقولنا .. دمت بخير ماما الغالية .. و شكرا لحطورك و اهتمامك .. تقديري و احترامي و الياسمين

ليلى أمين
01-07-2015, 07:40 PM
غاليتي سفانة دائما تبهريننا بدررك الثمينة
أينما كنت تظلين اللؤلؤة
الاديبة الشاعرة الناقدة وووووووووووووو
وكلما لمست نصا زدته رونقا
كنت هناك بالخاطرة وقرأت تحليلك المبهر الرائع والذي رايت ان يكون لوحده عملا فنيا تتهافت الاقلام لتحليله
فإذا بي هنا أجدك ترسمين لوحة أخرى جمعت بين الوفاء والجمال ورقة الاحساس
شكرا لانك أنت وشكرا لانّ شاعرنا الرائع رحمه الله يستحق أن نفتح خزائنه الثمينة ونستمتع بجمال ما رسمت أنامله
عشت من خلال قراءتك جمالين جمال اللوحة الباذخة لشاعرنا وجمال حرفك
أظن مازالت هناك الكثير من الدرر في صندوقك