العربي حاج صحراوي
03-29-2014, 08:54 AM
قالت : أردت أن أدق أبوابا فهل تفتحها؟
قلت : و ما يمنع مفكرا شاعرا أن يفعل و الطارقة أنت ؟
قالت : السياسة ؟
قلت : عالم حميل لمن أراد أن يكون فاعلا يخدم المصلحة العامة ، و لكن رجاله قليلون ، و الذكاء و الدهاء و الثقافة شروط لابد منها .
قالت : الحب ؟
قلت : من دخل روضته ما أشقاه و من حرم منه ما أتعسه و لكنني أفضل الدخول بدل الحرمان .
قالت : الموت ؟
قلت : مشكلة البشرية . و سارق السعادة منها . لكنه ينطوي على سر ليس متأكد منه أحد .
قالت : ما ثوب الحياة؟
قلت : الطمع و النفاق و الظلم .
قالت : الانسان بطبعه اجتماعي ؟
قلت : بل بطبعه خبيث .
قالت : هل يمكن أن يعم الأرض سلام ووئام و لا يكون أشرار ؟
قلت : الخير و الشر في صراع و هما ماهية هذه الحياة ، و سوف تستمر المسرحية المؤلمة .
قالت : ما يؤلمك و يحيرك ؟
قلت : كثير . ومنه صور انسان تحت رحمة تعذيب مجرم ، طفل بريء تدوسه مركبة أو يسقط في ماء أو يحترق ...، امرأة تحت رجل وحشي ، ابن حيوان أو حيوان يقع فريسة أسد أو نمر أو وحش أو كاسر ..حق يغتصب من صاحبه ...
قالت : ما يؤثر فيك ؟
قلت : جاذبية المرأة .
قالت : ماسر ذلك ؟
قلت : المرأة جزء من الرجل ...وفي بداية الخلق يقال أن المرأة خلقت من آدم ، أي هي جزء لطيف من جسم آدم ، و عندما انفصل هذا الجزء ظل الجسم يحن الى ما أخذ منه لاسترداده ؛ و مادام الجسم الأم قادر على الحركة أكثر فهو يسعى و يجري خلف هذا الحق المأخوذ كي يسترجعه .. و هذا هو سر ميلنا و ركضنا خلف المرأة .
قالت : و لكن المرأة لها ميل نحو الرجل ؟
قلت : طبعا لأنها الجزء المأخوذ من الرجل .. فهذا المأخوذ من الجسم الأم يبقى يحن الى العودة الى مكانه الطبيعي في جسم الرجل ، ولكن مادام جزءا فهو أقل قوة للسعي من الجسم الأم فهو يجتهد في البقاء على صورة تمثل فيه الحياة باغراءاتها حتى لا يتخلى عنه الجسم الأم .. و هكذا نجد ه مطلوبا لا طالبا في ما يبدو لنا ، فالرجل هو الذي يتحرك نحو المرأة قبل أن تفعل .
قالت : لكن في الوجه الآخرنجد المرأة و الرجل خصمين ؟
قلت : ذاك جبروت القوة ضد الضعف ، أو هو عندما يكون الانسان ضد نفسه أو عندما يرخي العنان لقوى الشر فيه ، فالمرأة مستهدفة بكونها امرأة في كل مكان و زمان ، وينظر اليها كأي فاكهة أو مأكول من حق أي انسان تناوله متى احتاجه . ويتوقف الاعتداء على كرامة المرأة وهضم حقها على مدى تحضر المجتمعات وتخلصها من جهلها و تعقدها، فلا يمكن أن تكون الصورة قاتمة في الغرب مثلما هي في شرقنا العربي الاسلامي حيث مختلف الأمراض متفشية من جهل و تشدد و كبت ووحشية ، فالمرأة في هذه المجتمعات أحط قيمة حتى من الحيوان المنبوذ ، ولا ينظر اليها الا أنها لعبة فراش و جسد للجنس و الانجاب و خدمة الرجل بكل عبودية .
قالت : ولكن الاسلام رفعها الى درجة لم يرفعها قبله أي عرف أو شرع أو قانون ؟
قلت : لا شك في هذا ، ولكن لا يفهم و يطبق ما سعى اليه الاسلام الا عقل عالم متحضر .ونحن في الشرق مازلنا دون ذاك المستوى البعيد ، و المرأة أصبحت باسم المفهوم الخاطئ للاسلام أكبر ضحية لنزوات و أمراض واجرام لا مثيل له .
قالت : أفهم من هذا أن المشكل في فهم الشرع أو القانون ؟
قلت : أجل . ما لا ينطبق مع العقل فيه مراجعة . فالنص الشرعي دون تحريف أو تفسير خاطئ لا يتناقض مع العقل أو المنطق ، واذا لم يستوعب فلعدم بلوغ العقل مستوى يؤهل لذلك ، أما القانون و العرف فهما من نتاج تفكير و سلوك بشري يمكن أن يكون فيهما تقصير أو خطأ . ولنعط مثالا عن كل جهة : فالقتل جزاء القاتل عمدا نص شرعي لا يمكن أن يخطأ و هو منطقي جد ولا يرفضه بعد التدبر الا عقل ناقص أو مريض أو متعنت ، فرغم فظاعة الجزاء و لكن ما أقدم عليه القاتل أفظع ، و في العملية علاج و قضاء على الفظاعة الى أقصى حد . وقد نجد القانون يمنع أن يعدم القاتل ولو قضى على العشرات . فهل من المنطق أن يواصل حياته من وضع حدا لحياة غيره بغير حق ؟ . وماذا سيعمل غيره من هواة القتل ؟ . وفي العرف كثير ، المرأة تقتل و تحرم من الحياة بمجرد موت زوجها ، وأخرى عليها أن تقبل بمن أختاره لها أبوها زوجا ...هل يتوافق هذا مع الطبيعة أو العقل ؟ .
قالت : ما ألذ ساعة في الحياة ؟
قلت : أن أجلس اليك و أسمع همساتك و أستنشق أنفاسك .
قالت : متى تكون قويا ؟
قلت : عندما أستغني عن الأكل و الجنس و النوم .
قالت : العنف ؟
قلت : مارسته وسيلة لا غاية فأنا انسان مسالم . نشأت في وسط جو مكهرب من الشجار و النزاع و القساوة . و عشت في مجتمع لا يرحم فكان العنف وسيلة رد لمن تحدى خطوطه فعشت محترما . و اعتمدت القوة الفكرية الثقافية في الدراسة و العمل فنجحت في الاستقلال بحياة وسط أشواك اللا رحمة ، و هذا حال المجتمعات المتخلفة . فالعنف يفيد وسيلة اضطرارية لا طبيعية .
العنف أسلوب لا حضاري ، ولا يقود الا الى ما هو أسوأ ، قد يكون متى دعت الضرورة في يد الحكيم أرحم وذا نتائج بناءة و يستعمل هنا كوسيلة اضطرارية من غير افراط والا وقعنا في المحظور .
قالت : أمنية مستحيلة لك ؟
قلت : أن لا أموت وبين يدي حسناوات و حقول و بساتين خضراء .
قالت : الزواج و الدين ؟
قلت : الزواج أسلم به دينيا و في الحقيقة غير مقنع و غير محصن ، و الدين سلوك و عمل بين الخالق و المخلوق و لا د خل لثالث .
قالت : أحلام ضاعت منك ؟
قلت : مواصلة الدراسة ولكن الظروف أوقفتني رغم امكانياتي وقدراتي الفكرية ، و التزوج بمن أحببت بيد أن الأقدار شاءت غير هذا ، و أن أكون لاعب كرة قدم كبيرا أو عداء ولكن الويل للظروف القاسية و الفقر .
قالت : كيف ركبت زورق الأدب و الشعر ، و ما حصاد الرحلة ؟
قلت : لم أكن مختارا و لكنني وجدت نفسي في هذا العالم . دغدغت نسمات الحب وجداني ، فأردت أن أثبت وجودي أمام من أحب بطريقة قد تكون متميزة ، ووجدت نفسي أكتب وأبوح بخوالج داخلي ، و هكذا بدأت الرحلة . لولم أمتط صهوة الأدب و الفكر ربما كنت غير هذا الذي بينكم ، و لكن القدر شاءني هذا الانسان . خسرت أن أختاردربا آخر قد أحقق فيه أحلاما و أحلاما ، و ربحث أنني صرت أديبا و مفكرا وانسانا أكثر رؤية للعالم المرئي و الخفي . ما أجمل أن تصبح ترى أكثر و تعي ما يدور حولك بطريقة غير عادية .
قالت : من تحب أن تجلس اليه قارئا من الأدباء ؟ و من لهم أثر في دنيا الأدب في نظرك ؟
قلت : أنا أقرأ كل ما صادفني سيئا أو حسنا و أقرأ لكل الناس و أستفيد من كل شيء . متفتح على كل الثقافات و كل له الحق في أن يقول ما يشاء .
هناك الكثير ممن أثر في العالم بأدبه و فكره ، ولكن صورة نزار قباني ، جبران خليل جبران ، المنفلوطي ، ميخائيل نعيمة ، اليا أبي ماضي ، عمر الخيام ، العقاد ... تبقى أكثر اضاءة .
قالت : الى أيهما تميل تفضيلا الأدب العربي أم غيره ؟
قلت : في الحقيقة أن الأدب هو حرية و نحن ليس لنا حرية فكيف يوجد لنا أدب يقارن ببقية الآداب ؟ . أتعتبرين أن الشعر الجاهلي شعر و أكثر أدبنا في كل العصور ؟ . الأديب في عالمنا العربي محاصر بنار السياسة و سيف الفهم الخاطئ الدين وجهل المجتمع المعقد ولا يمكن له أن يفكر أو يكتب أو يبدع بحرية مثلما يحدث في المجتمعات الأخرى.
ولكن هذا لا يمنع من وجود في العصر الحديث تألقات من أدباء انفلتوا من ربقة مجتمعاتنا المتخلفة ، و مارسوا حريتهم الكتابية الفكرية الابداعية ، فكان الأثر طيبا ، و صرنا نقرأ جماليات و اشراقات هنا و هناك سواء في الرواية أو الشعر أو غير ذاك من الابداعات . و صار وزن عالمي لبعض أدبائنا المتحررين .
قالت: أرى أنك تحب أن تلبس ثوب التمرد في سلوك ، في فكرك ، في حديثك . فأهذا التمرد نتيجة رد فعل على المجنمع أم هو طبيعي فيك ؟
قلت : في قلب كل مفكر أو أديب يسكن شيء من التمرد و الثورة و الا ما وجد . و قد يتأجج أكثر متى اصطدم بما لا يعقل من المجتمع . و أنا للأسف اصطدمت بمجتمع ليس فيه الا ما ينفر و لا يتلاءم و المنطق العقلاني مطلقا ، فلم يكن تمردي الا طبيعيا كرد فعل . في مجتمعنا ثلاثة رموز الديكتاتورية و الضغط و سلب الحرية : الأب و المام و المعلم .
و منذ نعومة أظافري كنت أخاف الثلاثة ، و أحاول تحاشيهم و أكره تسلطهم . كرهت في الأب قسوته و سوء كلامه ، و في المعلم تمييزه و ظلمه و انغلاقه وكبحه حريتنا ، و في الامام كبرياءه ومحدودية ثقافته و تفكيره وغروره . ولما صرت أبا و رجل تعليم عملت عكس ذاك تماما حتى لا أنسخ ما عانيت في حياة الآخرين ..
قالت : الانسان بطبعه اجتماعي . أين أنت بين هذا و العزلة ؟
قلت : صباي وجزء من شبابي كنت فيهما أميل الى العزلة ، و الخلو الى نفسي ، و كنت أجد في ذاك راحة و طمأنينة ، واستفدت كثيرا من ذاك في المطالعة و قراءة أنفس المؤلفات و أفيد الكتب ، و يعود الفضل الى تلك الأوقات التي كنت أقضيها منعزلا مع كتبي و مذياعي و حماري و شياهي و تأملي . و لكنني تركت هذه العزلة و أصبحت أكثر ميلا الى الولوج في عالم الناس المليء بالمتناقضات ، و لكن بلا صديق عشت حتى الآن ، فصعب أن تجد في من تلاقي شروط الصداقة ، و لهذا فضلت العدم على وجود انسان لا يناسبك . و كدت أفعلها مع الزواج و لكن الضرورة أرغمتني رغم أنفي .
قالت : هل أنت مستقر ؟
قلت : لا يمكن للانسان أن يستقر و هو يخطو كل يوم نحو الموت ، و مجهول لا يعلمه . ان استقرار الانسان سخرية نؤمن بها و نمارسها عن وعي أو غير وعي . انا انسان غير مستقر لا في بيت الطفولة و الشباب و المحيط حيث الشجارات و النزاعات وأنا لا أضمن أنني لا أكون غدا قاتلا أو مسجونا رغم أخلاقي العالية ولكن عزة النفس تملي علي أشياء متى دعت الضرورة . في حياتي الدراسية و العملية لم أكن متأكدا في يوم ما أنني في الغد أكون ضامنا مقعدي الدراسي أو مكاني في العمل ، فقد يحدث سلوك ما وأرمي المنشفة . في الجانب العاطفي لم أكن كذلك مستقرا ، فقد ظل الحب يعصف بي قبل الزواج أو بعده ، و رقصت على حبل فتيات الى حد الاغماء و الانتشاء و الجنون .أما مع عائلتي
فلا أحب أن أنغص حياتهم بما أعيشه مع نفسي ، و أجتهد أن أجعل الزوجة و الأولاد في استقرار ، و حياة هادئة وتوفير سبل الراحة . زوجتي لا أخفي أنها تحاول أن تساعدني بتفهمها لبعض خصوصياتي نتيجة ثقافتها و تفتحها و مراعاتها أنني مفكر و أديب ، و قد تخرج حياة الأديب عن المألوف .
قلت : و ما يمنع مفكرا شاعرا أن يفعل و الطارقة أنت ؟
قالت : السياسة ؟
قلت : عالم حميل لمن أراد أن يكون فاعلا يخدم المصلحة العامة ، و لكن رجاله قليلون ، و الذكاء و الدهاء و الثقافة شروط لابد منها .
قالت : الحب ؟
قلت : من دخل روضته ما أشقاه و من حرم منه ما أتعسه و لكنني أفضل الدخول بدل الحرمان .
قالت : الموت ؟
قلت : مشكلة البشرية . و سارق السعادة منها . لكنه ينطوي على سر ليس متأكد منه أحد .
قالت : ما ثوب الحياة؟
قلت : الطمع و النفاق و الظلم .
قالت : الانسان بطبعه اجتماعي ؟
قلت : بل بطبعه خبيث .
قالت : هل يمكن أن يعم الأرض سلام ووئام و لا يكون أشرار ؟
قلت : الخير و الشر في صراع و هما ماهية هذه الحياة ، و سوف تستمر المسرحية المؤلمة .
قالت : ما يؤلمك و يحيرك ؟
قلت : كثير . ومنه صور انسان تحت رحمة تعذيب مجرم ، طفل بريء تدوسه مركبة أو يسقط في ماء أو يحترق ...، امرأة تحت رجل وحشي ، ابن حيوان أو حيوان يقع فريسة أسد أو نمر أو وحش أو كاسر ..حق يغتصب من صاحبه ...
قالت : ما يؤثر فيك ؟
قلت : جاذبية المرأة .
قالت : ماسر ذلك ؟
قلت : المرأة جزء من الرجل ...وفي بداية الخلق يقال أن المرأة خلقت من آدم ، أي هي جزء لطيف من جسم آدم ، و عندما انفصل هذا الجزء ظل الجسم يحن الى ما أخذ منه لاسترداده ؛ و مادام الجسم الأم قادر على الحركة أكثر فهو يسعى و يجري خلف هذا الحق المأخوذ كي يسترجعه .. و هذا هو سر ميلنا و ركضنا خلف المرأة .
قالت : و لكن المرأة لها ميل نحو الرجل ؟
قلت : طبعا لأنها الجزء المأخوذ من الرجل .. فهذا المأخوذ من الجسم الأم يبقى يحن الى العودة الى مكانه الطبيعي في جسم الرجل ، ولكن مادام جزءا فهو أقل قوة للسعي من الجسم الأم فهو يجتهد في البقاء على صورة تمثل فيه الحياة باغراءاتها حتى لا يتخلى عنه الجسم الأم .. و هكذا نجد ه مطلوبا لا طالبا في ما يبدو لنا ، فالرجل هو الذي يتحرك نحو المرأة قبل أن تفعل .
قالت : لكن في الوجه الآخرنجد المرأة و الرجل خصمين ؟
قلت : ذاك جبروت القوة ضد الضعف ، أو هو عندما يكون الانسان ضد نفسه أو عندما يرخي العنان لقوى الشر فيه ، فالمرأة مستهدفة بكونها امرأة في كل مكان و زمان ، وينظر اليها كأي فاكهة أو مأكول من حق أي انسان تناوله متى احتاجه . ويتوقف الاعتداء على كرامة المرأة وهضم حقها على مدى تحضر المجتمعات وتخلصها من جهلها و تعقدها، فلا يمكن أن تكون الصورة قاتمة في الغرب مثلما هي في شرقنا العربي الاسلامي حيث مختلف الأمراض متفشية من جهل و تشدد و كبت ووحشية ، فالمرأة في هذه المجتمعات أحط قيمة حتى من الحيوان المنبوذ ، ولا ينظر اليها الا أنها لعبة فراش و جسد للجنس و الانجاب و خدمة الرجل بكل عبودية .
قالت : ولكن الاسلام رفعها الى درجة لم يرفعها قبله أي عرف أو شرع أو قانون ؟
قلت : لا شك في هذا ، ولكن لا يفهم و يطبق ما سعى اليه الاسلام الا عقل عالم متحضر .ونحن في الشرق مازلنا دون ذاك المستوى البعيد ، و المرأة أصبحت باسم المفهوم الخاطئ للاسلام أكبر ضحية لنزوات و أمراض واجرام لا مثيل له .
قالت : أفهم من هذا أن المشكل في فهم الشرع أو القانون ؟
قلت : أجل . ما لا ينطبق مع العقل فيه مراجعة . فالنص الشرعي دون تحريف أو تفسير خاطئ لا يتناقض مع العقل أو المنطق ، واذا لم يستوعب فلعدم بلوغ العقل مستوى يؤهل لذلك ، أما القانون و العرف فهما من نتاج تفكير و سلوك بشري يمكن أن يكون فيهما تقصير أو خطأ . ولنعط مثالا عن كل جهة : فالقتل جزاء القاتل عمدا نص شرعي لا يمكن أن يخطأ و هو منطقي جد ولا يرفضه بعد التدبر الا عقل ناقص أو مريض أو متعنت ، فرغم فظاعة الجزاء و لكن ما أقدم عليه القاتل أفظع ، و في العملية علاج و قضاء على الفظاعة الى أقصى حد . وقد نجد القانون يمنع أن يعدم القاتل ولو قضى على العشرات . فهل من المنطق أن يواصل حياته من وضع حدا لحياة غيره بغير حق ؟ . وماذا سيعمل غيره من هواة القتل ؟ . وفي العرف كثير ، المرأة تقتل و تحرم من الحياة بمجرد موت زوجها ، وأخرى عليها أن تقبل بمن أختاره لها أبوها زوجا ...هل يتوافق هذا مع الطبيعة أو العقل ؟ .
قالت : ما ألذ ساعة في الحياة ؟
قلت : أن أجلس اليك و أسمع همساتك و أستنشق أنفاسك .
قالت : متى تكون قويا ؟
قلت : عندما أستغني عن الأكل و الجنس و النوم .
قالت : العنف ؟
قلت : مارسته وسيلة لا غاية فأنا انسان مسالم . نشأت في وسط جو مكهرب من الشجار و النزاع و القساوة . و عشت في مجتمع لا يرحم فكان العنف وسيلة رد لمن تحدى خطوطه فعشت محترما . و اعتمدت القوة الفكرية الثقافية في الدراسة و العمل فنجحت في الاستقلال بحياة وسط أشواك اللا رحمة ، و هذا حال المجتمعات المتخلفة . فالعنف يفيد وسيلة اضطرارية لا طبيعية .
العنف أسلوب لا حضاري ، ولا يقود الا الى ما هو أسوأ ، قد يكون متى دعت الضرورة في يد الحكيم أرحم وذا نتائج بناءة و يستعمل هنا كوسيلة اضطرارية من غير افراط والا وقعنا في المحظور .
قالت : أمنية مستحيلة لك ؟
قلت : أن لا أموت وبين يدي حسناوات و حقول و بساتين خضراء .
قالت : الزواج و الدين ؟
قلت : الزواج أسلم به دينيا و في الحقيقة غير مقنع و غير محصن ، و الدين سلوك و عمل بين الخالق و المخلوق و لا د خل لثالث .
قالت : أحلام ضاعت منك ؟
قلت : مواصلة الدراسة ولكن الظروف أوقفتني رغم امكانياتي وقدراتي الفكرية ، و التزوج بمن أحببت بيد أن الأقدار شاءت غير هذا ، و أن أكون لاعب كرة قدم كبيرا أو عداء ولكن الويل للظروف القاسية و الفقر .
قالت : كيف ركبت زورق الأدب و الشعر ، و ما حصاد الرحلة ؟
قلت : لم أكن مختارا و لكنني وجدت نفسي في هذا العالم . دغدغت نسمات الحب وجداني ، فأردت أن أثبت وجودي أمام من أحب بطريقة قد تكون متميزة ، ووجدت نفسي أكتب وأبوح بخوالج داخلي ، و هكذا بدأت الرحلة . لولم أمتط صهوة الأدب و الفكر ربما كنت غير هذا الذي بينكم ، و لكن القدر شاءني هذا الانسان . خسرت أن أختاردربا آخر قد أحقق فيه أحلاما و أحلاما ، و ربحث أنني صرت أديبا و مفكرا وانسانا أكثر رؤية للعالم المرئي و الخفي . ما أجمل أن تصبح ترى أكثر و تعي ما يدور حولك بطريقة غير عادية .
قالت : من تحب أن تجلس اليه قارئا من الأدباء ؟ و من لهم أثر في دنيا الأدب في نظرك ؟
قلت : أنا أقرأ كل ما صادفني سيئا أو حسنا و أقرأ لكل الناس و أستفيد من كل شيء . متفتح على كل الثقافات و كل له الحق في أن يقول ما يشاء .
هناك الكثير ممن أثر في العالم بأدبه و فكره ، ولكن صورة نزار قباني ، جبران خليل جبران ، المنفلوطي ، ميخائيل نعيمة ، اليا أبي ماضي ، عمر الخيام ، العقاد ... تبقى أكثر اضاءة .
قالت : الى أيهما تميل تفضيلا الأدب العربي أم غيره ؟
قلت : في الحقيقة أن الأدب هو حرية و نحن ليس لنا حرية فكيف يوجد لنا أدب يقارن ببقية الآداب ؟ . أتعتبرين أن الشعر الجاهلي شعر و أكثر أدبنا في كل العصور ؟ . الأديب في عالمنا العربي محاصر بنار السياسة و سيف الفهم الخاطئ الدين وجهل المجتمع المعقد ولا يمكن له أن يفكر أو يكتب أو يبدع بحرية مثلما يحدث في المجتمعات الأخرى.
ولكن هذا لا يمنع من وجود في العصر الحديث تألقات من أدباء انفلتوا من ربقة مجتمعاتنا المتخلفة ، و مارسوا حريتهم الكتابية الفكرية الابداعية ، فكان الأثر طيبا ، و صرنا نقرأ جماليات و اشراقات هنا و هناك سواء في الرواية أو الشعر أو غير ذاك من الابداعات . و صار وزن عالمي لبعض أدبائنا المتحررين .
قالت: أرى أنك تحب أن تلبس ثوب التمرد في سلوك ، في فكرك ، في حديثك . فأهذا التمرد نتيجة رد فعل على المجنمع أم هو طبيعي فيك ؟
قلت : في قلب كل مفكر أو أديب يسكن شيء من التمرد و الثورة و الا ما وجد . و قد يتأجج أكثر متى اصطدم بما لا يعقل من المجتمع . و أنا للأسف اصطدمت بمجتمع ليس فيه الا ما ينفر و لا يتلاءم و المنطق العقلاني مطلقا ، فلم يكن تمردي الا طبيعيا كرد فعل . في مجتمعنا ثلاثة رموز الديكتاتورية و الضغط و سلب الحرية : الأب و المام و المعلم .
و منذ نعومة أظافري كنت أخاف الثلاثة ، و أحاول تحاشيهم و أكره تسلطهم . كرهت في الأب قسوته و سوء كلامه ، و في المعلم تمييزه و ظلمه و انغلاقه وكبحه حريتنا ، و في الامام كبرياءه ومحدودية ثقافته و تفكيره وغروره . ولما صرت أبا و رجل تعليم عملت عكس ذاك تماما حتى لا أنسخ ما عانيت في حياة الآخرين ..
قالت : الانسان بطبعه اجتماعي . أين أنت بين هذا و العزلة ؟
قلت : صباي وجزء من شبابي كنت فيهما أميل الى العزلة ، و الخلو الى نفسي ، و كنت أجد في ذاك راحة و طمأنينة ، واستفدت كثيرا من ذاك في المطالعة و قراءة أنفس المؤلفات و أفيد الكتب ، و يعود الفضل الى تلك الأوقات التي كنت أقضيها منعزلا مع كتبي و مذياعي و حماري و شياهي و تأملي . و لكنني تركت هذه العزلة و أصبحت أكثر ميلا الى الولوج في عالم الناس المليء بالمتناقضات ، و لكن بلا صديق عشت حتى الآن ، فصعب أن تجد في من تلاقي شروط الصداقة ، و لهذا فضلت العدم على وجود انسان لا يناسبك . و كدت أفعلها مع الزواج و لكن الضرورة أرغمتني رغم أنفي .
قالت : هل أنت مستقر ؟
قلت : لا يمكن للانسان أن يستقر و هو يخطو كل يوم نحو الموت ، و مجهول لا يعلمه . ان استقرار الانسان سخرية نؤمن بها و نمارسها عن وعي أو غير وعي . انا انسان غير مستقر لا في بيت الطفولة و الشباب و المحيط حيث الشجارات و النزاعات وأنا لا أضمن أنني لا أكون غدا قاتلا أو مسجونا رغم أخلاقي العالية ولكن عزة النفس تملي علي أشياء متى دعت الضرورة . في حياتي الدراسية و العملية لم أكن متأكدا في يوم ما أنني في الغد أكون ضامنا مقعدي الدراسي أو مكاني في العمل ، فقد يحدث سلوك ما وأرمي المنشفة . في الجانب العاطفي لم أكن كذلك مستقرا ، فقد ظل الحب يعصف بي قبل الزواج أو بعده ، و رقصت على حبل فتيات الى حد الاغماء و الانتشاء و الجنون .أما مع عائلتي
فلا أحب أن أنغص حياتهم بما أعيشه مع نفسي ، و أجتهد أن أجعل الزوجة و الأولاد في استقرار ، و حياة هادئة وتوفير سبل الراحة . زوجتي لا أخفي أنها تحاول أن تساعدني بتفهمها لبعض خصوصياتي نتيجة ثقافتها و تفتحها و مراعاتها أنني مفكر و أديب ، و قد تخرج حياة الأديب عن المألوف .