المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حول المدرسة الرمزية


عبدالله علي باسودان
05-23-2014, 11:08 AM
حول المدرسة الرمزية في الشعر المعاصر – 1-

من المدارس البارزة والمثيرة للجدل والخصام بين النقاد المدرسة التي سميت بـ( الرمزية ) .

ويرى منظرو النقد أن هذه المدرسة الأدبية والنقدية قد خرجت من رحم المدرسة الرومانسية ، بل نظر إليها بعضهم بوصفها مرحلة متطورة منها ، ولاسيما في جانبين اثنين ، هما:
- عمق النظرة إلى ماهية الصورة الشعرية ووظيفتها.
- والأخرى الاعتراف بالفرد وعالمه الداخلي ، وقبول هروبه من عالم الواقع إلى عالم الحلم كنوع من الرفض أو التمرد على ذلك الواقع.

كما إن تطور مجال الدراسات النفسية ولاسيما آراء فرويد عن اللاشعور الفردي ثم آراء يونغ عن اللاشعور الجماعي كل ذلك ساهم في إنضاج فكر هذه المدرسة .

وا لرمزية التي نشير إليها هنا هي في أبسط مفاهيمها " طريقة في الأداء الأدبي تعتمد على الإيحاء بالأفكار والمشاعر وإثارتها بدلاً من تقريرها أو تسميتها أو وصفها " ، وقد اصطنع الرمزيون وسائل عديدة للإيحاء بدلالات أعمالهم الشعرية ، وهم لم يبتكروا كل تلك الوسائل لكنهم جمعوا ما تفرق منها عند غيرهم فأكثروا من استعمالها وزادوا فيها وفلسفوها على حسب آرائهم .

والطريف أن أكابر منتقدي المدرسة الرمزية ، في البلاد العربية ، كانوا من المخضرمين الذين عاشوا فترة المد الرومانسي ونهلوا منه وبشروا به ، ثم إذا بهم قد عشا أبصارهم وهج هذه المدرسة الجديدة التي أرادت شدهم معها من الوقوف على حافة الذات الإنسانية ، التي اكتفوا بالدوران حولها ، إلى الهبوط في أغوارها والغوص في أعماقها إلى درك ينعدم فيه الوعي وينقطع فيه الشعور ، ثم التوغل في ظلمات اللاوعي ومجاهل اللاشعور إلى عالم شبيه بعالم الأحلام ، أو هو عالم الأحلام بعينه ، لكن هؤلاء هابوا هذه الرحلة غير المأمونة ، وعدوها نوعًا من العبث ، بل ضربًا من أحوال الحواة وصناع الدجل .

لكن رغم هذا التهيب من قبل الآباء ، لم يحجم الأبناء من تكرار الدعوة إلى سبر أغوار النفس الإنسانية في الأدب والنقد ، ولم يرعهم قسوة أولئك الآباء وتشددهم في نقدهم ونقد صنيعهم ، بل مضوا في هذا السبيل ، سواء في البلاد الأوروبية أو نظراؤهم في البلاد العربية ، ينظّرون لتيارهم هذا الذي هو ألصق بطبيعة الأدب ووظيفة الشعر في استلهام النفس الإنسانية.

يتبع

عبدالله علي باسودان
05-23-2014, 11:24 AM
- 2 -

لقد كانت البلاد الشامية هي الحاضنة الأولى في الوطن العربي لهذا التيار ، ومنها انتقل إلى مصر ، ومنها إلى البلاد العربية. يقول خليل حاوي وهو من الشعراء الرمزيين " إن الشاعر الرمزي يحاول أن يعبر عن أسرار الحياة النفسية السحيقة عن أعماقها اللاشعورية ، فإذا تمكن من إنتاج ذلك التعبير استطاع أن ينتج قصيدة رمزية حديثة".

إن ا لقصيدة الحديثة تتصادم فيها التجارب النفسية معبرة عن الرؤية التي تتغلغل في أعماق الشاعر ، لكن كيف يستطيع هذا الشاعر أن ينتج هذا التعبير عن تلك الأعماق النفسية واللاشعورية ، إنه إذا أراد ذلك فلا بد أن تكون له أولاً ( رؤية ) أو ( رؤيا ) وكأنه يرى أن الأولى تستمد نفسها من العقل والأخيرة من الباطن ، كما أن للفظة ( الرؤيا ) مفهومًا دينيًا وصوفيًا ومن ثم فإن لها دلالة ميتافيزيقية غيبية ، وأول من تبناها في مجال النقد هم جماعة ( شعر ) ، وتحت تأثير هذه الجماعة يقول الرمزيون في تفسيرهم لتلك الرؤيا ، الرؤيا هي بمثابة اكتشاف وخلق جديد للأشياء أو بتعبير أوضح كسر جدران سجون الوعي الذي يلفنا قاسيًا بمنطقيته المحدودة .

إذن فالشاعر كي يكون حديثًا ، أو رمزيًا بالتحديد ، يجب عليه أن يتخلص من محدودية التفكير المنطقي ويتحرر من سجن الوعي ويقفز من أعلى جدرانه حتى يتسنى له أن يقبض على اللحظة الحضارية النفسية فيما هي تبرق وتخطف قبل أن يدركها الإدراك ويعيها الوعي ويجزئها إلى معانٍ وأفكار .

إن الشاعر في سباق لاهث مع ( خصمه اللدود ) الوعي والمنطق على الإشارات التي تنبعث من أعماقه النفسية ليصورها في إبداعه كما هي حالمة قبل أن يدركها الوعي ويحيلها إلى العقل فيضع لها تفسيرًا قد لا يكون صحيحًا أو دقيقًا، إنه يفضل أن يلوذ بحالة اللاوعي تلك الحالة التي تكون موجودة في النفس وهي الأشد تأثيرًا على مصيرها ومواقفها وعواطفها من الأفكار والأحوال التي تطرأ على الوعي فيعيها ويتمثلها وينتبه لها ، وتلك النظرة إلى دور اللاوعي يبدو فيها الشعراء الرمزيون متأثرون بمقولات علماء التحليل النفسي وعلى رأسهم فرويد ، ومن ثم نراهم يقولون بوضوح بأن الشاعر الرمزي " يجب أن يكون ذلك المثقف الحالم على حد تعبير سيجموند فرويد "، إنها ثقافة غير عادية ، بل هي ثقافة ينبغي أن تتسم بالاتساع والعمق حتى تكون وسيلة مثلى للشاعر تمكنه من تشكيل تلك الرؤيا وإنضاجها وتعميقها وتكثيفها لتترك في نفس المتلقي شعورًا ، كما تساعده على إنجاز عملية تعطيل الوعي ، وهذا التعطيل يعد في حد ذاته عملاً إراديًا يحتاج إلى كثير من الرياضة و الدربة والمكابدة .

ثم إن الشاعر الرمزي يفترض فيه أن يكون ذا نظرة متميزة لمجريات واقعه ، ولتحقيق ذلك عليه أن يصاب بصورة مستمرة بالاندهاش من كل ما يمكن أن يدخل في حدود إبصاره ، ذلك لأن ( الدهشة ) هي كما يراها الشعراء الرمزيون " أعظم فلذة في الشعر الحديث ، فالشاعر الحقيقي لا ينظر إلى الأشياء إلا بدهشة " ، ولا شك أن الدهشة لا تعتري الإنسان إلا إذا رأى ما لم يألفه ، وهذا الأمر يجعل الشاعر مطالبًا بأن ينظر حتى إلى الأشياء المألوفة كأنها غير مألوفة ، أو بعبارة أخرى أن ينظر هو إليها نظرًا غير مألوف ، أو ينظر إليها نظرًا حالمًا كما ينظر الوسنان إلى الأشياء أو الوقائع التي تتراءى له في أحلامه وتمتلئ بها نفسه ارتياحًا أو انقباضًا لكنه في كلا الحالتين لا يدري لها تأويلاً ولا يدرك لها تعبيرًا . [/COLOR][/SIZE]

يتبع

الدكتور اسعد النجار
05-23-2014, 02:03 PM
بوركت لهذا الجهد المضني

تحياتي

عبدالله علي باسودان
05-23-2014, 05:31 PM
- 3 -

لكن الشاعر الرمزي لديه وسائله التي يستطيع بها التعبير عن تلك الحالة الحالمة ، حيث يرى أنها تتمثل في الرمز والأسطورة والموسيقى ، أما الرمز أنه بمثابة عملية لاصطياد الرؤيا العميقة التي تكمن في أعماق النفس الإنسانية ، والشاعر يصطاد تلك الرؤية غفلاً خالية من أي شائبة وعي يفسرها أو منطق يحددها ، ومن ثم يسجلها في شعره على شكل رموز ، والرمز يبدأ من واقع ما رآه الشاعر أو عايشه ، لكنه لا يلتصق بجزئيات ذلك الواقع ولا يحلله وإنما يرده إلى أعماق ذاته ، ثم يسلمه إلى التجريد والتكثيف حتى يصبح أسلوب العمل الأدبي غامضًا أشبه بالأحلام التي تندمج فيها الصور على تناثر موادها وسعة دلالاتها ، وهو الأمر الذي يهيئ لربط هذا الأسلوب بالغموض ، ومن ثم نرى ذلك الارتباط الغموض والرمز في الشعر ناتجان لا عن سبب خارجي بل بسبب داخلي يعود إلى " طبيعة الرؤيا عند الشاعر " .تلك الطبيعة ينتج عنها تعدد القراءات وتدرجها للقصيدة القائمة على الرمز على ذلك النحو ، قراءات استكشافية تتقدم إلى ذهن القارئ بخطوات قد لا تنتهي لتجدد الدلالات واكتشاف المزيد منها لدى كل قراءة جديدة إنها قراءات تتعدد فيها مستويات التأويل لكن لا تتمانع، فكل يتصورها حسب حالته الوجدانية وحسب ما يستطيع أن يستنبط منها وحسب ما تثيره أصداؤها في نفسه وحسب ما تبعثه من عواطف ومشاعر ، وكأنها نافذة يطل منها الشاعر على أفق واسع من عالمه الداخلي) ،
وفي ذلك يقول الشعراء الرمزيون : " القصيدة الحديثة هي تلك التي لا تنتهي أبدًا ، إنما تترك صورها وإيقاعاتها لتكمل أصداءً و أطيافًا لا متناهية ، ذات أبعاد موحشة سحيقة حسب قدرة كل قارئ على التعاطف المرنان معها ، إنها تلك التي تتسرب تدريجيًا إلى أعماق الذات ومكوثها فيها أخلد من مكوث تلك القصيدة القديمة ، ولأن الرمز سمة أسلوبية فإن جزئياته " ليست لها قيمة ذاتية ، بل تنبع قيمتها من وظيفتها الإيحائية في البناء العام للرمز ، لهذا نرى الشاعر الرمزي ينصح قارئه إذا أراد أن يستوعب قصيدة رمزية أن لا يجزئها أو يطلب معنى مستقلاً قائمًا بنفسه في حيز من كلماتها ، حيث أن القصيدة الرمزية لا تفسر إلا ككل لأن كل أبياتها بمثابة عوالم موحشة كل بيت مرتبط بالبيت الأخير ، وهو ارتباط نفسي وليس ارتباطًا منطقيًا حيث إن وحدة القصيدة الرمزية نفسية مليئة بالمفاجآت الإيحائية ، وليست نفسية على أساس التداعي ، كما إن الرمز ليس من طبيعته ووظيفته " أن ينقل إليك أبعاد الأشياء وهيئاتها كاملة ولكن وظيفته أن يوقع في نفسك ما وقع في نفس الشاعر من إحساسات ".
ويلحق بالرمز الأسطورة ، وهي في الأصل حكاية مجهولة المؤلف غالبًا تفسر ظاهرة كونية ، ثم اتخذت أداة فنية بوصفها أحد منابع اللاشعور الجمعي التي يمتح منها الأديب الرمزي ، وقيمتها عند الرمزيين تكمن ، كما يقول إزراباوند، في أنها " بمثابة اتحاد الماضي بالحاضر ، تصادم زماني يشمل كل المؤثرات والعوامل الإنسانية منذ فجر البداءة " ، ونجد هنا الشعراء الرمزيون متأثرًون بكارل يونغ في فهمه لمفهوم الأسطورة ووظيفتها الرمزية فينقل عنه أن الأسطورة " رواسب نفسية لتجارب لا شعورية ، يشارك فيها الأسلاف في عصور بدائية تؤدي إلى طمس المعالم والحدود بين الأجيال والمجتمعات الإنسانية المختلفة ، وإلى تجاهل كل التطور الإنساني في صعوده عبر الزمن من الحالات المتوحشة إلى المجتمع المتقدم الذي نحن عليه " ،
وبهذا يصبح العودة إلى الماضي وسيلة لا غاية ، وسيلة لفهم الحاضر بخيال أكثر غنى وحيوية وخصبًا يتشكل من الربط الوثيق بين مضمون الأسطورة وما يشاكله في العصر الحاضر ، ويظهر ذلك الاتحاد أو التصادم في شخصيات الأسطورة وأحداثها ومواقفها التي يمكن ردها أو رد بعض منها إلى شخصيات وأحداث ومواقف عصرية حاضرة ، ومن ثم فهي تشكل وسيلة استعارية أو إيحائية جنح كثير من الشعراء إلى استخدامها ي القصيدة المعاصرة.

كوكب البدري
09-25-2014, 09:26 AM
الف شكر وقوافل من الورد لاتنتهي