المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : للقلب آياتٌ من القرءان (38)


شاكر السلمان
11-01-2015, 01:52 PM
وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ 0 التوبة( 127)






تفسير القرطبي

قوله تعالى: { وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض} { ما} صلة، والمراد المنافقون؛ أي إذا حضروا الرسول وهو يتلو قرآنا أنزل فيه فضيحتهم أو فضيحة أحد منهم جعل ينظر بعضهم إلى بعض نظر الرعب على جهة التقرير؛ يقول: هل يراكم من أحد إذا تكلمتم بهذا فينقله إلى محمد؛ وذلك جهل منهم بنبوته عليه السلام، وأن الله يطلعه على ما يشاء من غيبه.

وقيل إن { نظر} في هذه الآية بمعنى أنبأ.
وحكى الطبري عن بعضهم أنه قال: { نظر} في هذه الآية موضع قال.

قوله تعالى: { ثم انصرفوا} أي انصرفوا عن طريق الاهتداء.
وذلك أنهم حينما بين لهم كشف أسرارهم والإعلام بمغيبات أمورهم يقع لهم لا محالة تعجب وتوقف ونظر، فلو اهتدوا لكان ذلك الوقت مظنة لإيمانهم؛ فهم إذ يصممون على الكفر ويرتبكون فيه كأنهم انصرفوا عن تلك الحال التي كانت مظنة النظر الصحيح والاهتداء، ولم يسمعوا قراءة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم سماع من يتدبره وينظر في آياته؛ { إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون}[1] (http://www.nabee-awatf.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=175#_ftn1).
{ أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}[2] (http://www.nabee-awatf.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=175#_ftn2).
قوله تعالى: {صرف الله قلوبهم} فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: { صرف الله قلوبهم} دعاء عليهم؛ أي قولوا لهم هذا.
ويجوز أن يكون خبرا عن صرفها عن الخير مجازاة على فعلهم.
وهي كلمة يدعي بها؛ كقوله { قاتلهم الله}[3] (http://www.nabee-awatf.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=175#_ftn3) والباء في قوله: { بأنهم} صلة لـ { صرف}.
الثانية: قال ابن عباس: يكره أن يقال انصرفنا من الصلاة؛ لأن قوما انصرفوا فصرف الله قلوبهم، ولكن قولوا قضينا الصلاة؛ أسنده البري عنه.
قال ابن العربي: وهذا فيه نظر وما أظنه بصحيح فإن نظام الكلام أن يقال: لا يقل أحد انصرفنا من الصلاة؛ فإن قوما قيل فيهم: { ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم}.
أخبرنا محمد بن عبدالملك القيسي الواعظ حدثنا أبو الفضل الجوهري سماعا منه يقول: كنا في جنازة فقال المنذر بها: انصرفوا رحمكم الله فقال: لا يقل أحد انصرفوا فإن الله تعالى قال في قوم ذمهم { ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم} ولكن قولوا: انقلبوا رحمكم الله فإن الله تعالى قال في قوم مدحهم { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء}[4] (http://www.nabee-awatf.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=175#_ftn4).
الثالثة: أخبر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أنه صارف القلوب ومصرفها وقالبها ومقلبها؛ ردا على القدرية في اعتقادهم أن قلوب الخلق بأيديهم وجوارحهم بحكمهم، يتصرفون بمشيئتهم ويحكمون بإراداتهم واختيارهم؛ ولذلك قال مالك فيما رواه عنه أشهب : ما أبين هذا في الرد على القدرية { لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم}[5] (http://www.nabee-awatf.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=175#_ftn5).
وقوله عز وجل لنوح: {أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن}[6] (http://www.nabee-awatf.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=175#_ftn6)
فهذا لا يكون أبدا ولا يرجع ولا يزول.

الشعراوي
ومن قبل جاء قول الحق:{ وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً... }[التوبة: 124]

أي: أن هؤلاء المنافقين يشعرون بالضيق والحصار، ويخافون أن يتكلموا؛ لأنهم موجودون مع المسلمين، ولكنهم لا يعدمون وسيلة للتعبير عن كفرهم، فيغمز الواحد منهم بعينه، أو يشير إشارة بيده، فإذا ما كانوا قد تساءلوا من قبل بـ { أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً } فقد كان هذا السؤال يتعلق بالتكاليف، أما في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها فليس فيها تكاليف جديدة.

لقد كانوا يريدون أن يقولوا شيئاً، ولكنهم لم يستطيعوا أن يتكلموا بأفواههم، فتكلموا بأعينهم ونظراتهم، فكأن النظر نفسه كان فيه هذه الكلمة: { هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ } ، وهذا قد تراه من واحد يسمع خطبة الخطيب، ولكنه يرى بها أشياء لا تعجبه، فتجده يعبر بانفاعالات وجهه عن عدم رضاه.

إذن: فهناك نظر، وهناك كلام، وهم قد تساءلوا: هل يراكم من أحد؟ زمثلها مثل قولك: ما عندي من مال؟ أي أنك لا تملك بداية ما يقال عنه مال، والقول الكريم أبلغ بالقطع من أن تقول: هل يراكم أحد.

إن قوله الحق: { هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ } دليل على أنهم في خوف من أن يضبطهم أحد، ومن بعد ذلك تجدهم يتسللون خارج دائرة الاستماع للقرآن أو للرسول؛ لأنهم لا يطيقون الاستمرار في الاستماع؛ لأن منطق الحق يلجم الباطل، والواحد منهم غير قادر على أن يؤمن بالحق وغير قادر على إعلان الكفر؛ فينسحبون، وينصرف كل واحد منهم؛ لذلك نجد أن بعضهم قد قال من قبل:{ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ... } [فصلت: 26]

وقد قالوا ذلك لأن الكافر أو المنافق قد تأتيه لحظة غفلة عن الباطل، فيتسلل الإيمان إلى قلبه، كما أن المؤمن قد تأتيه لحظة غفلة عن الحق، لكنه يستغفر الله عنها.

وإذا ما أتت للمنافق أو الكافر لحظة غفلة عن كفره أو نفاقه؛ فتأتيه هجمة الإيمان فيخافها، فيقول لمن هم مثله: من الأفضل أن نقول لمن معنا لا تسمعوا هذا القرآن. لماذا؟ حتى لا يصادف فترة غفلة عن النفاق، فإذا صادف فترة غفلة عن النفاق فمن الممكن أن يدخل الإيمان القلب.
ولذلك قالوا: { لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ } ، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل طلبوا من الأتباع ان يلغوا فيه، أي: أن يشوشوا عليه:{ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ... } [فصلت: 26]

إذن: لا غلبة لهم مطلقاً إلا بعدم الاستماع إلى القرآن، أو أن يشوشوا عند سماع القرآن؛ حتى لا ينفذ القرآن إلى القلوب.

وهنا يقول الحق سبحانه عن هؤلاء المنافقين:{ وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ } كانوا يقولون ذلك؛ لأنهم كمنافقين سبق لهم إعلان الإسلام، وكانوا يدعون أنهم متقدمون في تطبيق أحكام الإيمان، وكانوا يصرون على الوقوف أثناء الصلاة في الصف الأول؛ حتى يدفعوا عن أنفسهم تهمة النفاق، وكما يقول المثل: يكاد المريب أن يقول خذوني.
وينظر بعضهم إلى بعض متسائلين: { هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ ٱنصَرَفُواْ } لأنهم لا يطيقون الجلوس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أو إلى المؤمنين.
وينهي الحق الآية:{ صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } وذلك نتيجة لانصرافهم نفسيّاً إلى النفاق؛ فيساعدهم سبحانه على ذلك، فما داموا لا يعرفون قيمة الإيمان؛ فليذهبوا بعيداً عنه، فالحق لهم يصرفهم إلا باختيارهم، حتى لا يقول أحد: إن الله هو مصرف القلوب، فما ذنبهم؟ لا، لقد انصرفوا هم بما خلقه الله فيهم من اختيار، فصرف الله قلوبهم، لماذا؟ لأنهم { قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } أي: لا يفهمون.

والفهم أول مرحلة من مراحل الذات الإنسانية، وهناك فرق بين الفهم والعلم. فالفهم يعني أنك تملك القدرة على تَفَهُّم ذاتية الأشياء بملكة فيك، لكن العلم يعني أنك قد لا تفهم أنت بذاتك، وإنما يفهم غيرك ويعلمك.
فأنت قد تعلم جزئية لا من عندك وإنما من معلم لك.
ولكن قد يقول قائل: ما داموا لا يفقهون فما ذنبهم؟ ونقول: الذي لا يفهم عليه أن يتقبل التعليم، لكن هؤلاء لم يفهموا ولم يتعلَّموا، وأصروا على عدم قبول العلم.

وبعد ذلك يتأتى ختام سورة التوبة.
والسورة بدأت بالقطيعة:{ بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [التوبة: 1]
ووردت لنا أحوال الكفار والمنافقين وتكاليف الجهاد الشاقة، وأراد الحق أن يختم السورة بما يبرر هذه المشقات المتقدمة، فبيّن لنا: إياكم أن تنفضُّوا عن الرسول أو تغضبوه؛ لأنه وإن جاء لكم ببلاغ فيه أمور شاقة عليكم فخذوا هذه الأمور الشاقة على أنها من حبيب لكم، لا من عدو لكم.

إنك مثلاً إن رأيت عدوّا ضرب ابنك وجرحه، يكون وقع هذا الأمر شديداً عليك؛ لأنه عدو.
لكنك إذا أخذت ابنك للطبيب وقرر الطبيب إجراء جراحة للابن، فأنت تقبل ذلك؛ لتزيل عن ابنك خطراً.
إذن: فهناك فارق بين جرح عدوك لابنك وجرح الطبيب له رغم أن الإيلام قد يكون واحداً.

إذن: لا ترفض الأمور الشاقة عليك لمجرد ورود المشاق عليك، ولكن اعرف أولاً من الذي أجرى المشاق عليك، فإن كان ربك، فربك بك رحيم.
وإن كان الرسول فخذ أوامر الرسول وطبيقها؛ لأنها من حبيب يريد لك الخير.

وهنا يقول الحق: { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ... }


[1] (http://www.nabee-awatf.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=175#_ftnref1)[الأنفال : 22]
[2] (http://www.nabee-awatf.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=175#_ftnref2)[محمد : 24]
[3] (http://www.nabee-awatf.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=175#_ftnref3) [التوبة : 30]
[4] (http://www.nabee-awatf.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=175#_ftnref4)[آل عمران : 174]
[5] (http://www.nabee-awatf.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=175#_ftnref5)[التوبة : 110]
[6] (http://www.nabee-awatf.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=175#_ftnref6)هود : 36]

الدكتور اسعد النجار
11-01-2015, 08:04 PM
زادنا الله واياكم ايمانا وفهما لدستور الأمة

سلم يراعكم

منية الحسين
11-02-2015, 12:23 AM
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
بوركت عمدتنا الغالي وبوركت جهودك.

شاكر السلمان
11-02-2015, 11:02 AM
زادنا الله واياكم ايمانا وفهما لدستور الأمة

سلم يراعكم
واياكم اللهم آمين

شاكر السلمان
11-02-2015, 11:03 AM
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
بوركت عمدتنا الغالي وبوركت جهودك.
آمين اللهم آمين
بوركت منية الخير

يسار يونس
11-26-2015, 11:36 PM
الله عليك ياصاحب القلب الكبير

رائع رائع كل ماتنشر ومبدع بكل ماتحمله الكلمة من معنى

شاكر السلمان
11-27-2015, 10:24 AM
يا مرحباً بك يسار وتحية لك باليمين
نورت النبع

رياض محمد سليم حلايقه
11-27-2015, 01:41 PM
جزاكم الله خيرا وكان ذلك في ميزان حسناتكم

يسار يونس
11-28-2015, 03:07 PM
منور بيكم اساتذتي
والجميع بصراحة مبدوعون وابهرني جميع كتابتهم

الوليد دويكات
03-31-2016, 09:56 PM
بارك الله فيك وجزاك الله كل خير