المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في قصيدة ( قولي أحبّكَ ) للشاعر / صبحي ياسين ج/1


الوليد دويكات
05-02-2016, 05:36 PM
قولي أحبّك َ

قراءة في قصيدة الشاعر العربي الكبير / صبحي ياسين


مدخل :




يذهب الكثير من النقاد والباحثين إلى اعتبار أن ( العاطفة ) أحد أهم عناصر الإبداع الأدبي ، يليها الخيال والمعنى والأسلوب ، وهناك من يرى أن الشاعر أو الأديب لا يكتب إلا إذا هزّته عاطفة عميقة في التجربة ، وهي وحدها كفيلة أن تمنح الأدب الخلود خاصة إذا توافر في هذه التجربة العاطفية صدق الوجدان .

ونحن ومن خلال محاولتنا لتقديم قراءة في هذه القصيدة ، أننا أمام لوحة فنية غاية في الجمال والروعة ..فالشاعر صبحي فنان ، والفنان يشعر بما لا يشعر به غيره ، ويخلق عالما مغايرا تماما للواقع المرئي ، من خلال تشكيل فني منبعه الموهبة الفطرية الخلاّقة ، يعززها إمتلاكه ناصية اللغة والوعي بما تحويه من أسرار ومكنونات غير محدودة يستطيع تطويعها في نسيج من التصوير المؤطر بالخيال الذي يتيح لنا ويمنحنا القدرة للتمييز بين رسام للشعر وآخر ناظم له .

القصيدة :


تسعة أبيات ٍ تُشكلُ في مضمونها ومعانيها وروعة القالبِ الذي ضمّها ، درْساً من دروس الحبَّ النقي..... ..
الحبّ الذي يعتري قلبَ كلّ عاشق ...لن أتحدثَ هنا عن الذاتية في بناء القصيدة ، باختصار الشاعر يتحدث عني / عنك / عن أي عاشق حتى عنه هو بالذات ..وليس هنا موضع قراءتي هذه .


فجمال النص كما يرى البعض في قابليته للتأويل ، كذلك جماليته في خروجه من ال ( أنا ) المغلقة إلى ال ( نحن ) المطلقة ، وربما هذه أحدى سمات قلم الشاعر المبدع / صبحي ياسين.



ملامح مدخل القصيدة :

قولي أحبكَ مرة ً ثم اختفي ))
قسما بمن فطر السماءَ سأكتفي



يبدأ القصيدة بفعل الأمر : قولي / ثم يردفه بفعل الأمر المكرر في الصدر والعجز / خذي ...ثم جاء فعل الأمر / اختفي وفعل الأمر جففي بين مصراعي أفعال الأمر ( قولي و خذي ) ...

هنا الشاعر يكابد لواعج عشقه ، ولا ينتظر سوى إشارة بوْح من حبيبة تعذبُ قلبه في صمتها ، فلا يطلب سوى كلمة ، وأيّ كلمة التي يبغي الفوز بها ..كلمة بوْح واعتراف بحبّه ..نعم فالشاعر المرهف الذي يحمل قلبا نقيا ويرجو حبّا عفيفا يستطيع العيش على كلمة ...

في صدر البيت الذي رسم المطلع والذي أراده عجزا ليختتم به رائعته ، يطابها أن تبوح له ولو لمرة واحدة بكلمة أحبك ثم لا يمانع رحيلها وإختفاءها ...ومن الطبيعي جدا أن العاشق الذي يصبو لهذا البوح لن يرضى بالرحيل ، ولكنّ هكذا تصريح منه يدلّ دلالة قطعية أن العشق منه نال ...والشوق لهذه المحبوبة قد تمكّن منه ...

وحتى اليمين الغموس الذي ساقه في عجز مطلع القصيدة ، حين أقسم بخالق السماوت أنه سيكتفي بهذا البوح ...والقسم ليس إشارة منه بموافقته على غيابها بعد البوح ، بل هو ــ كما نرى ــ تعبير عن شدة الوجد والحاجة لوصلها ...فجاء القسم والطلب في معرض المبالغة والرجاء .




وخذي فؤادي إنْ أردت ِ رهينة ً
وخذي عيوني إنْ أردت ِ وجففي



وهنا يلجأ الشاعر لحيلة الإغراء لها بالبوح ، يغريها بماذا ؟

يغريها بقلبه أن يقدمه لها رهينة ، تحتفظ به في سبيل بوحها بكلمة ( أحبّك ) ..

ويغريها بعيونه ، فهو على استعداد تام أن يقدم لها قلبه الذي ينبض رهينة وعيونه التي يرى بها ــ إنْ ــ شاءت ...، ولأنها إن رضيت وقبلت ، يرجو منها أن تجفف الدموع التي تغطي هذه العيون ، فالعاشق دائم البكاء ...وفي هذا يقول المتنبي :

أتُراها لكثرة العشاق

تحسبُ الدمع خِلقةً في المآقي




أودعتُ روحي في يمينك ِ وردة ً
فإذا أساءت ذات يوم ٍ فاقطفي



هنا يشبه روحه بالوردة ، وهذه الوردة قد سلمها لها بيدها اليمنى ، وهي اليد التي تصافح ، ويطالبها بقطف هذه الوردة وتركها تموت لفقدها رافد الحياة ، وكأنّ يد الحبيبة تربة ترفد روحه ( الوردة ) بأسباب الحياة ..صورة جميلة جاءت تُعمّق ما سبق بيانه .

مُرّي بكفك ِ فوق قلبي واسمعي
فلعل قلبك ذات يوم ٍ مُنصِفي

ويعود الشاعر للفعل الأمر مجددا ، وهو فعل أمر جاء في سياق الرجاء والطلب ..يطلب منها أن تضع كف يدها على صدره حيث يسكن قلبه لتسمع نبضاته وخفقانه ...وكأنها فرصة أخرى يقدمها الشاعر في سياق رغبته ببوحها ..واستعطافها أن تحنّ عليه ...وهنا يجعل قلبها الحكم الذي يصدر الأحكام ...ويطمع من هذا الحاكم أن يكون عادلا مُنصفا ...فينصف قلب الشاعر الذائب في الوجد .




كل الحِسان ِ شممتهن وطِبْنَ لي
لكن بحسنك كل حسن ٍ يختفي



وهنا يحاول الشاعر أن يخرج من دوائر الإنكسار ، الإنكسار هنا لا يعني إنكسار الهزيمة ، فالذل في الحب أمر محبب ...

وفي هذا يقول الشاعر الغنائي أحمد رامي في رائعة السيدة أم كلثوم :






عزة جمالك فين

من غير ذليل يهواك






فيشبه الجميلات بالورود ، ويشبه وصلها بهنّ أن اقترب من هذه الورود وقام بشمّها ، لكنه عندما التقى بها ، كل الجميلات اللواتي عرفهن وكل الجمال الذي قابله قبلها لم يعد له وجود ...فالشاعر لم يأت لهذه الحبيبة ويتعلق قلبه بها دون أن يكون له تجارب عابرة ..وهو هنا أراد في هذه المبالغة أن يبرهن لها أنها سيدة الجميلات ...

نكتفي بهذا الجزء من هذه القراءة حتى لا نطيل على القاريء ، وحتى لا يكون الإسهاب مبعث الملل ...

ولكن قبل أن نختتم هذا الجزء من هذه المحاولة في قراءة هذه القصيدة الرائعة للشاعر الكبير صبحي ياسين ، نود أن نشير أن هناك رابطة حقيقية بين الشاعر واللغة ، تتجسد أبعادها في كون اللغة فطرة في نفسه يغرف منها بلا انتهاء ، فهي كنزه وثروته ووحيه وإلهامه ، وكلما زادت صلته بها كشفت له عن أسرارها المدهشة ، وشرعت لها أبواب صناديق كنوزها المذهلة ، حتى يشكلها بأسلوبه الأنيق نسيجا يسرّ الناظرين ، أو يصنع منها جنسا من التصوير في سياق لغوي مملوء بالإيحاءات والإشارات والدلالات .

ربما الحديث عن هذه القصيدة يفتح آفاقا أكثر رحابة في الولوج لنفس الشاعر المليئة بالجمال ..وأرى أن الشاعر صبحي ياسين يقدم لنا النموذج الذي نحب من نماذج القصيدة العربية في عناصرها مكتملة ...

أكرر إعتذاري على الإطالة ...وكنت أودّ أن أفرغ ما في جعبتي ، ولكن ربما نعود بحول الله ونكمل الفكرة التي أردنا تقديمها من خلال محاولة القراءة في فضاء هذه الباذخة .

الوليد

الوليد دويكات
05-03-2016, 04:34 PM
أعيدها للواجهة مجددا

ألبير ذبيان
05-03-2016, 05:51 PM
قراءة لماحة عميقة في قصيد الشاعر الكبير صبحي ياسين
سلمت أناملكم ووحيكم أيها العندليب القدير
محبتي