الوليد دويكات
05-10-2016, 12:35 AM
قراءة في قصيدة ( بوح )
للشاعر المبدع / ألبير ذيبان
أن تكتبَ الشعرَ فهذا بحد ذاته ميزة ، أما أن تقترن الكتابة بالجمال والدهشة ، فهذا هو الإبداع ، ذلك هو الشاعر المبدع / ألبير ذيبان الذي صدح بصوته من على منتديات نبع العواطف الأدبية ، فاقتربنا منه وعرفناه أكثر ..وما زلنا نحلّق في فضائه ونكتشف كلّ يوم مساحات من الدهشة وندنو من عالم جميل يتربع على عرشه ...هذا الشاعر الذي عندما يكتب الغزل نحنّ إلى ذاكرة مملوءة أو حياة وجدانية نعيشها ...وحين يبكي على واقعنا المُبكي نرى دموعنا تهمي ويعتصرنا الحزن والأسى ..وحين يكتب في الوصف وجمال الطبيعة يأخذنا رفقته في رحلة ماتعة ...
وهنا أختار هذه القصيدة الرائعة التي قرأتها غير مرة ، وكلما قرأتها وجدت فيها سحرا وجمالا وروعة ...أليس الشعر الجميل هو الذي نبحث عنه ونتفيأ في ظلاله ...
إذا ما بُحتُ ، في حرفي رنين ٌ
غذاهُ العــطرُ فوّاحـــا جميلا
يستهل الشاعر قصيدته في التغنّي ببوحه ، ويزهو بشعره ، فيقول أنه متى قال القصيدة وباح بها ، أي خرجت من كينونته ، فإن للحرف رنين ، والمقصود بالرنين أي أن صوت حرفه مسموع ...وهذا الحرف قد تغذى بالعطر ، وقد شبّه الحرف بالإنسان أو المخلوق الذي يأكل وحذف المشبه به وأبقى شيئا من لوازمه ( غذاه ) على سبيل الإستعارة المكنية .
وطبيعي بما أن الحرف طعامه العطر فإنه عندما يتم البوح به فإن العطر تفوح منه الرائحة الجميلة ...
على الأغصانِ مرَّ به ِ كنار ٌ
غواهُ الشعرُ ، فاستلقى قليلا
هنا نقف على الضمير الهاء في ( به ِ ) ، فهل مرّ الكنار ( نوع من الطيور ) على الشاعر ؟ أم على الحرف ؟ ونرى أنه لا يوجد فرق بين الشاعر والحرف ( القصيدة ) ، فكلاهما واحد ...فسواء مرّ الكنار على الشاعر أو على قصيدته فالمعنى يصبّ في خانة ٍ واحدة ...
وهذا الكنار عندما مرّ على القصيدة أصابه الضلال والإغراء ...، فاستلقى ليسمع ويتأمل ...
يرددُ غانيا ً ملحون َ حرفي
صديحَ الصوتِ مبتهجاً مخيلا
هنا لا أدري لماذا قال الشاعر : ( غانيا ) ، والمعنى الذي أراده أن الكنار أخذد يردد في غناء حروف قصيدة الشاعر المموسقة بالألحان ..ونرى لو أنّه قال شاديا ً لاستقام المعنى الذي أراده ، لأن غانيا تعني : الرجل الذي استغنى عن الناس ..ونقول : غانية : للمرأة التي استغنت بجمالها وحسنها عن الزينة ...وقد ردّد بشدوه قصيدة الشاعر صادحا بصوته المرتفع مغردا ...تغمره البهجة .
إلى أن ْ باغتَ العصفورَ ليل ٌ
فلاذَ الوكرَ متخذا سبيلا
وهنا نرى الشاعر يقودنا إلى انتقال جميل ، وندخل معه في دهاليز اللغة السردية الراقية ، بدأت عندما يبوح الشاعر في قصيدته تجد لحروفه رنينا ً يفوح عبقها لأنها تتغذى على العطر ..هذا النشيد إذا سمعه الكنار وهو الطائر جميل الصوت فإنه يقع في ضلال الشعر فيستلقي ويسمع ويأخذ الطائر في ترديد نشيد الشاعر بصوته الصادح مُغردا ً مبتهجاً في زهو ...
هنا مشهد وصورة جميلة نقلها الشاعر بحنكة عالية وقدرة بديعة ، زانها جمال التعبير وفن النظم والصياغة دون أن يُشكل ذلك كله إنزياحا عن المعنى المطروق والمُراد ...
ثم ينقلنا لأجواء أخرى ...وهي حلول الظلام والليل ...وكأن الطائرَ كان في حالة تجلّي فلم يشعر بحلول الليل حيث فاجأه بقدومه ، فلم يجد ملاذا له سوى العش الذي يأوي إليه ..ذلك أن العصافير إذا ما حلّ الظلام تخلد للنوم والراحة ...وهي حقيقة علمية كونية يؤكدها الشاعر في بناء الصورة وجمال توظيفها .
على ضوء ِ النجوم كذا تغنّت ْ
بومضٍ راحَ يتبعه دليلا
فالنجوم في هذا الليل الذي باغت العصفور ، تغنّت بهذا النشيد ،
قُبيل بــروز بــدر في تمام
على عرش السماء بدا جليلا
ربما أن الشاعر قد نظم هذه القصيدة الرائعة في الرابع عشر من الشهر العربي حين يكون القمر بدرا مكتملا تمامه ...وربما جاء هذا البيت تأريخا زمانيا لولادة النص ..فمنظر القمر في مرحلة التمام جذب ناظره ، وأحسن في التعبير حين وصف القمر بالجلال لتميزه وتفرده عن سائر الكواكب والنجوم نظرا لإكتماله وجمال منظره ...
أضاء كؤوس زهر ٍ في ظلام ٍ
تُرتلُ خلوة ً حرفي طويلا
فهذا البدر المنير ...نشر ضياءه وأضاء في هذا الظلام ...أضاء كؤوس الزهر التي أخذت تتغنى بنشيده وشعره مدة طويلة ....
فصار الليلُ من بوحي منارا ً
لأهل الحرف من بوحي صقيلا
فالليل ُ تبدلّ ضلامه ورحلت حلكته وأصبح دليلا لأصحاب الذائقة الذين يعرفون معنى اللغة ويفقهون جمال المعاني وروعة الشعر وسحر بيانه ....
الشاعر ألبير شاعر مطبوع ، يملك أدواته ، واللغة طيّعة بين يديه ، وخياله رحب ، ينظم القصيدة نظما جميلا ، يعيدنا لزمن الشعر الجميل ...يلتزم القصيدة الكلاسيكية معتمدا على ثراء تقافته والمخزون الكبير من المفردات وحسّه الرفيع للموسيقى التي تتجلى في قصائده ...
قصيدة بوْح ...قصيدة نرى أنه كتبها وكتب قصيدته الجميلة ( كارثة ) في سياق نفسيٍّ متلازم ...فهنا يزهو بشعره وحرفه وهناك نراه ناقما على من يدّعي الشعر وهو جاهل ...
القصيدة استوقفت ذائقتي ..ربما أكون قد قرأتها كما أرادها الشاعر ، وربما جانبني الحظ في تأويلها ...هكذا قرأتها ...وأعلم أن قصيدة بهذا الحجم تحتاج لقاريءٍ يستطيع الغوص والإبحار في بحرها العميق ...
بقي أن أقول : أن الشاعر الجميل / ألبير ذيبان شاعر يُجبرك على رصد حرفه وتتبع نصوصه ، فهو شاعر مبدع ، يقدم القصيدة مكتملة العناصر ، غنية بالصور والمعاني .
باحترام
الوليد
نابلس المحتلة
للشاعر المبدع / ألبير ذيبان
أن تكتبَ الشعرَ فهذا بحد ذاته ميزة ، أما أن تقترن الكتابة بالجمال والدهشة ، فهذا هو الإبداع ، ذلك هو الشاعر المبدع / ألبير ذيبان الذي صدح بصوته من على منتديات نبع العواطف الأدبية ، فاقتربنا منه وعرفناه أكثر ..وما زلنا نحلّق في فضائه ونكتشف كلّ يوم مساحات من الدهشة وندنو من عالم جميل يتربع على عرشه ...هذا الشاعر الذي عندما يكتب الغزل نحنّ إلى ذاكرة مملوءة أو حياة وجدانية نعيشها ...وحين يبكي على واقعنا المُبكي نرى دموعنا تهمي ويعتصرنا الحزن والأسى ..وحين يكتب في الوصف وجمال الطبيعة يأخذنا رفقته في رحلة ماتعة ...
وهنا أختار هذه القصيدة الرائعة التي قرأتها غير مرة ، وكلما قرأتها وجدت فيها سحرا وجمالا وروعة ...أليس الشعر الجميل هو الذي نبحث عنه ونتفيأ في ظلاله ...
إذا ما بُحتُ ، في حرفي رنين ٌ
غذاهُ العــطرُ فوّاحـــا جميلا
يستهل الشاعر قصيدته في التغنّي ببوحه ، ويزهو بشعره ، فيقول أنه متى قال القصيدة وباح بها ، أي خرجت من كينونته ، فإن للحرف رنين ، والمقصود بالرنين أي أن صوت حرفه مسموع ...وهذا الحرف قد تغذى بالعطر ، وقد شبّه الحرف بالإنسان أو المخلوق الذي يأكل وحذف المشبه به وأبقى شيئا من لوازمه ( غذاه ) على سبيل الإستعارة المكنية .
وطبيعي بما أن الحرف طعامه العطر فإنه عندما يتم البوح به فإن العطر تفوح منه الرائحة الجميلة ...
على الأغصانِ مرَّ به ِ كنار ٌ
غواهُ الشعرُ ، فاستلقى قليلا
هنا نقف على الضمير الهاء في ( به ِ ) ، فهل مرّ الكنار ( نوع من الطيور ) على الشاعر ؟ أم على الحرف ؟ ونرى أنه لا يوجد فرق بين الشاعر والحرف ( القصيدة ) ، فكلاهما واحد ...فسواء مرّ الكنار على الشاعر أو على قصيدته فالمعنى يصبّ في خانة ٍ واحدة ...
وهذا الكنار عندما مرّ على القصيدة أصابه الضلال والإغراء ...، فاستلقى ليسمع ويتأمل ...
يرددُ غانيا ً ملحون َ حرفي
صديحَ الصوتِ مبتهجاً مخيلا
هنا لا أدري لماذا قال الشاعر : ( غانيا ) ، والمعنى الذي أراده أن الكنار أخذد يردد في غناء حروف قصيدة الشاعر المموسقة بالألحان ..ونرى لو أنّه قال شاديا ً لاستقام المعنى الذي أراده ، لأن غانيا تعني : الرجل الذي استغنى عن الناس ..ونقول : غانية : للمرأة التي استغنت بجمالها وحسنها عن الزينة ...وقد ردّد بشدوه قصيدة الشاعر صادحا بصوته المرتفع مغردا ...تغمره البهجة .
إلى أن ْ باغتَ العصفورَ ليل ٌ
فلاذَ الوكرَ متخذا سبيلا
وهنا نرى الشاعر يقودنا إلى انتقال جميل ، وندخل معه في دهاليز اللغة السردية الراقية ، بدأت عندما يبوح الشاعر في قصيدته تجد لحروفه رنينا ً يفوح عبقها لأنها تتغذى على العطر ..هذا النشيد إذا سمعه الكنار وهو الطائر جميل الصوت فإنه يقع في ضلال الشعر فيستلقي ويسمع ويأخذ الطائر في ترديد نشيد الشاعر بصوته الصادح مُغردا ً مبتهجاً في زهو ...
هنا مشهد وصورة جميلة نقلها الشاعر بحنكة عالية وقدرة بديعة ، زانها جمال التعبير وفن النظم والصياغة دون أن يُشكل ذلك كله إنزياحا عن المعنى المطروق والمُراد ...
ثم ينقلنا لأجواء أخرى ...وهي حلول الظلام والليل ...وكأن الطائرَ كان في حالة تجلّي فلم يشعر بحلول الليل حيث فاجأه بقدومه ، فلم يجد ملاذا له سوى العش الذي يأوي إليه ..ذلك أن العصافير إذا ما حلّ الظلام تخلد للنوم والراحة ...وهي حقيقة علمية كونية يؤكدها الشاعر في بناء الصورة وجمال توظيفها .
على ضوء ِ النجوم كذا تغنّت ْ
بومضٍ راحَ يتبعه دليلا
فالنجوم في هذا الليل الذي باغت العصفور ، تغنّت بهذا النشيد ،
قُبيل بــروز بــدر في تمام
على عرش السماء بدا جليلا
ربما أن الشاعر قد نظم هذه القصيدة الرائعة في الرابع عشر من الشهر العربي حين يكون القمر بدرا مكتملا تمامه ...وربما جاء هذا البيت تأريخا زمانيا لولادة النص ..فمنظر القمر في مرحلة التمام جذب ناظره ، وأحسن في التعبير حين وصف القمر بالجلال لتميزه وتفرده عن سائر الكواكب والنجوم نظرا لإكتماله وجمال منظره ...
أضاء كؤوس زهر ٍ في ظلام ٍ
تُرتلُ خلوة ً حرفي طويلا
فهذا البدر المنير ...نشر ضياءه وأضاء في هذا الظلام ...أضاء كؤوس الزهر التي أخذت تتغنى بنشيده وشعره مدة طويلة ....
فصار الليلُ من بوحي منارا ً
لأهل الحرف من بوحي صقيلا
فالليل ُ تبدلّ ضلامه ورحلت حلكته وأصبح دليلا لأصحاب الذائقة الذين يعرفون معنى اللغة ويفقهون جمال المعاني وروعة الشعر وسحر بيانه ....
الشاعر ألبير شاعر مطبوع ، يملك أدواته ، واللغة طيّعة بين يديه ، وخياله رحب ، ينظم القصيدة نظما جميلا ، يعيدنا لزمن الشعر الجميل ...يلتزم القصيدة الكلاسيكية معتمدا على ثراء تقافته والمخزون الكبير من المفردات وحسّه الرفيع للموسيقى التي تتجلى في قصائده ...
قصيدة بوْح ...قصيدة نرى أنه كتبها وكتب قصيدته الجميلة ( كارثة ) في سياق نفسيٍّ متلازم ...فهنا يزهو بشعره وحرفه وهناك نراه ناقما على من يدّعي الشعر وهو جاهل ...
القصيدة استوقفت ذائقتي ..ربما أكون قد قرأتها كما أرادها الشاعر ، وربما جانبني الحظ في تأويلها ...هكذا قرأتها ...وأعلم أن قصيدة بهذا الحجم تحتاج لقاريءٍ يستطيع الغوص والإبحار في بحرها العميق ...
بقي أن أقول : أن الشاعر الجميل / ألبير ذيبان شاعر يُجبرك على رصد حرفه وتتبع نصوصه ، فهو شاعر مبدع ، يقدم القصيدة مكتملة العناصر ، غنية بالصور والمعاني .
باحترام
الوليد
نابلس المحتلة