ألبير ذبيان
01-04-2017, 09:29 PM
"هي كتاباتي التي أحبها
بعضها وجد طريقه الى الصحف السورية
وبعضها وجد مستقرا في المنتديات
وبعضها نامت متوسدة غبار الدفاتر العتيقة"
يحضركَ سيبٌ من ذكريات، وتتغلغلكَ لكنةٌ تشبهُ بفوح عطرها أنسام الصباح الدمشقي
المكحَّلِ بمرودِ التاريخ العريقِ، حالَ تقترفُ ذائقتكَ خوضَ غمارِ النجلاءِ بأهازيج مطرها السَّخيِّ التصاوير!
ليأخذكَ إصرارها البديعُ في أمثـَلـَةِ الزمن، وإقحامهِ عنوةً في كل تصاريفِ المشاعرِ وإيحاءاتِ الرؤى.. بدقةٍ وبراعة لافتة!
من البداية وحتى لانهاياتِ البوح العميقِ العميق...
"بين الرحيق والشهد ثمة زمنٌ ملفح بملح الأحزان..."
"وليس حباً أن تجود بالاشتياق وتملأ عنق الوعد بحروفٍ غرامية،
واللهفة التي نسيتْ السباحة وتاهت في رأس النسيان..
ربما تكون مخبأة في أصداف الوقت تكتنز فرص الخروج لتكون أشد وهجاً"
"تُطهينا الفصول على موقد انتظار...تمنحنا الأرض ساعة وقوف لإنقاذ الأفكار من دوامة الدوران..."
لتغرقكَ في أبعاده الماورائية كل حين.. بلكنتِها التي تحبُّ هيَ، لتجعلكَ تنساق وراءَ غاياتِها الشديدة الشفافيةِ،
أبعدَ في فضاءاتٍ من بوح اكتسبَ من بيئتهِ المضمخةِ بالقدمِ -لهجتهُ الثَّرُّةَ عذوبةً وخيلاءً- زخمَ التأثير..
"إنه الهروب من أمسي يجعلني أختار الصمت وأختار كوخك...وغليونك...ونبيذك...وفيروز عشقك وهي تصدح((أمس انتهينا))"
نحن إذن، أمام نصوص وارفةِ الظلالِ، فتَّانةِ الجمالِ، وجدانيَّةٍ بامتيازٍ جديرٍ بالترقُّبِ كل حين..
ولمَّا كان الأديبُ بمحارفهِ الأنيقةِ مرآةَ نفسٍ، سكنت بين جسدِ النصِّ، وروحهِ الممهورةِ بالومى ولطافةِ الإشارةِ
بملَكةِ التعبيرِ التي وهبها الله إياهُ، تميَّزَ عن غيرهِ من النَّاسِ بفلسفةٍ أخرى، ونظرةٍ تتمرَّسُ الإبداعَ في كل ما ترى أبدا..
"كيف لم تسأل وجدانها الرفض في تلك الأثناء، وكيف جعلت تفاصيلها لوح سطورٍ
يخط عليه ادعاءاته "
مع الأديبة البارعة النجلاء في أهازيج المطر..
عنوان آسر يقتحم فضولَ القارئِ، ويشدُّهُ للغوصِ في غاياتِ الكاتبةِ بارتيابٍ خلابٍ!
وحوارها المضمَّخِ بأنوثةٍ احترفت لوعةَ التعامل مع الرجل الشرقي العنيد..
لم اختارت أديبتنا أهازيجاً مطرية عنواناً لسلسلة بوحها هذا؟
أهي الأهازيجُ التي تقترفها خفقات القلبِ إبَّانَ يأسٍ ما ألمَّ القلبَ العليلَ، من ممارسةِ حبٍّ لطالما باءَت قريرته بصخبٍ ذريع!؟
أم هي حالةٌ من صفاءٍ شعوريٍّ تقمَّصهُ الضميرُ حالَ اكتفى بأملٍ خياليٍّ ما..
تمثَّلهُ المطرُ بما يحملهُ من وقعٍ فيَّاضٍ بالحياةِ في سريرةِ الرُّوحِ، وإن غالى الألمُ بصلافتهِ وعجرفتهِ الواقعيةِ الكلْمِ والأذى!؟
"لكن... أعذر تأوهي هذا فقط من عناء الحقيبة..لديَّ بها أشياء وذكرى.
ها أنا الآن أذرف آخر دموعي
ليست الدموع التي تعودت تكرارها
بل هي عبرات ندى لتروي صوتك الشاعري حين يشجيه تعبي"
الومضةُ الأسلوبيةُ في نصوص النجلاء، برَّاقةٌ تتراوحُ بين لينِ الحنين، وشدَّةِ الملل، وأمنِيَّةِ النفسِ، وجفاءِ الروحِ!
وعلى إثر هذه الأحجيةِ الوجدانيَّةِ الممشوقةِ التعابير، تجِدُكَ تتقلَّبُ بين فصولٍ إنسانيَّةٍ، ذاتِ مضمونٍ بعيدِ المدى..
من حيثُ الدقة في التفاعلِ مع حالةِ الشعور، وتحويلهِ بكلِّهِ إلى تراكيبَ يلمحُها المتعمِّقُ بياناتٍ مختومةٍ بخفقاتِ القلبِ..!
العمق في كل مكانٍ.. تقترفهُ أنثى متمرِّدة ٌ على نفسها أولاً!
تعنِّفُها إن رضَت بقليل دفءٍ في مرحلةٍ ما.. وتتوخَّاها تقنعُ ولو على مضض سرابيٍّ أطَّرهُ الكبرياءُ..
ولاحظتهُ بجسارتها أنوثةٌ حازمةٌ تتطلَّعُ للأمثل دائما.. ولو تيقَّنت أنه مستحيلٌ.. مستحيل!!
"هذا المساء سترحل ياعاشق من قصر الحب...وينتهي نداء اسمك بلفظك خارج سطوري...
سأشيّع معك الصدق الذي ألبستك رداءه وجعلتك فيه تموج
لا تستحق أن تحمل متاعاً بيديك ...تكفيك الصّدفة الفارغة التي انتشلتها من بحري...
وباقة الألوان التي اخترعتها أثناء شقك قناةً لتدخل اتساع قلبي آمناً.
الصراع قدري ... والبحث عن عنوان لوجودي مازال تائهاً عن ذاكرة القدر..ولكن مهما يكن
الوردة البيضاء لايلونها الأحمر في العشق."
ولكنَّها برغم هذا العنفوان المتغطرسِ بفتنةٍ وأناقةٍ تدهشُ القارئَ.. ويطيبُ لهُ تناولَ جرعاتها المتموسقةِ ألفاظاً جزلةً،
وقعُها في النفسِ حاضرٌ وعميم؛ نرى هذه الومضاتِ الإيحائية الباذخةِ.. تترقرقُ بحنوٍّ آسرٍ يلفتُ انتباهَ القارئ..!
ويدلُّهُ على مدى شفافيةِ هذه الكاتبةِ المُجيدةِ.. وحِسِّها المرهفِ، حينَ تُغالِبُها الرِّقةُ الأنثويَّةُ الطاغية تجاهَ الحبيبِ ومآسيهِ..
وانغماسِها أحوالهُ النفسيَّةَ القاهرةَ التي حدَّت ملكَاتِ عشقهِ، وحوَّرت مضامينَ الحبِّ العارمِ نحو شبهِ ضياعٍ، أطاحَ الشعور..
داعيةً إياهُ مرافئ حناها وتقبُّلها ارتيابهُ بقرارةِ أمانها .. متى اهتداها... أو شاء...!
"بدأت دموعي تسيّر أشرعة الرحيل عندما عثرت على صفحات الحب مخبأة تحت وسادته.
كان قد استدعى دفئي من جديد...كان الجليد يساور وحدته والتفكير صديقه وترتيب شعرٍ واختراع لحنٍ يتطلب منه بعداً لامحدود .
أخذت أملأ وقته وخيالي كان حاضراً أمام إيقاعاته
كان ساهراً على ترانيم تكهناته ويبرمج تذكري في الصباح لأسيل ندىً على غفوةٍ استرقها من بين الدقائق.
كنت أشيّع يأسي دون أن أعلم وأحاكي الفراق بلغةٍ حارقة.
حزينةٌ على عاشق يتحجر في الصقيع ويرفض دفء العالم ويكتفي بدفء تقاطيع وجهي في مخيلته,
ومتألمة عندما أكون قلبه ولاأستطع النبض في عروقه.
من الماضي أتيت وارتميت الآن في رحاب تفكيره...
قوايَ متجمدة من العواصف ويلزمها الكثير من الوقود لإشعالها،
ويوماً ما قد أختبئ وراء نظرات الناس وأتبعثر في الضوء وأتلاشى مع الغياب ...
ولكن إن فتشت في مذكراتك ستراني أخرج من الأصقاع لأتدفق في خلاياك ."
يا لها من لغةٍ بديعةٍ وأحاسيسَ مفعمةٍ بجذواتِ احتراقٍ وجدانيٍّ ملتهب!!
والتوقفُ هنا، على دقائقِ هذه النُّصوصِ، أراهُ واجباًً يضفي على ذائقةِ القارئِ رؤيةً مصقولةَ برَّاقةً..
تحتفيها النفسُ، وتتطلَّعُها إحساساً يمتدُّ صداهُ في الأعماقِ، ريَّاً بعد ظمئٍ بحبورٍ تنتشيهُ الرّوح!!
لندركَ أنَّ الأديبةَ الراقيةَ النَّجلاء، عاشت قبل أن تذرفَ على الورقِ.. بأدقِّ الحيثيَّاتِ، ليس كائناتِ النصِّ فقط..
بل عوالمهُ كلِّها..! وتفاعلت مع جماداته قبل أحيائه..بل وأحيتها بطريقتها الخاصَّةِ المتفرِّدةِ لغةً وبهاءا..
"وأنا من أقفلت ذاكرة الرجوع لشهقة الحياة الأولى
واكتفيت منك بزفرة شقاء
على عقدة حاجبيك...
أمدد صنمي لتحكي له عتبك
أفتح مسام العظم ليحتمل قساوة رفضك...
أربط عزيمة العشق بمزاجك الشرقي...
وتكتب بحبر القوة...أحبك
أشك كثيراً...
لأن بساط الوحدة أكبر طولاً من رغباتي.."
أهي الرغباتُ الكبيرة التوَّاقةُ لاحتضان الوطن الرجل؟ الرجلِ الوطن؟
الذي لمحناه كلما أنخنا السمع لهمساتٍ تئنُّ بين السُّطورِ.. تنادي تراب الأرض المقدس،
وتمتشقُ عطر الياسمين الكائن في زوايا النص، والكامن خلفَ كلِّ تسبيحةٍ شعوريَّةٍ اغرورقت بدموع الحنين..
لتثبِّتَ عقيدة الانتماءِ الراسخةِ في وجدان النجلاء.. والتي لا يمكن أن يحيد عنها خفق القلب.. ولا بألف عام وعام من اغتراب..
ولطالما لمحناها تقمَّصت الأرضَ التي تحب.. وباتت ثراها وماءها وأجواءها المضمخة بالذكريات العتيقة.. كدمشقَ ربما!
وتلوَّعت مما نابها من أرزاء.. حتى راحت تعيثُ بالأحاسيسِ الحواراتِ عتباً جزيلَ المضمون..
حاضَّاً المُعاتَبَ - أياً كانَ - على الانبعاثِ من جديد.. بحلةٍ اعتادتها العيونُ راحةً وأمناً وأماناً،
باتَ سليباً بعيداً .. كغريبٍ تبعثرت أشلاؤهُ.. وانتهت هشيماً ذرتهُ رياحُ الذكريات...
"ذاك التوق الذي أزهر بفعل أصابعها هو الشيء الوحيد الذي كانت تقيم له
صرحاً في الذاكرة "
"ذاك العطر أصبح حكاية مقدرة .
ذاك المكان يبتلع وجودها قسراً ."
"كل الورود لونتها جرائم العشق...وبقي الياسمين مشرّعاً بانتفاضته البيضاء."
"أي نوعٍ من الرجال أنت ."
"المشكلة لاأرى سعادتي إلا في عينيك والمشكلة الأكبر بأنك رجلٌ مزاجي ..
تقيتني الانتظار وتكتب في ضميرك لغةً لتبرر الغياب , فلا أنا أبصم على القبول،
ولا أنت تمنحني الرفض وفي دوامة الحب تتشتت القرارات.
وأعود من جديد لأعتذر من إرادتي التي يكسرها حبك،
فحريتها مسجونة فيك وقدرها مكبلٌ بتجاعيد جبهتك.
ارجع إلى أي مكانٍ تحب ولتعلم بأنك منفي في روحي منذ بداية التكوين."
ونسأل الأديبة النجلاء:
ماذا خفي عنا من ألق في الدفاتر العتيقة تلك يا تُرى..؟!
أوَهناكَ ألق بعدُ لم تره ذائقتنا؟!
والحديث وإن طالَ قصر أمام هذا الجمال المعنوي الكبير.. وإن حاولتُ اختصاره قدر الإمكان تجنُّباً للإطالة..
إلا أنَّ هناك الكثير من مواطن البديع، اكتفيتُ بالإشارة إليها، وعوَّلتُ على كرم القبول لجهدي المتواضع هذا
وقراءتي المتلعثمة، في تسليط الضوءِ على خفايا هذه السلسلةِ الأدبية الأنيقة، والتي أجبرتني على التوقف عندها طويلا...
خالص المودة والاحترام
أخوكم
بعضها وجد طريقه الى الصحف السورية
وبعضها وجد مستقرا في المنتديات
وبعضها نامت متوسدة غبار الدفاتر العتيقة"
يحضركَ سيبٌ من ذكريات، وتتغلغلكَ لكنةٌ تشبهُ بفوح عطرها أنسام الصباح الدمشقي
المكحَّلِ بمرودِ التاريخ العريقِ، حالَ تقترفُ ذائقتكَ خوضَ غمارِ النجلاءِ بأهازيج مطرها السَّخيِّ التصاوير!
ليأخذكَ إصرارها البديعُ في أمثـَلـَةِ الزمن، وإقحامهِ عنوةً في كل تصاريفِ المشاعرِ وإيحاءاتِ الرؤى.. بدقةٍ وبراعة لافتة!
من البداية وحتى لانهاياتِ البوح العميقِ العميق...
"بين الرحيق والشهد ثمة زمنٌ ملفح بملح الأحزان..."
"وليس حباً أن تجود بالاشتياق وتملأ عنق الوعد بحروفٍ غرامية،
واللهفة التي نسيتْ السباحة وتاهت في رأس النسيان..
ربما تكون مخبأة في أصداف الوقت تكتنز فرص الخروج لتكون أشد وهجاً"
"تُطهينا الفصول على موقد انتظار...تمنحنا الأرض ساعة وقوف لإنقاذ الأفكار من دوامة الدوران..."
لتغرقكَ في أبعاده الماورائية كل حين.. بلكنتِها التي تحبُّ هيَ، لتجعلكَ تنساق وراءَ غاياتِها الشديدة الشفافيةِ،
أبعدَ في فضاءاتٍ من بوح اكتسبَ من بيئتهِ المضمخةِ بالقدمِ -لهجتهُ الثَّرُّةَ عذوبةً وخيلاءً- زخمَ التأثير..
"إنه الهروب من أمسي يجعلني أختار الصمت وأختار كوخك...وغليونك...ونبيذك...وفيروز عشقك وهي تصدح((أمس انتهينا))"
نحن إذن، أمام نصوص وارفةِ الظلالِ، فتَّانةِ الجمالِ، وجدانيَّةٍ بامتيازٍ جديرٍ بالترقُّبِ كل حين..
ولمَّا كان الأديبُ بمحارفهِ الأنيقةِ مرآةَ نفسٍ، سكنت بين جسدِ النصِّ، وروحهِ الممهورةِ بالومى ولطافةِ الإشارةِ
بملَكةِ التعبيرِ التي وهبها الله إياهُ، تميَّزَ عن غيرهِ من النَّاسِ بفلسفةٍ أخرى، ونظرةٍ تتمرَّسُ الإبداعَ في كل ما ترى أبدا..
"كيف لم تسأل وجدانها الرفض في تلك الأثناء، وكيف جعلت تفاصيلها لوح سطورٍ
يخط عليه ادعاءاته "
مع الأديبة البارعة النجلاء في أهازيج المطر..
عنوان آسر يقتحم فضولَ القارئِ، ويشدُّهُ للغوصِ في غاياتِ الكاتبةِ بارتيابٍ خلابٍ!
وحوارها المضمَّخِ بأنوثةٍ احترفت لوعةَ التعامل مع الرجل الشرقي العنيد..
لم اختارت أديبتنا أهازيجاً مطرية عنواناً لسلسلة بوحها هذا؟
أهي الأهازيجُ التي تقترفها خفقات القلبِ إبَّانَ يأسٍ ما ألمَّ القلبَ العليلَ، من ممارسةِ حبٍّ لطالما باءَت قريرته بصخبٍ ذريع!؟
أم هي حالةٌ من صفاءٍ شعوريٍّ تقمَّصهُ الضميرُ حالَ اكتفى بأملٍ خياليٍّ ما..
تمثَّلهُ المطرُ بما يحملهُ من وقعٍ فيَّاضٍ بالحياةِ في سريرةِ الرُّوحِ، وإن غالى الألمُ بصلافتهِ وعجرفتهِ الواقعيةِ الكلْمِ والأذى!؟
"لكن... أعذر تأوهي هذا فقط من عناء الحقيبة..لديَّ بها أشياء وذكرى.
ها أنا الآن أذرف آخر دموعي
ليست الدموع التي تعودت تكرارها
بل هي عبرات ندى لتروي صوتك الشاعري حين يشجيه تعبي"
الومضةُ الأسلوبيةُ في نصوص النجلاء، برَّاقةٌ تتراوحُ بين لينِ الحنين، وشدَّةِ الملل، وأمنِيَّةِ النفسِ، وجفاءِ الروحِ!
وعلى إثر هذه الأحجيةِ الوجدانيَّةِ الممشوقةِ التعابير، تجِدُكَ تتقلَّبُ بين فصولٍ إنسانيَّةٍ، ذاتِ مضمونٍ بعيدِ المدى..
من حيثُ الدقة في التفاعلِ مع حالةِ الشعور، وتحويلهِ بكلِّهِ إلى تراكيبَ يلمحُها المتعمِّقُ بياناتٍ مختومةٍ بخفقاتِ القلبِ..!
العمق في كل مكانٍ.. تقترفهُ أنثى متمرِّدة ٌ على نفسها أولاً!
تعنِّفُها إن رضَت بقليل دفءٍ في مرحلةٍ ما.. وتتوخَّاها تقنعُ ولو على مضض سرابيٍّ أطَّرهُ الكبرياءُ..
ولاحظتهُ بجسارتها أنوثةٌ حازمةٌ تتطلَّعُ للأمثل دائما.. ولو تيقَّنت أنه مستحيلٌ.. مستحيل!!
"هذا المساء سترحل ياعاشق من قصر الحب...وينتهي نداء اسمك بلفظك خارج سطوري...
سأشيّع معك الصدق الذي ألبستك رداءه وجعلتك فيه تموج
لا تستحق أن تحمل متاعاً بيديك ...تكفيك الصّدفة الفارغة التي انتشلتها من بحري...
وباقة الألوان التي اخترعتها أثناء شقك قناةً لتدخل اتساع قلبي آمناً.
الصراع قدري ... والبحث عن عنوان لوجودي مازال تائهاً عن ذاكرة القدر..ولكن مهما يكن
الوردة البيضاء لايلونها الأحمر في العشق."
ولكنَّها برغم هذا العنفوان المتغطرسِ بفتنةٍ وأناقةٍ تدهشُ القارئَ.. ويطيبُ لهُ تناولَ جرعاتها المتموسقةِ ألفاظاً جزلةً،
وقعُها في النفسِ حاضرٌ وعميم؛ نرى هذه الومضاتِ الإيحائية الباذخةِ.. تترقرقُ بحنوٍّ آسرٍ يلفتُ انتباهَ القارئ..!
ويدلُّهُ على مدى شفافيةِ هذه الكاتبةِ المُجيدةِ.. وحِسِّها المرهفِ، حينَ تُغالِبُها الرِّقةُ الأنثويَّةُ الطاغية تجاهَ الحبيبِ ومآسيهِ..
وانغماسِها أحوالهُ النفسيَّةَ القاهرةَ التي حدَّت ملكَاتِ عشقهِ، وحوَّرت مضامينَ الحبِّ العارمِ نحو شبهِ ضياعٍ، أطاحَ الشعور..
داعيةً إياهُ مرافئ حناها وتقبُّلها ارتيابهُ بقرارةِ أمانها .. متى اهتداها... أو شاء...!
"بدأت دموعي تسيّر أشرعة الرحيل عندما عثرت على صفحات الحب مخبأة تحت وسادته.
كان قد استدعى دفئي من جديد...كان الجليد يساور وحدته والتفكير صديقه وترتيب شعرٍ واختراع لحنٍ يتطلب منه بعداً لامحدود .
أخذت أملأ وقته وخيالي كان حاضراً أمام إيقاعاته
كان ساهراً على ترانيم تكهناته ويبرمج تذكري في الصباح لأسيل ندىً على غفوةٍ استرقها من بين الدقائق.
كنت أشيّع يأسي دون أن أعلم وأحاكي الفراق بلغةٍ حارقة.
حزينةٌ على عاشق يتحجر في الصقيع ويرفض دفء العالم ويكتفي بدفء تقاطيع وجهي في مخيلته,
ومتألمة عندما أكون قلبه ولاأستطع النبض في عروقه.
من الماضي أتيت وارتميت الآن في رحاب تفكيره...
قوايَ متجمدة من العواصف ويلزمها الكثير من الوقود لإشعالها،
ويوماً ما قد أختبئ وراء نظرات الناس وأتبعثر في الضوء وأتلاشى مع الغياب ...
ولكن إن فتشت في مذكراتك ستراني أخرج من الأصقاع لأتدفق في خلاياك ."
يا لها من لغةٍ بديعةٍ وأحاسيسَ مفعمةٍ بجذواتِ احتراقٍ وجدانيٍّ ملتهب!!
والتوقفُ هنا، على دقائقِ هذه النُّصوصِ، أراهُ واجباًً يضفي على ذائقةِ القارئِ رؤيةً مصقولةَ برَّاقةً..
تحتفيها النفسُ، وتتطلَّعُها إحساساً يمتدُّ صداهُ في الأعماقِ، ريَّاً بعد ظمئٍ بحبورٍ تنتشيهُ الرّوح!!
لندركَ أنَّ الأديبةَ الراقيةَ النَّجلاء، عاشت قبل أن تذرفَ على الورقِ.. بأدقِّ الحيثيَّاتِ، ليس كائناتِ النصِّ فقط..
بل عوالمهُ كلِّها..! وتفاعلت مع جماداته قبل أحيائه..بل وأحيتها بطريقتها الخاصَّةِ المتفرِّدةِ لغةً وبهاءا..
"وأنا من أقفلت ذاكرة الرجوع لشهقة الحياة الأولى
واكتفيت منك بزفرة شقاء
على عقدة حاجبيك...
أمدد صنمي لتحكي له عتبك
أفتح مسام العظم ليحتمل قساوة رفضك...
أربط عزيمة العشق بمزاجك الشرقي...
وتكتب بحبر القوة...أحبك
أشك كثيراً...
لأن بساط الوحدة أكبر طولاً من رغباتي.."
أهي الرغباتُ الكبيرة التوَّاقةُ لاحتضان الوطن الرجل؟ الرجلِ الوطن؟
الذي لمحناه كلما أنخنا السمع لهمساتٍ تئنُّ بين السُّطورِ.. تنادي تراب الأرض المقدس،
وتمتشقُ عطر الياسمين الكائن في زوايا النص، والكامن خلفَ كلِّ تسبيحةٍ شعوريَّةٍ اغرورقت بدموع الحنين..
لتثبِّتَ عقيدة الانتماءِ الراسخةِ في وجدان النجلاء.. والتي لا يمكن أن يحيد عنها خفق القلب.. ولا بألف عام وعام من اغتراب..
ولطالما لمحناها تقمَّصت الأرضَ التي تحب.. وباتت ثراها وماءها وأجواءها المضمخة بالذكريات العتيقة.. كدمشقَ ربما!
وتلوَّعت مما نابها من أرزاء.. حتى راحت تعيثُ بالأحاسيسِ الحواراتِ عتباً جزيلَ المضمون..
حاضَّاً المُعاتَبَ - أياً كانَ - على الانبعاثِ من جديد.. بحلةٍ اعتادتها العيونُ راحةً وأمناً وأماناً،
باتَ سليباً بعيداً .. كغريبٍ تبعثرت أشلاؤهُ.. وانتهت هشيماً ذرتهُ رياحُ الذكريات...
"ذاك التوق الذي أزهر بفعل أصابعها هو الشيء الوحيد الذي كانت تقيم له
صرحاً في الذاكرة "
"ذاك العطر أصبح حكاية مقدرة .
ذاك المكان يبتلع وجودها قسراً ."
"كل الورود لونتها جرائم العشق...وبقي الياسمين مشرّعاً بانتفاضته البيضاء."
"أي نوعٍ من الرجال أنت ."
"المشكلة لاأرى سعادتي إلا في عينيك والمشكلة الأكبر بأنك رجلٌ مزاجي ..
تقيتني الانتظار وتكتب في ضميرك لغةً لتبرر الغياب , فلا أنا أبصم على القبول،
ولا أنت تمنحني الرفض وفي دوامة الحب تتشتت القرارات.
وأعود من جديد لأعتذر من إرادتي التي يكسرها حبك،
فحريتها مسجونة فيك وقدرها مكبلٌ بتجاعيد جبهتك.
ارجع إلى أي مكانٍ تحب ولتعلم بأنك منفي في روحي منذ بداية التكوين."
ونسأل الأديبة النجلاء:
ماذا خفي عنا من ألق في الدفاتر العتيقة تلك يا تُرى..؟!
أوَهناكَ ألق بعدُ لم تره ذائقتنا؟!
والحديث وإن طالَ قصر أمام هذا الجمال المعنوي الكبير.. وإن حاولتُ اختصاره قدر الإمكان تجنُّباً للإطالة..
إلا أنَّ هناك الكثير من مواطن البديع، اكتفيتُ بالإشارة إليها، وعوَّلتُ على كرم القبول لجهدي المتواضع هذا
وقراءتي المتلعثمة، في تسليط الضوءِ على خفايا هذه السلسلةِ الأدبية الأنيقة، والتي أجبرتني على التوقف عندها طويلا...
خالص المودة والاحترام
أخوكم