تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أبو تمام : حبيب بن أوس الطائي


عبدالله علي باسودان
02-03-2017, 05:54 PM
أبو تمام : حبيب بن أوس الطائي

حبيب بن أُوُس بن الحرث بن قيس بن الأشج بن يحى أبو تمام الشاعر الحكيم الأديب أبو تمام الطائي، ولد في بلدة جاسم بالقرب من دمشق. ثم هاجر مع أبيه إلى دمشق. أُختلف في سنة مولده بين سنة 188 و 190 و 192 من الهجرة. عندما سكن دمشق كان يعمل مع أبيه في الحياكة، لم يسكن في الشام طويلا حتى هاجر إلى مصر فكان يسقي الناس الماء في جامع عمرو بن العاص وكان يجالس علماءه وأدباءه ويستفيد منهم أثناء مكوثه في مصر . يقال أن والده كان نصرانياً ثم اعتنق الإسلام.
كان أبو تمام أسمر اللون، طويل القامة ، حلو الكلام إلا أن في لسانه لكنة وفي كلامه تمتمة يسيرة، وكان ذكياً حاضر البديهة، ومن ذلك ما روي عنه أنه لما أنشد أحمد بن المعتصم قصيدته السَّنية التي يقول فيها:
مـافي وقوفك سـاعة من يأس
تـقضى ذمـام الأربع الأدراس،
وعندما أتى إلى قوله:
إقدام عمرو فـي سماحة حـاتم
فـي حـلم أحنف فـي ذكاء إياس
قال له الفيلسوف أبو يوسف الكندي وكان حاضراً: الأمير فوق من وصفت. وما زدت على أن شبهته بأجلاف العرب. فما كان من سرعة بديهته إلا أن أطرق قليلاً ثم قال:
لا تنكروا ا ضـربي له من دونه
مثلاً شروداً فـي الندى والــــبأس

فالله قد ضرب الأ قل لـنوره
مـثلاً مـن الـمشـكا ة والنبراس
وكان يقرأ القصيدة من ورقة، فلما أخذوا القصيدة لم يجدوا فيها هذين البيتين وإنما قالها ارتجالاً وهذا من سرعة بديهته وتمكنه من قول الشعر.
كان أبو تمام قوي الذاكرة والحفظ.
وعندما سُئل أبوالعلا المعري من أشعر الثلاثة: أبو تمام، أم البحتري، أم المتنبي ؟ قال : المتنبي وأبو تمام حكيمان، وإنما الشاعر البحتري.
عن الخطيب الصولي: أن بعض الناس قالوا: أبو تمام يدعى حبيب بن تدرس النصراني فسماه أبوه حبيب بن أوس بدلاً من تدرس.
يعتبرأبو تمام من فحول شعراء الطبقة الثالثة من المحدثين. وكثيراً ما تجد في شعره الحكمة، ساعده في ذلك أنه عاش في أوج حركة الترجمة الواسعة من العلوم التي أنشأها المأمون في عهده، فأخذ أبو تمام ينهل من هذه العلوم، علوم الفرس واليونان والهند، لذلك تراه كثير الحكمة في أشعاره كما شهد له أبو العلاء المعري.
ويقال: برزوا فى طىء ثلاثة: حاتم في كرمه، وداود الطائى في زهده وأبو تمام الطائى في شعره.
يقول عنه ابن الأثير: "أما أبو تمام فإنه رب معان وصلُ ألباب وأذهان، وقد شهد له بكل معنى مبتكرولم يمش فيه على أثر". ويقول عنه رواة ونقاد الشعر : " أن في ديوانه ينبيء باطلاعه العميق على القرأن الكريم، وكتب التاريخ ، والفقه والنحو."
عندما انتقل إلى بغداد التي عاش فيها أكثر أيام حياته، ونظم فيها أفضل أشعاره من المديح، والرثاء، والطبيعة، ووصف المعارك وغيرها جعلته من فحول الشعراء المحدثين، وأول من مدح الخليفة المأمون لكن لم تدم صلته من المأمون طويلاً .

شعره:
يعتبر أبو تمام من أعلام وفحول الشعراء في العصر العباسي، يمتاز شعره برؤيا شاعرية وخيال واسع، تراه في كثير من أشعاره يغوص في المعاني الشعرية التي نادراً ما يتطرق إليها شعراء عصره في عرض أفكاره من الغوص في الحكم وطريقة مدحه ووصف الطبيعة. كما أنه أول من بدأ في ميدان التأليف، فقد الَّف ديوان " الحماسة " وهو يعتبر من مراجع الشعرالعربي، جمع فيها مختارات من القصائد لعدد كبير من الشعراء.
نماذج من شعره:
في وصف الطبيعة:
رقتَّ حواشي الدهر فهي تمرمرُ
وغدا الثرى في حليه يتكســـــر

نزلت مقدمة المصيف حميــــدة
ويد الشتاء جديدة لا تكفـــــــــر

لولا الذي غرس الشتاء بكفــــه
لاقى المصيف هشائما لا تثمــر

كم ليلة آسى البلاد بنفســـــــــه
فيها ويوم وبله مثعنجـــــــــــــر

مطر يذوب الصحو منه وبعــده
صحو يكاد من الغضارة يمطــــر

غيثان فالأنواء غيث ظاهــــــــر
لك وجه، والصحو غيث مضمـر

وندى إذا ادهنت لمم الثــــــــرى
خلت السحاب أتاه وهو معــــــذر

ما كانت الأيام تسلب بهجـــــــة لو
أن حـسن الروض كان يـعــمــــر

أولا ترى الأشياء إن هي غيـًّرت
سمجت وحسن الأرض حين تغيـًّــر

ومن روائع شعره قصيدته المشهورة في فتح عمورية وفيها يمدح الخليفة المعتصم:
السَّيْـفُ أَصْـدَقُ أَنْبَـاءً مِـنَ الكُتُـبِ
فـي حَـدهِ الحَـدُّ بَيْـنَ الجِـد واللَّعِـبِ

بيضُ الصَّفَائِحِ لاَ سُودُ الصَّحَائِـفِ فـي
مُتُونِهـنَّ جـلاءُ الـشَّـك والـريَـبِ

والعِلْـمُ فـي شُهُـبِ الأَرْمَـاحِ لاَمِعَـةً
بَيْنَ الخَمِيسَيْـنِ لا فـي السَّبْعَـةِ الشُّهُـبِ

أَيْنَ الروايَـةُ بَـلْ أَيْـنَ النُّجُـومُ وَمَـا
صَاغُوه مِنْ زُخْرُفٍ فيها ومـنْ كَـذِبِ

تَخَرُّصَـاً وأَحَادِيثـاً مُلَفَّـقَـةً لَيْـسَـتْ
بِـنَـبْـعٍ إِذَا عُـــدَّتْ ولاغَـــرَبِ

عَجَائِبـاً زَعَـمُـوا الأَيَّــامَ مُجْفِـلَـةً
عَنْهُنَّ في صَفَـرِ الأَصْفَـار أَوْ رَجَـبِ

وخَوَّفُوا النـاسَ مِـنْ دَهْيَـاءَ مُظْلِمَـةٍ
إذَا بَـدَا الكَوْكَـبُ الْغَرْبِـيُّ ذُو الذَّنَـب

ِوَصَيَّـروا الأَبْـرجَ العُلْـيـا مُرَتِّـبَـةً
مَـا كَـانَ مُنْقَلِبـاً أَوْ غيْـرَ مُنْقَـلِـبِ

يقضون بالأمـرِ عنهـا وهْـيَ غافلـةٌ
ما دار فـي فلـكٍ منهـا وفـي قُطُـبِ

لـو بيَّنـت قـطّ أَمـراً قبْـل مَوْقِعِـه
لم تُخْـفِ ماحـلَّ بالأوثـانِ والصُّلُـبِ

فَتْـحُ الفُتـوحِ تَعَالَـى أَنْ يُحيـطَ بِــهِ
نَظْمٌ مِن الشعْرِ أَوْ نَثْـرٌ مِـنَ الخُطَـبِ

فَتْـحٌ تفَتَّـحُ أَبْـوَابُ السَّـمَـاءِ لَــهُ
وتَبْـرزُ الأَرْضُ فـي أَثْوَابِهَـا القُشُـب

ِيَـا يَـوْمَ وَقْعَـةِ عَمُّوريَّـةَ انْصَرَفَـتْ
مِنْـكَ المُنَـى حُفَّـلاً مَعْسُولَـةَ الحَلَـبِ

أبقيْتَ جِدَّ بَنِـي الإِسـلامِ فـي صعَـدٍ
والمُشْرِكينَ ودَارَ الشـرْكِ فـي صَبَـب

رْزَةِ الوَجْـهِ قَـدْ أعْيَـتْ رِيَاضَتُـهَـا
كِسْرَى وصدَّتْ صُدُوداً عَنْ أَبِي كَـرِبِ

بِكْـرٌ فَمـا افْتَرَعَتْهَـا كَـفُّ حَـادِثَـةٍ
وَلا تَرَقَّـتْ إِلَيْـهَـا هِـمَّـةُ الـنُّـوَبِ

ومن جيِّد شعره قصيدة لوعة البين:

أَظُنُّ دُمُوعَهَا سَنَنَ الفَريدِ
وَهَى سِلْكَاهُ مِنْ نَحْرٍ وجيدِ

لَهَا مِنْ لَوْعَةِ البَيْنِ الْتِدَامٌ
يُعِيدُ بَنَفسِجاً وَرْدَ الْخُدودِ

حَمَتْنَا الطَّيْفَ مِنْ أُم الوَليدِ
خُطوبٌ شَيَّبَتْ رَأْسَ الوَلِيدِ

رَآنا مُشْعَرِي أَرَقٍ وحُزْنٍ
وبُغْيتُه لَدَى الرَّكْبِ الْهُجُودِ

سُهَادٌ يَرْجَحِنُّ الطَّرْفُ مِنْهُ
ويُولِعُ كُلَّ طَيْفٍ بالصُّدُودِ

تَرَى قَسمَاتِنا تَسْوَدُّ فيه
وما أَخْلاقُنا فيها بِسُودِ

تُقَاسِمُنَا بِهَا الْجُرْدُ الْمَذَاكِ
سِجَالَ الكَر والدَّأبِ الْعَنِيدِ

فَتُمْسِي في سَوابغَ مُحْكمَاتٍ
وَتُمْسِي في السُّروجِ وفي اللًّبُودِ

عَلِيماً أَنْ سَيَرْفُلُ في المَعَالي
إِذَا ما بَات يَرْفُلُ في الحَدِيدِ

وكم سَرَقَ الدُّجى من حُسْنِ صَبْرٍ
وغطّى من جِلادِ فتىً جليدِ

ويَوْمَ التَّل تَل البَذ أُبْنَا .
ونَحْنُ قِصَارُ أَعْمارِ الْحُقُودِ

قَسَمْناهُمْ فشَطْرٌ للعَوَالي .
وآخَرُ في لَظًى حَرِقِ الوَقُودِ

كأَنَّ جَهَنَّمَ انضَمًّتْ عليهمْ
كلاهَا غَيْرَ تَبْدِيلِ الجُلُودِ

ويَوْمَ انصَاعَ بَابَكُ مُسْتَمِرّاً
مُبَاحَ العُقْرِ مُجْتَاحَ العدِيدِ
عن أبي سليمان النابلسي: قال: تمام بن أبي تمامٍ: مولد أبي سنة ثمانٍ وثمانين ومائةٍ، ومات في سنة إحدى وثلاثين ومائتين.
ومن الذين نعوه أبو الغوث يرثي أبا تمامٍ ودعبلاً:
قَدْ زَادَ في كلَفيِ وَأَوْقَدَ لَوْعَتي
مَثْوَى حَبيِبٍ يَوْمَ ماتَ وَدِعْـبِلِ

وَبَقَاءُ ضَرْب الخْثَعمِيِّ وَشِبْههِ
مِنْ كلِّ مُضْطَرِبِ القَريحِةَ مُهْمِلِ

أَهْلُ المعَانِي المستْحَيِلِةِ إنْ هُمُ
طَلَبُوا البَدَاعَةَ وَالكَلاَمِ المُـعْضِلِ

ورثاه الحسن بن وهبٍ فقال:
سَقَتْ بالموْصِلِ القَبْرَ الغَريبَا
سُـحـا بُ يَنْتَحبْنَ لَهُ نَـحيبَا

وَلَطَّمتِ البُرُوقُ لَـهَا خُدُوداً
وَشَقَّقَـتِ الرُّعُـودُ لَهَا جُيُوبَا

فإِنّ تُرابَ ذَاكَ الْقَـبْر يَحْوِي
حَبـيباً كَانَ يُـدْعَى ليِ حَبيبا

ظَرِيـفاًً شـاعراً فَطِناً لَبيِباً
أَصِـيلَ الَّرأْيِ في الْجُلَّى أَرِيبَا

إِذَا شـَاهَـدْتَـه رَوَّاكَ ممَّا
يَـسُرُّكَ رِقَّـة مِنْـهُ وَطِـيبَا

أَبَــا تـَمَّامٍ الـطّائيَّ، إِنَّا
لَقِيـنَا بَعـْدَكَ العَجَبَ العَجِيبَا

وقال علي بن الجهم يرثيه:
غَاضـت بدَائِـع فـطنة الأَوْهَـامِ
وَعَدَتْ عليْــهَا نَكْبَةُ الأيَّـامِ

أدَى مُثـَقِّفـُهَا وَرَائِـضُ صَعْبـِهَا
وَغَديِـرُ رَوْضَـتهَا أَبُو تَـمَّامِ

ألبير ذبيان
02-05-2017, 12:03 PM
جهد طيب مبارك تغذون به هذا الصرح الجميل
سلمت أناملكم والحواس أيها القدير
متابع لكل ما ينهمر عن يراعكم من ألق وجهد قيم
احترامي

عبدالله علي باسودان
02-05-2017, 09:53 PM
أخي العزيز ألبير دائماً أسر أن تكون في متصفحي.
أغلى تحياتي وتقديري.

الدكتور اسعد النجار
02-06-2017, 01:32 PM
جزاكم الله خيرا

عبدالله علي باسودان
04-06-2017, 08:24 AM
الدكتور اسعد
شكراً لك على مرورك الكريم
محبتي