مشاهدة النسخة كاملة : على ضفاف التذوق (1).. من فصل الرحلة بالناقة/ عيرانة النابغة
ياسرسالم
05-05-2017, 08:18 PM
مقذوفةٍ بدَخِيس الَّنحْضِ بازِلُهَـــا ..
له صَرِيفٌ صريفَُ القَعْوِ بالمَسَدِ
-------------------------------
.
لوحة ذات إلهام نابغي .. أحاول فيها أن أعبر إلى دهشة صورة النابغة بحرفي الذي مهما بدا معقوليته ؛ فإنه يبقى عاجزا غير ناجز ، ولا وافٍ لتمام الصورة النابغية المتفردة
هذا البيت هو منقلب النابغة من وقوفة بدار مَيّة بالعلياء فالسند ، إلى حيث ألقت حافرها ناقته المسحورة ، التي هي بحق تستحق - بعد تمام وصفه لها - أن تكون ( عيرانة أُجُد من وحش وجرة )
هاهو يتهيأ فيشرع ويستشرف ، ويدلف من باعث الرهبة والرغبة ، إلى مجاهل رحلة محفوفة بالمهالك ..
تبدو مجازفة يتكنفها الغموض ، ويعتورها الخوف من الحيدة وعدم بلوغ القصد ، لا سيما وقد تذَائَبت الريح عليه ببرْدها وبَرَدها ‘ تَرجُمه وتسومه خذفا بجامد البَرَد ، في غير بِرّ
حتى بات هدفه - فيما يظهر لنا - معتاض الطّلب ، كؤود الْعقبَة
فهو يشعرك - اذا ضممت لوحات رحلته بعضها إلى بعض - أن ما يقوم به من قطع المفاوز والمراحل ، مَُولَّيا شطر قبلة رغبته إلى المليك النعمان ؛ إنما هو أمر يبعد أن يقربه وصف .. بل هو مما لم يهجس به خاطر ، أو تصوَّرَه وهم ، أو اضطربت به حاسة ...
وقد أجاد أيما إجادة في وصف رحلته وناقته التي سيعبر على متنها الى منازل النعمان ، رجاء قربى وزلفى ونجوى ونوال ...
.
هي إذن محاولة (مني ) ، تبقى رهن المقاربات ، التي يحول تواضعها دون سبيل يرتجى لتمام وصول..
يرسم النابغة لوحة لناقته العيرانة ، التي اندمج بها قوة ، وأفاضت هي عليها من تمام خِلقتها وخُلقها ، فتوحد بها كثيرا ،
حتى استحالا سويا كأنهما القوة المزمجرة التي تمثلت وتجسدت وحشا بريا ، لا سبيل الى اعتراضه بغيم أو عتم أو مطر أو ريح ، أو حتى قانص متربص
فكأني أراه ( ذلك الوحش ) وقد استقام فخذاه على قانون الكمال ، وامتلأ أيطله ، واحْتدّ ساقه ، وضمرت بطنه ، وأُمِرّت مرافقه أيما إمرار ...
فلا يكاد يشكو موضع منه دون تمام .. وقد اكتسى باللحم كساء سابغا ، حتى لكأنما قد رمي به من كل جانب ، فامتلأ في غير ترهل ، واستوى على سوق القوة ، وتدرع كل جلابيب العافية ..
.. رميت الناقة إذن رميا مبالغا فيه باللحم (النحض ) ، المتداخل بعضه في بعض والمكتنز (الدخيس ) ، وصار ت (مقذوفة به ) ،
ثم أتبعها وصفا ، فقال أن نابها (بازلها ) له صوت (صريف ) ، يشبه كثيرا القعقعة التي تصدر عن البكرة الخشبية (القعو ) اذا التفّ عليه الحبل (المسد ) ...
ولعل الصفة الاخيرة صفة قوة ، يذهل عنها أمثالنا ممن ( لا ناقة) لهم ولا بعير
ولكنه مدحها به.... انه صوت الناب الذي يسبق الضروس مما يلي الأسنان ، صوتٌ يشي بقوة مكتومة مستكنة في بكرة تحركت لتوها بفعل حبل مُمتد مشدود ، قد التف عليها متدليا منه ثقل كبير ، وبدأ في صنع حركة قوية ذات جلبة رغما عنه فأحدث ذلك الصوت ( الصريف ) ، الذي ما ان تسمعه الأذن حتى تدرك ما وراءه من القوة الشديدة الموجبة له
ليلى أمين
05-05-2017, 11:53 PM
جهد مبذول بين ثنايا الشعر الاصيل
مهما تبدلت الاعصر وتغنى الشعراء بجديد الشعر
سيظل شعرعنترة وزهير والنابغة وغيرهم من الشعراء الشعر الاجمل والابلغ والاوفر
ومهما أخفوا تقليدهم له واستعارتهم من ألفاظه سيظهر حتما بين دلائل عباراتهم
كل التقدير
هديل الدليمي
05-07-2017, 11:25 AM
سرت شغوفة بحرفك المعالج بإتقان
تقدير.. وشكر يليق
ألبير ذبيان
05-08-2017, 02:25 PM
الله
ما أحوجنا إلى هذ القراءات العميقة في شعر الأقدمين البديع!
سلمت أناملكم أيها القدير
خالص ود
فاكية صباحي
05-11-2017, 12:44 PM
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
بيت موغل في الغموض للنابغة الذبياني تنسكب منه هذه الوخزات اللفظية التي تتسابق ..وتتلاحق بمدى وعي القارئ..كدَقة مسمار على مساحة
مصقولة بيد تعرف كيف تشَكّل الجمال متفردا .. بحيث يخيل للمتأمل لهذا البيت من الوهلة الأولى وكأنه أبكم..أصم داخل دائرة معتمة لا يرى فيها شيئا ..
أو لا يفهم من بُهم سوادها سوى اسم النابغة الذبياني وعنوان معلقته التي شغلت الألباب ..وأوصدت الأبواب أمام كل من حاول مدّ يده لاستجلاب
معنىً ظل طي أبياتها لحقب طويلة من الزمن ..
فالبيت منفلت من جونة الغموض ..وقد أعتمت كلماته الصعبة كل سبيل لبلوغ ما أراد النابغة قوله..!!!
لكن خلفه تلوح ظلال المعنى متفردة في جملة من الصور الدلالية التي نضدها الأديب "ياسر سالم "سياقيا محاولا أن يشكل منها قصرا منيفا
ما استقام إلا بين يديه ..لنقف معه ننتظر ما أضمره مظهر البيت الذي قد يبدو من القراءة الأولى كعود تيبّستْ جنباته أمام من قيدت معلوماته
أشطانُ الحداثة ..لكننا نعلم جيدا أن الأديب الكريم ممن يستهويهم فوح الماضي بعبق أصالته ..ومسك نقائه وصفائه الذي يستمد ألقه من
الطبيعة البكر ..ليبث الروح ناطقة بين جنبات بيت شعري لكم استعصى فهمه ..وعزّ اقتناص صوره المحلقة بالأفق..
ومن العتبة النصية.. أي من العنوان( الذي اختاره الأديب الكريم لهذا الشرح) يدرك القارئ بأنه سيقف أمام لوحة فارهة الجمال متندرة التلوين
منتقاة بذائقة شاعر ..ومهارة فنان ..عرف كيف يشد المتلقي ويدعوه ضمنيا لشق تلك الفيافي معه حتى يتعقب ما جادت به ذائقة القدماء ..
ويفتح معه صفحات معلقات بقيت معانيها حكرا على الأولين ..
بوركت أديبنا القدير على هذه الأخيلة المنضّدة بسلك التفرد لتجعل القارئ يقف مشدوها أمام إيحاءات مجازية تعد المتتبع لحرفك
برحلة متندّرة بين عوالم الدهشة التي استطعت أن تنثرها لآلئ بين أطلال الأمكنة المستدعاة ..تلك التي تمكنت بحرفية عالية
من محاورتها ..واستنطاقها ــــ منفلتا بقوة من رتابة اللغة ــــــ ..لتبوح لك بالكثير مما يجعلك تؤسس لإبداع آخر سيبقى
مرجعية الأجيال على مر السنين
تقبل مني مفردات التقدير والثناء
ومرحبا بك بين أفياء النبع ضيفا كريما ..وحرفا يشهد لله بالتميز أينما حلّ
عوض بديوي
05-13-2017, 03:13 PM
ســـلام الله وود ،
جهد طيب مبارك ميمون
شكرا للرفد والإثراء والضوء
بوركتم
لكم القلب ولقلبكم الفرح
بورك المداد
مودتي و محبتي
ياسرسالم
05-13-2017, 07:54 PM
الأستاذة النابهة ... ليلى أمين
سلاما وتحية
صدقت أيتها المكرمة الماجدة ..
كل شيئ يولد صغيرا ثم يكبر
إلا الأدب العربي شعرا ونثرا
فقد ولد عملاقا ضخما ثم أصابه التقزم فلم يزل يتنقل في ساحات العطن من يد إلى يد حتى بات في يومنا مسخا شائها أو أمسى كـ( زحلوق ملعب ) بعبارة علقمة الفحل (*) ..
فلم يعد ينهض بعباء أمله ويضطلع بذمام حرمته إلا الفرد تلو الفرد .. بعد أن دهسته عجلات الحداثة الآبقة المارقة وأرغمته - كرها - على الوراء ,,
مرور محلى بالشفق
تحياتي لحضرتك ...
------------
(*) شاعر جاهلي من الطبقة الأولى. عاصر امرؤ القيس، وله معه مساجلات.
أسر الحارث ابن أبي شمر الغساني أخا له اسمه شأس فشفع به علقمة ومدح الحارث بأبيات، فأطلقه.
له ديوان شعر شرحه الأعلم الشنتمري.لقب بالفحل لتفوقه على امرئ القيس الكندي امير شعراء الجاهلية في قصة معروفة تحاكما فيها إلى ام جندب زوج امرئ القيس
انشد فيها امرؤ القيس قصيدته في وصف فرسه والتي مطلعها:
خليلي مرا بي على ام جندب نقض لبانات الفؤاد المعذب
إلى ان بلغ قوله:
فللسوط الهوب و للساق درة وللزجر منه وقع اهوج مهذب
فاندفع علقمة منشدا قصيدة مطلعها:
ذهبت من الهجران في غير مذهب .:. و لم يك حقاً كل هذا التجنب إلى قوله:
فأدركهن ثانيا عن عنانه .:. يمر كمر الرائح المتحلب
فكان حكمها لصالح علقمة
على ان امرأ القيس اجهد فرسه بالضرب و الزجر في حين ان وصف علقمة جاء انه امتطاه و هو تارك عنان فرسه مما اثار نفس امرئ القيس
فطلقها فتزوجها علقمة فسمي علقمة الفحل.*يقول الراوية أبو عمرو بن العلاء علقمة بن عبدة اعلم اهل زمانه بالنساء في قوله:
فان تسألوني بالنساء فإنني .. خبير بأدواء النساء طبيب
اذا شاب رأس المرء او قل ماله .. فليس له من ودهن نصيب
يردن ثراء المرء حيث علمنه .. و شرخ الشباب عندهن عجيب
عاش علقمة عيشة مترفة فها هو يقول في كلام حماسي :
فلا يغرك جري الثوب معترجا اني امرؤ في عند الجد تشمير
قيل انه عاش حتى أدرك الإسلام لكنه لم يسلم عقب (ويكيبيديا )
وتروقني على نحو خاص رائعته :
ذهبت من الهجران في غير مذهب .:. و لم يك حقاً كل هذا التجنب
وأرجو الله أن يعينني على تناولها وتذوقها وحفظها ...
منوبية كامل الغضباني
08-22-2017, 05:42 PM
من بيت شعر
ومن أدب الأسلاف الذي لا يموت
جعلت اشتغالك متحرّرا منعتقا من التّحديدات الزّمانية والمكانيّة لهذا البيت الرّائع من معلقة النابغة الذبياني...
فجاءت اللوحة وكل المحاولات في تجسيد معنى البيت وتحويله الى كيان متجدّد في علاقة وربط للموروث من الشعر مع الرّسم وهو عمل دقيق رائع يستوجب دقّة التّركيز ليكون الإستلهام للرّسم غير متباين ولا متنافر مع البيت الشّعري ...
حقيقة أفعمني هذا العمل المُستحدث الذي اتسّم بنبض مبدع له قدرات واعية وقادرة على توظيف اللإبداع في إبداع مغاير ...يعتمد الريشة واللّون والظّلال وما اتفّق...
ياسرسالم
11-07-2017, 04:49 PM
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
بيت موغل في الغموض للنابغة الذبياني تنسكب منه هذه الوخزات اللفظية التي تتسابق ..وتتلاحق بمدى وعي القارئ..كدَقة مسمار على مساحة
مصقولة بيد تعرف كيف تشَكّل الجمال متفردا .. بحيث يخيل للمتأمل لهذا البيت من الوهلة الأولى وكأنه أبكم..أصم داخل دائرة معتمة لا يرى فيها شيئا ..
أو لا يفهم من بُهم سوادها سوى اسم النابغة الذبياني وعنوان معلقته التي شغلت الألباب ..وأوصدت الأبواب أمام كل من حاول مدّ يده لاستجلاب
معنىً ظل طي أبياتها لحقب طويلة من الزمن ..
فالبيت منفلت من جونة الغموض ..وقد أعتمت كلماته الصعبة كل سبيل لبلوغ ما أراد النابغة قوله..!!!
لكن خلفه تلوح ظلال المعنى متفردة في جملة من الصور الدلالية التي نضدها الأديب "ياسر سالم "سياقيا محاولا أن يشكل منها قصرا منيفا
ما استقام إلا بين يديه ..لنقف معه ننتظر ما أضمره مظهر البيت الذي قد يبدو من القراءة الأولى كعود تيبّستْ جنباته أمام من قيدت معلوماته
أشطانُ الحداثة ..لكننا نعلم جيدا أن الأديب الكريم ممن يستهويهم فوح الماضي بعبق أصالته ..ومسك نقائه وصفائه الذي يستمد ألقه من
الطبيعة البكر ..ليبث الروح ناطقة بين جنبات بيت شعري لكم استعصى فهمه ..وعزّ اقتناص صوره المحلقة بالأفق..
ومن العتبة النصية.. أي من العنوان( الذي اختاره الأديب الكريم لهذا الشرح) يدرك القارئ بأنه سيقف أمام لوحة فارهة الجمال متندرة التلوين
منتقاة بذائقة شاعر ..ومهارة فنان ..عرف كيف يشد المتلقي ويدعوه ضمنيا لشق تلك الفيافي معه حتى يتعقب ما جادت به ذائقة القدماء ..
ويفتح معه صفحات معلقات بقيت معانيها حكرا على الأولين ..
بوركت أديبنا القدير على هذه الأخيلة المنضّدة بسلك التفرد لتجعل القارئ يقف مشدوها أمام إيحاءات مجازية تعد المتتبع لحرفك
برحلة متندّرة بين عوالم الدهشة التي استطعت أن تنثرها لآلئ بين أطلال الأمكنة المستدعاة ..تلك التي تمكنت بحرفية عالية
من محاورتها ..واستنطاقها ــــ منفلتا بقوة من رتابة اللغة ــــــ ..لتبوح لك بالكثير مما يجعلك تؤسس لإبداع آخر سيبقى
مرجعية الأجيال على مر السنين
تقبل مني مفردات التقدير والثناء
ومرحبا بك بين أفياء النبع ضيفا كريما ..وحرفا يشهد لله بالتميز أينما حلّ
مرحبا استاذتنا الاديبة الناقدة الشاعرة الاستاذة فاكية صباحي
مرور ضافٍ واف ٍ كريم
يستحق التناول بعمق والتفاعل معه بما يستحقه
فقط ارحب بحضرتك وإن تراخى الحدث عن زمنه شيئا
ولي عودة ان شاء الله
تحياتي وتقديري لحضرتك
ياسرسالم
12-29-2018, 11:43 AM
سرت شغوفة بحرفك المعالج بإتقان
تقدير.. وشكر يليق
أشكرك أستاذة هديل
واعتذر لك وللجميع على طول غفلاتي في الاهتمام بتفاعل الكرام
الذي توافروا على هذا الطرح وغيره ورفدوه من جمال تناولهم ورائق ذتوقهم
تحياتي لك
ياسرسالم
04-12-2019, 05:12 PM
الله
ما أحوجنا إلى هذ القراءات العميقة في شعر الأقدمين البديع!
سلمت أناملكم أيها القدير
خالص ود
وما أحوج هذه القراءة الى وعي وتذوق جميل كوعيكم وتذوقكم استاذ ألبير..
تحياتي لوجودك الجميل هنا 🌱
قصي المحمود
04-14-2019, 12:30 AM
حقيقة يقف كلٍ منا منبهرا لهذا الشعر وما فيه من بلاغة وصور شعرية تمتطي اللغة وتمسك بلجامها حيثما تريد
قراءة رائعة وممتعة وذات فائدة لغوية وشعرية وهذا ما امتعنا ومعه الإمتنان والتقدير
تواتيت نصرالدين
04-17-2019, 09:45 PM
مؤانسة جميلة مع شعر فطاحل الشعراء بانطباع نقدي متمكن
تحية تليق أستاذ ياسر ودمت في رعاية الله وحفظه
محمد فتحي عوض الجيوسي
05-06-2019, 08:58 PM
قراءة طيبة لبيت شعر نابغي قراءة ممتعة امتعتني لك شكر استاذ ياسر
vBulletin® v3.8.9 Beta 3, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir