كوكب البدري
05-09-2017, 11:45 AM
فصل الياقوت ...
قراءة في ديوان فصول من الياقوت للشّاعر معتصم السّعدون
ليستْ كلّ حكايات الحبّ موشومةً بالغيابِ، ولا كلّ فصولِها تمتدُّ لمسافاتٍ شاسعةٍ من الرّحيلِ والصّدودِ؛ فبعضُ حكاياتِ الحبِّ ، ورغم لياليها المسهدة بالحنين؛ لا تكتملُ فصولُها إلا بزورقٍ للزّمانِ كي يبحرَ الشّاعرُ به ، ويسافرُ نحو خيالات المدنِ المنسيّة ؛ تلك المدن التي لم يبقَ من عشّاقِها إلا حكاياتهم في ذاكرةِ الحروف ، وذاكرة بقايا الجدران المتقادمةِ العهدِ والدّهور...
والشّاعر المتميّز معتصم السّعدون اتخذ من أحلامهِ بالحبّ الذي يخلدّه في ذاكرة العشّاقِ وقلوب المحبّين مجدافاً لزورق رحلتِهِ نحو جذوة الشّعرِ المخبأة في كحل عينِ من يهوى ؛ فطاف حول مدارات العاشقين جميعاً عبر فصول التّاريخ ، ووجد أن َ الحضارة لا تموت ولا تفنى مادام يؤمّها العشّاق ، وأن الحبيبة ملكةٌ متوّجةٌ؛ يرسو عرشُها على بحور الشّعر السّتة عشر ... فيتوّجُ في أوّل تطوافٍ لرحلتهِ أميراً لسومر؛ حيث نبتت في أرضها أولى ملاحم الحب، وأولى مواسم الخصب ، وأوّل الجراح وأوّل الغزل؛ فلمْ يستثنِ الحبُّ فيها حتّى من تقمّص شخصيّة الآلهة ، أو لبس ثياب القداسة ؛ فكان الحبُّ معبودهم الأوّل؛ لذلك نجد معتصماً يهمس في قصيدةِ (صولجان النّخل) :
فبددْ عتمة السّجع المقفى
وتوّجني أميرا سومريّا
وما بين أوتارِ زرياب ومحابرِ السّيّاب نجدهُ يطوي الزّمانَ طيّا في رحلةِ العتابِ ولهفة الوصال ؛ فيغنّي لشجرةٍ عتيقة مازالت تنشُر ظلال ذكرياته عطراً حوله ؛ فيَسْبَحُ في محراب قصائدهِ منتشيا بالأهدابِ والأطيابِ ورصعةِ العنّابِ ، فيختصر كل لهفته في البيت الأخير من قصيدة ( أنشودة الشّجر العتيق ) قائلاً :
حبّ العراقياتِ لذة جنّةٍ
صكٌّ من الغفرانِ دون حسابِ
أمّا حكاية العشق التي فتنت وأحزنت وجارت على ابن زيدون مرة وقبلها على الخليفة المأمون فقد طاف حولها شاعرنا السّعدون وأنبأ العشّاق في قصيدة ( تعويذة النّهدين) بأنّ حبيبته فاقت في حسنها بنت المستكفي ودلالها فيهمس ويطربنا :
خدٌّ ولؤلؤٌ في الخال مكنونُ
ورصعة التّين فوق الثّغر زيتونُ
ولو سبقتِ بيوٍمٍ شمسَ أندلسٍ
لما تذكرّها في الأصلِ زيدونُ
بل إنّ الحبيبة ماتركت لعريب المأمونية ذِكراً في مجالس الشّعر ودواوينه ، ولا في كتابات العاشقات النّاسجات من نجوم الليل لآلئا للبوح فيهمس :
قد حزتُ في وجهكِ اللألاء مملكةً
ماحازها في بني العبّاس مأمونُ
فأيّة نبضة تظل هادئة في حضور هذا الجدول الرّقراق من نسائم الشّعر، حتى لكأنّه يختصر مبتغاه في بيت يخبرنا به أنّ الشّعرَ حبٌّ، وأرضٌ، وتاريخُ مدنٍ، بل أن بقاءَ المدن مرهونٌ بقوافي الشّعراء :
إن ْ غادرَ الشّعراءُ أرضَ مدينةٍ
سترى على جدرانها ثوب الجفا
د. كوكب البدري
9/5/2017
قراءة في ديوان فصول من الياقوت للشّاعر معتصم السّعدون
ليستْ كلّ حكايات الحبّ موشومةً بالغيابِ، ولا كلّ فصولِها تمتدُّ لمسافاتٍ شاسعةٍ من الرّحيلِ والصّدودِ؛ فبعضُ حكاياتِ الحبِّ ، ورغم لياليها المسهدة بالحنين؛ لا تكتملُ فصولُها إلا بزورقٍ للزّمانِ كي يبحرَ الشّاعرُ به ، ويسافرُ نحو خيالات المدنِ المنسيّة ؛ تلك المدن التي لم يبقَ من عشّاقِها إلا حكاياتهم في ذاكرةِ الحروف ، وذاكرة بقايا الجدران المتقادمةِ العهدِ والدّهور...
والشّاعر المتميّز معتصم السّعدون اتخذ من أحلامهِ بالحبّ الذي يخلدّه في ذاكرة العشّاقِ وقلوب المحبّين مجدافاً لزورق رحلتِهِ نحو جذوة الشّعرِ المخبأة في كحل عينِ من يهوى ؛ فطاف حول مدارات العاشقين جميعاً عبر فصول التّاريخ ، ووجد أن َ الحضارة لا تموت ولا تفنى مادام يؤمّها العشّاق ، وأن الحبيبة ملكةٌ متوّجةٌ؛ يرسو عرشُها على بحور الشّعر السّتة عشر ... فيتوّجُ في أوّل تطوافٍ لرحلتهِ أميراً لسومر؛ حيث نبتت في أرضها أولى ملاحم الحب، وأولى مواسم الخصب ، وأوّل الجراح وأوّل الغزل؛ فلمْ يستثنِ الحبُّ فيها حتّى من تقمّص شخصيّة الآلهة ، أو لبس ثياب القداسة ؛ فكان الحبُّ معبودهم الأوّل؛ لذلك نجد معتصماً يهمس في قصيدةِ (صولجان النّخل) :
فبددْ عتمة السّجع المقفى
وتوّجني أميرا سومريّا
وما بين أوتارِ زرياب ومحابرِ السّيّاب نجدهُ يطوي الزّمانَ طيّا في رحلةِ العتابِ ولهفة الوصال ؛ فيغنّي لشجرةٍ عتيقة مازالت تنشُر ظلال ذكرياته عطراً حوله ؛ فيَسْبَحُ في محراب قصائدهِ منتشيا بالأهدابِ والأطيابِ ورصعةِ العنّابِ ، فيختصر كل لهفته في البيت الأخير من قصيدة ( أنشودة الشّجر العتيق ) قائلاً :
حبّ العراقياتِ لذة جنّةٍ
صكٌّ من الغفرانِ دون حسابِ
أمّا حكاية العشق التي فتنت وأحزنت وجارت على ابن زيدون مرة وقبلها على الخليفة المأمون فقد طاف حولها شاعرنا السّعدون وأنبأ العشّاق في قصيدة ( تعويذة النّهدين) بأنّ حبيبته فاقت في حسنها بنت المستكفي ودلالها فيهمس ويطربنا :
خدٌّ ولؤلؤٌ في الخال مكنونُ
ورصعة التّين فوق الثّغر زيتونُ
ولو سبقتِ بيوٍمٍ شمسَ أندلسٍ
لما تذكرّها في الأصلِ زيدونُ
بل إنّ الحبيبة ماتركت لعريب المأمونية ذِكراً في مجالس الشّعر ودواوينه ، ولا في كتابات العاشقات النّاسجات من نجوم الليل لآلئا للبوح فيهمس :
قد حزتُ في وجهكِ اللألاء مملكةً
ماحازها في بني العبّاس مأمونُ
فأيّة نبضة تظل هادئة في حضور هذا الجدول الرّقراق من نسائم الشّعر، حتى لكأنّه يختصر مبتغاه في بيت يخبرنا به أنّ الشّعرَ حبٌّ، وأرضٌ، وتاريخُ مدنٍ، بل أن بقاءَ المدن مرهونٌ بقوافي الشّعراء :
إن ْ غادرَ الشّعراءُ أرضَ مدينةٍ
سترى على جدرانها ثوب الجفا
د. كوكب البدري
9/5/2017