المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في قصيدة ( حنانيك ) للشاعر العربي الكبير / ألبير ذبيان


الوليد دويكات
07-23-2017, 12:03 AM
قراءة في قصيدة ( حنانيك ِ )

للشاعر العربي الكبير
ألبير ذبيان




مطلع القصيدة :



أمــوتُ التيــــاعــــاً ألا لـو تعــــي
================بــأنِّــــي جُننــــــتُ ولا أدَّعـــــــي


يستهل الشاعر القصيدة في اقتحامه الموضوع المنشود دون توطئة ، ونرى أنّ الحالة الوجدانية التي سيطرت على وجدانه دفعته للدخول في الموضوع ، متخليا ً عن التقديم والتهيئة ...
ونراه يتمنّى لو أنّها امتلكت الوعي الكامل لتدرك أنّ حالة ً من الجنون قد أصابته من هذا الوجد ، وهو صادق في رقة مشاعره ، وينفي نفيا ً قاطعا أنّه يدّعي هذا العشق الذي نال منه ، وسبب عدم وعيها لما أصابه أنّه في كربٍ شديد وصفه بالموت لوعة ، وهو تعبير مجازي عميق لما وصل إليه ...
وحتى نكون منصفين في هذه القراءة ، ونقدّم ما نراه وما نتلمسه دون مُداهنة ، كان لزاما ً علينا أن نقدّم في هذه القراءة ما للشاعر وما عليه ...ايمانا ً منّا بأنّ شاعرا ً بحجم ألبير يملك صدرا واسعا يتقبل من خلاله النقد البنّاء ...
فالشاعر لجأ للفعل المضارع ( أموت ُ/ تعي ) ، وهذا لا يجوز بعد حرف التمني لو ، ذلك أنّ لو شرطية: تدل على امتناع الجواب لامتناع الشرط، أي امتناع شيء لامتناع غيره ،كقولنا :" لو جئتَ لأكرمتـُكَ " ،فالمعنى :قد امتنع إكرامي إياك لامتناع مجيئك ،لأن الإكرام مشروط بالمجيء ومعلق عليه . ولا يلي (لو) هذه إلا الفعل الماضي صيغة وزمانا ...
وهذه الملحوظة التي نقدمها لا تقلل من قيمة المعنى وجمال النظم ودقة التعبير الذي ساقه شاعرنا مستهلا به خريدته هذه .
ثم ينتقل بنا للبيت الثاني ولا يخفى على صاحب الذائقة الفطن ، جمال الترابط وروعة الإنسياب :



أؤجِّــــلُ ساعَ احتضـاري مِـراراً
================لأشبـــــعَ منـــــكِ ولـــــم أشبـــــعِ



وما بين أؤجل وبين أموت ثمّة تماهي جميل ، فالعاشق المدنف يتحكم في ساعة رحيله ( وهو تعبير مجازي ) ، أي أنه كلما دنا به الأجل يستأخره لعلّه يشبع من رؤيتها وقربها ، رغم أن هذا كله لم يشفع له ، فظمأ حبّه لا يرويه ما يصبو إليه ...
أحبُّــــكِ، هـاكِ احتــراقي احتدامي
================تلاشــــيَّ فيـــكِ غـــــزا مطلعــــي


أحبّك ...يستمر في تقديم الفعل المضارع في أبهى صوره ، لم يقل : أحببتك ...وإنّما هو يؤكد استمرارية هذا العشق ، مستمرا في تقديم الأدلة والشواهد على ما أصابه ...في الطلع يموت لعدم وعيها بجنونه بها ، وفي البيت التالي يؤجل ساعة رحيله حتى يشبع منها ...وفي البيت الثالث : هو وصل لحد الإحتراق والإحتدام بل هو يتلاشى فيها ....أيّ عشق هذا يا صاح !!


وألحــــدَ للــــرُّوحِ دونــــكِ رَمساً
================لتُقبَـــرَ مــــــع حزنِهـــــا الأفجـــعِ


*

وألحــــدَ للــــرُّوحِ دونــــكِ رَمساً
================لتُقبَـــرَ مــــــع حزنِهـــــا الأفجـــعِ


وهنا يقدم الشاعر صورة بديعة ، مستمرا في تقديم الفعل المضارع ، فها هو يضع الروح ويلحدها في رمسها ( قبرها ) جوار حزن روحه المفجع ...نجد الشاعر هنا يخرج من دائرة ( الأنا ) ويظهر في صورة الراوي ، ويحدثنا ما فعل العشق بروحه التي قرر ان يدفنها مع احزانها ...تصوير مدهش .


حنانيــــكِ يــــا مُنيتي كُــــلَّ كُلِّـــي
================كيــانـــي وُجــــودي ألا فــاسمعـي
*
اضطـــرامَ الغرامِ لظـى خفقَ قلبي
================يفــــورُ الــدِّمــاءَ علــى مصرعـي



هنا ينتقل الشاعرُ من مقدمته ، ويقدم طلباته من هذه المحبوبة ...يطلب منها بصيغة الرجاء ( حنانيك ِ ) ، ومن هذه التي يرجوها ؟
هي منية الرّوح ...
لم يكتف بتعبير منية الرّوح !!
فأردف العبارة بنداء حذف فيه حرف النداء ( يا ) ربما حتى يُشعر َ القاريءَ مدى قربها وتغلغلها في روحه ( يا كلّ كلّي ) ...لماذا لم يقل : يا كلّي ؟
نرى أنه أراد في تعبيره ( يا كلّ كلّي ) مدى احتوائها له و.....
ويزيد تعميقا في المعنى وكأني به لم يكتف بأنها منية روحه وكلّ كلّه ، بل هي كيانه ووجدوده ...وهنا ينتهي البيت ، ويتبعه بفعل أمر جاء في سياق الرّجاء ( ألا فاسمعي ) وربط بهذه الجملة بالبيت الثاني ، يطلب منها أن تسمع
اضطرام الغرام / لظى خفق القلب ...رغم أن هذه أشياء مرئية ، لكنه ببراعة أراد لها أن لا تنظر فقط ، بل لتسمع ، وهذا ليس من قبيل الرصف بالكلمات ، والنظم الركيك ، بل في ذلك تجذيرا للمعنى العميق ، الذي لا يدركه سوى القليل القليل من أهل العلم والأدب وألبير من هذا القليل ....
ذلك أن دائرة السمع أوسع من دائرة النظر ، وفي ذلك يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم : ( في الجنة ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على بال بشر ، فأنا أرى ما في الحجرة أمامي ، ولكن أسمع ما هو خلف الجدار ولا أراه ، فدائرة الأذن أوسع من دائرة العين، وربما أتخيل أنني وألبير نجلس ونتحدث عن قصيدته في مكان ما في ، رغم بعد المسافة الجغرافية ) ...ما أردنا أن نوصله ، أنّه أراد من محبوبته أن تسمع صوت الإضطرام الذي تحدثه الحرائق داخله ودبيب خفقان قلبه من جرّاء هذا التوهج الوجداني وكيف تفور الدماء ، والفوران هو حالة من صور الإنفجار المنبعث من الضغط الهائل ...

حنانيك ِ ...


قصيدة مدهشة في بنائها ومضمونها وصدق عاطفتها وبُعدها عن الصنعة والتكلف ، سكبها شاعر مطبوع ، مقدما لوحة ًوجدانية زاهية ألوانها ، اعتمد فيها الشاعر على توظيف المفردة مازجا بين جزالتها ورقتها في قالب رائع ...واختار موسيقى البحر المتقارب الجميل في التعبير عن هكذا موضوع .
ألبير ذبيان ...شاعر مثقف ، يكتب القصيدة العربية في حلّتها البهية ، وهو شاعر إحيائي بامتياز ، يجيد الحفاظ على هويته الشعرية ....
للقراءة بقية بحول الله حتى لا يملّ منا القاريء ...



الوليد

ووههههههفي
مما أجم

ألبير ذبيان
07-23-2017, 08:50 AM
كم أنتم تستمتعون التذوق والتوغل الاستقرائي بأدوات خلابة ماتعة الأثر في ذائقة المتلقي!
وكم أعلي هذا الحضور المتألق في متواضع بوحي وأحتفيه
وكم كان المكان جافَّاً حقا في غياب نقدكم البناء والواعي الجميل
البعيد كل البعد عن وجهات النظر الشخصية والآراء الحسدية والماورائيات الأنانية
وهذا إن دلَّ، فعلى رفيع أخلاقكم ودماثة طبعكم وتموسق طيبتكم أيها القدير
ولا أجامل.. ولا أبالغ.
ولو قال الأديب الناقد الوليد أن قصيدة ما لألبير غاية في الشناعة، بعد كل ذاك..
يتقبل ألبير بسعة صدر وامتنان
بوركتم أيها الطيب الأمير، وشكراً كبيرة أنكم هنا
ولعلنا نفيكم حقكم وجهدكم ونحتفي بكم كما تستحقون..
الكلام كثير في جعبتي -كما تشعرون- ولكنني أصمت في حرم علو باعكم الأديب احتراما
محبتي والعرفان

الدكتور اسعد النجار
07-23-2017, 04:36 PM
قراءة فاحصة بعدة متمكنة فيها علو الذائقة وحرفة النقد الرصين

يستحق منك شاعرنا البير هذا الكلام الجميل وأنت أهل له

مودتي

هديل الدليمي
07-23-2017, 04:39 PM
قراءة دقيقة واعية
للشاعر والناقد المتألق الوليد دويكات
تغلغل متقن في رائعة الشاعر المبدع ألبير ذبيان (حنانيك)
لقد سهّلت على القارئ مهمّة الغوص في محيط الشاعر
بحسّ شعري مرهف ومشوّق
جزيل الشكر لجهودك الجليّة
دمتما للشعر والفكر النيّر