هديل الدليمي
11-16-2017, 06:04 PM
خذيني إليكِ
هكذا وبلا مقدّمات يفاجئنا الشاعر بطلب قاطع.. ويحلّق بنا على بساط الترجّي
لم يمنحنا حتى فرصة الإمساك بخفقاتنا قبل اللّحاق به
"خذيني"
إلى أين؟ وسبل الأحلام مستديرة، تجذب الخطى إليها
تلفّ بها باهرات الإرَبْ، وتعيدها خاوية على عروجها
أهرقتُ من جعبتي كلَّ الكتابةِ
مرِّي بي أصداءَ الحواراتِ
ممسوساً بحناكِ
ملتفعاً أروقةَ السَّحرِ
ترمقني بريبةٍ خفقاتُ النُّجوم
تستغربُني الإنسُ في أماسيها السهر
محفوفاً بكنهكِ
أرشفي احتياجي ملكوتَ أقداسكِ
ضعيني هناكَ
زاهداً
عابداً
قابعاً حيثيَّاتِ كيانكِ
أزاولُ ضَوعي أحجياتِ مفاتنكِ
تعزفُني أوتارُ القمرِ ليلاكِ اللُّجين
كوجهكِ المحترفِ الإغواء
أيقظي سراديبَ أوهامي
لوِّني رمادها بحمرةِ وجنتيك
انحدر النزيف بلغة مصقولة بوضوح لامع
ينم عن عاشق مهترئ الأعماق، منفصل عن كل ما يحيط به
متأهّب تماما للعوم في أعماق فتنتها، هارب من سجنه القابع تحت سراديب الورق
نثريّة وضعت نفسها في إطار العاطفة الأرجواني، فاكتملت لوحة خلاّبة
أبهرت قرّاءها بجرأتها الخلاّقة المهذّبة
تخطف بصري أكثر من التماعة فنيّة برشاقة لفظية جليّة تتناغم مع التراكيب والصور بشكل بديع
أي روح قلقة هذه التي تسكن النص، وتزلزل قارئيه بتذبذبها النفسي اللاذع
كأن الشاعر يحاول إيهامنا بأن نصّه يقوم على تركيبة حوارية بين طرفين
لكن المضمون لا يلبث أن يفصح عن الحقيقة، حيث يمضي الحوار في ممرّ واحد
فيما الطرف الآخر صموت كـ أيقونة وربّما لا وجود له إلا في مخيّلة الشاعر
ثمَّ...
باعديني عن أقلاميَ المكسورة
جبرتُها آلافَ الهنبسات
في دهليزٍ ما
جلستُ أتمتِمُ ملامحكِ تارات!
أمسحُ عن المرايا غبارَالوجوم
كتبَني صدى صوتِكِ ذاتَ انهيار
حروفاً نورانيَّةً تتآكلُ صدئي..
نلاحظ هنا حال الأصابع المزري وهي تتلو اللهفة بأقلام مذبوحة
تحت وطأة انهيار أوثق المشاعر بسلاسل الواقع الخذول
توظيف لافت للحروف.. يدعمه الذوق ويميل إليه المنطق، إذ أنها لم تخرج عن مألوف العقول الصاغية ومعتقداتها الحسيّة
نأخذ هنا بعض النماذج عبر أساليبه الحاذقة المتنوّعة
الأمر (باعديني عن أقلامي..) والإستمالة (أتمتم ملامحك.. أمسح عن المرايا.. كتبني صدى صوتك..)
صراع داخلي، وفيض أغرق النص باحتجاجات مشروعة تعبّر عن انكسار الأنا فيه
فخذيني...
ليلي داجٍ تنتهزهُ الجنِّيَّات
تستغلُّ الأشباحُ سوادهُ العربيد
حاوريني كزلزالٍ يشتدُّ كلَّ هذيان!
بيارقُ الآمالِ تبرعمت في شفاهِكِ الملاك
قطفتْها خفقاتُ قلبي
تسوسنتْ أريجَها دمائي
الخريفُ يرسُم معالمي تعاليمَ احتدام..
مرايايَ زلقةُ الملامح
عشقُكِ إكسيرٌ حريق!
رمادي بلسمٌ وشفاء..
عاد بنا الشاعر لذات المشهد بإلحاح شرس لا يعرف التقاعس
"خذيني"
خفقات متصاعدة، دماء تغلي، احتدام عات
يمتدّ صوت الرجاء بنفس مقطوع بسكّين اللاّ جدوى
يصارحها بنبرة الليل الساهدة، يسألها العناق في ظل ظروف شائكة المصير
وجدت اتساعا فارها في آفاق حرفه المغامر والذي كثيرا ما يستهويه الهروب من خلاله إلى مدارج الخيال
ببلاغة مؤثرة وواعية، وعمق يسحر أحداق القارئ المتذوق فيشعر أنه يعوم هناك في بئر الجوارح الغائر
خذيني...
انفصمتُ عن ماورائيَّتي كرماكِ
اعتزلني وعيي
تناثرتْ نبضات عصبوناتي متنكِّرةً للدِّماغ!
أكتُبكِ بما تذكُرهُ أناملي بعدكِ
لا بحرفنةِ الكُتَّاب!
أتنرجسُ.. لأنَّكِ حبيبتي
أتضوَّعُ عبيرَالياسمين..
أتقمَّصُ رقَّتهُ لأنَّكِ الأثير
احمليني أبعادَكِ السَّماويَّةَ الأرقى
ضمِّخيني جبروتَ أنوثتكِ الأرق!
مرِّي بي عوالمَ الكائناتِ
كسلامٍ فقط!
وفقط... حينَ ينامُ الوقتُ
وينعدمُ الكلام...
خذيني.. جددها الشاعر مرارا داخل سياق الفكرة لتكون سيّدة الخطاب
وليثبت دورها وتقييمها كـ هدف مهم يتبنّاه المحور
يالها من رحلة شيّقة اشتركت فيها جميع الحواس الملموسة وغير الملموسة لتشكّل لنا حالة طارئة صاغها بدافع الحنين بتمكّن فنيّ رفيع
الأنثى الأرقى والأرق على وجه قلبه.. الأنثى التي منحها ذاتها بقدسيّة الغزل
والأنثى المعجزة التي ابتكرت في عينيه أعذب الدموع
(انفصمت عن ما ورائيتي، اعتزلني وعيي، تناثرت نبضات عصبوناتي) وكأن ذات الشاعر قد حاصرها العدم بإحباط مهيمن
خذيني..
انتهت من مواسمي الحكايات!
خبِّئيني في مكامنِ الخفقات
أزمنتي يجتاحُها الضَّباب
تيهٌ غاشمٌ يتربَّصُني
ضُمِّيني بين الحرارةِ والأنفاس
أسكنيني دفء الحويصلاتِ
تحوَّلتُ كيما أبلغكِ إلى نسيم
أسرعي
قابت تتنكَّرُ لي بصلافتها الأبواب
خريفي حزين
أرصفتي عمَّها استهلالُ الصَّقيع
كلُّ الأشياءِ تُنهيني
تكسَّرت أجنحتي
ماعاد يُسعِفُني الخيال
معطيات لغوية تنفخ الروح في جسد الحروف بحرفنة فائقة تجبر القارئ على التفاعل وتمسّه في الصميم
في سرب من المعاني الأخّاذة الموجزة التي لا تعترف بحشو والتي تجذب المتلقّي بسحر وعفويّة تدغدغ الذائقة
وهنا ندرك مدى ثقافة الشاعر ولباقته العاطفية التي لا يمكن أن تنمو إلا في أرض خصبة، حرثتها التجارب فأضحت قابلة للغرس
لاسيما العبارات الفاخرة التي رفعت مقام العشق عاليا رغم صرح الخيال الآيل للانهيار
ضميني يا أمل
غربتي بوقاحةٍ تُجيدُ الابتزاز
الطُّرقاتُ تتلوَّى أمامي
يفقدُني المسار
خريفي مريض!
تتوعَّدُهُ بقرِّها صلافةُ الشِّتاء
هاجرت سنونواتي
ها أنا
أعزلُ وحيد
أربِّتُ انتظاري
أكذبُ عليَّ
أنتهرُ ضجري
أرمُقُكِ بألمٍ ما
تفترسُني ضراوةُ الإياس
يبسط الشاعر أحماله المضنية على قارعة استعطاف لهيف
مما أتاح للبيان أن يكشف من خلالها عن تماه نادر استحوذ على ذاته الموغلة في تفانيها
غربة مبتزّة، طرقات تتلوى، خريف مريض، عزلة، انتظار، ضجر، ألم، إياس
تحالفت كلّها لتسجن النصّ في زنزانة من شجن مبين
يقتضي الشعر بمفهومه الغائر غضارة وخبرة في فكر الشاعر
وهذا ما لمحناه لدى الكروان ألبير... والذي سبق خطى توقّعاتنا بأميال من الدهشة
هلمِّي
عرَّشَ وهمي في مدافِنِ الأمنيات
حملتْ نعشي بسرورها الحروف
تقتلُني الكتابات!
أنتهي بين سطرينِ متوازيين
تيهٌ يجتاحُ نقاطَ النِّهايات
في عينيكِ إكسيرُالنجاة
أحبُّكِ
أحبُّكِ...!
يختال الشاعر برصف العبارات برمزية مطواعة تمنح الأذهان فسحة للاستدلال، والتلذذ بالعثور على الوجه الآخر للمعنى
وأجد من الصعب حقا أن يمرّ القارئ بنصّ بهذا التضلّع والإتقان دونما تذوّق واستعذاب
يشرح الشاعر آلامه لحبيبته النائية.. ثم يشرّحها بشفرة الحقيقة الحادة
قبرَ أمانيه في حضيض المستحيل، سئم الحروف والكتابات التي لا تغني ولا تسمن من جوع
سطورها كما سكّة الحديد متوزاية، تحمِل الجميع ولا تُحمل
تُدعس كلّ يوم.. ويفوتها القطار مرّات ومرّات ولا تلتقي قضبانها إلا بحادث مروّع يجتمعان فيه على شفا موت محتوم
أذكرُ أنَّها تشبهُكِ الرَّبيع
تجرَّدتُ من الملحقات
وسَمَني مجوني
وشمَ على جبيني بسطوتهِ العدم!
نعتَني بازدرائيَّةٍ فاضحةٍ بالهباء...
قصائدي لا تنتهي
تقنَّعتْ بخباثةٍ عاتيةٍ ملامحُ البدايات!
تعالي...
اشكمي نزيف البوح
أماتني ذرفُ الدِّماء!!!
نهاية هزيلة مصابة بخيبة عشقية عارمة، وليس ثمة أمل رؤوف يمتص غضب أوجاعها
يعذّبه ربيعها المؤجّل بتواريه خلف الحجب، والذي لا ينفك ينبض اخضرارا داخل شغاف مجهول العوالم
قصائد تتوالد مفجوعة بأمانيها، تعيش مكبّلة بأصفاد ماض راحل وذاكرة ملأى بالثقوب
تتضاعف دهشتي عند كلّ سطر وكلمة، في شعور مغرٍ يتعدّى الوصف، وحتى آخر رمق في النصّ بقيت أتحسس النداء القابع بين دفتيه
"خذيني"
ختاما جاءت الفكرة قمة في الأداء، محتفية بعشق خارق كسير بأسلوب سوي
رغم كميّة البؤس الطاغية عليه إلا أنه عكس المعاناة جواهرا انسابت كما الماء الزلال في حقول الروح الظامئة
خريدة أوقفتني على أعتابها طويلا.. تعاطفتُ وتألّمتُ وربّما بكيت
.
أخي الشاعر القدير ألبير ذبيان
شكرا كبيرة لكمّ الدهشة والمتعة التي وهبتنا إياها وعذرا لحروفي الكسولة
إن فاتها أن تقولك كما ينبغي ويليق
.
.
.
http://www.b30b.com/up//uploads/images/b30b-dfe50fe841.png
هكذا وبلا مقدّمات يفاجئنا الشاعر بطلب قاطع.. ويحلّق بنا على بساط الترجّي
لم يمنحنا حتى فرصة الإمساك بخفقاتنا قبل اللّحاق به
"خذيني"
إلى أين؟ وسبل الأحلام مستديرة، تجذب الخطى إليها
تلفّ بها باهرات الإرَبْ، وتعيدها خاوية على عروجها
أهرقتُ من جعبتي كلَّ الكتابةِ
مرِّي بي أصداءَ الحواراتِ
ممسوساً بحناكِ
ملتفعاً أروقةَ السَّحرِ
ترمقني بريبةٍ خفقاتُ النُّجوم
تستغربُني الإنسُ في أماسيها السهر
محفوفاً بكنهكِ
أرشفي احتياجي ملكوتَ أقداسكِ
ضعيني هناكَ
زاهداً
عابداً
قابعاً حيثيَّاتِ كيانكِ
أزاولُ ضَوعي أحجياتِ مفاتنكِ
تعزفُني أوتارُ القمرِ ليلاكِ اللُّجين
كوجهكِ المحترفِ الإغواء
أيقظي سراديبَ أوهامي
لوِّني رمادها بحمرةِ وجنتيك
انحدر النزيف بلغة مصقولة بوضوح لامع
ينم عن عاشق مهترئ الأعماق، منفصل عن كل ما يحيط به
متأهّب تماما للعوم في أعماق فتنتها، هارب من سجنه القابع تحت سراديب الورق
نثريّة وضعت نفسها في إطار العاطفة الأرجواني، فاكتملت لوحة خلاّبة
أبهرت قرّاءها بجرأتها الخلاّقة المهذّبة
تخطف بصري أكثر من التماعة فنيّة برشاقة لفظية جليّة تتناغم مع التراكيب والصور بشكل بديع
أي روح قلقة هذه التي تسكن النص، وتزلزل قارئيه بتذبذبها النفسي اللاذع
كأن الشاعر يحاول إيهامنا بأن نصّه يقوم على تركيبة حوارية بين طرفين
لكن المضمون لا يلبث أن يفصح عن الحقيقة، حيث يمضي الحوار في ممرّ واحد
فيما الطرف الآخر صموت كـ أيقونة وربّما لا وجود له إلا في مخيّلة الشاعر
ثمَّ...
باعديني عن أقلاميَ المكسورة
جبرتُها آلافَ الهنبسات
في دهليزٍ ما
جلستُ أتمتِمُ ملامحكِ تارات!
أمسحُ عن المرايا غبارَالوجوم
كتبَني صدى صوتِكِ ذاتَ انهيار
حروفاً نورانيَّةً تتآكلُ صدئي..
نلاحظ هنا حال الأصابع المزري وهي تتلو اللهفة بأقلام مذبوحة
تحت وطأة انهيار أوثق المشاعر بسلاسل الواقع الخذول
توظيف لافت للحروف.. يدعمه الذوق ويميل إليه المنطق، إذ أنها لم تخرج عن مألوف العقول الصاغية ومعتقداتها الحسيّة
نأخذ هنا بعض النماذج عبر أساليبه الحاذقة المتنوّعة
الأمر (باعديني عن أقلامي..) والإستمالة (أتمتم ملامحك.. أمسح عن المرايا.. كتبني صدى صوتك..)
صراع داخلي، وفيض أغرق النص باحتجاجات مشروعة تعبّر عن انكسار الأنا فيه
فخذيني...
ليلي داجٍ تنتهزهُ الجنِّيَّات
تستغلُّ الأشباحُ سوادهُ العربيد
حاوريني كزلزالٍ يشتدُّ كلَّ هذيان!
بيارقُ الآمالِ تبرعمت في شفاهِكِ الملاك
قطفتْها خفقاتُ قلبي
تسوسنتْ أريجَها دمائي
الخريفُ يرسُم معالمي تعاليمَ احتدام..
مرايايَ زلقةُ الملامح
عشقُكِ إكسيرٌ حريق!
رمادي بلسمٌ وشفاء..
عاد بنا الشاعر لذات المشهد بإلحاح شرس لا يعرف التقاعس
"خذيني"
خفقات متصاعدة، دماء تغلي، احتدام عات
يمتدّ صوت الرجاء بنفس مقطوع بسكّين اللاّ جدوى
يصارحها بنبرة الليل الساهدة، يسألها العناق في ظل ظروف شائكة المصير
وجدت اتساعا فارها في آفاق حرفه المغامر والذي كثيرا ما يستهويه الهروب من خلاله إلى مدارج الخيال
ببلاغة مؤثرة وواعية، وعمق يسحر أحداق القارئ المتذوق فيشعر أنه يعوم هناك في بئر الجوارح الغائر
خذيني...
انفصمتُ عن ماورائيَّتي كرماكِ
اعتزلني وعيي
تناثرتْ نبضات عصبوناتي متنكِّرةً للدِّماغ!
أكتُبكِ بما تذكُرهُ أناملي بعدكِ
لا بحرفنةِ الكُتَّاب!
أتنرجسُ.. لأنَّكِ حبيبتي
أتضوَّعُ عبيرَالياسمين..
أتقمَّصُ رقَّتهُ لأنَّكِ الأثير
احمليني أبعادَكِ السَّماويَّةَ الأرقى
ضمِّخيني جبروتَ أنوثتكِ الأرق!
مرِّي بي عوالمَ الكائناتِ
كسلامٍ فقط!
وفقط... حينَ ينامُ الوقتُ
وينعدمُ الكلام...
خذيني.. جددها الشاعر مرارا داخل سياق الفكرة لتكون سيّدة الخطاب
وليثبت دورها وتقييمها كـ هدف مهم يتبنّاه المحور
يالها من رحلة شيّقة اشتركت فيها جميع الحواس الملموسة وغير الملموسة لتشكّل لنا حالة طارئة صاغها بدافع الحنين بتمكّن فنيّ رفيع
الأنثى الأرقى والأرق على وجه قلبه.. الأنثى التي منحها ذاتها بقدسيّة الغزل
والأنثى المعجزة التي ابتكرت في عينيه أعذب الدموع
(انفصمت عن ما ورائيتي، اعتزلني وعيي، تناثرت نبضات عصبوناتي) وكأن ذات الشاعر قد حاصرها العدم بإحباط مهيمن
خذيني..
انتهت من مواسمي الحكايات!
خبِّئيني في مكامنِ الخفقات
أزمنتي يجتاحُها الضَّباب
تيهٌ غاشمٌ يتربَّصُني
ضُمِّيني بين الحرارةِ والأنفاس
أسكنيني دفء الحويصلاتِ
تحوَّلتُ كيما أبلغكِ إلى نسيم
أسرعي
قابت تتنكَّرُ لي بصلافتها الأبواب
خريفي حزين
أرصفتي عمَّها استهلالُ الصَّقيع
كلُّ الأشياءِ تُنهيني
تكسَّرت أجنحتي
ماعاد يُسعِفُني الخيال
معطيات لغوية تنفخ الروح في جسد الحروف بحرفنة فائقة تجبر القارئ على التفاعل وتمسّه في الصميم
في سرب من المعاني الأخّاذة الموجزة التي لا تعترف بحشو والتي تجذب المتلقّي بسحر وعفويّة تدغدغ الذائقة
وهنا ندرك مدى ثقافة الشاعر ولباقته العاطفية التي لا يمكن أن تنمو إلا في أرض خصبة، حرثتها التجارب فأضحت قابلة للغرس
لاسيما العبارات الفاخرة التي رفعت مقام العشق عاليا رغم صرح الخيال الآيل للانهيار
ضميني يا أمل
غربتي بوقاحةٍ تُجيدُ الابتزاز
الطُّرقاتُ تتلوَّى أمامي
يفقدُني المسار
خريفي مريض!
تتوعَّدُهُ بقرِّها صلافةُ الشِّتاء
هاجرت سنونواتي
ها أنا
أعزلُ وحيد
أربِّتُ انتظاري
أكذبُ عليَّ
أنتهرُ ضجري
أرمُقُكِ بألمٍ ما
تفترسُني ضراوةُ الإياس
يبسط الشاعر أحماله المضنية على قارعة استعطاف لهيف
مما أتاح للبيان أن يكشف من خلالها عن تماه نادر استحوذ على ذاته الموغلة في تفانيها
غربة مبتزّة، طرقات تتلوى، خريف مريض، عزلة، انتظار، ضجر، ألم، إياس
تحالفت كلّها لتسجن النصّ في زنزانة من شجن مبين
يقتضي الشعر بمفهومه الغائر غضارة وخبرة في فكر الشاعر
وهذا ما لمحناه لدى الكروان ألبير... والذي سبق خطى توقّعاتنا بأميال من الدهشة
هلمِّي
عرَّشَ وهمي في مدافِنِ الأمنيات
حملتْ نعشي بسرورها الحروف
تقتلُني الكتابات!
أنتهي بين سطرينِ متوازيين
تيهٌ يجتاحُ نقاطَ النِّهايات
في عينيكِ إكسيرُالنجاة
أحبُّكِ
أحبُّكِ...!
يختال الشاعر برصف العبارات برمزية مطواعة تمنح الأذهان فسحة للاستدلال، والتلذذ بالعثور على الوجه الآخر للمعنى
وأجد من الصعب حقا أن يمرّ القارئ بنصّ بهذا التضلّع والإتقان دونما تذوّق واستعذاب
يشرح الشاعر آلامه لحبيبته النائية.. ثم يشرّحها بشفرة الحقيقة الحادة
قبرَ أمانيه في حضيض المستحيل، سئم الحروف والكتابات التي لا تغني ولا تسمن من جوع
سطورها كما سكّة الحديد متوزاية، تحمِل الجميع ولا تُحمل
تُدعس كلّ يوم.. ويفوتها القطار مرّات ومرّات ولا تلتقي قضبانها إلا بحادث مروّع يجتمعان فيه على شفا موت محتوم
أذكرُ أنَّها تشبهُكِ الرَّبيع
تجرَّدتُ من الملحقات
وسَمَني مجوني
وشمَ على جبيني بسطوتهِ العدم!
نعتَني بازدرائيَّةٍ فاضحةٍ بالهباء...
قصائدي لا تنتهي
تقنَّعتْ بخباثةٍ عاتيةٍ ملامحُ البدايات!
تعالي...
اشكمي نزيف البوح
أماتني ذرفُ الدِّماء!!!
نهاية هزيلة مصابة بخيبة عشقية عارمة، وليس ثمة أمل رؤوف يمتص غضب أوجاعها
يعذّبه ربيعها المؤجّل بتواريه خلف الحجب، والذي لا ينفك ينبض اخضرارا داخل شغاف مجهول العوالم
قصائد تتوالد مفجوعة بأمانيها، تعيش مكبّلة بأصفاد ماض راحل وذاكرة ملأى بالثقوب
تتضاعف دهشتي عند كلّ سطر وكلمة، في شعور مغرٍ يتعدّى الوصف، وحتى آخر رمق في النصّ بقيت أتحسس النداء القابع بين دفتيه
"خذيني"
ختاما جاءت الفكرة قمة في الأداء، محتفية بعشق خارق كسير بأسلوب سوي
رغم كميّة البؤس الطاغية عليه إلا أنه عكس المعاناة جواهرا انسابت كما الماء الزلال في حقول الروح الظامئة
خريدة أوقفتني على أعتابها طويلا.. تعاطفتُ وتألّمتُ وربّما بكيت
.
أخي الشاعر القدير ألبير ذبيان
شكرا كبيرة لكمّ الدهشة والمتعة التي وهبتنا إياها وعذرا لحروفي الكسولة
إن فاتها أن تقولك كما ينبغي ويليق
.
.
.
http://www.b30b.com/up//uploads/images/b30b-dfe50fe841.png