المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : { قراءة نقدية في رواية (امرأة غير عادية*) لــ أ. بسام السلمان }


عوض بديوي
02-23-2018, 03:59 AM
________________________________________________

{ قراءة نقدية في رواية (امرأة غير عادية*) لــ أ. بسام السلمان }
بقلم : الناقد المغربي أ. سعيد فرحاوي : راجعها وقدم لها عوض بديوي
------------------------------------------
عندما أهداني أخي وصديقي ( وابن صفي ) أ. بسام السلمان ذات زيارة منزلية ، روايته الأخيرة قلت له خالطا الهزل بالجد : ستكون قراءة قاسية جدا ...فابتسم قائلا : وأرجوك ألا يكون خلاف ذلك...!!
بسام احمد مفلح السلمان المولود في الرمثا – الأردن1-11-1963، ويحمل بكالوريوس صحافة وإعلام من جامعة اليرموك ، ويعمل رئيس تحرير موقع الكتروني" الرمثا نت "- سكرتير تحرير في جريدة الرأي اليومية ، ومن وظائفه السابقة: باحث في مركز دراسات لمدة عام ورئيس تحرير مجلة التراث من:2000 – 2001"
وعن أعماله المنشورة : صدرت رواية عيون الكرامة عن وزارة الثقافة الأردنية عام 1991، ورواية "ثقب في الجدار " عام 2015 ورواية امرأة عادية عام 2016
الجوائز: جائزة رابطة الكتاب الأردنيين لغير الأعضاء عن رواية الجسد المستباح عام 2003 وعام 2007 ثقب في الجدار وجائزة ناجي نعمان عام 2007 عن رواية ماسح الأحذية .
رواية امرأة غير عادية جاءت في مئة وثمان وعشرين صفحة تقريبا من قطع المتوسط ، قسمها الناص إلى ثمان وعشرين جزءا – ويبدو لي أن هذا التقسيم مقصود فنيا ومشتغل عليه – بدأ القسم الأول بـ " موت " وأنهى القسم الأخير بــ" أمل " وربط الأقسام جميعها بخيط خفي – أتحدث عنه في دراسة منفصلة – ويمكن القارىء في الوقت نفسه ، من قراءة كل قسم بوصفه قصةً قائمة بذاتها...!! وكدت أنهي دراستي للرواية بهذه الطريقة ... ثم توقفت وجمعت ملحوظاتي ...وبعثت بالرواية لمجموعة من الكتاب والنقاد – تحت عنوان نريد نقدا قاسيا – بعضهم أنهى ، وبعضهم لم ينه بعد...
من المبدعين الكبار في عالم السرديات أخي وصديقي أ. عبدالرحيم التدلاولي الذي حولها مشكورا لأخينا وصديقنا وأستاذنا الناقد الروائي المغربي أ.سعيد فرحاوي الذي حدث عنها فقال :
سعيد فرحاوي
الجزء الأول. خطاب الإقناع في رواية (امرأة عادية)، للروائي بسام سلمان.
إن التعامل مع الخطاب الروائي، بصفته سرداً، يجرنا، منهجياً، إما للنظر إليه من منظور دلالي، بحثاً في آليات تشكل المعنى وتمفصلها من زاوية تركيب الأجزاء والإيحاء الدلالي وصولاً إلى بناء شكل الدلالة، هنا نكون مطالبين في التعامل مع النص سيميوطيقياً، أو النظر إلى الخطاب، بصيغة كيف قيل النص، وهنا نبحث في المكان الروائي والزمن السردي وصيغة التخطيب. في هذه الحالة تكون الشعرية أو البويطيقا السردية هي الأقرب. السؤال الذي يُطرح هنا: أيهما الأقرب في ملامسة النص الروائي (امرأة عادية)، للروائي بسام سلمان؟
إن تتبًّعَنا للنص ووقوفنا على محتوياته، أحالنا إلى موضوعة لصيقة بالجزء الأول، أي بصيغة توزع أجزاء الدلالة تمفصلياً لبناء محتوى سردي موزع بشكل محكم دلالياً، متفصل في كليته، أنتج خطاباً إبداعياً ناضجاً، إلى جانب، توزع عناصر الزمن والمكان بصيغ فنية مغايرة عن الزمن الطبيعي، هي إحالات أدت بنا إلى موضوع شامل جامع بينهما. إنه عنصر الإقناع في الخطاب السردي، ذلك بتبني المستويين معاً لإنتاج هذه الآلية في الكتابة. الإقناع ابتدأ في عناصر الخطاب منذ أول جملة تلفظ بها السارد، نجد الروائي يقحم الشخصيات في مواضيعه بشكل مباشر، من أول جملة في الرواية (جمعة مات)، متمماً كلامه، محدداً مرسل الكلام باستحضار صاحب الكلام، (بهذه العبارة بدأت حكايتها)، بمعنى السارد ينقل الخطاب، بصفته سارداً ديموقراطياً لا يقول إلا ما يتلقى، عكس السرد التقليدي الذي نجد فيه الراوي الإله، يعرف كل صغيرة وكبيرة لا يترك الحق للآخرين في الكلام، أما هنا فيصيح منذ البداية بكلامه، هذه عبارة قالتها فلانة، أما أنا فمجرد راو أنقل ما أسمع، هنا تحضر أول خاصية في الإقناع، بنقل كلام منطقي يحدد طبيعة المسافة بين السارد والمسرود له وبين السارد والمتلقي ثم بين الكاتب والقارئ، كل ذلك لبناء رواية عصرية تحترم شرط السرد الحداثي. إلى جانب هذه الخاصية نجد الكلام في الجزئيات غير المعرف يقينها ولا مصادرها، جارة السارد تكرهه وهو لا يعرف، فقط بمجرد النظر إليها تثير انتباهه بأن هناك شيئاً ما يثير سخطها نحوه؛ دائماً نجد سارداً محايداً، بعدها يتوصل بسر الكره من أمه، هذه الأخيرة روي لها الكلام مباشرة من فم الكارهة، بمعنى خطاب يبنى بشكل محبوك وبلغة منطقية مقبولة، كل ذلك مقصود لإبعاد السارد عن كل ما يجعل من الخطاب مرتبكاً وغيرَ معقول. خلاصة لما سبق، الإقناع جاء عبر المحتوى الدلالي، أي الخبر وكيف توصل إليه ثم البناء السردي بمعنى، الحياد التام من طرف السارد. إقناع بشكل مبسط جاء شكلاً ومحتوى بالمفاهيم القديمة ومتفصلاً ومبنياً على مستوى الخطاب، بأبعاد المعرفة الكلية واليقينية عن السارد وجعله واحداً من العناصر المشكلة للعبة الكتابة ككل. (يتبع).
الجزء الثاني. رواية (امرأة عادية). لبسام سلمان. البرامج السردية الفاشلة.
بعد نظرتنا في الجزء الأول إلى مشكلة الخطاب الإقناعي، بتبنيه أساليب واقعية يمثله إيصال الخبر، واختصار الفكرة الموصلة، على أن السارد لا يعرف أكثر من الشخصية، نتحول الآن إلى البرامج السردية المتنوعة. نبدأ بموت جمعة، بنهايته يتوقف برنامجه السردي في الرواية أولاً، أي توقف عمله كفاعل بنيوي داخل عملية الحكي، أي عدم قدرته على مواصلة الحياة تحيل إلى إنهاء المهمة ويصبح وجود دوره ثانوياً، تأتي الأم كعامل ذات لها برنامج سردي، تمثله رغبتها في رؤية ابنها متمسكاً بالدين، فيصل الخبر من الطالبة جارتها التي رأت أن السارد شيوعي ملحد، وعليه تكسرت رغبة السارد بحكم قربه من الأم، ثم يأتي البرناج السردي الثالث الذي يمثله رغبة السارد في قربه من نعيمة التي يحبها حتى الموت، لتنكسر الرغبة الملحة في تقربه من المدرسة التي تكبره. عليه الرواية تحكمها برامج متعددة، لم تتحقق بناء على غياب عدة عوامل مشجعة. عنصر الرغبة حاضرة عند الكل باستثناء جمعة الذي خانه الموت، أما الأم والسارد فهما معاً يشكلان عامل ذات، هي لها موضوعها وهو الابن، في علاقتها بالأمومة والابن، هو له برنامج سردي تمثله الأم نفسها، فتصبح العلاقة بينهما هي علاقة يحددها دور تيماتيكي عائلي، وبرنامج سردي في كون كل واحد منهما يرغب في الآخر، فتنكسر العلاقة بناء على تدخل عامل مشاكس هو الجارة. ثم عنصر المعرفة، الكل يعرف أن البرامج السردية معرفة عند الجميع. أما الفشل فيأتي خارج إرادة الجميع. ثم عنصر الواجب كمعطى موضوعي ضروري في كل العلاقات التلازمية، لكن غياب القدرة أفشل البرنامج ككل. رواية (امرأة عادية) يمكن اعتبارها رواية البرامج الفاشلة بامتياز. إلى جانب البرامج الفاشلة، يتحول السارد، فتصبح المرأة هي المتكلمة في الجزء الذي عنوانه (صداقة)، ويصبح السارد مسروداً له. لعبة أخرى من لعبه في الكتابة، يختزل الزمن الطويل في لحظة قصيرة جداً، هذا مايسمى بالزمن المختزل في الرواية، تقول: كانت هي في السابعة من عمرها وكان هو في الجامعة، هاهي الآن أينعت وأصبحت تحبه، بمعنى آخر، الزمن السابق الذي انكسرت فيه برامجه، كان عمرها سبع سنوات، في مقطع قصير كبرت وامتد الزمن الطويل في لحظة قصيرة، فأصبح حبيبها، زمن شاسع يختصر في جزء قصير ليحول السرد. التعدد اللغوي وانتقال السارد إلى مسرود له وظهور شخصية جديدة فتصبح ساردة، الأكثر من ذلك، تحضر أسماء غابت في الأجزاء السابقة، وكانت غابرة، أصبحت الآن حاضرة بقوة (جمعة)، كل ذلك ساهم في نفس المسار القديم إنتاج شخصية تتكلم عن نفسها بمعلومات تهمها هي وحدها، وبشكل منطقي مقبول، بمعنى نقل الخبر على لسان المتكلمة نفسها، ليدل على رؤية منسجمة متماسكة، وواعية في الكتابة السردية.
الجزء الثالث. بسام سلمان في لعبة الإقناع وتناوب السارد داخل رواية (امرأة عادية).
إن أول جملة ابتدأت بها الرواية، (جمعة مات)، مرت عابرة، وكأن الموضوع يعني مجرد خبر عابر، منه قد يبدو انطلاق السرد، لكن دائماً أتعامل مع الشذرات في الإبداع على أنها معطى بنيوي مهم سيكون له وقعه فيما بعد، وفعلاً ذلك ما وقع، هنا أستحضر توماسوفسكي الروسي، الذي قال: كلما رأيت في العمل الأدبي مسماراً معلقاً، أعلم أن الكاتب سيشنق به إحدى شخصياته، كل الإشارات العابرة سيكون لها حضور قوي داخل الإنتاج المسمى (امرأة عادية)، بلغة سردية غير عادية، وفعلاً ذلك ما تحقق في إشارة (جمعة مات) كأول ملفوظ في الرواية، سيتكلم السارد عن مواضيع كثيرة بدون التركيز على موت جمعة، سيتكلم عن الأم، عن الكلية، عن اتهامه بالشيوعية، وعن رفضه من طرف الأم، سيتكلم عن نعيمة الأستاذة/الإنجليزية، والكثير الكثير بدون استحضار جمعة كإشارة بنيوية مهمة في النص. سيتغير السارد مرات متعددة وبدوافع نصية قوية بدون أن يؤثر ذلك على وقائع النص، إلا أن الجميل المثير في تناقل المعلومة في الرواية هو الإشارة إلى المصدر الذي على أساسه تم نقل الخبر، بمعنى أن الخبر هنا غير مفروض ولا إلزامي، الخبر متوصل إليه من فم صاحبه مباشرة، مثلاً (أكتب لك من رسالتي هذه)، هنا المعلومة المنقولة مصدرها الخبر المنقول من الرسالة، أو (كان في كل رحلة من رحلاته يكتب لي)، أو ما جاءها عن طريق الإخبار (أخبرتني أختي أن جمعة مات)، الخبر ينقل بأمانة الصدق ليقرب ذلك من واقعية الحدث وإقناع أن المروي قريب من الواقع، ليجعل من الإنتاج الروائي عملاً له مصداقيته المستمدة من المرجع الحقيقي الذي هو الواقع، هنا يحضر عنصر التمويه والإقناع بحقيقة المروي ليشكل قصة حقيقية تبعد طابعه الخيالي. اللعبة هنا تستمد قوتها من خلال تحول السارد في كل مقطع إلى سارد آخر، مرة يكون رجلاً كما هو الشأن في المقطع الأول والثاني وفي المقطع المعنون (نعيمة)، ثم يتحول إلى سيدة تتكلم عن موضوع آخر عندما يكون الموضوع هو جمعة، وهذا الأخير سيحضر بقوة ويصبح فاعلاً في كل مواضيع الساردة، بمعنى سيصبح هو موضوع سردها وليس شخصية عابرة مرور الكرام كما يبدو لبعضهم في إول إطلالة من الخطاب. هذا التغيير في لعبة السارد منطقي هو أيضاً بحكم طبيعة الموضوع المتكلم عنه، عندما يكون الموضوع هو جمعة يكون السارد أنثى وعندما يتحول إلى (نعيمة) يصبح السارد رجلاً، هنا نجد هذا التناقل موضوعه إضفاء حركية قوية على الفعل في الرواية، من جهة، وفي نفس الوقت إضفاء صبغة تمفصل المعنى بالشكل المتكلم عنه في التقديم. النص يتحرك عمودياً من خلال بناء الخطاب والتحكم في تحركات السارد بأشكال متنوعة، ويتحرك أفقياً في اللعب بالمغزى وبصيغ بنائها على طول الرواية. بعد الدخول في محور الرواية، الذي فضل أن يجزئه في فصول قصيرة، كل فصل له قصته التي قد تبدو منعزلة عن غيرها لكنها في العمق متكاملة، كل فصل يستلزم الآخر بطريقة تخفي المعنى الأم. شذرات المعنى تتوزع لتؤسس مجموعة من الأجزاء، وظيفتها إضفاء صبغة اللعبة الروائية من خلال خلق بنية متداخلة ومتكاملة. (يتبع).
الجزء الرابع. بسام سلمان وروايته (امرأة عادية). ثيمة المرأة كموضوع لعنوان الرواية.
أول خطاب منطوق في الرواية، هو (جمعة مات)، استحضرته امرأة لامرأة، في الفصل الأول الذي عنوانه (موت)، موت رجل وظهور امرأتين لهما دوران وظيفيان في بنية السرد داخل رواية (امرأة عادية)، هذا الظهور للمرأة الساردة، إلى جانبه انتهاء حياة لرجل مهم في حياة امرأة أخرى، نقرؤه على أساس وظيفته الدلالية داخل النص. إن التقديم لا يعني مروراً عادياً مفاده أن الروائي يريد إخراج رجل من منظومة الحكي واستحضار امرأتين بشكل عادي، هناك منطق نصي ما وراء هذا الاستحضار. إن حضور المرأة بهذه القوة، القوة السردية، والقوة السلطوية من جهة أخرى، من جهة السرد هي هنا حاضرة على طول الأحداث الروائية وفاعل بنيوي مهم، في الحكاية هي موضوع حبيبة جمعة بل هي حياته، هي أمه وسعادته ومصدر كل ماهو جميل في حياته، هي حاضرة بقوة، إلى حد أنه لا يستطيع العيش بدونها. ثم في فصل (نعيمة)، السارد، الذي يلعب دور سارد وشخصية في نفس الوقت، يرى في نعيمة مصدر سعادته، وأحبها إلى أقصى الحدود، وفي الأخير تزوجت برجل آخر، نفس الشيء بالنسبة للساردة التي تؤدي هي الأخرى ازدواجية الوظيفة. إذن، هناك ديموقراطية في توزيع الأدوار الوظيفية داخل العمل السردي، يتقاسمان المهمة والحياة السردية داخل الرواية، بل أحياناً هي أكثر منه حضوراً ووقعاً في مجموعة من المناسبات الحكائية. هي ناقلة الخبر، هي المنقول إليها الحكاية، هي المتوصلة بالرسالة، بمعنى تتحكم في يقين الأحداث ككل. هي الحبيبة الأولى في حياة جمعة، الشخصية الغائبة/الموت، والحاضرة، بصفتها موضوعاً رئيساً في الحكي. أما هو (مات جمعة)، إلى جانب أن الرجل دائماً في موقع المدافع، في قصة الأم، يدافع عن التهم المنسوبة إليه، والتي مصدرها المرأة/الجارة الطالبة، هزيمة السارد/الشخصية، في فصل نعيمة التي أحبها حتى الموت. وفي الأخير تزوجت رجلاً آخر، ثم الأم القوية والابن الضعيف، هي كلها مؤشرات قوية تحيل إلى أن المرأة هنا قوية مشاركة في كل الأهداف، محركة للفعل السردي ككل. وبناء عليه فهي ليست عادية بل هي الأم القوية، الساردة الواثقة من نفسها العارفة كل زمام الأمور، المتيقنة من تحركاتها وحركتها، هل هذه المرأة عادية؟ هنا يتكلم بمنهج برهان الخلفي يحدد الشيء بضده، أراد أن يقول امرأة غير عادية فقال العكس، ربما يريد إخفاء الحقيقة في الكتابة ليجعل القارئ ينفلت في وصوله إلى الحقيقة بصيغة مختلفة، بمعنى تمويه الكل بمعلومات خفية ومثيرة، معلومات يميزها الفجائية والمعلومة المختلفة عن الأخرى الحاضرة على مستوى الشكل.
الجزء الخامس والأخير. لعبة الوعي في الكتابة في رواية بسام سلمان (امرأة عادية).
(قالوا حياتها سر)، ص24، (قالوا: أمرها عجيب)، نفس الصفحة، إشارة مسبقة يحدد بها الروائي مستوى المعلومات وتناقلها بين الشخصيات في رواية (امرأة عادية)، لا أحد يعرف عمق الآخر إلا الروائي الذي أبعد نفسه تقنياً وأعطى المسؤولية للسارد الذي هو نفسه الشخصية. سر لايعرف عنه الآخرون شيئاً، هو لا يعرف إلا ما ينقل إليه، (لا أحد يعرف عني شيئاً) ص24، في المعرفة المعلوماتية تنقل لها من فم الشخصية (حكى لي جدي عن سفره إلى تركيا خمسين سنة قال) ص28، مرة أخرى تقول (حكت لي جدتي)، أو عندما تتكلم عن جمعة، تقول (حكى لي جمعة)، الحكي يكون إما بالكلام المباشر أو بالرسائل (أكتب لك رسالاتي هذه)، ص30، أو مرة أخرى (كانت تلك الرسالة بداية موت جمعة)، كما أن المعلومة تتوصل إليها عن طريق الإخبار (أخبرتني أختي أن جمعة مات)، والمعلومة قد تصلها بالنظرة، هنا نتكلم عن الجانب النفسي في إيصال المعلومة (نظر إليَّ جدي وقال). خطاب سردي محبوك دقيق في إعطاء كل شخصية حقها في إيصال الخبر وتوزيع الأدوار السردية في الرواية، كل ذلك بشكل مقصود وبنيوي، ليس المعطى اعتباطياً، لأن التوزيع تحقق على الرواية ككل وبين جميع الشخصيات، سواء المحورية أم الثانوية. بعد ذلك تبدأ بعض الملامح تظهر بتتابع محكم. شخصية جمعة بعدما تم في بداية الرواية الإشارة إليها، ثم تركها والعودة إلى مواضيع أخرى، ظهرت من جديد وبشكل مركزي للحديث عنها بشكل مفصل، في كل إشارة تعرف أحد جوانب حياته المهمة، كدوره التيماتيكي السوسيوثقافي داخل مجتمع الرواية، كما تقول الساردة (من أجل الخبز يخاطر السائق في نقل الموت بصهاريج شاحناتهم، كتب لها رسالة، قبل سفره)، إذن جمعة يعمل كسائق في مسار دوره داخل الرواية، جمعة عرف نفسه بنفسه، والمعلومة نقلتها بأمانة كبيرة الساردة، لتحدد مهمته السوسيوثقافية، في نفس الوقت عرفنا لماذا مات، وكيف مات، بعدما ظل موضوع موته في الأول غامضاً. كل شيء يُعرف عن الشخصيات من الشخصيات ذاتها، بشكل تسلسلي وفي الوقت المناسب، إما بحوار أو بإخبار أو برسالة. كما تقول (كان في كل رحلة من رحلاته يكتب لي تفاصيل الرحلة)، ص30، ومنها تخبرنا نحن بكل المعلومات.
هذه هي رواية بسام سلمان، وهذا هو الخطاب السردي المؤسس عل لعب مثيرة بشكل فني واع، متمكن من لعبه السردية، ينقل الحكاية بدراية متمكنة، يعرف الصغيرة والكبيرة، يصطنع تمويهاته الخاصة، وهي إحدى تجليات المكر السردي. رواية، إن شئنا، يتعدد فيها السارد اللغوي، يتوزع حسب المطلوب في النص، مرة يكون سارداً ومرة مسروداً له، ومرة أخرى شخصية، وهي كلية متداخلة دورها المحوري إنتاج دينامية في الرواية تخفي المطلوب وتظهر غير المرغوب فيه، كل ذالك أساسه لعبة جميلة من لعب النص المتعددة.
____________________________
* إمرأة غير عادية ( رواية ) الناشر ...الخ

هديل الدليمي
02-24-2018, 10:39 AM
قراءة واعية.. أعطت الرواية حقها في التدقيق
والغوص وراء السطور
اختيار جميل يشي بذائقة رفيعة
شكرا ملء القلب
أستاذنا الجليل عوض بديوي

الدكتور اسعد النجار
02-25-2018, 01:54 PM
قراءة رائعة امتلك صاحبها عدة النقد والأدب

شكرا أخي الغالي لهذا الاختيار

محبتي

ألبير ذبيان
02-26-2018, 11:38 AM
اختياراتكم دائما لها وقعها وأثرها أيها القدير
دمتم نبراسا وعلما
وشكرا على القراءة الجميلة والعميقة
احترامي

عامر الحسيني
02-26-2018, 12:13 PM
قراءة تشرح النص تشريحا منطقيا ادبيا
له منظور تصوري يحيل القراءة الى مسرح كبير
يسبر اغوار المسكوت عنه في بعض الاحيان
شكرا لهذا الوعي الجميل
شكرا لقلبك ..حياك قلبي
http://www.nabee-awatf.com/vb/attachment.php?attachmentid=896&stc=1&d=1506682597

تواتيت نصرالدين
02-26-2018, 09:54 PM
الأستاذ المحترم عوض بديوي
رواية امرأة غير عادية عنوان مثير يفتح الشهية لقراءتها ويستدعي رغة القاريء بعد هذا التقديم
والمراجعة من طرف سيادتكم مع القراءة الموغلة في فصولها فنيا والتي قربت رؤية النص أكثر للمتلقي
من طرف الناقد سعيد فرحاوي .
مشكور أستاذ عوض على هذا الجهد والاهتمام..تحية تليق ودمت في رعاية الله وحفظه

عوض بديوي
05-06-2020, 08:03 AM
سـلام مـن الله وود ،
على كل مــن مرَّ من هنا وسيمر..وكل باسمه و مـا يليق به مـن لقب ؛
وبحوله تعالى لـي عـودة تليق بـكـمـ/ـن بمـا يليق بقاماتكـم :
غير أنني أتصفح وأقـرأ دونما تعليق ...بعد غياب طال ...
؛ فعذيركم
مـودتي و مـحبتي للجميع