جهاد بدران
06-03-2021, 12:31 AM
النّص : أخرس
النّاص : محمد خالد بديوي
القراءة : جهاد بدران
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النص :
ــــــــــــــــــ
أخرس
صعد الى خشبة المسرح
ليؤدي دوره الصامت.
ارتبك ...فنطق!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القراءة :
أخرس..
ومضة وارقة جداً جداً..
مضيئة على مستوى الفكر واللغة والوعي والنضوج..
بضع كلمات في مجموعة حروف ..تساوي مجلدات..إذا ما فصلنا كل رمز فيها...لأنها تحمل درراً كشفت عن أبعادها بالتنقيب والبحث العميق...
هذه الومضة حلّقت بي لعدة تأويلات في مناحي الحياة العامة وحتى على الصعيد الخاص...وتغلغلت مضامينها في الخيال لأبعد مدى..
العنوان وحده..( أخرس).. مفتوح عام لم يخصصه الكاتب بأل التعريف..ولم يقيّده بها..
حتى يكون في دراسة عميقة يصلح لكل زمان ولكل قراءة..وهذا يدلي بذكاء الكاتب وعبقريته في تحديد خطواته ببراعة في فن النسيج البنائي ومعانيه العميقة ..والتي ترمي لقوة الومضة...
الأخرس هنا ..معناه لغة...
"الأخرس في اللغة- وزان أفعل- صفة من به الخرس.. وهو ذهاب النطق خلقة أو عيّاً..وفي الجمهرة : « انعقاد اللسان عن الكلام»"...
"الأخرس هو أبكم ، انعقد لسانه عن الكلام..عجز عن الكلام خِلْقَة أوعِيًّا أو لسبب آخر .."...
لذلك احتمال للنطق وفق صدمة مباغتة يمكن أن تحوّله لنطق بسيط إذا كان الخرس عن طريق العيّ..
لكن ما رأيته في هذه الومضة التي استوقفتني طويلاً ...لجوانب متعددة..
لا أريد الخوض بكلها.. كحالات الخرس التي تحدث نتيجة صدمة من واقع مؤلم..أو حادثة مريرة صعبة جداً..جعلت عقدة اللسان عاهة مستديمة..وما أكثر الحالات الأجتماعية التي تطرأ على الذات فتحبس النطق في سبات عميق لا يرجعه إلا حالات صادمة مباغتة...
لكن ما أريد تأويله هو تكميم الأفواه وتعتيم الحروف الناطقة من قبل الحكام والطغاة اليوم..لأن قول الحق يفج رؤوسهم ويحطم كراسيّهم من تحت نعالهم...
حكام العرب وساسة الظلم وكبار الإضطهاد..يمارسون عنف السيطرة على من يتفوه بفكرٍ من شأنه هدم سياستهم أو قتل مناصبهم...
فيقومون بتدريب شعوبهم على الصمت ويلقنونهم دور الأخرس..حتى ينجحوا في الحفاظ على مناصبهم ومنافعهم ..ويكونوا عملاء ووقاية للغرباء في تنفيذ مآربهم...
فحرية التعبير عن الرأي يدربونهم عليها من خلال لعبة دور الأخرس على خشبة مسرح الحياة والمجتمع ومسرح السياسة الممزوجة بدم الأبرياء...
وفي هذه الومضة الفنية الراقية المتقنة ..وجدناها منسوجة على عدة تأويلات.. في عمقها أرحاماً تتناسل الخيال وتلد الجمال على صوره المتعددة...
الأخرس هنا كما يقول الشاعر:
(صعد الى خشبة المسرح)
كلمة صعد...تعني ليَ الكثير ..ففي الصعود لشيء ما..يحتاج لبذل جهد وطاقة لتنفيذ الهدف في غاية الصعود...ويتتطلب مهارة عالية لتنفيذ هذه المهمة..وربما يصعد المرء درجة معينة ويخفق فيها بعد عناء فيسقط..
وهنا الأخرس يريده الكاتب الصعود لتأدية مهارة معينة كان قد رسمها له...
وهي الصعود على خشبة المسرح...
توظيف كلمة صعد كانت متقنة جدا بصياغة ماهرة تدل على صاحبها وعلى قدرته في النسج...
وأما اختياره خشبة المسرح مكانا لتأدية الدور ..فكان اختياراً مذهلاً جداً..
لأن المسرح هو عملية تقمص أدوار معينة للممثل يؤديها وفق التوجيهات والإرشادات وحفظ مادة العرض غيباً ..ليتم عرضها أمام جمهور البشر المختلف الأصناف...
وبعد الإنتهاء من الدور الذي يلقنونه إياه..يعود لسابق عهده...
فالمسرح مكان للتمثيل يعكس المجتمع وأفكاره وأدواره وثقافته ومبادئه..
عن طريق شخصيات تلعب هذه الأدوار كالدمى..يحركونها وفق ما هو مرسوم لهم ومكتوب...
لذلك ألفاظ خشبة المسرح..متقنا لما يهدف إليه الكاتب...ثم رأيت أن كلمة خشبة..تلائم الحدث والهدف..إذ هي من كلمة خشب والذي هو قابل للإحتراق والإشتعال وتخويله إلى رماد..أي أن كل ما يقال فوق خشبة المسرح إنما هو غير ثابت قابل للزوال ..وهذا ما يعكسه دور الممثل بكلامه القابل لغير حقيقته ولمتغيرات مختلفة...
يكمل الكاتب الشاعر ومضته بقوله:
( ليؤدي دوره الصامت.)..
في هذه اللقطة يكمن الإبداع والعمق...
تأدية دور أخرس هنا..ربما قلنا أنه سهل جداً لأنه لا يستعمل اللغة لحفظها وتأديتها مع الحركات...
لكن الدور كان هنا أصعب لأنه مرهون بشنقه وشنق صوته للأبد ..نتيجة خوف عدم الإتقان في طاعة المدرب والمخرج السياسي المسؤول عن نجاح شعبه في الصمت..
لكن الفاجعة الكبرى التي تحرك الصمت وتمزقه هو هوية الإنسان وكرامته وتلبية نداء الرسالة الأعظم وهو طاعة الله لصالح الوطن..فعندما تشتعل معاني ...لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق...وعلى هذه الأرض ما أكثر العصاة الذين يبيعون أنفسهم ثم أوطانهم للشيطان ..مقابل المصالح الذاتية والأهواء والكراسي...وولاة الأمر يريدون الأفراد دمى متحركة تتقن أدوارهم...
فتتحرك حرارة الكرامة والهوف من الله...فيرفض هذا الدور ..ليرتبك نتيجة الخوف الأعظم من الله ..بقول الكاتب ( ارتبك)...
عملية الإرتباك تأتي من الخوف أو الضعف..
إما خوف من الوقوف أمام الجمهور..أو أمام الله ..وإما ثقة بالنفس متزعزعة..أو خوف من النتيجة...
وفي كل الحالات هي سلوك توتري يتراكم عليه أسباب كثيرة ومسببات...
ومن نتائج الخوف وعدم إتقان الدور أنها هناك محركات كثيرة لعبت دورها في زعزعة الثقة لتكون النتيجة النطق...
والنطق هو الدور الطبيعي للفرد العادي..لكن إذا كان الصوت تحت نصل الصمت فإنه يُحدث صرخة غير اعتيادية من كثرة الضغط....
وهنا يكمن أهمية الكلمة وجرأة قولها في المكان المناسب وأمام سلطان جائر..فإنها كثيرا ما تؤدي كلمة الحق لشنق الشخص الذي يلفظها بحق...وما أحوج مجتمعاتنا للوعي الفكري والثقافة الواعية لإدراك أهمية النقاش والحوار لرفع مستوى الأمة والحفاظ على حضارة عريقة كما كانت من قبل تقوم على أساس مبدأ الشورى...لكن أين هي الشورى اليوم وشريعة السماء ..وقد احتلت شريعة الغاب الحكم اليوم...
لن أطيل أكثر في حق مثل هذه الومضة الرائعة الساحرة بعمقها...
الشاعر الأديب المبدع الراقي البارع
أ.محمد بديوي
قرأتكم في كل مكان ..فكان لحرفكم أثر في الذائقة الأدبية ..وكان لقلمكم مزايا إبداعية تلونت بتلاوين المطر..حيث رسمت جمالاً وفنّاً ثميناً على أشعة شمس الأدب الجلية...
بورك بما نسجتم من سحر..وطاب لي المكوث بين أروقة حرفكم النفيس أينما كان....
.
.
.
.
جهاد بدران
فلسطينية
النّاص : محمد خالد بديوي
القراءة : جهاد بدران
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النص :
ــــــــــــــــــ
أخرس
صعد الى خشبة المسرح
ليؤدي دوره الصامت.
ارتبك ...فنطق!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القراءة :
أخرس..
ومضة وارقة جداً جداً..
مضيئة على مستوى الفكر واللغة والوعي والنضوج..
بضع كلمات في مجموعة حروف ..تساوي مجلدات..إذا ما فصلنا كل رمز فيها...لأنها تحمل درراً كشفت عن أبعادها بالتنقيب والبحث العميق...
هذه الومضة حلّقت بي لعدة تأويلات في مناحي الحياة العامة وحتى على الصعيد الخاص...وتغلغلت مضامينها في الخيال لأبعد مدى..
العنوان وحده..( أخرس).. مفتوح عام لم يخصصه الكاتب بأل التعريف..ولم يقيّده بها..
حتى يكون في دراسة عميقة يصلح لكل زمان ولكل قراءة..وهذا يدلي بذكاء الكاتب وعبقريته في تحديد خطواته ببراعة في فن النسيج البنائي ومعانيه العميقة ..والتي ترمي لقوة الومضة...
الأخرس هنا ..معناه لغة...
"الأخرس في اللغة- وزان أفعل- صفة من به الخرس.. وهو ذهاب النطق خلقة أو عيّاً..وفي الجمهرة : « انعقاد اللسان عن الكلام»"...
"الأخرس هو أبكم ، انعقد لسانه عن الكلام..عجز عن الكلام خِلْقَة أوعِيًّا أو لسبب آخر .."...
لذلك احتمال للنطق وفق صدمة مباغتة يمكن أن تحوّله لنطق بسيط إذا كان الخرس عن طريق العيّ..
لكن ما رأيته في هذه الومضة التي استوقفتني طويلاً ...لجوانب متعددة..
لا أريد الخوض بكلها.. كحالات الخرس التي تحدث نتيجة صدمة من واقع مؤلم..أو حادثة مريرة صعبة جداً..جعلت عقدة اللسان عاهة مستديمة..وما أكثر الحالات الأجتماعية التي تطرأ على الذات فتحبس النطق في سبات عميق لا يرجعه إلا حالات صادمة مباغتة...
لكن ما أريد تأويله هو تكميم الأفواه وتعتيم الحروف الناطقة من قبل الحكام والطغاة اليوم..لأن قول الحق يفج رؤوسهم ويحطم كراسيّهم من تحت نعالهم...
حكام العرب وساسة الظلم وكبار الإضطهاد..يمارسون عنف السيطرة على من يتفوه بفكرٍ من شأنه هدم سياستهم أو قتل مناصبهم...
فيقومون بتدريب شعوبهم على الصمت ويلقنونهم دور الأخرس..حتى ينجحوا في الحفاظ على مناصبهم ومنافعهم ..ويكونوا عملاء ووقاية للغرباء في تنفيذ مآربهم...
فحرية التعبير عن الرأي يدربونهم عليها من خلال لعبة دور الأخرس على خشبة مسرح الحياة والمجتمع ومسرح السياسة الممزوجة بدم الأبرياء...
وفي هذه الومضة الفنية الراقية المتقنة ..وجدناها منسوجة على عدة تأويلات.. في عمقها أرحاماً تتناسل الخيال وتلد الجمال على صوره المتعددة...
الأخرس هنا كما يقول الشاعر:
(صعد الى خشبة المسرح)
كلمة صعد...تعني ليَ الكثير ..ففي الصعود لشيء ما..يحتاج لبذل جهد وطاقة لتنفيذ الهدف في غاية الصعود...ويتتطلب مهارة عالية لتنفيذ هذه المهمة..وربما يصعد المرء درجة معينة ويخفق فيها بعد عناء فيسقط..
وهنا الأخرس يريده الكاتب الصعود لتأدية مهارة معينة كان قد رسمها له...
وهي الصعود على خشبة المسرح...
توظيف كلمة صعد كانت متقنة جدا بصياغة ماهرة تدل على صاحبها وعلى قدرته في النسج...
وأما اختياره خشبة المسرح مكانا لتأدية الدور ..فكان اختياراً مذهلاً جداً..
لأن المسرح هو عملية تقمص أدوار معينة للممثل يؤديها وفق التوجيهات والإرشادات وحفظ مادة العرض غيباً ..ليتم عرضها أمام جمهور البشر المختلف الأصناف...
وبعد الإنتهاء من الدور الذي يلقنونه إياه..يعود لسابق عهده...
فالمسرح مكان للتمثيل يعكس المجتمع وأفكاره وأدواره وثقافته ومبادئه..
عن طريق شخصيات تلعب هذه الأدوار كالدمى..يحركونها وفق ما هو مرسوم لهم ومكتوب...
لذلك ألفاظ خشبة المسرح..متقنا لما يهدف إليه الكاتب...ثم رأيت أن كلمة خشبة..تلائم الحدث والهدف..إذ هي من كلمة خشب والذي هو قابل للإحتراق والإشتعال وتخويله إلى رماد..أي أن كل ما يقال فوق خشبة المسرح إنما هو غير ثابت قابل للزوال ..وهذا ما يعكسه دور الممثل بكلامه القابل لغير حقيقته ولمتغيرات مختلفة...
يكمل الكاتب الشاعر ومضته بقوله:
( ليؤدي دوره الصامت.)..
في هذه اللقطة يكمن الإبداع والعمق...
تأدية دور أخرس هنا..ربما قلنا أنه سهل جداً لأنه لا يستعمل اللغة لحفظها وتأديتها مع الحركات...
لكن الدور كان هنا أصعب لأنه مرهون بشنقه وشنق صوته للأبد ..نتيجة خوف عدم الإتقان في طاعة المدرب والمخرج السياسي المسؤول عن نجاح شعبه في الصمت..
لكن الفاجعة الكبرى التي تحرك الصمت وتمزقه هو هوية الإنسان وكرامته وتلبية نداء الرسالة الأعظم وهو طاعة الله لصالح الوطن..فعندما تشتعل معاني ...لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق...وعلى هذه الأرض ما أكثر العصاة الذين يبيعون أنفسهم ثم أوطانهم للشيطان ..مقابل المصالح الذاتية والأهواء والكراسي...وولاة الأمر يريدون الأفراد دمى متحركة تتقن أدوارهم...
فتتحرك حرارة الكرامة والهوف من الله...فيرفض هذا الدور ..ليرتبك نتيجة الخوف الأعظم من الله ..بقول الكاتب ( ارتبك)...
عملية الإرتباك تأتي من الخوف أو الضعف..
إما خوف من الوقوف أمام الجمهور..أو أمام الله ..وإما ثقة بالنفس متزعزعة..أو خوف من النتيجة...
وفي كل الحالات هي سلوك توتري يتراكم عليه أسباب كثيرة ومسببات...
ومن نتائج الخوف وعدم إتقان الدور أنها هناك محركات كثيرة لعبت دورها في زعزعة الثقة لتكون النتيجة النطق...
والنطق هو الدور الطبيعي للفرد العادي..لكن إذا كان الصوت تحت نصل الصمت فإنه يُحدث صرخة غير اعتيادية من كثرة الضغط....
وهنا يكمن أهمية الكلمة وجرأة قولها في المكان المناسب وأمام سلطان جائر..فإنها كثيرا ما تؤدي كلمة الحق لشنق الشخص الذي يلفظها بحق...وما أحوج مجتمعاتنا للوعي الفكري والثقافة الواعية لإدراك أهمية النقاش والحوار لرفع مستوى الأمة والحفاظ على حضارة عريقة كما كانت من قبل تقوم على أساس مبدأ الشورى...لكن أين هي الشورى اليوم وشريعة السماء ..وقد احتلت شريعة الغاب الحكم اليوم...
لن أطيل أكثر في حق مثل هذه الومضة الرائعة الساحرة بعمقها...
الشاعر الأديب المبدع الراقي البارع
أ.محمد بديوي
قرأتكم في كل مكان ..فكان لحرفكم أثر في الذائقة الأدبية ..وكان لقلمكم مزايا إبداعية تلونت بتلاوين المطر..حيث رسمت جمالاً وفنّاً ثميناً على أشعة شمس الأدب الجلية...
بورك بما نسجتم من سحر..وطاب لي المكوث بين أروقة حرفكم النفيس أينما كان....
.
.
.
.
جهاد بدران
فلسطينية