شاكر السلمان
06-21-2021, 10:37 PM
18- وفد ثقيف([1] (https://www.nabee-awatf.com/vb/#_ftn1))
في رمضان من السنة التاسعة من الهجرة([2] (https://www.nabee-awatf.com/vb/#_ftn2)).
قال ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ مِنْ تَبُوكَ فِي رَمَضَانَ، وقدم عليه في ذلك الشهر وفد من ثَقِيفٍ، وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا انْصَرَفَ عَنْهُمْ اتَّبَعَ أَثَرَهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى أَدْرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَسْلَمَ وَسَأَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى قَوْمِهِ بِالْإِسْلَامِ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ- كَمَا يَتَحَدَّثُ قَوْمُهُ- «إِنَّهُمْ قَاتِلُوكَ» وعرف رسول الله أَنَّ فِيهِمْ نَخْوَةَ الِامْتِنَاعِ لِلَّذِي كَانَ مِنْهُمْ فَقَالَ عُرْوَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْكَارِهِمْ، وَكَانَ فِيهِمْ كَذَلِكَ مُحَبَّبًا مطاعا، فخرج يدعو قَوْمَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ رَجَاءَ أَنْ لَا يُخَالِفُوهُ لِمَنْزِلَتِهِ فِيهِمْ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى عِلِّيَّةٍ لَهُ وَقَدْ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَظْهَرَ لَهُمْ دِينَهُ، رَمَوْهُ بِالنَّبْلِ مِنْ كُلِّ وجه فأصابه سهم فقتله، فتزعم بَنُو مَالِكٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أَوْسُ بْنُ عَوْفٍ أَخُو بَنِي سَالِمِ بن مالك، ويزعم الْأَحْلَافُ أَنَّهُ قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنْ بَنِي عَتَّابٍ يُقَالُ لَهُ وَهْبُ بْنُ جَابِرٍ، فَقِيلَ لعروة ما ترى في دينك[[3] (https://www.nabee-awatf.com/vb/#_ftn3)]؟ قَالَ كَرَامَةٌ أَكْرَمَنِي اللَّهُ بِهَا، وَشَهَادَةٌ سَاقَهَا اللَّهُ إِلَيَّ فَلَيْسَ فِيَّ إِلَّا مَا فِي الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ قُتِلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ عَنْكُمْ، فَادْفِنُونِي مَعَهُمْ فَدَفَنُوهُ مَعَهُمْ فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ فِيهِ «إِنَّ مَثَلَهُ فِي قَوْمِهِ كَمَثَلِ صَاحِبِ يس فِي قَوْمِهِ».
وَهَكَذَا ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قِصَّةَ عُرْوَةَ وَلَكِنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَتَابَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي ذَلِكَ وَهَذَا بَعِيدٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ أَقَامَتْ ثَقِيفٌ بَعْدَ قَتْلِ عُرْوَةَ أشهرا، ثم إنهم ائتمروا بينهم رأوا أَنَّهُ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِحَرْبِ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ وَقَدْ بَايَعُوا وَأَسْلَمُوا، فَائْتَمَرُوا فِيمَا بينهم وذلك عن رأى عمر وابن أُمَيَّةَ أَخِي بَنِي عِلَاجٍ فَائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنْ يُرْسِلُوا رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَرْسَلُوا عبد يا ليل بْنَ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ وَمَعَهُ اثْنَانِ مِنَ الْأَحْلَافِ وَثَلَاثَةٌ مِنْ بَنِي مَالِكٍ، وَهُمْ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ وَهْبِ بْنِ مُعَتِّبٍ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ مُعَتِّبٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ، وَأَوْسُ بْنُ عَوْفٍ أَخُو بَنِي سَالِمٍ، وَنُمَيْرُ بْنُ خَرَشَةَ بْنِ رَبِيعَةَ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: كَانُوا بِضْعَةَ عَشَرَ رجلا فيهم كنانة بن عبد يا ليل- وَهُوَ رَئِيسُهُمْ- وَفِيهِمْ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ وَهُوَ أَصْغَرُ الْوَفْدِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ وَنَزَلُوا قَنَاةً، أَلْفَوُا الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَرْعَى فِي نَوْبَتِهِ رِكَابَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فلما رَآهُمْ ذَهَبَ يَشْتَدُّ لِيُبَشِّرَ رَسُولَ اللَّهِ بِقُدُومِهِمْ فَلَقِيَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَأَخْبَرَهُ عَنْ رَكْبِ ثقيف أن قدموا يريدون البيعة والإسلام إن شرط لهم رسول الله شروطا ويكتبوا كِتَابًا فِي قَوْمِهِمْ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلْمُغِيرَةِ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَا تَسْبِقُنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ، فَفَعَلَ الْمُغِيرَةُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِقُدُومِهِمْ، ثُمَّ خَرَجَ الْمُغِيرَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَرَوَّحَ الظَّهْرَ مَعَهُمْ وَعَلَّمَهُمْ كَيْفَ يُحَيُّونَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ يَفْعَلُوا إِلَّا بِتَحِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ قُبَّةٌ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ هُوَ الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ.
فَكَانَ إِذَا جَاءَهُمْ بِطَعَامٍ مِنْ عِنْدِهِ لَمْ يَأْكُلُوا مِنْهُ حَتَّى يَأْكُلَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ قَبْلَهُمْ، وَهُوَ الَّذِي كَتَبَ لَهُمْ كِتَابَهُمْ.
قَالَ: وَكَانَ مِمَّا اشْتَرَطُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِنَّ يدع لهم الطاغية ثَلَاثَ سِنِينَ، فَمَا بَرِحُوا يَسْأَلُونَهُ سَنَةً سَنَةً وَيَأْبَى عَلَيْهِمْ حَتَّى سَأَلُوهُ شَهْرًا وَاحِدًا بَعْدَ مَقْدَمِهِمْ لِيَتَأَلَّفُوا سُفَهَاءَهُمْ فَأَبَى عَلَيْهِمْ أَنْ يَدَعَهَا شَيْئًا مُسَمًّى إِلَّا أَنْ يَبْعَثَ مَعَهُمْ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالْمُغِيرَةَ لِيَهْدِمَاهَا، وَسَأَلُوهُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا يُصَلُّوا وَأَنْ لَا يَكْسِرُوا أَصْنَامَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ فَقَالَ «أَمَّا كَسْرُ أَصْنَامِكُمْ بِأَيْدِيكُمْ فَسَنُعْفِيكُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلَا خَيْرَ فِي دِينٍ لَا صَلَاةَ فِيهِ» فَقَالُوا سَنُؤْتِيكَهَا وَإِنْ كَانَتْ دَنَاءَةً.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَفَّانُ ثَنَا محمد بن مسلمة عَنْ حُمَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَنْزَلَهُمُ الْمَسْجِدَ لِيَكُونَ أَرَقَّ لِقُلُوبِهِمْ، فَاشْتَرَطُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنْ لَا يُحْشَرُوا وَلَا يُعْشَرُوا وَلَا يُجَبُّوا وَلَا يُسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «لَكُمْ أَنْ لَا تُحْشَرُوا[[4] (https://www.nabee-awatf.com/vb/#_ftn4)] وَلَا تجبوا وَلَا يُسْتَعْمَلَ عَلَيْكُمْ غَيْرُكُمْ، وَلَا خَيْرَ فِي دِينٍ لَا رُكُوعَ فِيهِ» وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي الْقُرْآنَ وَاجْعَلْنِي إِمَامَ قَوْمِي.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ ثنا إِسْمَاعِيلُ بن عبد الكريم حدثني إبراهيم بن عقيل بن معقل بن منبه عن وهب سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ شَأْنِ ثَقِيفٍ إِذْ بَايَعَتْ قَالَ: اشْتَرَطَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنْ لَا صَدَقَةَ عَلَيْهَا وَلَا جِهَادَ، وَأَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ «سَيَتَصَدَّقُونَ وَيُجَاهِدُونَ إِذَا أَسْلَمُوا».
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا أَسْلَمُوا وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابَهُمْ أَمَّرَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ- وَكَانَ أَحْدَثَهُمْ سِنًّا- لِأَنَّ الصِّدِّيقَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَأَيْتُ هَذَا الْغُلَامَ مِنْ أَحْرَصِهِمْ عَلَى التَّفَقُّهِ فِي الْإِسْلَامِ وتعلم الْقُرْآنِ وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ وَفْدَهُمْ كَانُوا إِذَا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ خَلَّفُوا عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ فِي رِحَالِهِمْ فَإِذَا رَجَعُوا وَسْطَ النَّهَارِ جَاءَ هُوَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَسَأَلَهُ عَنِ الْعِلْمِ فَاسْتَقْرَأَهُ الْقُرْآنَ فَإِنْ وَجَدَهُ نَائِمًا ذَهَبَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَلَمْ يَزَلْ دَأْبُهُ حَتَّى فَقُهَ فِي الْإِسْلَامِ وَأَحَبَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حُبًّا شَدِيدًا.
[1] (https://www.nabee-awatf.com/vb/#_ftnref1) ثقيف قبيلة عربية تقيم منذ ما قبل الإسلام وإلى اليوم في مدينة الطائف وما حولها غرب شبه الجزيرة العربية وهي إحدى قبائل قيس عيلان المعروفة بِالقبائل القيسية.
[2] (https://www.nabee-awatf.com/vb/#_ftnref2) البداية والنهاية ط الفكر ج5 ص29
[3] (https://www.nabee-awatf.com/vb/#_ftnref3) في دينك واحسبه تصحيف ديتك: وفي ابن هشام. ما ترى في دمك.
[4] (https://www.nabee-awatf.com/vb/#_ftnref4)أي لا يندبون الى المغازي ولا تضرب عليهم البعوث إلخ. عن النهاية.
في رمضان من السنة التاسعة من الهجرة([2] (https://www.nabee-awatf.com/vb/#_ftn2)).
قال ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ مِنْ تَبُوكَ فِي رَمَضَانَ، وقدم عليه في ذلك الشهر وفد من ثَقِيفٍ، وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا انْصَرَفَ عَنْهُمْ اتَّبَعَ أَثَرَهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى أَدْرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَسْلَمَ وَسَأَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى قَوْمِهِ بِالْإِسْلَامِ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ- كَمَا يَتَحَدَّثُ قَوْمُهُ- «إِنَّهُمْ قَاتِلُوكَ» وعرف رسول الله أَنَّ فِيهِمْ نَخْوَةَ الِامْتِنَاعِ لِلَّذِي كَانَ مِنْهُمْ فَقَالَ عُرْوَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْكَارِهِمْ، وَكَانَ فِيهِمْ كَذَلِكَ مُحَبَّبًا مطاعا، فخرج يدعو قَوْمَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ رَجَاءَ أَنْ لَا يُخَالِفُوهُ لِمَنْزِلَتِهِ فِيهِمْ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى عِلِّيَّةٍ لَهُ وَقَدْ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَظْهَرَ لَهُمْ دِينَهُ، رَمَوْهُ بِالنَّبْلِ مِنْ كُلِّ وجه فأصابه سهم فقتله، فتزعم بَنُو مَالِكٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أَوْسُ بْنُ عَوْفٍ أَخُو بَنِي سَالِمِ بن مالك، ويزعم الْأَحْلَافُ أَنَّهُ قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنْ بَنِي عَتَّابٍ يُقَالُ لَهُ وَهْبُ بْنُ جَابِرٍ، فَقِيلَ لعروة ما ترى في دينك[[3] (https://www.nabee-awatf.com/vb/#_ftn3)]؟ قَالَ كَرَامَةٌ أَكْرَمَنِي اللَّهُ بِهَا، وَشَهَادَةٌ سَاقَهَا اللَّهُ إِلَيَّ فَلَيْسَ فِيَّ إِلَّا مَا فِي الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ قُتِلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ عَنْكُمْ، فَادْفِنُونِي مَعَهُمْ فَدَفَنُوهُ مَعَهُمْ فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ فِيهِ «إِنَّ مَثَلَهُ فِي قَوْمِهِ كَمَثَلِ صَاحِبِ يس فِي قَوْمِهِ».
وَهَكَذَا ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قِصَّةَ عُرْوَةَ وَلَكِنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَتَابَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي ذَلِكَ وَهَذَا بَعِيدٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ أَقَامَتْ ثَقِيفٌ بَعْدَ قَتْلِ عُرْوَةَ أشهرا، ثم إنهم ائتمروا بينهم رأوا أَنَّهُ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِحَرْبِ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ وَقَدْ بَايَعُوا وَأَسْلَمُوا، فَائْتَمَرُوا فِيمَا بينهم وذلك عن رأى عمر وابن أُمَيَّةَ أَخِي بَنِي عِلَاجٍ فَائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنْ يُرْسِلُوا رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَرْسَلُوا عبد يا ليل بْنَ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ وَمَعَهُ اثْنَانِ مِنَ الْأَحْلَافِ وَثَلَاثَةٌ مِنْ بَنِي مَالِكٍ، وَهُمْ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ وَهْبِ بْنِ مُعَتِّبٍ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ مُعَتِّبٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ، وَأَوْسُ بْنُ عَوْفٍ أَخُو بَنِي سَالِمٍ، وَنُمَيْرُ بْنُ خَرَشَةَ بْنِ رَبِيعَةَ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: كَانُوا بِضْعَةَ عَشَرَ رجلا فيهم كنانة بن عبد يا ليل- وَهُوَ رَئِيسُهُمْ- وَفِيهِمْ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ وَهُوَ أَصْغَرُ الْوَفْدِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ وَنَزَلُوا قَنَاةً، أَلْفَوُا الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَرْعَى فِي نَوْبَتِهِ رِكَابَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فلما رَآهُمْ ذَهَبَ يَشْتَدُّ لِيُبَشِّرَ رَسُولَ اللَّهِ بِقُدُومِهِمْ فَلَقِيَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَأَخْبَرَهُ عَنْ رَكْبِ ثقيف أن قدموا يريدون البيعة والإسلام إن شرط لهم رسول الله شروطا ويكتبوا كِتَابًا فِي قَوْمِهِمْ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلْمُغِيرَةِ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَا تَسْبِقُنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ، فَفَعَلَ الْمُغِيرَةُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِقُدُومِهِمْ، ثُمَّ خَرَجَ الْمُغِيرَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَرَوَّحَ الظَّهْرَ مَعَهُمْ وَعَلَّمَهُمْ كَيْفَ يُحَيُّونَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ يَفْعَلُوا إِلَّا بِتَحِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ قُبَّةٌ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ هُوَ الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ.
فَكَانَ إِذَا جَاءَهُمْ بِطَعَامٍ مِنْ عِنْدِهِ لَمْ يَأْكُلُوا مِنْهُ حَتَّى يَأْكُلَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ قَبْلَهُمْ، وَهُوَ الَّذِي كَتَبَ لَهُمْ كِتَابَهُمْ.
قَالَ: وَكَانَ مِمَّا اشْتَرَطُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِنَّ يدع لهم الطاغية ثَلَاثَ سِنِينَ، فَمَا بَرِحُوا يَسْأَلُونَهُ سَنَةً سَنَةً وَيَأْبَى عَلَيْهِمْ حَتَّى سَأَلُوهُ شَهْرًا وَاحِدًا بَعْدَ مَقْدَمِهِمْ لِيَتَأَلَّفُوا سُفَهَاءَهُمْ فَأَبَى عَلَيْهِمْ أَنْ يَدَعَهَا شَيْئًا مُسَمًّى إِلَّا أَنْ يَبْعَثَ مَعَهُمْ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالْمُغِيرَةَ لِيَهْدِمَاهَا، وَسَأَلُوهُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا يُصَلُّوا وَأَنْ لَا يَكْسِرُوا أَصْنَامَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ فَقَالَ «أَمَّا كَسْرُ أَصْنَامِكُمْ بِأَيْدِيكُمْ فَسَنُعْفِيكُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلَا خَيْرَ فِي دِينٍ لَا صَلَاةَ فِيهِ» فَقَالُوا سَنُؤْتِيكَهَا وَإِنْ كَانَتْ دَنَاءَةً.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَفَّانُ ثَنَا محمد بن مسلمة عَنْ حُمَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَنْزَلَهُمُ الْمَسْجِدَ لِيَكُونَ أَرَقَّ لِقُلُوبِهِمْ، فَاشْتَرَطُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنْ لَا يُحْشَرُوا وَلَا يُعْشَرُوا وَلَا يُجَبُّوا وَلَا يُسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «لَكُمْ أَنْ لَا تُحْشَرُوا[[4] (https://www.nabee-awatf.com/vb/#_ftn4)] وَلَا تجبوا وَلَا يُسْتَعْمَلَ عَلَيْكُمْ غَيْرُكُمْ، وَلَا خَيْرَ فِي دِينٍ لَا رُكُوعَ فِيهِ» وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي الْقُرْآنَ وَاجْعَلْنِي إِمَامَ قَوْمِي.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ ثنا إِسْمَاعِيلُ بن عبد الكريم حدثني إبراهيم بن عقيل بن معقل بن منبه عن وهب سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ شَأْنِ ثَقِيفٍ إِذْ بَايَعَتْ قَالَ: اشْتَرَطَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنْ لَا صَدَقَةَ عَلَيْهَا وَلَا جِهَادَ، وَأَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ «سَيَتَصَدَّقُونَ وَيُجَاهِدُونَ إِذَا أَسْلَمُوا».
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا أَسْلَمُوا وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابَهُمْ أَمَّرَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ- وَكَانَ أَحْدَثَهُمْ سِنًّا- لِأَنَّ الصِّدِّيقَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَأَيْتُ هَذَا الْغُلَامَ مِنْ أَحْرَصِهِمْ عَلَى التَّفَقُّهِ فِي الْإِسْلَامِ وتعلم الْقُرْآنِ وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ وَفْدَهُمْ كَانُوا إِذَا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ خَلَّفُوا عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ فِي رِحَالِهِمْ فَإِذَا رَجَعُوا وَسْطَ النَّهَارِ جَاءَ هُوَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَسَأَلَهُ عَنِ الْعِلْمِ فَاسْتَقْرَأَهُ الْقُرْآنَ فَإِنْ وَجَدَهُ نَائِمًا ذَهَبَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَلَمْ يَزَلْ دَأْبُهُ حَتَّى فَقُهَ فِي الْإِسْلَامِ وَأَحَبَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حُبًّا شَدِيدًا.
[1] (https://www.nabee-awatf.com/vb/#_ftnref1) ثقيف قبيلة عربية تقيم منذ ما قبل الإسلام وإلى اليوم في مدينة الطائف وما حولها غرب شبه الجزيرة العربية وهي إحدى قبائل قيس عيلان المعروفة بِالقبائل القيسية.
[2] (https://www.nabee-awatf.com/vb/#_ftnref2) البداية والنهاية ط الفكر ج5 ص29
[3] (https://www.nabee-awatf.com/vb/#_ftnref3) في دينك واحسبه تصحيف ديتك: وفي ابن هشام. ما ترى في دمك.
[4] (https://www.nabee-awatf.com/vb/#_ftnref4)أي لا يندبون الى المغازي ولا تضرب عليهم البعوث إلخ. عن النهاية.