اسماعيل الصياح
12-09-2009, 09:40 PM
ارتقاب
كنت هناك أترقب قدومه بمعية المحبين ، الوقت كمرهق يتخطى مكانا موحلا، كنت انتظر لحظة اللقاء الأخير.
صمت مطبق على بيوت لا تختلف كثيرا عن بيوتنا سوى إن ساكنيها فرادى .
بين الفينة والفينة تأكل قلب هذه العتمة قافلة من المشيعين لأحد ما ،امرأة ، كهل ، فتى ،وبالكاد لم انسَ ذلك الشاب الذي امتلأت المقبرة بالمشيعين لأجله حيث استطاع الحدث أن ينتشلني كغريق من دوامتي المرعبة حينما سمعت لغطهم المختلف، احدهم يقول لصاحبه خلسة لقد ذبحوه من الوريد إلى الوريد!!! بينما آخر يتصل بصديق له ليعلمه بما حصل من خلال نقاله الذي يتقطع لان خدمات الشبكة رديئة يقول له مستغربا أتذكر!! أتذكر... حينما كان يتصدى للأمريكان في المقبرة لم يمتْ بكل أنواع أسلحتم الفتاكة وبالنتيجة مات وهو ينظف سلاحه في غرفته الخاصة وأخشى أنه انتحر!!!
بينما سمعت ثالثا يقول إن رأسه قد تفجر؛
ولولا الحال الذي أنا فيه لدخلت ووقفت على جثته الملقاة على دكة المغتسل لكنني أفقت على رنة جوالي وسؤال احد الذين انتظرهم هناك : أين أنت؟؟
قلت : مازلت في المغتسل
قال: نعم أننا قادمون، كان صوته المبحوح من أثر ندبهِ للفقيد قد أضفى بؤسا مذهلا استطاع أن يوصل لي رسالة الفراق الأبدي.
المشاهد عابرة وأنا ارتقب قدومه، مزعج هكذا انتظار حد الغثيان ، كنت اردد بعض أبيات والدتي المولعة في النعي، فمنذ صغري فتحت أذنيّ على صوتها الحنون الذي يوصف انه ((يبجّي الصخر))* لكنها مافتئت تذكر موتاها إلى أن أتت على معظمنا وهي مازالت تنعى وتبكي على أيامها وأحبائها ((الموت ما ياخذ حطب لمْ ..... ياخذ ورد جوري ويشتمْ ))* وها هو أتى على أجمل أزهارها وأعرق أشجار بستانها ،إنه زوج إبنتها الصغرى. وتارة أردد ((جثيرة حيود أبو أصيبع دفنها))* وهكذا الى ان جاء.
بين صمته وهمس الموتى وشائج من قلق يستغرق فيّ فأستحيل معه في غيبوبة لا أستفيق إلاّ وهو ماثل أمامي بكل تأريخه الحافل بالقداسة ،أصرخ كالثواكل، الطم راسي ، أتحسسه كطيف ،أحاول تقبيله لكنني أخشى أن أدنس طهره برذائلي رغم أنني أُعد من التقاة!!
لقد كان إنسانا، نعم ذاك ما ينطبق عليه بالفعل، إنّه الإنسان. ظننت أنني تجاوزت لحظة الدهشة وإن الوقت الذي قضيته في المغتسل روضني كثيرا إلا أنني فوجئت بانهيار غير معلن جعلني ألملم لحظاتنا كلها وأنثرها مع االسدر والكافور.
لم يكن التيار الكهربائي قد رسم لوحة زرقاء على جسده فحسب بل احرق مصباحا كان يسفر لسبع بنات وولدين وأمهم التي استطاعت أن تتحمل كل الظروف القاسية على أمل أن يتبسم الحظ يوما ، وفي اللحظة التي تبدلت الحال أفل كنجم .
استغرقت في ذكرياتي التي تسلقت مخيلتي كشجرة اللبلاب، كان صديقا وأخا ومعلما.
آخر ما ذكرت محياه وهو يشع رضا على انه ابتدأ يتمم آخر الأشياء في بيته،كم كان يحمد الله أنه ترك لهم وطنا يحميهم من الضواري ،ويطرق كثيرا بعد الضواري ....
حتى قال أحدهم رحم الله من أهال التراب.
الكلمات التي وردت بين قوسين باللهجة العراقية
* (يبجّي) يُبكي
* (حطب لم) اي اللُمم من الحطب
* (حيود) ابطال
(ابو اصيبع) اسم لدفّان معمر
كنت هناك أترقب قدومه بمعية المحبين ، الوقت كمرهق يتخطى مكانا موحلا، كنت انتظر لحظة اللقاء الأخير.
صمت مطبق على بيوت لا تختلف كثيرا عن بيوتنا سوى إن ساكنيها فرادى .
بين الفينة والفينة تأكل قلب هذه العتمة قافلة من المشيعين لأحد ما ،امرأة ، كهل ، فتى ،وبالكاد لم انسَ ذلك الشاب الذي امتلأت المقبرة بالمشيعين لأجله حيث استطاع الحدث أن ينتشلني كغريق من دوامتي المرعبة حينما سمعت لغطهم المختلف، احدهم يقول لصاحبه خلسة لقد ذبحوه من الوريد إلى الوريد!!! بينما آخر يتصل بصديق له ليعلمه بما حصل من خلال نقاله الذي يتقطع لان خدمات الشبكة رديئة يقول له مستغربا أتذكر!! أتذكر... حينما كان يتصدى للأمريكان في المقبرة لم يمتْ بكل أنواع أسلحتم الفتاكة وبالنتيجة مات وهو ينظف سلاحه في غرفته الخاصة وأخشى أنه انتحر!!!
بينما سمعت ثالثا يقول إن رأسه قد تفجر؛
ولولا الحال الذي أنا فيه لدخلت ووقفت على جثته الملقاة على دكة المغتسل لكنني أفقت على رنة جوالي وسؤال احد الذين انتظرهم هناك : أين أنت؟؟
قلت : مازلت في المغتسل
قال: نعم أننا قادمون، كان صوته المبحوح من أثر ندبهِ للفقيد قد أضفى بؤسا مذهلا استطاع أن يوصل لي رسالة الفراق الأبدي.
المشاهد عابرة وأنا ارتقب قدومه، مزعج هكذا انتظار حد الغثيان ، كنت اردد بعض أبيات والدتي المولعة في النعي، فمنذ صغري فتحت أذنيّ على صوتها الحنون الذي يوصف انه ((يبجّي الصخر))* لكنها مافتئت تذكر موتاها إلى أن أتت على معظمنا وهي مازالت تنعى وتبكي على أيامها وأحبائها ((الموت ما ياخذ حطب لمْ ..... ياخذ ورد جوري ويشتمْ ))* وها هو أتى على أجمل أزهارها وأعرق أشجار بستانها ،إنه زوج إبنتها الصغرى. وتارة أردد ((جثيرة حيود أبو أصيبع دفنها))* وهكذا الى ان جاء.
بين صمته وهمس الموتى وشائج من قلق يستغرق فيّ فأستحيل معه في غيبوبة لا أستفيق إلاّ وهو ماثل أمامي بكل تأريخه الحافل بالقداسة ،أصرخ كالثواكل، الطم راسي ، أتحسسه كطيف ،أحاول تقبيله لكنني أخشى أن أدنس طهره برذائلي رغم أنني أُعد من التقاة!!
لقد كان إنسانا، نعم ذاك ما ينطبق عليه بالفعل، إنّه الإنسان. ظننت أنني تجاوزت لحظة الدهشة وإن الوقت الذي قضيته في المغتسل روضني كثيرا إلا أنني فوجئت بانهيار غير معلن جعلني ألملم لحظاتنا كلها وأنثرها مع االسدر والكافور.
لم يكن التيار الكهربائي قد رسم لوحة زرقاء على جسده فحسب بل احرق مصباحا كان يسفر لسبع بنات وولدين وأمهم التي استطاعت أن تتحمل كل الظروف القاسية على أمل أن يتبسم الحظ يوما ، وفي اللحظة التي تبدلت الحال أفل كنجم .
استغرقت في ذكرياتي التي تسلقت مخيلتي كشجرة اللبلاب، كان صديقا وأخا ومعلما.
آخر ما ذكرت محياه وهو يشع رضا على انه ابتدأ يتمم آخر الأشياء في بيته،كم كان يحمد الله أنه ترك لهم وطنا يحميهم من الضواري ،ويطرق كثيرا بعد الضواري ....
حتى قال أحدهم رحم الله من أهال التراب.
الكلمات التي وردت بين قوسين باللهجة العراقية
* (يبجّي) يُبكي
* (حطب لم) اي اللُمم من الحطب
* (حيود) ابطال
(ابو اصيبع) اسم لدفّان معمر