المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المعطف / شعر د. جمال مرسي


د. جمال مرسي
12-17-2010, 09:16 PM
المِعطف

شعر : د. جمال مرسي


أَيَا رِيحَ كَانُونَ لا تَعصِفِي=و يَا مَوجُ فَاهدَأْ و لا تَرجُفِ
و يَا نَوَّةَ الفَيضِ كُونِي حَرِيراً=كَإِحسَاسِهَا الرَّائِقِ المُرهَفِ
و كُونِي إِذَا اْشتَدَّ بَردُ الشِّتَاءِ=دِثَاراً لِخَافِقِهَا المُورِفِ
حَنَانَيكَ يَا بَحرُ يَا ذَا العُبَابِ=و يَا خِلِّيَ الأَزَلِيَّ الوَفِي
حَنَانَيكَ إِن مَرَّ طَيفُ حَبِيبِي=بِشَطِّكَ مُستَنجِداً ، فَارأَفِ
فَيَا كَم بَنَينَا عَلَى الرَّملِ قَصراً=بِقَلبِ حَدِيقَتِهِ نَختَفِي
و يَا كَم جَرَينَا ، ومَوجُكَ يَقفُو=خُطَانَا كَمَا العَاشِقِ المُدنَفِِ
نُنَاجِي سَفَائِنَكَ المُبحِرَاتِ = و بِالطَّيرِ فِي أُفْقِهَا نَحتَفِي
و نَرنُو إِلَى الشَّمسِ عِندَ المَغِيبِ=تُقَبِّلُ فَاكَ و لا تَنطَفِي
كَأَنَّ بِهَا لِشِفَاهِكَ شَوقاً=أَيَا بَحرُ فَارفُقْ بِهَا و اْعطِفِ
و دَعهَا تَنَمْ بَعدَ يَومٍ طَوِيلٍ=أَطَلَّت عَلَينَا بِطَرْفٍ خَفِي
أَيَا رَبَّةَ البَحرِ جَاءَ بَرِيدُ ال =بِحَارِ بِأَدمُعِكِ الذُّرَّفِ
نَوَارِسُ أَحرُفِكِ النَّازِفَاتِ=تَذُوبُ اشتِيَاقاً إِلَى أَحرُفِي
أُطِلُّ عَلَيكِ بِرَغمِ الغُيُومِ=عَلَى البُعدِ مِن تَلِّيَ المُشرِفِ
أَرَاكِ عَلَى مَقعَدِ الذِّكرَيَاتِ= كَمَا أَنتِ ، حُسنُكِ لَم يُوصَفِ
فَعَينَاكِ بَحرَانِ مِن رَوعَةٍ=و ثَغرُكِ خَمرٌ بِهِ أَشتَفِي
و شَعرُكِ رَوضٌ مِنَ الكَستَنَاءِ=يَمِيسُ عَلَى قَدِّكِ الأَهيَفِ
و صَدرُكِ مَرفَأُ حُلمِي القَدِيمِ=و قَلبُكِ يَا وَاحَتِي مُسعِفِي
و حُبُّكِ مُبتَدَئي ، مُنتَهَايَ=بِهِ أَحتَفِي و بِهِ أَكتَفِي
طُيُوفُكِ لَو وَاعَدَتنِي بِلَيلٍ =فَلا يَنقَضِي اللَّيلُ حَتَّى تَفِي
تُقَاسِمُنِي وَحدَتِي و اْغتِرَابِي=و تَحنُو عَلَى قَلبِ مُستَضعَفِ
سَقَتهُ المَقَادِيرُ مُرَّ البِعَادِ=بِكَأسِ الهُمُومِ و لَم تُنصِفِِ
فَلَم يَنسَ حُبَّكِ رَغمَ الجِرَاحِ ال=عَتِيَّاتِ فِي جَنبِهِ النُّزَّفِ
و لَم يَنسَ أَنَّكِ أَصلُ الضِّيَاءِ=و لَحنٌ إِلَى الآَنَ لَم يُعزَفِ
يُحَدِّثُنِي النِّيلُ عَن مُقلَتَيكِ=و يُسهِبُ فِي حُسنِكِ اليُوسُفِي
و يَنسَى مِنَ الإِنبِهَارِ بِأَنِّي=خَبِيرٌ بِمَا عَنكِ لَم يَعرِفِ
أَرَاكِ بِقَلبِيَ رَغمَ التُّخُومِ=و تَحتَ ضُلُوعِكِ حُزنٌ خَفِي
فَبُوحِي أَيَا وَطَناً لاْغتِرَابِي=بِمَا فَاضَ مِن جَفنِكِ المُترَفِ
و نَامِي كَطَيرٍ عَلَى رَاحَتَيَّ=و دَارِي دُمُوعَكِ فِي مِعطَفِي


للاستماع للقصيدة (http://www.mediafire.com/?dq3ufp8j1aqupaa)

سمير عودة
12-17-2010, 09:28 PM
أستاذنا المبدع د.جمال مرسي
يسرني ويسعدني
أن أكون أول العابرين لهذا الشلال الجميل من شعرك الراقي
قصيدة رائعة السبك فاتنة الصور باذخة الوصف
أثبتها
لقيمتها الأدبية
محبتي

وطن النمراوي
12-17-2010, 09:40 PM
لو كانت كل المعاطف كمعطف أستاذي جمال لارتديناها شعرا جميلا شتاء و صيفا :)
مرور أول لتحية أستاذي
و لنقلها لديوانك ليزهو بهذا المعطف
و لقد سبقني أستاذي محمد بتعليق هذا المعطف الـ من روعة و إبداع و تألق على مشجب دارنا :1 (46):
و لي عودة قريبة إن أذن الرحمن لهذه الجميلة.
تحياتي لك أخي و أستاذي.

عواطف عبداللطيف
12-18-2010, 11:29 PM
الدكتور جمال مرسي
معطف مطرز بالكلمات الجميلة
حروف من عتاب
خرجت من العمق
وعزفت على وتر الذكريات

إطلالة نورت أرض النبع وضفافه

دمت بخير
تحياتي

خالدالبهكلي
12-19-2010, 01:49 AM
أخي الحبيب الشاعر الكبير جمال مرسي
أي معطف ساحر جعلك تطلع لنا هذه الفريدة الحسناء
أبدعتها وقد أطربتني من قبل
دمت مبدعا
ودام لك سموك الشعري
ولك خالص ودي وعذب تحيتي

د. جمال مرسي
12-20-2010, 09:55 AM
أستاذنا المبدع د.جمال مرسي
يسرني ويسعدني
أن أكون أول العابرين لهذا الشلال الجميل من شعرك الراقي
قصيدة رائعة السبك فاتنة الصور باذخة الوصف
أثبتها
لقيمتها الأدبية
محبتي

تسعدني و تشرفني دائما بحضورك أخي الحبيب محمد سمير
شكرا لك من القلب هذا المرور العاطر و كذلك تثبيتك للقصيدة
و دمت بكل الخير

د. جمال مرسي
12-20-2010, 09:58 AM
لو كانت كل المعاطف كمعطف أستاذي جمال لارتديناها شعرا جميلا شتاء و صيفا :)
مرور أول لتحية أستاذي
و لنقلها لديوانك ليزهو بهذا المعطف
و لقد سبقني أستاذي محمد بتعليق هذا المعطف الـ من روعة و إبداع و تألق على مشجب دارنا :1 (46):
و لي عودة قريبة إن أذن الرحمن لهذه الجميلة.
تحياتي لك أخي و أستاذي.

الشاعرة القديرة الأخت وطن
كلكم سباقون للخير دائما
أسعدني مرورك و نقلك للقصيدة لديواني و كذلك التثبيت الذي سبقك به الجميل محمد سمير
شكرا لك
و أنتظر عودتك

د. جمال مرسي
12-20-2010, 10:00 AM
الدكتور جمال مرسي
معطف مطرز بالكلمات الجميلة
حروف من عتاب
خرجت من العمق
وعزفت على وتر الذكريات

إطلالة نورت أرض النبع وضفافه

دمت بخير
تحياتي

الأخت الكريمة الحاجة عواطف
أولا ألف ألف حمد لله على السلامة و أبارك لك الحج و لو أنها متأخرة قليلا و تقبله الله منك إن شاء الله
ثم دعيني أشكرك من القلب لطيب مرورك و كلماتك الحانية
و دمت بخير و عافية

د. جمال مرسي
12-20-2010, 10:03 AM
أخي الحبيب الشاعر الكبير جمال مرسي
أي معطف ساحر جعلك تطلع لنا هذه الفريدة الحسناء
أبدعتها وقد أطربتني من قبل
دمت مبدعا
ودام لك سموك الشعري
ولك خالص ودي وعذب تحيتي


أخي الودود خالد
سعيد برؤيتك مشرقا في النبع سعادتي بإشراقتك في القناديل و غيرها
كما سعدت بمرورك على القصيدة هذه أكثر من مرة فلقد شهدت مخاضها و كنت معي وقت صرختها الأولى
دمت بكل الخير
و تقبل ودي و تقديري

وطن النمراوي
12-20-2010, 11:29 AM
الشاعرة القديرة الأخت وطن
كلكم سباقون للخير دائما
أسعدني مرورك و نقلك للقصيدة لديواني و كذلك التثبيت الذي سبقك به الجميل محمد سمير
شكرا لك
و أنتظر عودتك

صباح الخير، أستاذي جمال
كم وددت لو أنني عدت لها قبل عودتك
و العذر منك إن تأخرت بعودتي لها فلم يمنعني عن الرد عليها سوى صداع داهمني بالأمس فتركتها على أمل العودة لها اليوم
فوجدتك قد سبقتني بالعودة بدقائق قليلة. :1 (38):
و أتمنى أن تروق لك قراءتي.

المِعطف : عنوان يشدنا لنتعرف -قبل الدخول إلى قراءة القصيدة- أنه متعلق بالشتاء و البرد تحديدا
ثم ما أن نبدأ قراءة قصيدة أستاذي جمال حتى نراه قد بدأها بالطلب لريح كانون المشهورة بشدة بردها القارس ألاّ تعصف
و بنفس البيت يطلب من الموج أن يهدأ، و يستعطف النوة أن تكون حريرا كإحساسها... و هل أروع من تشبيه إحساس الحبيبة بالحرير !
و لكن ممن يطلب أن يكون كإحساس الحبيبة؟
هو هنا كأنه حتى المستحيل يريد تحقيقه ! و إلاّ فكيف لنوة معروف عنها بأنها تكون قاسية جدا لو مرت بأي شيء أن تكون رائقة و مرهفة كإحساس حبيبته بل يريد لها أن تكون دثارا لقلب حبيبته النضر !!
إذن فالقصيدة و منذ مطلعها تخبرنا أنها عن الحبيبة التي يحبها شاعرنا فكانت أفعال الأمر التي وجهها هنا للريح، و الموج، و النوة، و البحر
كلها إنما فقط ليوفر دفءا لها و قد حرص شاعرنا على استدعاء أروع كلمات الوصف
فدعني أبدا بتسليط الضوء على من وجهت لهم نداءك أو لنقل استعطافك :
حديثك وجهته :
1-لريح كانون، فقلت :
أَيَا رِيـحَ كَانُـونَ لا تَعصِفِـي
2-للموج، فقلت :
و يَا مَوجُ فَاهـدَأْ و لا تَرجُـفِ
3-للنوة، فقلت :
و يَا نَوَّةَ الفَيضِ كُونِي حَرِيـراً
كَإِحسَاسِهَا الرَّائِـقِ المُرهَـفِ
و كُونِي إِذَا اْشتَدَّ بَردُ الشِّتَـاءِ
دِثَـاراً لِخَافِقِـهَـا الـمُـورِفِ
4-ثم للبحر صديقك الذي طالما كان حاضرا في قصائدك و الذي تسره دائما بأسرارك شعرا، و صداقتكما التي امتدت امتداد عمر شعرك جعلته شاهدا في كثير من قصائدك على مشاعرك، و لن نستغرب ذلك بعد أن نتابع قراءتنا القصيدة لنعلم إنما علاقتك بالبحر مقرونة بعلاقتك بها (ربة البحر) التي كانت هي الحاضرة في هذه القصيدة و غيرها...
نعود لحديث شاعرنا مع صديقه البحر فلقد أطال الحديث معه مبتدئا حديثه باستعطافه : و ليس أروع من (حنانيك) عندما نوجهها لصديق و خل أزلي
فهو و رغم أنه يعترف بقوة البحر فيصفه بـ (يا ذا العباب) إلا أنه يستعطفه مرتين أن يرأف بطيف الحبيب إن مر بشطه مستنجدا...
حَنَانَيكَ يَا بَحرُ يَـا ذَا العُبَـابِ
و يَـا خِلِّـيَ الأَزَلِـيَّ الوَفِـي
حَنَانَيكَ إِن مَرَّ طَيـفُ حَبِيبِـي
بِشَطِّـكَ مُستَنجِـداً ، فَـارأَفِ
و ليطمئن قلبه للبحر و أنه سيرضى باستعطافه فإنه يذكره بقصتهما معه : فهما من بنيا على الرمل عند شاطئه قصرا سكنا بقلب حديقته
فَيَا كَم بَنَينَا عَلَى الرَّملِ قَصـراً
بِقَـلـبِ حَدِيقَـتِـهِ نَختَـفِـي
ما أورعه من وصف لقصة حبيبين يجعلان حديقة قصر بنياه معا على رمل الشاطئ ملتقى لهما...
و يستمر بسرد قصته و حبيبته مع البحر فهما من ركضا و موج البحر كان يتتبع خطاهما كعاشق،
و هما من كانا يناجيان السفن المبحرات و يحتفيان بالطير التي تمر في الأفق:
و يَا كَم جَرَينَا ، ومَوجُكَ يَقفُـو
خُطَانَا كَمَـا العَاشِـقِ المُدنَـفِِ
نُنَاجِـي سَفَائِنَـكَ المُبحِـرَاتِ
و بِالطَّيرِ فِـي أُفْقِهَـا نَحتَفِـي
و كم راقبا شمس المغيب و هي تقبل البحر لكنها لا تنطفي...
و نَرنُو إِلَى الشَّمسِ عِندَ المَغِيبِ
تُقَبِّـلُ فَــاكَ و لا تَنطَـفِـي
صور خلابة و وصف بديع جدا في هذين البيتين :
كَـأَنَّ بِهَـا لِشِفَاهِـكَ شَـوقـاً
أَيَا بَحرُ فَارفُقْ بِهَـا و اْعطِـفِ
و دَعهَا تَنَمْ بَعدَ يَـومٍ طَوِيـلٍ
أَطَلَّـت عَلَينَـا بِطَـرْفٍ خَفِـي
و التي انتقل بها الشاعر في حديثه مع البحر من استعطافه إلى حديثه عن حبيبة البحر (الشمس) فيوصيه الرفق و العطف بها بعد عناء يوم طويل لم تنم فيه...
فيرسم لنا الشاعر هنا لوحة الغروب بريشة رسام ماهر جدا ؛
جنح به الخيال لتكون اللوحة عبارة عن شفة شمس تقبل البحر بعد يوم طويل من الإشراق جاءت الآن لتنام...
5- ثم و بعد أن أنهى حديثه مع كل من استعطفهم ليرفقوا بها...
يبدأ حديثه معها (ربة البحر) ربة قصائد شاعرنا
أَيَا رَبَّةَ البَحـرِ جَـاءَ بَرِيـدُ الـ
بِـحَـارِ بِأَدمُـعِـكِ الــذُّرَّفِ
نَـوَارِسُ أَحرُفِـكِ النَّـازِفَـاتِ
تَذُوبُ اشتِيَاقـاً إِلَـى أَحرُفِـي
إذن هو يشعر بحزنها الذي جاءه به بريد البحر، فعلم بدمعها و اشتياقها لأحرفه
أُطِـلُّ عَلَيـكِ بِرَغـمِ الغُيُـومِ
عَلَى البُعدِ مِن تَلِّـيَ المُشـرِفِ
أَرَاكِ عَلَـى مَقعَـدِ الذِّكرَيَـاتِ
كَمَا أَنتِ ، حُسنُكِ لَـم يُوصَـفِ
و كأنه يطمئنها بأنه ما زال رغم كل ما قد يحجب رؤيتها عنه من غيوم و بعد مسافات إلا أنه ما زال يراها على مقعد الذكريات كما هي ؛ بحسنها الذي يبهر شاعرنا...
فهل مقعد الذكريات هنا دلالة على أن ما بينهما من حب ما زال باقيا بقلبيهما فأشار لذلك بقوله (مقعد الذكريات) ؟
أم أنه مقعد أجلس شاعرنا عليه ربة البحر و لم يُجلس يوما غيرها عليه ، فلم تحتل ذكرياته حبيبة غيرها...؟!
ثم يعود شاعرنا ممسكا ريشة الرسام الماهر ليرسم لنا ربة بحره في بيتين هما من أروع ما يمكن أن يكتب شاعر متغزلا بعينيها واصفا إياهما ببحرين، و ثغرها خمر، و شعرها روض من الكستناء، و قدها الأهيف اكتفى بوصفه عندما أكمل وصف شعرها الكستنائي بروض يميس عليه
و لطالما شغلت العينان و الثغر و الشعر و القد خيال الشعراء فيشبعونها وصفا
لكن شاعرنا هنا كفاها ببيتين ربما نابت عن قصيدة :
فَعَينَـاكِ بَحـرَانِ مِـن رَوعَـةٍ
و ثَغـرُكِ خَمـرٌ بِـهِ أَشتَفِـي
و شَعرُكِ رَوضٌ مِنَ الكَستَنَـاءِ
يَمِيـسُ عَلَـى قَـدِّكِ الأَهيَـفِ
لكنه ليس الشاعر الذي يطيل التغزل بالملموس، و هذا ديدن من يحب قلب الحبيبة و روحها و يوليهما اهتماما أكثر فيقول :
صَدرُكِ مَرفَأُ حُلمِـي القَدِيـمِ
و قَلبُكِ يَـا وَاحَتِـي مُسعِفِـي
و حُبُّـكِ مُبتَدَئـي ، مُنتَهَـايَ
بِـهِ أَحتَفِـي و بِـهِ أَكتَـفِـي
صدرها حيث حلمه القديم اتخذه مرفأ و قلبها المسعف له ؛ في دلالة على أنه يعلم أن قلبها ما زال يحبه و أنها لم تزل تحمله حلما في صدرها.
حبها قد تمكله فصار مبتداه و منتهاه، حبها به يحتفي و به يكتفي .
يستمر بمخاطبتها تلك التي تراود ليله طيفا كلما واعدته، فليست التي تغيب طيوفها عنه...
إذن هو -هنا- لا يمتدح وفاء الحبيبة
بل يتحدث عن وفائه هو و حبه الكبير لها ؛ فطيوف الحبيبة لا تزور إلا الحبيب الوفي الذي لا تغيب الحبيبة عن باله
فيرسم لنا لوحة فنية رائعة عن شاعر يستدعي طيوفها ليلا فتحضر قبل أن ينقضي الليل ؛ لتقاسمه وحدته و اغترابه و تحنو على قلبه المستضعف الذي كتب عليه أن يذوق مر البعد و الذي لم تنصفه الأقدار...
و لكنه هنا يرسم اللوحة بطريقة مغايرة ليزيد إبهارنا ؛
فهو كريم معها جدا، و محب لها جدا ؛ فيمتدح حتى طيوف الحبيبة بأنها تفي الموعد لو واعدته و كأن الطيوف هي من طلبت لقاءه !
طُيُوفُـكِ لَـو وَاعَدَتنِـي بِلَيـلٍ
فَلا يَنقَضِي اللَّيـلُ حَتَّـى تَفِـي
تُقَاسِمُنِي وَحدَتِـي و اْغتِرَابِـي
و تَحنُو عَلَى قَلبِ مُستَضعَـفِ
سَقَتـهُ المَقَادِيـرُ مُـرَّ البِعَـادِ
بِكَأسِ الهُمُومِ و لَـم تُنصِـفِِ
و يستمر بالبوح لها عن حبه ووفائه ؛ فيحدثها عن قلبه الذي ما زال لم ينس حبها رغم الجراح النازفات في جنبه
و هنا تستوقفني كلمة (في جنبه) فهي دائما ما تأخذنا إلى معنيين :
أما المعاناة سرا، أو إلى الغدر،
و هنا أستبعد الغدر منها بعد أن حدثنا عن حبها له... إذن فالجراح نازفات في جنبه سرا دون أن يدري بها أحد
و ما يؤكد المعنى أيضا هو البيت التالي فقلبه لم ينس أنها أصل الضياء و اللحن الذي لم يعزف بعد في دلالة على أنها حبيبة منها استمد نوره و يراها لحنا ما زال لم يعزف دلالة على سموها و رقيها في ناظريه ...
فَلَم يَنسَ حُبَّكِ رَغمَ الجِـرَاحِ الـ
عَتِيَّـاتِ فِـي جَنبِـهِ النُّـزَّفِ
و لَم يَنسَ أَنَّكِ أَصـلُ الضِّيَـاءِ
و لَحنٌ إِلَـى الآَنَ لَـم يُعـزَفِ
يخبرها بأن النيل يحدثه عن مقلتيها و يسهب في حديثه عن حسنها و ينكر على النيل ذلك فهو يعرف عنها أكثر مما يعرفه النيل:
يُحَدِّثُنِي النِّيـلُ عَـن مُقلَتَيـكِ
و يُسهِبُ فِي حُسنِكِ اليُوسُفِـي
و يَنسَى مِـنَ الإِنبِهَـارِ بِأَنِّـي
خَبِيرٌ بِمَـا عَنـكِ لَـم يَعـرِفِ
و هنا فقط اسمح لي – كرما- بملاحظة :
وجدت كلمة (عليمٌ) أحلى وقعا من كلمة (خبير)
و لك الأمر طبعا أستاذي.
و يكمل حديث حبه لها و يؤكد على ما قلته من أن الشاعر قد أحبها حبا عفيفا و أنه كان في جل قصيدته يحدثنا عن وفائه و حبه الكبير لها فيخاطبها مطمئنا أنه ما زال يراها بقلبه ؛ و هو محتاج ليراها بقلبه فالتخوم تحول بينه و بينها ليراها بعينيه
و في الوقت نفسه يطمئنها بأنه يعلم أنها ما زالت تحبه
و ما الحزن الذي بين ضلوعها إلا لابتعادهما عن بعض
و يطلب إليها أن تبوح بما فاض من جفنها ؛ فهو يخبرنا بأنها تبكي فراقه بوصف جميل جدا بأن تبوح بما فاض من جفنها ! و ما الذي يفيض غير الدمع ؟!
أَرَاكِ بِقَلبِـيَ رَغـمَ التُّـخُـومِ
و تَحتَ ضُلُوعِكِ حُـزنٌ خَفِـي
فَبُوحِي أَيَـا وَطَنـاً لاْغتِرَابِـي
بِمَا فَاضَ مِن جَفنِـكِ المُتـرَفِ
و يختم رائعته هذه بكل كرم الحبيب عندما يكون عطوفا حنونا مع من يحب فهو يمد راحتي يديه لها لتنام مطمئنة كالطير و أن تمسح دموعها بذاك المعطف العنوان...
و نَامِي كَطَيـرٍ عَلَـى رَاحَتَـيَّ
و دَارِي دُمُوعَكِ فِـي مِعطَفِـي
إذن المعطف العنوان هنا ليس مقرونا بالبرد كما جاء في أول القصيدة فقط،
بل هو هنا يقوم مقام المنديل أيضا لكن شاعرنا اختاره ليكون معطفا في دلالة على أنه يريدها أن تتكأ على صدره و تداري دموعها بمعطفه ؛ راسما صورة جميلة أخرى بدعوة الحبيبة لتضع رأسها على صدره لكنه لم يعلنها صريحة مثلما يفعل الرسام في لوحاته السريالية – الرمز-
و هنا و ليسمح لي أستاذي – كرما – بملاحظة أخرى :
لماذا قلت : (تحت) ضلوعك حزن خفي... في إشارة إلى القلب
و لم تقل (بين) ضلوعك ؟
حيث نعلم أن القلب بين الضلوع ... صح ؟

أستاذي الشاعر المبدع جمال
صار لزاما كلما مررت بقصيدة من قصائدك أن أحاول الدخول للجة البحر الذي منه تأتينا بجميلاتك، لأنها قصائد لا يمكن المرور بها مرورا سريعا، و لأنك صرت تؤسس لنوع من الشعر الوجداني الذي نحبه كثيرا و تكرم قصائدك بصور و عبارات غاية في الجمال...
و هذا البحر الذي صار صديقا ملازما لأستاذي في أكثر قصائده و ربته التي تلهمك الشعر قد صارا بصمة واضحة في قصائد أستاذي...
لك و لحرفك الجميل تحياتي و تقديري
و اعتذاري إن ابتعدت عن المعنى أو قصرت في توجيه الضوء على كل مكامن الجمال في هذه الخريدة.

عواطف عبداللطيف
12-22-2010, 10:28 AM
الأخت الكريمة الحاجة عواطف
أولا ألف ألف حمد لله على السلامة و أبارك لك الحج و لو أنها متأخرة قليلا و تقبله الله منك إن شاء الله
ثم دعيني أشكرك من القلب لطيب مرورك و كلماتك الحانية
و دمت بخير و عافية

الدكتور جمال مرسي
شكراً لك مباركتك
هي وصلتني قبل هذا التاريخ
فبين أفراد العائلة والأهل في البيت الواحد يفقد الوقت معناه
المهم صدق ورقة المشاعر
دمت بخير وعافية
شكري وتقديري

عواطف عبداللطيف
12-22-2010, 10:34 AM
صباح الخير، أستاذي جمال
كم وددت لو أنني عدت لها قبل عودتك
و العذر منك إن تأخرت بعودتي لها فلم يمنعني عن الرد عليها سوى صداع داهمني بالأمس فتركتها على أمل العودة لها اليوم
فوجدتك قد سبقتني بالعودة بدقائق قليلة. :1 (38):
و أتمنى أن تروق لك قراءتي.

المِعطف : عنوان يشدنا لنتعرف -قبل الدخول إلى قراءة القصيدة- أنه متعلق بالشتاء و البرد تحديدا
ثم ما أن نبدأ قراءة قصيدة أستاذي جمال حتى نراه قد بدأها بالطلب لريح كانون المشهورة بشدة بردها القارس ألاّ تعصف
و بنفس البيت يطلب من الموج أن يهدأ، و يستعطف النوة أن تكون حريرا كإحساسها... و هل أروع من تشبيه إحساس الحبيبة بالحرير !
و لكن ممن يطلب أن يكون كإحساس الحبيبة؟
هو هنا كأنه حتى المستحيل يريد تحقيقه ! و إلاّ فكيف لنوة معروف عنها بأنها تكون قاسية جدا لو مرت بأي شيء أن تكون رائقة و مرهفة كإحساس حبيبته بل يريد لها أن تكون دثارا لقلب حبيبته النضر !!
إذن فالقصيدة و منذ مطلعها تخبرنا أنها عن الحبيبة التي يحبها شاعرنا فكانت أفعال الأمر التي وجهها هنا للريح، و الموج، و النوة، و البحر
كلها إنما فقط ليوفر دفءا لها و قد حرص شاعرنا على استدعاء أروع كلمات الوصف
فدعني أبدا بتسليط الضوء على من وجهت لهم نداءك أو لنقل استعطافك :
حديثك وجهته :
1-لريح كانون، فقلت :
أَيَا رِيـحَ كَانُـونَ لا تَعصِفِـي
2-للموج، فقلت :
و يَا مَوجُ فَاهـدَأْ و لا تَرجُـفِ
3-للنوة، فقلت :
و يَا نَوَّةَ الفَيضِ كُونِي حَرِيـراً
كَإِحسَاسِهَا الرَّائِـقِ المُرهَـفِ
و كُونِي إِذَا اْشتَدَّ بَردُ الشِّتَـاءِ
دِثَـاراً لِخَافِقِـهَـا الـمُـورِفِ
4-ثم للبحر صديقك الذي طالما كان حاضرا في قصائدك و الذي تسره دائما بأسرارك شعرا، و صداقتكما التي امتدت امتداد عمر شعرك جعلته شاهدا في كثير من قصائدك على مشاعرك، و لن نستغرب ذلك بعد أن نتابع قراءتنا القصيدة لنعلم إنما علاقتك بالبحر مقرونة بعلاقتك بها (ربة البحر) التي كانت هي الحاضرة في هذه القصيدة و غيرها...
نعود لحديث شاعرنا مع صديقه البحر فلقد أطال الحديث معه مبتدئا حديثه باستعطافه : و ليس أروع من (حنانيك) عندما نوجهها لصديق و خل أزلي
فهو و رغم أنه يعترف بقوة البحر فيصفه بـ (يا ذا العباب) إلا أنه يستعطفه مرتين أن يرأف بطيف الحبيب إن مر بشطه مستنجدا...
حَنَانَيكَ يَا بَحرُ يَـا ذَا العُبَـابِ
و يَـا خِلِّـيَ الأَزَلِـيَّ الوَفِـي
حَنَانَيكَ إِن مَرَّ طَيـفُ حَبِيبِـي
بِشَطِّـكَ مُستَنجِـداً ، فَـارأَفِ
و ليطمئن قلبه للبحر و أنه سيرضى باستعطافه فإنه يذكره بقصتهما معه : فهما من بنيا على الرمل عند شاطئه قصرا سكنا بقلب حديقته
فَيَا كَم بَنَينَا عَلَى الرَّملِ قَصـراً
بِقَـلـبِ حَدِيقَـتِـهِ نَختَـفِـي
ما أورعه من وصف لقصة حبيبين يجعلان حديقة قصر بنياه معا على رمل الشاطئ ملتقى لهما...
و يستمر بسرد قصته و حبيبته مع البحر فهما من ركضا و موج البحر كان يتتبع خطاهما كعاشق،
و هما من كانا يناجيان السفن المبحرات و يحتفيان بالطير التي تمر في الأفق:
و يَا كَم جَرَينَا ، ومَوجُكَ يَقفُـو
خُطَانَا كَمَـا العَاشِـقِ المُدنَـفِِ
نُنَاجِـي سَفَائِنَـكَ المُبحِـرَاتِ
و بِالطَّيرِ فِـي أُفْقِهَـا نَحتَفِـي
و كم راقبا شمس المغيب و هي تقبل البحر لكنها لا تنطفي...
و نَرنُو إِلَى الشَّمسِ عِندَ المَغِيبِ
تُقَبِّـلُ فَــاكَ و لا تَنطَـفِـي
صور خلابة و وصف بديع جدا في هذين البيتين :
كَـأَنَّ بِهَـا لِشِفَاهِـكَ شَـوقـاً
أَيَا بَحرُ فَارفُقْ بِهَـا و اْعطِـفِ
و دَعهَا تَنَمْ بَعدَ يَـومٍ طَوِيـلٍ
أَطَلَّـت عَلَينَـا بِطَـرْفٍ خَفِـي
و التي انتقل بها الشاعر في حديثه مع البحر من استعطافه إلى حديثه عن حبيبة البحر (الشمس) فيوصيه الرفق و العطف بها بعد عناء يوم طويل لم تنم فيه...
فيرسم لنا الشاعر هنا لوحة الغروب بريشة رسام ماهر جدا ؛
جنح به الخيال لتكون اللوحة عبارة عن شفة شمس تقبل البحر بعد يوم طويل من الإشراق جاءت الآن لتنام...
5- ثم و بعد أن أنهى حديثه مع كل من استعطفهم ليرفقوا بها...
يبدأ حديثه معها (ربة البحر) ربة قصائد شاعرنا
أَيَا رَبَّةَ البَحـرِ جَـاءَ بَرِيـدُ الـ
بِـحَـارِ بِأَدمُـعِـكِ الــذُّرَّفِ
نَـوَارِسُ أَحرُفِـكِ النَّـازِفَـاتِ
تَذُوبُ اشتِيَاقـاً إِلَـى أَحرُفِـي
إذن هو يشعر بحزنها الذي جاءه به بريد البحر، فعلم بدمعها و اشتياقها لأحرفه
أُطِـلُّ عَلَيـكِ بِرَغـمِ الغُيُـومِ
عَلَى البُعدِ مِن تَلِّـيَ المُشـرِفِ
أَرَاكِ عَلَـى مَقعَـدِ الذِّكرَيَـاتِ
كَمَا أَنتِ ، حُسنُكِ لَـم يُوصَـفِ
و كأنه يطمئنها بأنه ما زال رغم كل ما قد يحجب رؤيتها عنه من غيوم و بعد مسافات إلا أنه ما زال يراها على مقعد الذكريات كما هي ؛ بحسنها الذي يبهر شاعرنا...
فهل مقعد الذكريات هنا دلالة على أن ما بينهما من حب ما زال باقيا بقلبيهما فأشار لذلك بقوله (مقعد الذكريات) ؟
أم أنه مقعد أجلس شاعرنا عليه ربة البحر و لم يُجلس يوما غيرها عليه ، فلم تحتل ذكرياته حبيبة غيرها...؟!
ثم يعود شاعرنا ممسكا ريشة الرسام الماهر ليرسم لنا ربة بحره في بيتين هما من أروع ما يمكن أن يكتب شاعر متغزلا بعينيها واصفا إياهما ببحرين، و ثغرها خمر، و شعرها روض من الكستناء، و قدها الأهيف اكتفى بوصفه عندما أكمل وصف شعرها الكستنائي بروض يميس عليه
و لطالما شغلت العينان و الثغر و الشعر و القد خيال الشعراء فيشبعونها وصفا
لكن شاعرنا هنا كفاها ببيتين ربما نابت عن قصيدة :
فَعَينَـاكِ بَحـرَانِ مِـن رَوعَـةٍ
و ثَغـرُكِ خَمـرٌ بِـهِ أَشتَفِـي
و شَعرُكِ رَوضٌ مِنَ الكَستَنَـاءِ
يَمِيـسُ عَلَـى قَـدِّكِ الأَهيَـفِ
لكنه ليس الشاعر الذي يطيل التغزل بالملموس، و هذا ديدن من يحب قلب الحبيبة و روحها و يوليهما اهتماما أكثر فيقول :
صَدرُكِ مَرفَأُ حُلمِـي القَدِيـمِ
و قَلبُكِ يَـا وَاحَتِـي مُسعِفِـي
و حُبُّـكِ مُبتَدَئـي ، مُنتَهَـايَ
بِـهِ أَحتَفِـي و بِـهِ أَكتَـفِـي
صدرها حيث حلمه القديم اتخذه مرفأ و قلبها المسعف له ؛ في دلالة على أنه يعلم أن قلبها ما زال يحبه و أنها لم تزل تحمله حلما في صدرها.
حبها قد تمكله فصار مبتداه و منتهاه، حبها به يحتفي و به يكتفي .
يستمر بمخاطبتها تلك التي تراود ليله طيفا كلما واعدته، فليست التي تغيب طيوفها عنه...
إذن هو -هنا- لا يمتدح وفاء الحبيبة
بل يتحدث عن وفائه هو و حبه الكبير لها ؛ فطيوف الحبيبة لا تزور إلا الحبيب الوفي الذي لا تغيب الحبيبة عن باله
فيرسم لنا لوحة فنية رائعة عن شاعر يستدعي طيوفها ليلا فتحضر قبل أن ينقضي الليل ؛ لتقاسمه وحدته و اغترابه و تحنو على قلبه المستضعف الذي كتب عليه أن يذوق مر البعد و الذي لم تنصفه الأقدار...
و لكنه هنا يرسم اللوحة بطريقة مغايرة ليزيد إبهارنا ؛
فهو كريم معها جدا، و محب لها جدا ؛ فيمتدح حتى طيوف الحبيبة بأنها تفي الموعد لو واعدته و كأن الطيوف هي من طلبت لقاءه !
طُيُوفُـكِ لَـو وَاعَدَتنِـي بِلَيـلٍ
فَلا يَنقَضِي اللَّيـلُ حَتَّـى تَفِـي
تُقَاسِمُنِي وَحدَتِـي و اْغتِرَابِـي
و تَحنُو عَلَى قَلبِ مُستَضعَـفِ
سَقَتـهُ المَقَادِيـرُ مُـرَّ البِعَـادِ
بِكَأسِ الهُمُومِ و لَـم تُنصِـفِِ
و يستمر بالبوح لها عن حبه ووفائه ؛ فيحدثها عن قلبه الذي ما زال لم ينس حبها رغم الجراح النازفات في جنبه
و هنا تستوقفني كلمة (في جنبه) فهي دائما ما تأخذنا إلى معنيين :
أما المعاناة سرا، أو إلى الغدر،
و هنا أستبعد الغدر منها بعد أن حدثنا عن حبها له... إذن فالجراح نازفات في جنبه سرا دون أن يدري بها أحد
و ما يؤكد المعنى أيضا هو البيت التالي فقلبه لم ينس أنها أصل الضياء و اللحن الذي لم يعزف بعد في دلالة على أنها حبيبة منها استمد نوره و يراها لحنا ما زال لم يعزف دلالة على سموها و رقيها في ناظريه ...
فَلَم يَنسَ حُبَّكِ رَغمَ الجِـرَاحِ الـ
عَتِيَّـاتِ فِـي جَنبِـهِ النُّـزَّفِ
و لَم يَنسَ أَنَّكِ أَصـلُ الضِّيَـاءِ
و لَحنٌ إِلَـى الآَنَ لَـم يُعـزَفِ
يخبرها بأن النيل يحدثه عن مقلتيها و يسهب في حديثه عن حسنها و ينكر على النيل ذلك فهو يعرف عنها أكثر مما يعرفه النيل:
يُحَدِّثُنِي النِّيـلُ عَـن مُقلَتَيـكِ
و يُسهِبُ فِي حُسنِكِ اليُوسُفِـي
و يَنسَى مِـنَ الإِنبِهَـارِ بِأَنِّـي
خَبِيرٌ بِمَـا عَنـكِ لَـم يَعـرِفِ
و هنا فقط اسمح لي – كرما- بملاحظة :
وجدت كلمة (عليمٌ) أحلى وقعا من كلمة (خبير)
و لك الأمر طبعا أستاذي.
و يكمل حديث حبه لها و يؤكد على ما قلته من أن الشاعر قد أحبها حبا عفيفا و أنه كان في جل قصيدته يحدثنا عن وفائه و حبه الكبير لها فيخاطبها مطمئنا أنه ما زال يراها بقلبه ؛ و هو محتاج ليراها بقلبه فالتخوم تحول بينه و بينها ليراها بعينيه
و في الوقت نفسه يطمئنها بأنه يعلم أنها ما زالت تحبه
و ما الحزن الذي بين ضلوعها إلا لابتعادهما عن بعض
و يطلب إليها أن تبوح بما فاض من جفنها ؛ فهو يخبرنا بأنها تبكي فراقه بوصف جميل جدا بأن تبوح بما فاض من جفنها ! و ما الذي يفيض غير الدمع ؟!
أَرَاكِ بِقَلبِـيَ رَغـمَ التُّـخُـومِ
و تَحتَ ضُلُوعِكِ حُـزنٌ خَفِـي
فَبُوحِي أَيَـا وَطَنـاً لاْغتِرَابِـي
بِمَا فَاضَ مِن جَفنِـكِ المُتـرَفِ
و يختم رائعته هذه بكل كرم الحبيب عندما يكون عطوفا حنونا مع من يحب فهو يمد راحتي يديه لها لتنام مطمئنة كالطير و أن تمسح دموعها بذاك المعطف العنوان...
و نَامِي كَطَيـرٍ عَلَـى رَاحَتَـيَّ
و دَارِي دُمُوعَكِ فِـي مِعطَفِـي
إذن المعطف العنوان هنا ليس مقرونا بالبرد كما جاء في أول القصيدة فقط،
بل هو هنا يقوم مقام المنديل أيضا لكن شاعرنا اختاره ليكون معطفا في دلالة على أنه يريدها أن تتكأ على صدره و تداري دموعها بمعطفه ؛ راسما صورة جميلة أخرى بدعوة الحبيبة لتضع رأسها على صدره لكنه لم يعلنها صريحة مثلما يفعل الرسام في لوحاته السريالية – الرمز-
و هنا و ليسمح لي أستاذي – كرما – بملاحظة أخرى :
لماذا قلت : (تحت) ضلوعك حزن خفي... في إشارة إلى القلب
و لم تقل (بين) ضلوعك ؟
حيث نعلم أن القلب بين الضلوع ... صح ؟

أستاذي الشاعر المبدع جمال
صار لزاما كلما مررت بقصيدة من قصائدك أن أحاول الدخول للجة البحر الذي منه تأتينا بجميلاتك، لأنها قصائد لا يمكن المرور بها مرورا سريعا، و لأنك صرت تؤسس لنوع من الشعر الوجداني الذي نحبه كثيرا و تكرم قصائدك بصور و عبارات غاية في الجمال...
و هذا البحر الذي صار صديقا ملازما لأستاذي في أكثر قصائده و ربته التي تلهمك الشعر قد صارا بصمة واضحة في قصائد أستاذي...
لك و لحرفك الجميل تحياتي و تقديري
و اعتذاري إن ابتعدت عن المعنى أو قصرت في توجيه الضوء على كل مكامن الجمال في هذه الخريدة.

يستحق هذا الرد أخذ

نسخة منه الى قسم الدراسات النقدية

http://www.nabee-awatf.com/vb/showthread.php?t=5937

ونسخة الى عقد من لآلئ أجمل الردود

http://www.nabee-awatf.com/vb/showthread.php?t=1999

محبتي

عبد الرسول معله
12-23-2010, 09:42 AM
أخي في الله الشاعر الكبير د/ جمال مرسي

من أراد أن يتفيأ في ظلال الشعر الجميل فليقصد باسقاتك

ومن أراد أن يروي غليله بالحروف فلينهل من سواقيك

ومن أراد أن يتزود بلوحات الجمال فليقف متأملا صورك

قصيدة ساحرة بموسيقاها وعذبة في لغتها وقوية في سبكها

لقد بحت بمشاعرك فأبدعت وعزفت على أوتار قلبك فأطربت

لك من أخيك تهاليل الفرح والإعجاب ومودة عطرتها أخوتنا

تحياتي وإعجابي وتقديري

نبيه السعديّ
12-23-2010, 12:36 PM
الأخ الحبيب د. جمال
سبق لي إثبات إعجابي.. وهنا أثنّي أيضا.
مع المودة والاحترام

د. جمال مرسي
12-24-2010, 10:14 AM
صباح الخير، أستاذي جمال
كم وددت لو أنني عدت لها قبل عودتك
و العذر منك إن تأخرت بعودتي لها فلم يمنعني عن الرد عليها سوى صداع داهمني بالأمس فتركتها على أمل العودة لها اليوم
فوجدتك قد سبقتني بالعودة بدقائق قليلة. :1 (38):
و أتمنى أن تروق لك قراءتي.

المِعطف : عنوان يشدنا لنتعرف -قبل الدخول إلى قراءة القصيدة- أنه متعلق بالشتاء و البرد تحديدا
ثم ما أن نبدأ قراءة قصيدة أستاذي جمال حتى نراه قد بدأها بالطلب لريح كانون المشهورة بشدة بردها القارس ألاّ تعصف
و بنفس البيت يطلب من الموج أن يهدأ، و يستعطف النوة أن تكون حريرا كإحساسها... و هل أروع من تشبيه إحساس الحبيبة بالحرير !
و لكن ممن يطلب أن يكون كإحساس الحبيبة؟
هو هنا كأنه حتى المستحيل يريد تحقيقه ! و إلاّ فكيف لنوة معروف عنها بأنها تكون قاسية جدا لو مرت بأي شيء أن تكون رائقة و مرهفة كإحساس حبيبته بل يريد لها أن تكون دثارا لقلب حبيبته النضر !!
إذن فالقصيدة و منذ مطلعها تخبرنا أنها عن الحبيبة التي يحبها شاعرنا فكانت أفعال الأمر التي وجهها هنا للريح، و الموج، و النوة، و البحر
كلها إنما فقط ليوفر دفءا لها و قد حرص شاعرنا على استدعاء أروع كلمات الوصف
فدعني أبدا بتسليط الضوء على من وجهت لهم نداءك أو لنقل استعطافك :
حديثك وجهته :
1-لريح كانون، فقلت :
أَيَا رِيـحَ كَانُـونَ لا تَعصِفِـي
2-للموج، فقلت :
و يَا مَوجُ فَاهـدَأْ و لا تَرجُـفِ
3-للنوة، فقلت :
و يَا نَوَّةَ الفَيضِ كُونِي حَرِيـراً
كَإِحسَاسِهَا الرَّائِـقِ المُرهَـفِ
و كُونِي إِذَا اْشتَدَّ بَردُ الشِّتَـاءِ
دِثَـاراً لِخَافِقِـهَـا الـمُـورِفِ
4-ثم للبحر صديقك الذي طالما كان حاضرا في قصائدك و الذي تسره دائما بأسرارك شعرا، و صداقتكما التي امتدت امتداد عمر شعرك جعلته شاهدا في كثير من قصائدك على مشاعرك، و لن نستغرب ذلك بعد أن نتابع قراءتنا القصيدة لنعلم إنما علاقتك بالبحر مقرونة بعلاقتك بها (ربة البحر) التي كانت هي الحاضرة في هذه القصيدة و غيرها...
نعود لحديث شاعرنا مع صديقه البحر فلقد أطال الحديث معه مبتدئا حديثه باستعطافه : و ليس أروع من (حنانيك) عندما نوجهها لصديق و خل أزلي
فهو و رغم أنه يعترف بقوة البحر فيصفه بـ (يا ذا العباب) إلا أنه يستعطفه مرتين أن يرأف بطيف الحبيب إن مر بشطه مستنجدا...
حَنَانَيكَ يَا بَحرُ يَـا ذَا العُبَـابِ
و يَـا خِلِّـيَ الأَزَلِـيَّ الوَفِـي
حَنَانَيكَ إِن مَرَّ طَيـفُ حَبِيبِـي
بِشَطِّـكَ مُستَنجِـداً ، فَـارأَفِ
و ليطمئن قلبه للبحر و أنه سيرضى باستعطافه فإنه يذكره بقصتهما معه : فهما من بنيا على الرمل عند شاطئه قصرا سكنا بقلب حديقته
فَيَا كَم بَنَينَا عَلَى الرَّملِ قَصـراً
بِقَـلـبِ حَدِيقَـتِـهِ نَختَـفِـي
ما أورعه من وصف لقصة حبيبين يجعلان حديقة قصر بنياه معا على رمل الشاطئ ملتقى لهما...
و يستمر بسرد قصته و حبيبته مع البحر فهما من ركضا و موج البحر كان يتتبع خطاهما كعاشق،
و هما من كانا يناجيان السفن المبحرات و يحتفيان بالطير التي تمر في الأفق:
و يَا كَم جَرَينَا ، ومَوجُكَ يَقفُـو
خُطَانَا كَمَـا العَاشِـقِ المُدنَـفِِ
نُنَاجِـي سَفَائِنَـكَ المُبحِـرَاتِ
و بِالطَّيرِ فِـي أُفْقِهَـا نَحتَفِـي
و كم راقبا شمس المغيب و هي تقبل البحر لكنها لا تنطفي...
و نَرنُو إِلَى الشَّمسِ عِندَ المَغِيبِ
تُقَبِّـلُ فَــاكَ و لا تَنطَـفِـي
صور خلابة و وصف بديع جدا في هذين البيتين :
كَـأَنَّ بِهَـا لِشِفَاهِـكَ شَـوقـاً
أَيَا بَحرُ فَارفُقْ بِهَـا و اْعطِـفِ
و دَعهَا تَنَمْ بَعدَ يَـومٍ طَوِيـلٍ
أَطَلَّـت عَلَينَـا بِطَـرْفٍ خَفِـي
و التي انتقل بها الشاعر في حديثه مع البحر من استعطافه إلى حديثه عن حبيبة البحر (الشمس) فيوصيه الرفق و العطف بها بعد عناء يوم طويل لم تنم فيه...
فيرسم لنا الشاعر هنا لوحة الغروب بريشة رسام ماهر جدا ؛
جنح به الخيال لتكون اللوحة عبارة عن شفة شمس تقبل البحر بعد يوم طويل من الإشراق جاءت الآن لتنام...
5- ثم و بعد أن أنهى حديثه مع كل من استعطفهم ليرفقوا بها...
يبدأ حديثه معها (ربة البحر) ربة قصائد شاعرنا
أَيَا رَبَّةَ البَحـرِ جَـاءَ بَرِيـدُ الـ
بِـحَـارِ بِأَدمُـعِـكِ الــذُّرَّفِ
نَـوَارِسُ أَحرُفِـكِ النَّـازِفَـاتِ
تَذُوبُ اشتِيَاقـاً إِلَـى أَحرُفِـي
إذن هو يشعر بحزنها الذي جاءه به بريد البحر، فعلم بدمعها و اشتياقها لأحرفه
أُطِـلُّ عَلَيـكِ بِرَغـمِ الغُيُـومِ
عَلَى البُعدِ مِن تَلِّـيَ المُشـرِفِ
أَرَاكِ عَلَـى مَقعَـدِ الذِّكرَيَـاتِ
كَمَا أَنتِ ، حُسنُكِ لَـم يُوصَـفِ
و كأنه يطمئنها بأنه ما زال رغم كل ما قد يحجب رؤيتها عنه من غيوم و بعد مسافات إلا أنه ما زال يراها على مقعد الذكريات كما هي ؛ بحسنها الذي يبهر شاعرنا...
فهل مقعد الذكريات هنا دلالة على أن ما بينهما من حب ما زال باقيا بقلبيهما فأشار لذلك بقوله (مقعد الذكريات) ؟
أم أنه مقعد أجلس شاعرنا عليه ربة البحر و لم يُجلس يوما غيرها عليه ، فلم تحتل ذكرياته حبيبة غيرها...؟!
ثم يعود شاعرنا ممسكا ريشة الرسام الماهر ليرسم لنا ربة بحره في بيتين هما من أروع ما يمكن أن يكتب شاعر متغزلا بعينيها واصفا إياهما ببحرين، و ثغرها خمر، و شعرها روض من الكستناء، و قدها الأهيف اكتفى بوصفه عندما أكمل وصف شعرها الكستنائي بروض يميس عليه
و لطالما شغلت العينان و الثغر و الشعر و القد خيال الشعراء فيشبعونها وصفا
لكن شاعرنا هنا كفاها ببيتين ربما نابت عن قصيدة :
فَعَينَـاكِ بَحـرَانِ مِـن رَوعَـةٍ
و ثَغـرُكِ خَمـرٌ بِـهِ أَشتَفِـي
و شَعرُكِ رَوضٌ مِنَ الكَستَنَـاءِ
يَمِيـسُ عَلَـى قَـدِّكِ الأَهيَـفِ
لكنه ليس الشاعر الذي يطيل التغزل بالملموس، و هذا ديدن من يحب قلب الحبيبة و روحها و يوليهما اهتماما أكثر فيقول :
صَدرُكِ مَرفَأُ حُلمِـي القَدِيـمِ
و قَلبُكِ يَـا وَاحَتِـي مُسعِفِـي
و حُبُّـكِ مُبتَدَئـي ، مُنتَهَـايَ
بِـهِ أَحتَفِـي و بِـهِ أَكتَـفِـي
صدرها حيث حلمه القديم اتخذه مرفأ و قلبها المسعف له ؛ في دلالة على أنه يعلم أن قلبها ما زال يحبه و أنها لم تزل تحمله حلما في صدرها.
حبها قد تمكله فصار مبتداه و منتهاه، حبها به يحتفي و به يكتفي .
يستمر بمخاطبتها تلك التي تراود ليله طيفا كلما واعدته، فليست التي تغيب طيوفها عنه...
إذن هو -هنا- لا يمتدح وفاء الحبيبة
بل يتحدث عن وفائه هو و حبه الكبير لها ؛ فطيوف الحبيبة لا تزور إلا الحبيب الوفي الذي لا تغيب الحبيبة عن باله
فيرسم لنا لوحة فنية رائعة عن شاعر يستدعي طيوفها ليلا فتحضر قبل أن ينقضي الليل ؛ لتقاسمه وحدته و اغترابه و تحنو على قلبه المستضعف الذي كتب عليه أن يذوق مر البعد و الذي لم تنصفه الأقدار...
و لكنه هنا يرسم اللوحة بطريقة مغايرة ليزيد إبهارنا ؛
فهو كريم معها جدا، و محب لها جدا ؛ فيمتدح حتى طيوف الحبيبة بأنها تفي الموعد لو واعدته و كأن الطيوف هي من طلبت لقاءه !
طُيُوفُـكِ لَـو وَاعَدَتنِـي بِلَيـلٍ
فَلا يَنقَضِي اللَّيـلُ حَتَّـى تَفِـي
تُقَاسِمُنِي وَحدَتِـي و اْغتِرَابِـي
و تَحنُو عَلَى قَلبِ مُستَضعَـفِ
سَقَتـهُ المَقَادِيـرُ مُـرَّ البِعَـادِ
بِكَأسِ الهُمُومِ و لَـم تُنصِـفِِ
و يستمر بالبوح لها عن حبه ووفائه ؛ فيحدثها عن قلبه الذي ما زال لم ينس حبها رغم الجراح النازفات في جنبه
و هنا تستوقفني كلمة (في جنبه) فهي دائما ما تأخذنا إلى معنيين :
أما المعاناة سرا، أو إلى الغدر،
و هنا أستبعد الغدر منها بعد أن حدثنا عن حبها له... إذن فالجراح نازفات في جنبه سرا دون أن يدري بها أحد
و ما يؤكد المعنى أيضا هو البيت التالي فقلبه لم ينس أنها أصل الضياء و اللحن الذي لم يعزف بعد في دلالة على أنها حبيبة منها استمد نوره و يراها لحنا ما زال لم يعزف دلالة على سموها و رقيها في ناظريه ...
فَلَم يَنسَ حُبَّكِ رَغمَ الجِـرَاحِ الـ
عَتِيَّـاتِ فِـي جَنبِـهِ النُّـزَّفِ
و لَم يَنسَ أَنَّكِ أَصـلُ الضِّيَـاءِ
و لَحنٌ إِلَـى الآَنَ لَـم يُعـزَفِ
يخبرها بأن النيل يحدثه عن مقلتيها و يسهب في حديثه عن حسنها و ينكر على النيل ذلك فهو يعرف عنها أكثر مما يعرفه النيل:
يُحَدِّثُنِي النِّيـلُ عَـن مُقلَتَيـكِ
و يُسهِبُ فِي حُسنِكِ اليُوسُفِـي
و يَنسَى مِـنَ الإِنبِهَـارِ بِأَنِّـي
خَبِيرٌ بِمَـا عَنـكِ لَـم يَعـرِفِ
و هنا فقط اسمح لي – كرما- بملاحظة :
وجدت كلمة (عليمٌ) أحلى وقعا من كلمة (خبير)
و لك الأمر طبعا أستاذي.
و يكمل حديث حبه لها و يؤكد على ما قلته من أن الشاعر قد أحبها حبا عفيفا و أنه كان في جل قصيدته يحدثنا عن وفائه و حبه الكبير لها فيخاطبها مطمئنا أنه ما زال يراها بقلبه ؛ و هو محتاج ليراها بقلبه فالتخوم تحول بينه و بينها ليراها بعينيه
و في الوقت نفسه يطمئنها بأنه يعلم أنها ما زالت تحبه
و ما الحزن الذي بين ضلوعها إلا لابتعادهما عن بعض
و يطلب إليها أن تبوح بما فاض من جفنها ؛ فهو يخبرنا بأنها تبكي فراقه بوصف جميل جدا بأن تبوح بما فاض من جفنها ! و ما الذي يفيض غير الدمع ؟!
أَرَاكِ بِقَلبِـيَ رَغـمَ التُّـخُـومِ
و تَحتَ ضُلُوعِكِ حُـزنٌ خَفِـي
فَبُوحِي أَيَـا وَطَنـاً لاْغتِرَابِـي
بِمَا فَاضَ مِن جَفنِـكِ المُتـرَفِ
و يختم رائعته هذه بكل كرم الحبيب عندما يكون عطوفا حنونا مع من يحب فهو يمد راحتي يديه لها لتنام مطمئنة كالطير و أن تمسح دموعها بذاك المعطف العنوان...
و نَامِي كَطَيـرٍ عَلَـى رَاحَتَـيَّ
و دَارِي دُمُوعَكِ فِـي مِعطَفِـي
إذن المعطف العنوان هنا ليس مقرونا بالبرد كما جاء في أول القصيدة فقط،
بل هو هنا يقوم مقام المنديل أيضا لكن شاعرنا اختاره ليكون معطفا في دلالة على أنه يريدها أن تتكأ على صدره و تداري دموعها بمعطفه ؛ راسما صورة جميلة أخرى بدعوة الحبيبة لتضع رأسها على صدره لكنه لم يعلنها صريحة مثلما يفعل الرسام في لوحاته السريالية – الرمز-
و هنا و ليسمح لي أستاذي – كرما – بملاحظة أخرى :
لماذا قلت : (تحت) ضلوعك حزن خفي... في إشارة إلى القلب
و لم تقل (بين) ضلوعك ؟
حيث نعلم أن القلب بين الضلوع ... صح ؟

أستاذي الشاعر المبدع جمال
صار لزاما كلما مررت بقصيدة من قصائدك أن أحاول الدخول للجة البحر الذي منه تأتينا بجميلاتك، لأنها قصائد لا يمكن المرور بها مرورا سريعا، و لأنك صرت تؤسس لنوع من الشعر الوجداني الذي نحبه كثيرا و تكرم قصائدك بصور و عبارات غاية في الجمال...
و هذا البحر الذي صار صديقا ملازما لأستاذي في أكثر قصائده و ربته التي تلهمك الشعر قد صارا بصمة واضحة في قصائد أستاذي...
لك و لحرفك الجميل تحياتي و تقديري
و اعتذاري إن ابتعدت عن المعنى أو قصرت في توجيه الضوء على كل مكامن الجمال في هذه الخريدة.



الأخت القديرة الشاعرة المميزة التي أراها اليوم ممسكة بقلمها النقدي ببراعة وطن النمراوي
أسعد الله صباحك بكل الخير
1- مرة أخرى أعود لقراءتك الرائعة لقصيدتي ( المعطف ) و التي لم تتركي فيها لا صغيرة و لا كبيرة إلا عرّجت عليها بإتقان فاستحقت قراءتك الإشادة و الإعجاب
و ابتداءً بالعنوان الذي حللتِهِ في آخر القصيدة و ألبسته صورة لأخرى ألا و هي المنديل فأقول أنك وفقتِ كثيرا في هذا التحليل و لكنه في ذات الوقت لا يتعارض ما للمعطف من خاصية الاحتواء .. ففيه أخبئ الجسد و الروح ، الظاهر و الباطن في آم واحد و من هنا أعتقد أن دلالة العنوان ( المعطف ) كانت مؤثرة في نفسي عند اختياره و في نفوس القراء حين اجتذبهم هذا العنوان لمعرفة كنه ما يندرج تحته و لم تتكشف معالمه إلا في آخر القصيدة بالمعنيين الذي أشرتِ لواحد منهما على أنه المنديل و الذي كان في نيتي و هو الاحتواء و الدفء .
2- ثم دعيني أعرج على نقطة أخرى في قراءتك الجميلة تتعلق ب ( حنانيك يا بحر يا ذا العباب ) .. فمن المعروف أن البحر بطبيعته و خاصة مع الشتاء و النوات المصاحبة له يكون هائجاً مضطرب الموج صاخبه ، فكان بدهيا أن أستعطف هذا البحر الصاخب المضطرب الموج الشديد القوة في هذا الوقت بكلمة حنانيك التي تعني الرقة بل منتهى الرقة في استعطاف هذا البحر الثائر و أن أكررها كرتين كما أشرتِ بتمكن .
3- ثم دعيني أعرج معك على هذا البيت :
فَلَم يَنسَ حُبَّكِ رَغمَ الجِرَاحِ العَتِيَّاتِ فِي جَنبِهِ النُّزَّفِ
و قد حللته بشكل رائع و استبعدتِ الغدر المتعلق بكلمة ( جنبه ) و هذا صحيح و دقيق مئة بالمئة و لكن أقول أن الاحتمال الآخر موجود أيضا و ليس بالضرورة أن يكون نزف الجراح في هذه الحالة من غدر الحبيبة لكن من غدر الظروف أو الأجواء حول الشاعر . فالاحتمالان موجودان إذن .. واحد ظاهر و الآخر خفي .
4- أما عن رأيك في كلمة خبير و استبدالها بكلمة عليم في هذا البيت :
و يَنسَى مِـنَ الإِنبِهَـارِ بِأَنِّـي
خَبِيرٌ بِمَـا عَنـكِ لَـم يَعـرِفِ
فوالله إنه لاقتراح جميل سآخذ به و خاصة لتوافق العلم مع المعرفة في قولي ( لم تعرفِ )
5- أما عن سؤالك في هذا البيت لماذا تحت و ليست بين
أَرَاكِ بِقَلبِـيَ رَغـمَ التُّـخُـومِ
و تَحتَ ضُلُوعِكِ حُـزنٌ خَفِـي
فأقول شاكرا لك اجتهادك مع اقتراب قصدي و قصدك كثيرا من الهدف إلا أني ارتأيت مناسبة الظرف تحت ليلائم أكثر حالة الحزن الخفي تحت الضلوع و ليس بينها . و مع فارق التشبيه فلك أن تتخيلي أن هذا الحزن كان ميتاً .. أيواريه الموت تحت التراب أم بينه .
أنا قصدت هنا عمق الحزن حتى أنه اتخذ التحتية مكانا له و ليس البينية .
و أخيرا أتمنى أن أكون عقبت على بعض تساؤلات و بعض ما استوقفني من قراءتك الجميلة للقصيدة و التي تستحق أن تكون في قسم الدراسات النقدية و الردود المميزة أيضا . شاكرا لك ها الوقت الذي قضيتِهِ فيها فكشفت عنها و أخرجت درها .. فلله درك
مع ودي و تقديري

د. جمال مرسي
12-24-2010, 10:18 AM
الدكتور جمال مرسي
شكراً لك مباركتك
هي وصلتني قبل هذا التاريخ
فبين أفراد العائلة والأهل في البيت الواحد يفقد الوقت معناه
المهم صدق ورقة المشاعر
دمت بخير وعافية
شكري وتقديري

الشاعرة القديرة الأستاذة عواطف
أسعد الله صباحك بكل الخير
و شكرا لك من القلب مرورك الثري و نقلك لدراسة أختنا وطن النقدية للقصيدة إلى قسم الدراسات النقدية و كذلك قسم الردود المميزة
فهذا لعمري من دواعي سروري و امتناني و قراءة الوطن للقصيدة تستحق كل تقدير
شكرا لك مجددا و ترجعين من عمان بألف سلامة
تحياتي

د. جمال مرسي
12-24-2010, 10:22 AM
أخي في الله الشاعر الكبير د/ جمال مرسي

من أراد أن يتفيأ في ظلال الشعر الجميل فليقصد باسقاتك

ومن أراد أن يروي غليله بالحروف فلينهل من سواقيك

ومن أراد أن يتزود بلوحات الجمال فليقف متأملا صورك

قصيدة ساحرة بموسيقاها وعذبة في لغتها وقوية في سبكها

لقد بحت بمشاعرك فأبدعت وعزفت على أوتار قلبك فأطربت

لك من أخيك تهاليل الفرح والإعجاب ومودة عطرتها أخوتنا

تحياتي وإعجابي وتقديري


صديقي الجميل و أخي الحبيب عبد الرسول معله
صباحك مشرق و جمعتك مباركة .. بارك الله بك و بقلبك المحب الوارف الظلال
تعلم يا صديقي أني دائما أنتظر مرورك على أي قصيدة لي .. فمرورك عليها وسام لها و شهادة تقدير و جواز مرور لها للعلياء
و أنت دائما لا تخيب ظني بمرورك المفيد و شهادتك التي أعتز بها
فكل الشكر و التقدير لك و لقلبك الكبير

د. جمال مرسي
12-24-2010, 10:25 AM
الأخ الحبيب د. جمال
سبق لي إثبات إعجابي.. وهنا أثنّي أيضا.
مع المودة والاحترام

و أنت دائما تشرفني هنا و هناك أخي الحبيب و أستاذي نبيه سعدي
فكل الشكر و التقدير لك
و دمت بخير

محمود عثمان
12-24-2010, 07:16 PM
الشاعر الكبير

الأخ الأكبر د . جمال مرسي

هذا شعر رقراق راقني كثيرا

لوحات آبهة بالجمال

كما عودتنا

كمتلق ٍ غير عاد

أتسآءل عن :

الإنبهار

لم القطع ؟

هل تراها من الضرورات المـُـلحة


شكرا لك واحترام يليق بشخصكم الكريم

وطن النمراوي
12-24-2010, 07:47 PM
الأخت القديرة الشاعرة المميزة التي أراها اليوم ممسكة بقلمها النقدي ببراعة وطن النمراوي
أسعد الله صباحك بكل الخير
1- مرة أخرى أعود لقراءتك الرائعة لقصيدتي ( المعطف ) و التي لم تتركي فيها لا صغيرة و لا كبيرة إلا عرّجت عليها بإتقان فاستحقت قراءتك الإشادة و الإعجاب
و ابتداءً بالعنوان الذي حللتِهِ في آخر القصيدة و ألبسته صورة لأخرى ألا و هي المنديل فأقول أنك وفقتِ كثيرا في هذا التحليل و لكنه في ذات الوقت لا يتعارض ما للمعطف من خاصية الاحتواء .. ففيه أخبئ الجسد و الروح ، الظاهر و الباطن في آم واحد و من هنا أعتقد أن دلالة العنوان ( المعطف ) كانت مؤثرة في نفسي عند اختياره و في نفوس القراء حين اجتذبهم هذا العنوان لمعرفة كنه ما يندرج تحته و لم تتكشف معالمه إلا في آخر القصيدة بالمعنيين الذي أشرتِ لواحد منهما على أنه المنديل و الذي كان في نيتي و هو الاحتواء و الدفء .
2- ثم دعيني أعرج على نقطة أخرى في قراءتك الجميلة تتعلق ب ( حنانيك يا بحر يا ذا العباب ) .. فمن المعروف أن البحر بطبيعته و خاصة مع الشتاء و النوات المصاحبة له يكون هائجاً مضطرب الموج صاخبه ، فكان بدهيا أن أستعطف هذا البحر الصاخب المضطرب الموج الشديد القوة في هذا الوقت بكلمة حنانيك التي تعني الرقة بل منتهى الرقة في استعطاف هذا البحر الثائر و أن أكررها كرتين كما أشرتِ بتمكن .
3- ثم دعيني أعرج معك على هذا البيت :
فَلَم يَنسَ حُبَّكِ رَغمَ الجِرَاحِ العَتِيَّاتِ فِي جَنبِهِ النُّزَّفِ
و قد حللته بشكل رائع و استبعدتِ الغدر المتعلق بكلمة ( جنبه ) و هذا صحيح و دقيق مئة بالمئة و لكن أقول أن الاحتمال الآخر موجود أيضا و ليس بالضرورة أن يكون نزف الجراح في هذه الحالة من غدر الحبيبة لكن من غدر الظروف أو الأجواء حول الشاعر . فالاحتمالان موجودان إذن .. واحد ظاهر و الآخر خفي .
4- أما عن رأيك في كلمة خبير و استبدالها بكلمة عليم في هذا البيت :
و يَنسَى مِـنَ الإِنبِهَـارِ بِأَنِّـي
خَبِيرٌ بِمَـا عَنـكِ لَـم يَعـرِفِ
فوالله إنه لاقتراح جميل سآخذ به و خاصة لتوافق العلم مع المعرفة في قولي ( لم تعرفِ )
5- أما عن سؤالك في هذا البيت لماذا تحت و ليست بين
أَرَاكِ بِقَلبِـيَ رَغـمَ التُّـخُـومِ
و تَحتَ ضُلُوعِكِ حُـزنٌ خَفِـي
فأقول شاكرا لك اجتهادك مع اقتراب قصدي و قصدك كثيرا من الهدف إلا أني ارتأيت مناسبة الظرف تحت ليلائم أكثر حالة الحزن الخفي تحت الضلوع و ليس بينها . و مع فارق التشبيه فلك أن تتخيلي أن هذا الحزن كان ميتاً .. أيواريه الموت تحت التراب أم بينه .
أنا قصدت هنا عمق الحزن حتى أنه اتخذ التحتية مكانا له و ليس البينية .
و أخيرا أتمنى أن أكون عقبت على بعض تساؤلات و بعض ما استوقفني من قراءتك الجميلة للقصيدة و التي تستحق أن تكون في قسم الدراسات النقدية و الردود المميزة أيضا . شاكرا لك ها الوقت الذي قضيتِهِ فيها فكشفت عنها و أخرجت درها .. فلله درك
مع ودي و تقديري

مرحبا، أستاذي الفاضل جمال
بل أنا من أشكرك جدا
فلقد سعدت جدا أن نالت قراءتي البسيطة لقصيدة المعطف رضاك
و سعدت أن يشهد لي أستاذي بأني استطعت الوصول لكثير مما جاء في القصيدة
و لولا روعة قصيدتك التي شدتني الصور و الكلمات فيها لما أبحرت فيها ...
و أسعدتني أكثر أن تجد ملاحظاتي منك اهتماما حماك الله
تظل و أستاذي الفاضل عبد الرسول معله و باقي الكرام أصحاب الفضل علي أن تعلمت كيف الطريق لأنظم الشعر...
فألف شكرا جزيلا لك لتشجيعي على أن أكون شاعرة أولا
و ثانيا لأني هنا أراك تشجعني لأتمكن من أدوات النقد فأقترب لجوهر و فحوى النصوص أكثر...
لك و لحرفك الجميل تحياتي و تقديري.

شاكر السلمان
11-08-2012, 12:36 PM
الى الضوء مع تقديري