عبد الرسول معله
06-12-2011, 11:40 PM
ما كلُّ ما يَلْمَعُ ذهبٌ
عبد الرسول معله
رسالة إلى شاعر العراق الجديد
فـَرْحان مْـكَـيّف مـِتْـوَنـّس
الصديق العزيز (فرحان مْكيّف مِتْوَنّس)
أظنك فرحت حين صفقَ لك البعضُ وسررت حين صرخ لك البعضُ الآخرُ (أَحْسنتَ أَعِدْ) وغضبتَ حين رأيتَ أحدَهم جالساً في الزاوية ينظرُ إليكَ وهو غيرُ مبالٍ بما تقولُهُ وغيرُ مهتمٍ بـ (أحسنتَ) ولا بـ (أَعِدْ) لأنَّ القصيدةَ لم تخرُجْ من قلبك وإنما هي مجرّدُ كلامٍ (مسفط مسطّر) خالٍ من المشاعر والأحاسيس يدل على أنك شاعرٌ لم تتفتحْ براعمه وأديبٌ مبتدئ لم يستوفِ أدوات الكتابة اغتصبت المنبر اغتصابا ووراءك حفنة هم على شاكلتك صفقوا لك وصرخوا وهذا دَيْنٌ بذمتك تردُّه إليهم حين يعتلون المنبرَ لتصفقَ وتصرخَ دون أن تعيَ ما يقولون.
من الممكن أن تكون رئيسا للعراق أو وزيرا فيه أو نائبا في البرلمان ولكن ليس ممكنا أن تكون شاعرا وأديبا لأن هذه موهبة يودعها الله في الإنسان فمن رعاها وأحسن إليها وتعهدها بعناية فمن الممكن أن تنمو وتكبر ومن أهملها فإنها تموت. فموهبة الشعر كالبذرة الجيدة إذا وجدت الأرض الخصبة والمياه فإنها تعطي من الثمر ما لذّ وطاب أما إذا زرعت في الأرض السَبـِخة ولم تجدِ الماءَ فإنها ستموت.
لو قرأت الصحف والمجلات "وهي بحمد الله قد بلغت الألوف بين يومية وأسبوعية وشهرية ونصف شهرية وفصلية" لوجدت في كل منها قصيدةً أو قصيدتين ولو جمعتها ووضعتها في غربال النقد لما بقي منها إلا واحدة أو اثنتان لا ترقى إلى مصاف الشعر الجميل وقد تفلت من هذا الزحام قصيدة واحدة خلال سنة.
قبل عدّة أشهر عُقِدَ في كلية الآداب مهرجان للراحل الكبير محمد مهدي الجواهري وكان مهرجانا بائسا حضره شعراء كبار أخذوا يجترون قصائدهم القديمة ولم يظفر المهرجان إلا بقصائد قليلة علما أن الشعراء هم أبناء مدينة الشعر ومعقله فيا للخيبة !!!
أقولها وبكل صراحة تنحّ عن هذا المنبر وابتعد عنه فإنه لم يُصْنَعْ لك ولا لأمثالك فقد وُضِعَ لمن ضاق صدرُهُ واحترقَ قلبُهُ وتقطّعَتْ أحشاؤه ألما وحرقة لما يراه ويسمعه وامتلك ناصية البيان وطُرُقَ الكلام عاش مع العربية ورضع من لُبانها وحفظ أجملَ أشعارها، ابتعدَ عن الغريب وتعاملَ مع المأنوس، حفظ قواعدها وعاش بين تراثها ينهلُ من سمينها ويطرد غثها.
أيها الصديق العزيز أقول لك وبكل صدق وإخلاص إني وجدت فيك البذرة الشعرية الجيدة ولكنها تكاد تموت بين جوانحك لأنها لم تجد الرعاية والعناية عندك فلم تحفظ من عيون الشعر إلا القليل ولم تدرسْ قواعدَ لغتك وهي هويتك الأصيلة ولا تملكْ الأذنَ الموسيقية لأنك لا تعرفُ أصول قراءة الشعر ولم تطّلعْ على تراثك الأدبي وهو تراث أصيل غير مستورد من الأجانب فأخذت من فقاعات الأدب الغربي ما لا تعرف معناه واستندت إلى أساطير اليونان وأنت لا تستطيعُ توظيفها لأغراضك الشعرية وفي تراثك من الأساطير الكثير ,وأوهموك أن شعر الحداثة هو الغاية التي يسعى إليها الشعراء الكبار وهي كذبة اخترعها العجزة والمتطفلون على الأدب وخصوصا الشعر لعدم القدرة على تقديم الجيد والأصيل .
هل تعلم أيها الصديق العزيز أن الجواهري عاش مئة سنة بتمامها عاصر فيها خليفتين عثمانيين وثلاثة ملوك وخمسة رؤساء جمهورية وكلهم ماتوا جسدا وتاريخا إلا هو ما زال حياً في قلوب العراقيين المسحوقين الذين يتذوقون الكلام الجميل الذي يخفف عنهم آلامهم ويضمد جراحهم ،فالكبار والصغار يرددون (( نامي جياعَ الشعبِ نامي )) رغم أن الجوع اختفى من العراق و(( أتعلمُ أمْ أنتَ لا تعلمُ )) رغم أن الجراح أكبر من جراحه و(( جيش العراق ولم أزل بك مؤمنا )) رغم أن الجيش حوله الحكام إلى أداة لقمع الوطنيين ,ومن منا لا يردّدُ في عاشور القصيدة الخالدة في رثاء سيد الشهداء الحسين ( فداء لمثواك من مضجع )0 أتدري لماذا بقي الجواهري شامخاً كالجبل لم تزلزله عواصف شعر التفعيلة ولا زلازل شعر الحداثة ؟ لأنه استطاع أن يرعى موهبة الشعر في صغره وكبره وكان واثقاً من نفسه لا يجلس على موائد الساسة كي يأكل من فتاتهم، عاش مطارداً في بلده وغريباً في بلدان بعيدة حاملاً معاناة شعبه في قلبه يصوغها عِقْداً لجيدِ العراق المحترق،وصدق واللهِ حين قال (( باقٍ وأعمارُ الطٌّغاةِ قِصارُ )) وكأنه يعني نفسه.
عبد الرسول معله
رسالة إلى شاعر العراق الجديد
فـَرْحان مْـكَـيّف مـِتْـوَنـّس
الصديق العزيز (فرحان مْكيّف مِتْوَنّس)
أظنك فرحت حين صفقَ لك البعضُ وسررت حين صرخ لك البعضُ الآخرُ (أَحْسنتَ أَعِدْ) وغضبتَ حين رأيتَ أحدَهم جالساً في الزاوية ينظرُ إليكَ وهو غيرُ مبالٍ بما تقولُهُ وغيرُ مهتمٍ بـ (أحسنتَ) ولا بـ (أَعِدْ) لأنَّ القصيدةَ لم تخرُجْ من قلبك وإنما هي مجرّدُ كلامٍ (مسفط مسطّر) خالٍ من المشاعر والأحاسيس يدل على أنك شاعرٌ لم تتفتحْ براعمه وأديبٌ مبتدئ لم يستوفِ أدوات الكتابة اغتصبت المنبر اغتصابا ووراءك حفنة هم على شاكلتك صفقوا لك وصرخوا وهذا دَيْنٌ بذمتك تردُّه إليهم حين يعتلون المنبرَ لتصفقَ وتصرخَ دون أن تعيَ ما يقولون.
من الممكن أن تكون رئيسا للعراق أو وزيرا فيه أو نائبا في البرلمان ولكن ليس ممكنا أن تكون شاعرا وأديبا لأن هذه موهبة يودعها الله في الإنسان فمن رعاها وأحسن إليها وتعهدها بعناية فمن الممكن أن تنمو وتكبر ومن أهملها فإنها تموت. فموهبة الشعر كالبذرة الجيدة إذا وجدت الأرض الخصبة والمياه فإنها تعطي من الثمر ما لذّ وطاب أما إذا زرعت في الأرض السَبـِخة ولم تجدِ الماءَ فإنها ستموت.
لو قرأت الصحف والمجلات "وهي بحمد الله قد بلغت الألوف بين يومية وأسبوعية وشهرية ونصف شهرية وفصلية" لوجدت في كل منها قصيدةً أو قصيدتين ولو جمعتها ووضعتها في غربال النقد لما بقي منها إلا واحدة أو اثنتان لا ترقى إلى مصاف الشعر الجميل وقد تفلت من هذا الزحام قصيدة واحدة خلال سنة.
قبل عدّة أشهر عُقِدَ في كلية الآداب مهرجان للراحل الكبير محمد مهدي الجواهري وكان مهرجانا بائسا حضره شعراء كبار أخذوا يجترون قصائدهم القديمة ولم يظفر المهرجان إلا بقصائد قليلة علما أن الشعراء هم أبناء مدينة الشعر ومعقله فيا للخيبة !!!
أقولها وبكل صراحة تنحّ عن هذا المنبر وابتعد عنه فإنه لم يُصْنَعْ لك ولا لأمثالك فقد وُضِعَ لمن ضاق صدرُهُ واحترقَ قلبُهُ وتقطّعَتْ أحشاؤه ألما وحرقة لما يراه ويسمعه وامتلك ناصية البيان وطُرُقَ الكلام عاش مع العربية ورضع من لُبانها وحفظ أجملَ أشعارها، ابتعدَ عن الغريب وتعاملَ مع المأنوس، حفظ قواعدها وعاش بين تراثها ينهلُ من سمينها ويطرد غثها.
أيها الصديق العزيز أقول لك وبكل صدق وإخلاص إني وجدت فيك البذرة الشعرية الجيدة ولكنها تكاد تموت بين جوانحك لأنها لم تجد الرعاية والعناية عندك فلم تحفظ من عيون الشعر إلا القليل ولم تدرسْ قواعدَ لغتك وهي هويتك الأصيلة ولا تملكْ الأذنَ الموسيقية لأنك لا تعرفُ أصول قراءة الشعر ولم تطّلعْ على تراثك الأدبي وهو تراث أصيل غير مستورد من الأجانب فأخذت من فقاعات الأدب الغربي ما لا تعرف معناه واستندت إلى أساطير اليونان وأنت لا تستطيعُ توظيفها لأغراضك الشعرية وفي تراثك من الأساطير الكثير ,وأوهموك أن شعر الحداثة هو الغاية التي يسعى إليها الشعراء الكبار وهي كذبة اخترعها العجزة والمتطفلون على الأدب وخصوصا الشعر لعدم القدرة على تقديم الجيد والأصيل .
هل تعلم أيها الصديق العزيز أن الجواهري عاش مئة سنة بتمامها عاصر فيها خليفتين عثمانيين وثلاثة ملوك وخمسة رؤساء جمهورية وكلهم ماتوا جسدا وتاريخا إلا هو ما زال حياً في قلوب العراقيين المسحوقين الذين يتذوقون الكلام الجميل الذي يخفف عنهم آلامهم ويضمد جراحهم ،فالكبار والصغار يرددون (( نامي جياعَ الشعبِ نامي )) رغم أن الجوع اختفى من العراق و(( أتعلمُ أمْ أنتَ لا تعلمُ )) رغم أن الجراح أكبر من جراحه و(( جيش العراق ولم أزل بك مؤمنا )) رغم أن الجيش حوله الحكام إلى أداة لقمع الوطنيين ,ومن منا لا يردّدُ في عاشور القصيدة الخالدة في رثاء سيد الشهداء الحسين ( فداء لمثواك من مضجع )0 أتدري لماذا بقي الجواهري شامخاً كالجبل لم تزلزله عواصف شعر التفعيلة ولا زلازل شعر الحداثة ؟ لأنه استطاع أن يرعى موهبة الشعر في صغره وكبره وكان واثقاً من نفسه لا يجلس على موائد الساسة كي يأكل من فتاتهم، عاش مطارداً في بلده وغريباً في بلدان بعيدة حاملاً معاناة شعبه في قلبه يصوغها عِقْداً لجيدِ العراق المحترق،وصدق واللهِ حين قال (( باقٍ وأعمارُ الطٌّغاةِ قِصارُ )) وكأنه يعني نفسه.