المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المحكمة الأدبية رقم(32) لإبراهيم ناجي


سمير عودة
09-06-2011, 08:51 PM
إبراهيم ناجي
(1898-1953م)

ولدتُ في حي شبرا بالقاهرة في اليوم الحادي والثلاثين من شهر ديسمبر في عام 1898، وكان والدي مثقفاً مما أثر كثيراً في تنمية موهبتي وصقل ثقافتي، وقد تخرجت من مدرسة الطب في عام 1922، وعينت حين تخرجي طبيباً في وزارة المواصلات ، ثم في وزارة الصحة ، ثم مراقباً عاماً للقسم الطبي في وزارة الأوقاف.
وقد نهلت من الثقافة العربية القديمة فدرست العروض والقوافي وقرأت دواوين المتنبي وابن الرومي وأبي نواس وغيرهم من فحول الشعر العربي، كما نـهلت من الثقافة الغربية فقرأت قصائد شيلي وبيرون وآخرين من رومانسيي الشعر الغربي.
بدأت حياتي الأدبية حوالي عام 1926 عندما بدأت بترجمة بعض أشعار الفريد دي موسييه وتوماس مور شعراً ونشرها في السياسة الأسبوعية ، وانضممت إلى جماعة أبولو عام 1932م ،والتي أفرزت نخبة من الشعراء المصريين والعرب الذين استطاعوا تحرير القصيدة العربية الحديثة من الأغلال الكلاسيكية والخيالات والإيقاعات المتوارثة .
وقد تأثرت في شعري بالاتجاه الرومانسي كما اشتهرت بشعري الوجداني ، وكنت وكيلاً لمدرسة أبوللو الشعرية، ورئيساً لرابطة الأدباء في مصر في الأربعينيات من القرن العشرين .
وقد قمت بترجمة بعض الأشعار عن الفرنسية لبودلير تحت عنوان (أزهار الشر)، وترجمت عن الإنجليزية رواية (الجريمة والعقاب) لديستوفسكي، وعن الإيطالية رواية (الموت في إجازة)، كما نشرت دراسة عن شكسبير، وقمت بإصدار مجلة حكيم البيت ، وألّفت بعض الكتب الأدبية مثل (مدينة الأحلام) و(عالم الأسرة) وغيرهما.
واجهت نقداً عنيفاً عند صدور ديواني الأول من العقاد وطه حسين معاً ، ويرجع هذا إلى ارتباطي بجماعة أبولو ، وقد وصف طه حسين شعري بأنه شعر صالونات لا يحتمل أن يخرج إلى الخلاء فيأخذه البرد من جوانبه ، وقد أزعجني هذا النقد، حيث قرأته وأنا في لندن، وهناك دهمتني سيارة عابرة فنقلت إلى مستشفى سان جورج . وقد عاشت هذه المحنة في أعماقي فترة طويلة .
وقد صدرت عني بعد رحيلي عدة دراسات مهمة، منها:
1. إبراهيم ناجي للشاعر صالح جودت ،
2. ناجي للدكتورة نعمات أحمد فؤاد ،
3.العديد من الرسائل العلمية في الجامعات المصرية .
قالوا في شعري

1ــ الدكتور طه وادي فى دراسته (شعر ناجي الموقف والأداة) :
((إن ناجـي كان اميل الى استخدام البحــور الصافيــه فقــد استخــدم الكامــل في سبعيــن قصيـده و الرمــل في اربع و ثلاثين قصيده و استخدم البحـور المركبه في نطاق ضيــق مثل السريـــــع و المنسرح و المجتث و كذلك يرصد قيام ناجي باستبدال وحدة المقطــع بالبيت المفرد من اجل تحقيق وحدة عضويه للقصيده وقد استوحى ذلك من الموشح و كذلك وجــود بل شيوع ظاهرة التدوير حيث اتصال الكلمات املائيا ً بين شطري البيت الواحد((

2ــ الناقد مصطفى عبد اللطيف السحرتي:
((كان ناجى ظاهرة شعرية فريدة بهرت بيئتنا الأدبية في مطلع الثلث الثانى من هذا القرن
شاعريّةً مجددة نفـرت من القوالب القديمة; شاعرية غنائيّة وجدانية مبدعة((

3ــ الدكتور محمد مندور في معرض تعليقه على قصيدتي الشهيرة "العـودة" حيث يقول:
(( هذه القصيدة التي أَحسبها من روائع النّغم في
الشّعر العربيّ الحديث, على الــرغم من كونهــا تنــدرج تحت فــن عربيّ قديم, وهو فن بكــاء الديــار. ومع ذلك امتازت بالجدة والجمال((

4ــ الدكتور شوقي ضيف :
((كلّ شعـر ناجي رومانسى خالص , وأخــرج الشعــر من باب الرؤيــةِ والخيال إلى باب الحقيقــة والتجربة الواقعة((

ومن أشهر أعمالي على الاطلاق قصيدتي الخالدة الاطلال او كما أطلقت عليها (ملحمة الاطلال) والتى قدمت لها بقولي ( هذه قصة حب عاثر , التقيا وتحابا ثم انتهت القصة بأنها صارت هي أطلال جسد وصار هو أطلال روح .

توفيت الساعة الحادية عشرة صباحاً في الرابع والعشرين من مارس للعام 1953 وأنا أفحص أحد مرضاي حيث سقـطت مغشيـاً عليّ ،وتوفيت إلى رحمة الله .
دواويني الشعرية :
1. وراء الغمام (1934)
2. ليالي القاهرة (1944)
3. في معبد الليل (1948)
4. الطائر الجريح (1953)
5. الأعمال الشعرية الكاملة في عام 1966 بعد وفاتي عن المجلس الأعلى للثقافة.
نماذج من شعري

الأطلال
كتبتها عن قصة حبي الفاشلة مع إحدى قريباتي ،والتي تركتني وتزوجت رجلاً آخر ، وبقي هذا الجرح يؤلمني في حياتي


يـا فُؤَادِي رَحِمَ اللّهُ الهَوَى = كَانَ صَرْحاً مِنْ خَيَالٍ فَهَوَى
اِسْقِني واشْرَبْ عَلَى أَطْلاَلِهِ= وارْوِ عَنِّي طَالَمَا الدَّمْعُ رَوَى
كَيْفَ ذَاكَ الحُبُّ أَمْسَى خَبَراً= وَحَدِيْثاً مِنْ أَحَادِيْثِ الجَوَى
وَبِسَــاطاً مِنْ نَدَامَى حُلُمٍ = هم تَوَارَوا أَبَداً وَهُوَ انْطَوَى
يَارِيَاحاً لَيْسَ يَهْدا عَصْفُهَا = نَضَبَ الزَّيْتُ وَمِصْبَاحِي انْطَفَا
وَأَنَا أَقْتَاتُ مِنْ وَهْمٍ عَفَا= وَأَفي العُمْرَ لِنِاسٍ مَا وَفَى
كَمْ تَقَلَّبْتُ عَلَى خَنْجَرِهِ = لاَ الهَوَى مَالَ وَلاَ الجَفْنُ غَفَا
وَإذا القَلْبُ عَلَى غُفْرانِهِ= كُلَّمَا غَارَ بَهِ النَّصْلُ عَفَا
يَاغَرَاماً كَانَ مِنّي في دّمي = قَدَراً كَالمَوْتِ أَوْفَى طَعْمُهُ
مَا قَضَيْنَا سَاعَةً في عُرْسِهِ = وقَضَيْنَا العُمْرَ في مَأْتَمِهِ
مَا انْتِزَاعي دَمْعَةً مِنْ عَيْنَيْهِ= وَاغْتِصَابي بَسْمَةً مِنْ فَمِهِ
لَيْتَ شِعْري أَيْنَ مِنْهُ مَهْرَبي= أَيْنَ يَمْضي هَارِبٌ مِنْ دَمِهِ
لَسْتُ أَنْسَاكِ وَقَدْ اَغْرَيْتِني = بِفَمٍ عَذْبِ المُنَادَاةِ رَقِيْقْ
وَيَدٍ تَمْتَدُّ نَحْوي كَيَدٍ= مِنْ خِلاَلِ المَوْجِ مُدَّتْ لِغَرِيْقْ
آهِ يَا قِيْلَةَ أَقْدَامي إِذَا = شَكَتِ الأَقْدَامُ أَشْوَاكَ الطَّرِيْقْ
يَظْمَاُ السَّاري لَهُ = أَيْنَ في عَيْنَيْكِ ذَيَّاكَ البَرِيْقْ
لَسْتُ أَنْسَاكِ وَقَدْ أَغْرَيْتِني = بِالذُّرَى الشُّمِّ فَأَدْمَنْتُ الطُّمُوحْ
أَنْتِ رُوحٌ في سَمَائي = وَأنَالَكِ أَعْلُو فَكَأَنّي مَحْضُ رُوحْ
يَا لَهَا مِنْ قِمَمٍ كُنَّا بِهَا = نَتَلاَقَى وَبِسِرَّيْنَا نَبُوحْ
نَسْتَشِفُّ الغَيْبَ مِنْ أَبْرَاجِهَا = وَنَرَى النَّاسَ ظِلاَلاً في السُفُوحْ
أَنْتِ حُسْنٌ في ضُحَاهُ لُمْ يَزَلْ = وَاَنَا عِنْدِيَ أَحْزَانُ الطَّفَلْ
وَبَقَايَا الظِّلِّ مِنْ رَكْبٍ رَحَلْ = وَخُيُوطُ النُّورِ مِنْ نَجْمٍ أَفَلْ
أَلْمَحُ الدُّنْيَا بِعَيْنيْ سَئِمٍ = وَأَرَى حَوُلِيَ أَشْبَاحَ المَلَلْ
رَاقِصاتٍ فَوْقَ أَشْلاْءِ الهَوَى= مُعْولاَتٍ فَوْقَ أَجْدَاثِ الأَمَلْ
ذَهَبَ العُمْرُ هَبَاءً فَاذْهَبي = لَمْ يَكُنْ وَعْدُكِ إلاَ شَبَحَا
صَفْحَةً قَدْ ذَهَبَ الدَّهْرُ بِهَا = أَثْبَتَ الحُبَّ عَلَيْهَا وَمَحَا
اُنْظُري ضِحْكِي وَرَقْصي فَرِحاً= وَأَنَا أَحْمِلُ قَلْباً ذُبِحَا
وَيَرَاني النَّاسُ رُوحَاً طَائِراً = وَالجَوَى يَطْحَنُنِي طَحْنَ الرَّحَى
كُنْتِ تِمْثَالَ خَيَالي فَهَوَى = المَقَادِيْرُ أَرَادَتْ لاَ يَدِي
وَيْحَهَا لَمْ تَدْرِ مَاذا حَطَّمَتْ = حَطَّمَتْ تَاجي وَهَدَّتْ مَعْبَدِي
يَا حَيَاةَ اليَائِسِ المُنْفَرِد ِ= يَا يَبَاباً مَا بِهِ مِنْ أَحَدِ
يَا قَفَاراً لافِحَاتٍ مَا بِهَا = مِنْ نَجِيٍّ .. يَا سُكُونَ الأَبَدِ
أَيْنَ مِنْ عَيْني حَبِيبٌ سَاحِرٌ= فِيْهِ نُبْلٌ وَجَلاَلٌ وَحَيَاءْ
وَاثِقُ الخُطْوَةِ يَمْشي مَلِكاً= ظَالِمُ الحُسْنِ شَهِيُّ الكِبْرِيَاءْ
عَبِقُ السِّحْرِ كَأَنْفَاسِ الرُّبَى= سَاهِمُ الطَّرْفِ كَأَحْلاَمِ المَسَاءْ
مُشْرِقُ الطَّلْعَةِ في مَنْطِقِهِ= لُغَةُ النُّورِ وَتَعْبِيْرُ السَّمَاءْ
أَيْنَ مِنّي مَجْلِسٌ أَنْتَ بِهِ=فِتْنَةٌ تَمَّتْ سَنَاءٌ وَسَنَى
وَأَنَا حُبٌّ وَقَلْبٌ هَائِمٌ= وَخَيَالٌ حَائِرٌ مِنْكَ دَنَا
وَمِنَ الشَّوْقِ رَسُلٌ بَيْنَنَا= وَنَدِيْمٌ قَدَّمَ الكَاْسَ لَنَا
وَسَقَانَا فَانْتَفَضْنَا لَحْظَةً= لِغُبَارٍ آدَمِيٍّ مَسَّنَا
قَدْ عَرَفْنَا صَوْلَةَ الجِسْمِ الّتِي= تَحْكُمُ الحَيَّ وَتَطْغَى في دِمَاهْ
وَسَمَعْنَا صَرْخَةً في رَعْدِهَا= سَوْطُ جَلاَّدٍ وَتَعْذِيْبُ إلَهْ
أَمَرَتْنَا فَعَصَيْنَا أَمْرَهَا=وَأَبَيْنَا الذُلَّ أَنْ يَغْشَى الجِبَاهْ
حَكَمَ الطَّاغي فَكُنَّا في العُصَاهْ=وَطُرِدْنَا خَلْفَ أَسْوَارِ الحَيَاهْ
يَا لَمَنْفِيَّيْنِ ضَلاَّ في الوُعُورْ= دَمِيَا بِالشَّوْكِ فيْهَا وَالصُّخُورْ
كُلَّمَا تَقْسُو اللَّيَالي عَرَفَا= رَوْعَةَ اللآلامِ في المَنْفَى الطَّهُورْ
طُرِدَا مِنْ ذَلِكَ الحُلْمِ الكَبِيْرْ= لِلْحُظُوظِ السُّودِ واللَّيْلِ الضَّريْرْ
يَقْبَسَانِ النُّورَ مِنْ رُوحَيْهِمَا= كُلَّمَا قَدْ ضَنَّتِ الدُّنْيا بِنُورْ
أَنْتِ قَدْ صَيَّرْتِ أَمْرِي عَجَبَا= كَثُرَتْ حِوْليَ أَطْيَارُ الرُّبَى
فَإِذا قُلْتُ لِقَلْبي سَاعَةً= قُمْ نُغَرِّدْ لِسِوَى لَيْلَى أَبَى
حَجَبَتْ تَأْبى لِعَيْني مَأْرَبَا= غَيْرُ عَيْنَيْكِ وَلاَ مَطَّلَبَا
أَنْتِ مَنْ أَسْدَلَهَا لا تَدَّعي= أَنَّني أسْدَلْتُ هَذي الحُجُبَا
وَلَكَمْ صَاحَ بِيَ اليَأْسُ انْتزِعْهَا=فَيَرُدُّ القَدَرُ السَّاخِرُ: دَعْهَا
يَا لَهَا مِنْ خُطَّةٍ عَمْيَاءَ لَوْ= أَنَّني اُبْصِرُ شَيْئاً لَمْ اُطِعْهَا
وَلِيَ الوَيْلُ إِذَا لَبَّيْتُهَا = وَلِيَ الوَيْلُ إِذا لَمْ أَتَّبِعْهَا
قَدْ حَنَتْ رَأْسي وَلَو كُلُّ القِوَى= تَشْتَري عِزَّةَ نَفْسي لَمْ أَبِعْهَا
يَاحَبِيْباً زُرْتُ يَوْماً أَيْكَهُ= طَائِرَ الشَّوْقِ اُغَنّي أَلَمي
لَكَ إِبْطَاءُ المُدلِّ المُنْعِمِ= وَتَجَنّي القَادرِ المُحْتَكِمِ
وَحَنِيْني لَكَ يَكْوي أَضْلُعي= وَالثَّوَاني جَمَرَاتٌ في دَمي
وَأَنَا مُرْتَقِبٌ في مَوْضِعي = مُرْهَفُ السَّمْعِ لِوَقْعِ القَدَمِ
قَدَمٌ تَخْطُو وَقَلْبي مُشْبِهٌ=مَوْجَةً تَخْطُو إِلى شَاطِئِهَا
أيُّهَا الظَّالِمُ بِاللَّهِ إلَى كَمْ= أَسْفَحُ الدَّمْعَ عَلَى مَوْطِئِهَا
رَحْمَةٌ أَنْتَ فَهَلْ مِنْ رَحْمَةٍ = لِغَريْبِ الرّوحِ أَوْ ظَامِئِهَا
يَا شِفَاءَ الرُّوحِ رُوحي تَشْتَكي = ظُلْمَ آسِيْهَا إِلى بَارِئِهَا
أَعْطِني حُرِّيَتي اَطْلِقْ يَدَيَّ= إِنَّني أَعْطَيْتُ مَا اسْتَبْقَيْتُ شَيَّ
آهِ مِنْ قَيْدِكَ أَدْمَى مِعْصَمي= لِمَ اُبْقِيْهِ وَمَا أَبْقَى عَلَيَّ
مَا احْتِفَاظي بِعُهُودٍ لَمْ تَصُنْهَا= وَإِلاَمَ اللأَسْرُ وَالدُّنْيا لَدَيَّ
هَا أَنَا جَفَّتْ دُمُوعي فَاعْفُ عَنْهَا= إِنّهَا قَبْلَكَ لَمْ تُبْذَلْ لِحَيَّ
وَهَبِ الطَّائِرَ عَنْ عُشِّكَ طَارَا= جَفَّتِ الغُدْرَانُ وَالثَّلْجُ أَغَارَا
هَذِهِ الدُّنْيَا قُلُوبٌ جَمَدَتْ= خَبَتِ الشُّعْلَةُ وَالجِمْرُ تَوَارَى
وَإِذا مَا قَبَسَ القَلْبُ غَدَا= مِنْ رَمَادٍ لاَ تَسَلْهُ كَيْفَ صَارَا
لاَ تَسَلْ واذْكُرْ عَذابَ المُصْطَلي= وَهُوَيُذْكِيْهِ فَلاَ يَقْبَسُ نَارَا
لاَ رَعَى اللّه مَسَاءً قَاسِياً=قَدْ أَرَاني كُلَّ أَحْلامي سُدى
وَأَرَاني قَلْبَ مَنْ أَعْبُدُهُ= سَاخِراً مِنْ مَدْمَعي سُخْرَ العِدَا
لَيْتَ شِعْري أَيُّ أَحْدَاثٍ جَرَتْ=أَنْزَلَتْ رُوحَكَ سِجْناً مُوصَدا
صَدِئَتْ رُوحُكَ في غَيْهَبِهَا= وَكَذا الأَرْوَاحُ يَعْلُوهَا الصَّدا
قَدْ رَأَيْتُ الكَوْنَ قَبْراً ضَيِّقاً= خَيَّمَ اليَاْسُ عَلَيْهِ وَالسُّكُوتْ
وَرَأَتْ عَيْني أَكَاذيْبَ الهَوَى= وَاهِيَاتٍ كَخُيوطِ العَنْكَبُوتْ
كُنْتَ تَرْثي لِي وَتَدْري أَلَمي= لَوْ رَثَى لِلدَّمْعِ تِمْثَالٌ صَمُوتْ
عِنْدَ أَقْدَامِكَ دُنْيَا تَنْتَهي= وَعَلَى بَابِكَ آمَالٌ تَمُوتْ
كُنْتَ تَدْعونيَ طِفْلاُ كُلَّمَا= ثَارَ حُبّي وَتَنَدَّتْ مُقَلِي
وَلَكَ الحَقُّ لَقَدْ عَاِشَ الهَوَى= فيَّ طِفْلاً وَنَمَا لَم يَعْقَلِ
وَرَأَى الطَّعْنَةَ إذْ صَوَّبْتَهَا= فَمَشَتْ مَجْنُونةً لِلْمَقْتَلِ
رَمَتِ الطِّفْلَ فَأَدْمَتْ قَلْبَهُ= وَأَصَابَتْ كِبْرِيَاءَ الَّرجُلِ
قُلْتُ لِلنَّفْسِ وَقَدْ جُزْنَا الوَصِيْدَا=عَجِّلي لا يَنْفَعُ الحَزْمُ وَئِيْدَا
وَدَعي الهَيْكَلَ شُبَّتْ نَارُهُ= تَأكُلُ الرُّكَّعَ فِيْهِ وَالسُّجُودَا
يَتَمَنّى لي وَفَائي عَوْدَةً= وَالهَوَى المَجْرُوحُ يَاْبَى أَنْ نَعُودَا
لِيَ نَحْوَ اللَّهبِ الَّذاكي بِهِ= لَفْتَةُ العُودِ إِذا صَارَ وُقُوداً
لَسْتُ أَنْسَى أَبَدا= سَاعَةً في العُمُرِ
تَحْتَ رِيْحٍ صَفَّقَتْ= لارْتِقَاصِ المَطَرِ
نَوَّحَتْ لِلذّكَرِ= وَشَكَتْ لِلْقَمَرِ
وَإِذا مَا طَرِبَتْ= عَرْبَدَتْ في الشَّجَرِ
هَاكَ مَا قَدْ صَبَّتِ= الرِّيْحُ بِاُذْنِ الشَّاعِرِ
وَهْيَ تُغْري القَلْبَ=إِغْرَاءِ النَّصِيْحِ الفَاجِرِ
أَيُّهَا الشَّاعِرُ تَغْفو= تَذْكُرُ العَهْدَ وَتَصْحو
وَإِذا مَا إَلتَأَمَ جُرْحٌ= جَدَّ بِالتِذْكَارِ جُرْحُ
فَتَعَلَّمْ كَيْفَ تَنْسى=وَتَعَلَّمْ كَيْفَ تَمْحو
أَوَ كُلُّ الحُبِّ في رَأْيِكَ=غُفْرَانٌ وَصُفْحُ
هَاكَ فَانْظُرْ عَدَدَ=الرَّمْلِ قُلُوباً وَنِسَاءْ
فَتَخَيَّرْ مَا تَشَاءْ=ذَهَبَ العُمْرُ هَبَاءْ
ضَلَّ في الأَرْضِ الّذي=يَنْشُدُ أَبْنَاءَ السَّمَاءْ
أَيُّ رُوحَانِيَّةٍ تُعْصَرُ= مِنْ طِيْنٍ وَمَاءْ
أَيُّهَا الرِّيْحُ أَجَلْ لَكِنَّمَا= هِيَ حُبِّي وَتَعِلَّاتِي وَيَأْسِي
هِيَ في الغَيْبِ لِقَلْبي خُلِقَتْ= أَشرَقَتْ لي قَبْلَ أَنْ تُشْرِقَ شَمْسِي
وَعَلَى مَوْعِدِهَا أَطْبَقَتُ عَيْني= وَعَلى تَذْكَارِهَا وَسَّدْتُ رَأْسِي
جَنَّتِ الرِّيْحُ وَنَا= دَتْــهُ شَيَاطِيْنُ الظَّلاَمْ
أَخِتاَماً كَيْفَ يَحْلو=لَكَ في البِدْءِ الخِتَامْ
يَا جَرِيْحاً أَسْلَمَ الـ=جُـرْح حَبِيْباً نَكَأَهْ
هُوَ لاَ يَبْكي إّذَا الـ=ـــــنَّـاعِي بِهَذَا نَبَّأَهْ
أَيُّهَا الجَبَّارُ هَلْ =تُصْـرَعُ مِنْ أَجلِ امْرأَهْ
يَالَهَا مِنْ صَيْحَةٍ مَا بَعَثَتْ= عِنْدَهُ غَيْرَ أَليْمِ الذِّكَرِ
أَرِقَتْ في جَنْبِهِ فَاسْتَيْقَظَتْ= كَبَقَايَا خَنْجَرٍ مُنْكَسِرِ
لَمَعَ النَّهْرُ وَنَادَاهُ لَهُ= فَمَضَى مُنْحَدِراً لِلنَّهَرِ
نَاضِبَ الزَّادِ وَمَا مِنْ سَفَر= دُونِ زَادٍ غَيْرُ هَذَا السَّفَرِ
يَاحَبِيْبي كُلُّ شَيْءٍ بِقَضَاءْ= مَا بِأَيْدينَا خُلِقْنَا تُعَسَاءْ
رُبَّمَا تَجْمَعُنَا أَقْدَارُنَا= ذَاتَ يَوْمٍ بَعْدَمَا عَزَّ الِّلقَاءْ
فَإِذا أَنْكَرَ خِلٌّ خِلَّهُ = وَتَلاَقَيْنَا لِقَاءَ الغُرَبَاءْ
وَمَضَى كُلٌّ إِلَى غَايَتِهِ= لاَ تَقُلْ شِئْنَا! فَإِنَّ الحَظَّ شَاء
يَا نِدَاءً كُلَّمَا أَرْسَلْتُهُ= رُدَّ مَقْهُوراً وَبِالحَظِّ ارْتَطَمْ
وَهُتَافاً مِنْ أَغَاريْد المُنَى= عَادَ لي وَهْوَ نُوَاحٌ وَنَدَمْ
رُبَّ تِمْثَالِ جَمَالٍ وَسَنَا= لاَحَ لِي وَالعَيْشُ شَجْوٌ وَظُلَمْ
إِرْتَمَى اللَّحْنُ عَلَيْهِ جَاثِيَاً= لَيْسَ يَدْرِي أَنَّهُ حُسْنٌ أَصَمْ
هَدَأَ اللَّيْلُ وَلاَ قَلْبَ لَهُ= أَيُّهَا السَّاهِرُ يَدْري حَيْرَتَكْ
اَيُّهَا الشَّاعِرُ خُذْ قِيْثَارَتَكْ =غَنِّ أَشْجَانَكَ وَاسْكُبْ دَمْعَتَكْ
رُبَّ لَحْنٍ رَقَصَ النَّجْمُ لَهُ = وَغَزَا السُّحْبَ وَبِالنَّجْمِ فَتَكْ
غَنِّهِ حَتَّى نَرَى سِتْرَ الدُّجَى= طَلَعَ الفَجْرُ عَلَيْهِ فَانْتَهَكْ
وَإِذا مَا زَهَرَاتٌ ذُعِرَتْ = وَرَأَيْتَ الرُّعْبَ يَغْشَى قَلْبَهَا
فَتَرَفَّقْ وَاتَّئِدْ وَاعْزِفْ لَهَا = مِنْ رَقِيْقِ اللَّحْنِ وَامْسَحْ رُعْبَهَا
رُبَّمَا نَامَتْ عَلَى مَهْدِ اللأَسَى = وَبَكَتْ مُسْتَصْرِخَاتٍ رَبَّهَا
أَيُّهَا الشَّاعِرُ كَمْ مِنْ زَهْرَةٍ =عَوقِبَتْ لَمْ تَدْرِ يَوْماً ذَنْبَهَا

شاكر السلمان
09-06-2011, 10:02 PM
بالتأكيد سأكون في قاعة محكمتك

تقديري

سفانة بنت ابن الشاطئ
09-07-2011, 09:55 AM
وأنا بدوري حجزت مكاني ولي عودة إن شاء الله

أرحب بالضيف الشاعر ابراهيم ناجي .. واقول له لو تعلم

كم أعشق قصيدة الاطلال وكم تألقت أم كلثوم لأنها غنت هذه

الكلمات الباذخة ..

وشكرا لشاعرنا المميز محمد سمير لكل ما يقوم به من مجهود

لاستمرار وانجاح هذه المحاكمات التي تنعكس علينا دوما بالفائدة

مع خالص تقديري واحترامي


سفـــــانة

كوكب البدري
09-07-2011, 01:24 PM
أهلا بالشّاعر الكبيرإبراهيم ناجي
أهلا شاعر الرّومانسية والحب المأسور والمشحون بألف دمعة ودمعة
ربما - ولشدة ولعي بقصائدك - لن أوجه لك اي تهمة ولن أنقل لك - ماسمعته - عنك
بل إنّي متعاطفة جدا معك ، ومع قلبك الذي قضى عمره بحثا عن حب حقيقي فرفضته كل الفتيات ؛ فعشتَ عاشقا مجروحا حتى آخر لحظات حياتك
والفتيات اللاتي رفضنك هن ذاتهن اللاتي سهرن و يسهرن مع - الأطلال - في حكايات حبهن ..!! فأي مفارقة وأي سخرية للأقدار معك
.....

ألف ألف شكرا لك استاذ سمير هذا الإختيار
وفقك الله في مرافعات المحكمة هذه

سمير عودة
09-07-2011, 06:37 PM
الأساتذة الكرام
شاكر السلمان
سفانة بنت إبن الشاطئ
كوكب البدري
نورتم قاعة المحكمة
بانتظار مشاركاتكم
ولكن ....
أين الغالية شروق العوفير ؟
نريد أن يكتمل النصاب بانضمامها إلينا
تحياتي العطرة

عمر مصلح
09-07-2011, 08:02 PM
ألأستاذ محمد سمير الرائع
جهد متميز وأسهامة كبيرة للتواصل بين الأجيال
دمت أيها النبيل.

سمير عودة
09-09-2011, 11:13 PM
ألأستاذ محمد سمير الرائع
جهد متميز وأسهامة كبيرة للتواصل بين الأجيال
دمت أيها النبيل.
..........................
أهلاً بك أستاذ عمر
وأشكرك على مشاركتك
تحياتي العطرة

سفانة بنت ابن الشاطئ
09-09-2011, 11:21 PM
أعود من جديد لجلسات المحكمة مع تقديري لشخصكم الكريم اسمح

لي أن ابدأ :


} لقد كانت القصة العربية (عذراء الهند) لأحمد شوقي أول اهداء لك من


والدك وقد عشت سعادة لا توصف وقتها .. ورغم ان والدك يمتدح أسلوب


شوقي وحافظ ابراهيم كثيرا إلا أنك لم تتأثر بأسلوبهما ولكنك افتتنت


بشعر الشريف الرضي بعد أن قرأت ديوانه الذي أهداك إياه والدك أيضا ،

ويقال أن حبك له وإعجابك بكتاباته دفعك لتقليد ديباجته .. فهل هذا صحيح ؟



} من خلال متابعتك حضور ندوات والدك الأدبية في البيت واستماعك لشعر


خليل مطران الذي كان صديق لوالدك، وحفظت قسماً كبيراً من شعر مطران


قد تأثرت أيضا به .

فلما لم تتأثر إذا بحافظ ابراهيم وأحمد شوقي رغم مكانتهما في زمنك ؟


} رغم انك كتبت الشعر وانت في النصف الثاني من عمرك وكانت

نزعتك الأدبية طاغية عليك ولكنك درست الطب فما سبب هذا التحول

وهل أثر سلبا أم إيجابا على مسيرتك الأدبية ؟



} يقال إن إخفاق الحب الأول في حياتك جعلك دائم البحث عن صورة


مثالية خيالية للمحبوبة لا يمكن أن تتحقق في عالمنا المادي ؟


} ثم انتقلت من غصن لآخر وما إن تستقر حتى تتنقل لغصنٍ ثان وثالث

وبحكم عملك الإضافي كطبيب لنقابة الفنانين المصريين أتيح لك


أن تغوص في عالم الممثلات الفاتنات وأن تكون عشيقاً وحبيباً للكثيرات


منهن يقال أن البداية كانت مع الممثلة الكبيرة أمينة رزق و(زينب صدقي)


وكذلك أغرمت بالممثلة زوزو حمدي الحكيم وزوزو ماضي وتغنّى كليهما


بغرامياته في قصائده الشهيرة وقد تنافستا في الحديث عن قصيدة


الأطلال التي غنتها سيدة الغناء العربي أم كلثوم عام 1966 ورأت


كل منها أنها ملهمة القصيدة الرائعة حيث احتفظتا بقصاصات كتب


عليها الشاعر بخط يده مقطوعات من الأطلال، جسد وصار هو


أطلال روح، وهذه الملحمة تسجل وقائعها كما حدثت ، ولذلك كان


دوما يربط بين اسمك ناجي و جيش من العشيقات .. وطبعا قائمة


الفنانات طويلة ومنها ايضا أمينة نور الدين والراقصة سامية جمال ..


ولكل منهن قصائد لها .. فهل كان المناخ الذي تواجدت به سببا


في فشلك في قصص الحب وعدم اتمام كل قصة منها واستمرارها ؟



} وهل كنت راض على كل ما كتبته من شعر مرتبط بتلك المرحلة ؟


هل هذه السيرة الذاتية في تلك المرحلة سبب كثرة النقد ؟




أتمنى أن لا أكون قد اثقلت عليك شاعرنا الكريم


مع تقديري لشاعرنا الراقي محمد سمير ودوام تألقه

سحر علي
09-12-2011, 03:12 AM
يقال
ابراهيم ناجي أغنية رائعة، يعرفها الذين يحبون الشعر ويقرأونه بقلوبهم قبل أن يقرأوه بعيونهم أو بألسنتهم، وقصائده تصدر من عصارة قلبه، وقلبه صادق وأمين، وهو بسيط مثل العصافير والزهور وقطرات الندى. ليس فيه تعقيد من أي نوع، وليس فيه غموض أو ضباب، مشاعره صريحة، وأحزانه وأفراحه فصيحة، وقد أقام في قصائده معبداً للجمال والحب، لا تستطيع أن تدخل إليه إلا حافي القدمين، صافي الوجدان، هامس الصوت، ملقياً وراءك بكل الغبار الناتج عن الصراعات المختلفة في الحياة اليومية.
أن شعر ناجي يفيض بالصدق، ولا يهتم كثيراً بأوصاف الجسد أو التغني بهذه الأوصاف، وإنما يتغنى أولاً وقبل كل شيء بما يدور في الوجدان والروح من حركة وصراع، ويخرج من الحب بمذهب كامل في النظر إلى الحياة والناس، فهو الذي يقول ذلك الحب الذي علمني أن أحب الناس والدنيا جميعا فالحب عنده معنى إنساني فياض شامل، وتجربة روحية كبيرة وكاملة، وهو مدرسة يتعلم فيها الإنسان كيف تصفو نفسه، وكيف يصبح قلبه نقياً طاهراً، وكيف يتحمل الألم في صبر وكبرياء، وكيف يكون قادراً على العطاء دون أن ينتظر ما يقدمه إليه الآخرون. إنها صورة مثالية للحب، لا يكاد أحد يتصور أن بإمكانها أن تتحقق في واقع الحياة. ومع ذلك فنحن بحاجة إلى هذه الصورة المثالية حتى في عصرنا الواقعي الخشن الذي نعيش فيه، ولا نكاد نحس أن للمثالية أي أثر عليه.


كما يقال إنك لم تكتب الأطلال الى أية ممثلة من اللواتي ادعين ذلك الإدعاء، بل الى هي من وحي الحب الأول الى السيدة ع. م التي أهديت ديوانك الأول وراء الغمام إليها وهي من كانت وراء قصائدك

كوكب البدري
09-12-2011, 04:07 PM
ربما سأتبرع وأكون محامي أدافع به عن ناجي
فأنا منحازة الى الرأي القائل بأنه ماصادف حبا حقيقيا
وقلبه عاش معذبا بحب الطرف الواحد ...
" ربما لأني أرى العظماء ..كالملائكة الصّامتين حين يحترقون حبا "

كم كنت احب هذا البيت لك
حان حرماني فدعني ياحبيبي هذه الجنة ليست من نصيبي
آه من دار نعيم كلما جئتها أجتاز جسرا من لهيب

سمير عودة
09-16-2011, 11:07 PM
لؤلؤة النبع الراقية سفانة
يسعدني أن أرد على استفساراتك سيدتي :
...................................
ج1 – لم أتأثر بشعر شوقي وحافظ إبراهيم لأنه لم يرق لذائقتي الأدبية مثل أستاذي خليل مطران .كما تأثرت بمهيار الديلمي والشريف الرضي وابن الفارض وأبي نواس وامرئ القيس وعنترة .ولكنني لم أقلد ديباجة الشريف الرضي ولا غيره. ومن أمثلة هذا التجاوب والتأثر ما يأتي:
حان حرماني وناداني النذيــر =ما الذي أعددت لي قبل المسير
زمني ضاع وما أنصفتنـــــــي= زادي الأول كزادي الأخيـــــر
.....................................
دع النفس تمرح في خيال وأوهام= وخل لأجفاني كواذب أحلامي
وقل يا حبيب القلب إنك عائـد =على جهل حساد وغفلة لــوام
.....................................
لك في خيالي روضة فينانـــــة =غنى على أغصانها شاديهــا
يحمي مغارسها ويرعى نبتهـا =راع يجنبها البلى ويقيهـــــا
فإذا النوى طالت علي وشفني جرحي وعاد لمهجتي يدميها
نسق الخيال زهورها وورودهـا فقطفتها وشممت عطرك فيها

.....................
ج2. لماذا اخترت مهنة الطب؟
لأن معلماً سورياً غيّر مجرى حياتي.
كانت نزعتي للأدب طاغية، وكنت أعدّ نفسي لمستقبل أدبي ولم تكن عندي أية فكرة من الناحية العلمية الرياضية غير أن الأقدار تلعب دورها بدون أن تعلم، ففي السنة التي قررت فيها أن ألتحق بالقسم الأدبي أرسل الله لنا معلماً سورياً، لم يكد ينظر إلي حتى توسم فيّ شيئاً لا أعلمه جعله يؤمن بأنني قد أكون نابغة في الرياضيات، فوجّه اهتمامه لي، وكان قاسياً جداً، إذ كان يضربني ويشتمني، وكثيراً ما دخل الفصل وهو ثمل، ثم أخذ يبسط هذا الظل بالضرب والشتم واللعن، وأنا صابر لا أتفوه بكلمة.. وكان رحمه الله طيب القلب يخفي وراء هذه القسوة نفساً من الذهب، فكان يلاطفني بعد قسوته، ويمد يده إليّ بواجبات خاصة منه، ثم يعود في اليوم التالي ويسألني في خشونة : هل عملت الواجبات؟
ولم أخيّب ظنه مرة واحدة، وقد كان تقدمي سريعاً جعله يزهو ويفخر بي ثم أخذت قسوته تختفي وهو يقول:
- إطلع يا ناجي واشرح لهم التمرين.
لقد كان تأثير هذا المعلم في مستقبلي كبيراً فقد غيّرت التحاقي بالقسم الأدبي والتحقت بالقسم العلمي ولتقدمي وتفوقي دخلت الطب.
ولقد أثرت مهنة الطب إيجاباً في مسيرتي الأدبية.فقد درست الطب كفن ،ودرست الأدب كعلم.
ج3. كان لي جيش من الملهمات وليس العشيقات

يقول الأستاذ هاني الخيِّر: إن إخفاق الحب الأول في حياة إبراهيم ناجي جعله دائم البحث عن صورة مثالية خيالية للمحبوبة لا يمكن أن تتحقق في عالمنا المادي انتقل ناجي من غصن لآخر وما إن يستقر حتى ينتقل لغصنٍ ثان وثالث وبحكم عمله الإضافي كطبيب لنقابة الفنانين المصريين أتيح له أن يغوص في عالم الممثلات الفاتنات وأن يكون عشيقاً وحبيباً للكثيرات منهن وعلى ما يظهر أن البداية كانت مع الممثلة الكبيرة أمينة رزق وعنها كتب قصيدة (نفرتيتي الجديدة) ومنها نختار:
لمن هاته الفتنة النادرة = وما هاته الأعين الساحرة
وما ذلك المرح القدسيُّ = وما هاته الضحكة الطاهرة؟
تطوف مطاف الحنان العميم= وتسقط كالنعمة الوافرة
وتمتد مثل امتداد العباب = وترجح كالموجة الساخرة
وتنقش أصداءها في القلوب = وتبقى مدى العمر في الذاكرة


ومن الممثلات اللائي أحبهن أيضاً (زينب صدقي) وكذلك أغرم بالممثلة زوزو حمدي الحكيم وزوزو ماضي وتغنّى بغرامياته في قصائده الشهيرة وقد تنافست زوزو الحكيم مع زوزو ماضي في الحديث عن قصيدة الأطلال التي غنتها سيدة الغناء العربي أم كلثوم عام 1966 ورأت كل منها أنها ملهمة القصيدة الرائعة حيث احتفظتا بقصاصات كتب عليها الشاعر بخط يده مقطوعات من الأطلال، وقد جاء في تقديم قصيدة الأطلال في ديوانه ما يلي: "هذه قصة حب عاثر، التقيا وتحابا ثم انتهت القصة بأنها صارت أطلال جسد وصار هو أطلال روح، وهذه الملحمة تسجل وقائعها كما حدثت:

يا فؤادي رحم الله الهوى = كان صرحاً من خيالٍ فهوى
ويختتم القصيدة بقوله:

وإذا ما زهرات ذعرت = ورأيت الرعبَ يغشى قلبها
فترفّق واتئدْ واعززة لها = من رقيق اللحن وامسح رعبها
ربما نامت على مهد الأسى = وبكت مستصرخات ربّها
أيها الشاعر كم من زهرةٍ = عرقبت لم تدر يوماً ذنبها

أمينة نور الدين:
وأحب ناجي الفنانة الصاعدة (أمينة نور الدين) وكانت في بداية مشوارها إذ مارست التمثيل، ومارست الكتابة النقدية، ونظم الشعر ونشره في مجلات فنية (الصباح) دنيا الفن، روز اليوسف، وكانت تشترك مع ناجي بالمامها بالشعر الفرنسي بوجه عام وقضت معه سهرات كثيرة. في مقهى إيزافيتش كانا يتحدثان خلالها عن بودلير وقد ترجم ناجي ديوانه أزاهير الشر.
وقد خلّد ناجي محبوبته أمينة نور الدين بقصيدة يطلب فيها أن يرتوي من النبع الذي طال حرمانه منه، ويبيّن لأمينة نور الدين أنه قد نسي ماضيه وما عليها إلا أن تسقيه:
يا حبيبي وحياتي = هاتِ ثغرك هاتِ
ذهب الماضي بعيداً = وانقض في الترهات
فاعطني حبّاً كبيراً = واسقني ملء لهاتي

وممن أحبهن أيضاً (سامية جمال) وخلّدها في قوله:
يا من تمنيتِ شعراً = يكون كفء جمالكِ
وليس في الكون شعر = أراه كفئاً لذلكِ
حاولت وصفك لمّا = رأيت نور هلالكِ
فحرت ما قلت شيئاً = يليق باستقبالكِ
يا فتنة فوق ظنّي = بالله مالي ومالكِ

زازا الحب الأعنف والأخير:

في ديوانه (الطائر الجريح) كما يقول الأستاذ سامي كيالي نقلاً عن الأستاذ محمد عبد الغني حسن (أنغام شاعر عاش حياته معذّباً مؤلما وعاش ظامئاً إلى الموارد حوله وجائعا على وفرة الثراء عنده، إن ناجي ترجم في رقة وعذوبة آلام المحبين وآمالهم وقد علمه الحب على ما فيه من صور الشقاء أن يحب الناس والدنيا جميعاً فاتسع قلبه بكل طارق وابتسم ثغره لكل بارق. وزازا التي ألهمته الحب والشوق هي امرأة طروب أحب ناجي من الأعماق، وكان الأدب هو الذي ارتبط بين قلبيهما وعن ذلك يقول الأستاذ صالح جودت: زازا شابة وسيمة أنيقة الروح تعشق الأدب قديمه وحديثه وتحفظ الكثير من هذا وذاك، ولم تكن ذات مطمع كمطامع الغانيات فهي المرأة الوحيدة التي أحبت الشاعر، كل همها في الحياة أن تكون إلى جانب شاعر يحبها وتحبه، ولقد لعبت زازا دوراً في حياة ثلاثة شعراء قبل شاعرنا، ثم انتهت إلى شاعرها الأخير فوجدت عنده ما لم تجد عند الأولين من تفرّغ، وهام بها إلى حدّ أنها كانت كل همه وشغله في أكثر يومه من مطلعه إلى مطلع اليوم الذي يليه، ثم وجدت عنده ما لم تجده عند غيره من نزعة الروح دون الجسد، وأحسب أنها وقد عرفتها عن كثب – والكلام لصالح جودت – كانت لوناً فريداً من النساء لا تستهويه نزعة الجسد، تلك زازا التي نشر الشاعر أجمل ما تظفر به من الشعر في ديوانه الأخير (الطائر الجريح) ويورد الأديب الصحافي هاني الخيّر خبراً مفاده أن إشاعات كثيرة انتشرت وتقول إن ناجي وزازا قد تزوجا عرفياً مع أن الإشاعة لم تؤكّد.

ظلت زازا إلى جانب ناجي إلى آخر أيام حياته تهبه حياتها وهي صبية وهو شيخ يقترب من الستين، وهو فوق ذلك قليل الحظ من الجمال والصحة والفحولة، مريض بذات الرئة، فما من شك أنها كانت تحبه حباً مثالياً وعندما توفي لم تحزن زازا ولم ترتد السواد إنما ظلت كما كانت لأنها تؤمن أن الشاعر لم يمت ولك ما حدث أنه ذهب إلى مكان بعيد ولم يترك لها عنوانه كما قالت في رسالة منها إلى الشاعر أحمد رامي.

ومما قاله فيها شاكياً مما آل إليه في نهاية عمره:

أي جوادٍ قد كبا = وأي سيفٍ قد نبا
تعجبت زازا وقد = حق لها أن تعجبا
لما رأت فيّ شحوب =الشمس مالت مغربا
وهي التي زانت= شيبي بأكاليل الصبا
كيف أداري الناب إن =عضّ وأخفي المخلبا
...............
كانت عفت الحب الأول
كتبت الأطلال لفتاة تدعى "عفت" وهي الحب الأول في حياتي فكان حب مراهقة وهي ابنة الجيران وكان بين عائلة عفت وعائلتي صداقة قوية وكان بينهما زيارات عائلية فتعلقت بعفت ولكنها لم تكن تتحدث اللغة العربية فتعلمت الفرنسية من أجلها وكتبت فيها أشعاري وبقيت أحب عفت في صمت دون أن أخبرها بحقيقة شعوري واقتصر حبي على النظرات والهمسات وعندما تزوجت عفت أصابتني صدمة عاطفية حادة وبقيت مضربا عن الزواج وكتبت قصيدة الأطلال أصف فيها حالي وهي القصيدة التي أدت إلى اتساع شهرتي بين أقراني الرومانسيين من شعراء مدرسة "أبوللو" .

سمير عودة
09-16-2011, 11:10 PM
يقال
ابراهيم ناجي أغنية رائعة، يعرفها الذين يحبون الشعر ويقرأونه بقلوبهم قبل أن يقرأوه بعيونهم أو بألسنتهم، وقصائده تصدر من عصارة قلبه، وقلبه صادق وأمين، وهو بسيط مثل العصافير والزهور وقطرات الندى. ليس فيه تعقيد من أي نوع، وليس فيه غموض أو ضباب، مشاعره صريحة، وأحزانه وأفراحه فصيحة، وقد أقام في قصائده معبداً للجمال والحب، لا تستطيع أن تدخل إليه إلا حافي القدمين، صافي الوجدان، هامس الصوت، ملقياً وراءك بكل الغبار الناتج عن الصراعات المختلفة في الحياة اليومية.
أن شعر ناجي يفيض بالصدق، ولا يهتم كثيراً بأوصاف الجسد أو التغني بهذه الأوصاف، وإنما يتغنى أولاً وقبل كل شيء بما يدور في الوجدان والروح من حركة وصراع، ويخرج من الحب بمذهب كامل في النظر إلى الحياة والناس، فهو الذي يقول ذلك الحب الذي علمني أن أحب الناس والدنيا جميعا فالحب عنده معنى إنساني فياض شامل، وتجربة روحية كبيرة وكاملة، وهو مدرسة يتعلم فيها الإنسان كيف تصفو نفسه، وكيف يصبح قلبه نقياً طاهراً، وكيف يتحمل الألم في صبر وكبرياء، وكيف يكون قادراً على العطاء دون أن ينتظر ما يقدمه إليه الآخرون. إنها صورة مثالية للحب، لا يكاد أحد يتصور أن بإمكانها أن تتحقق في واقع الحياة. ومع ذلك فنحن بحاجة إلى هذه الصورة المثالية حتى في عصرنا الواقعي الخشن الذي نعيش فيه، ولا نكاد نحس أن للمثالية أي أثر عليه.


كما يقال إنك لم تكتب الأطلال الى أية ممثلة من اللواتي ادعين ذلك الإدعاء، بل الى هي من وحي الحب الأول الى السيدة ع. م التي أهديت ديوانك الأول وراء الغمام إليها وهي من كانت وراء قصائدك

.......................
الفاضلة سحر علي
أشكرك على هذه المشاركة الفاعلة في محاكمتي
تحياتي العطرة سيدتي

سمير عودة
09-16-2011, 11:13 PM
ربما سأتبرع وأكون محامي أدافع به عن ناجي
فأنا منحازة الى الرأي القائل بأنه ماصادف حبا حقيقيا
وقلبه عاش معذبا بحب الطرف الواحد ...
" ربما لأني أرى العظماء ..كالملائكة الصّامتين حين يحترقون حبا "

كم كنت احب هذا البيت لك
حان حرماني فدعني ياحبيبي هذه الجنة ليست من نصيبي
آه من دار نعيم كلما جئتها أجتاز جسرا من لهيب

........................
شكري لكِ سيدتي الفاضلة
يتجاوز حد السماء
بصراحة كنت محباً مخلصاً ولكني لم أظفر طيلة حياتي بالحب الحقيقي
تحياتي العطرة