![]() |
ديوان / محمود سامي البارودي
محمود سامي البارودي
ولد محمود سامي البارودي في 6 أكتوبر عام 1839 في حي باب الخلق بالقاهرة . - بعد أن أتم دراسته الإبتدائية عام 1851 إلتحق بالمرحلة التجهيزية من " المدرسة الحربية المفروزة " وانتظم فيها يدرس فنون الحرب ، وعلوم الدين واللغة والحساب والجبر . - تخرج في " المدرسة المفروزة " عام 1855 ولم يستطع إستكمال دراسته العليا ، والتحق بالجيش السلطاني . - عمل بعد ذلك بوزارة الخارجية وذهب إلى الأستانة عام 1857 وأعانته إجادته للغة التركية ومعرفته اللغة الفارسية على الإلتحاق " بقلم كتابة السر بنظارة الخارجية التركية " وظل هناك نحو سبع سنوات (1857-1863 ) . - بعد عودته إلى مصر في فبراير عام 1863 عينه الخديوي إسماعيل " معيناً " لأحمد خيري باشا على إدارة المكاتبات بين مصر والآستانة . - ضاق البارودي بروتين العمل الديواني ونزعت نفسه إلى تحقيق آماله في حياة الفروسية والجهاد ، فنجح في يوليو عام 1863 في الإنتقال إلى الجيش حيث عمل برتبة " البكباشي " العسكرية وأُلحقَ بآلاي الحرس الخديوي وعين قائداً لكتيبتين من فرسانه ، وأثبت كفاءة عالية في عمله . - تجلت مواهبه الشعرية في سن مبكرة بعد أن استوعب التراث العربي وقرأ روائع الشعر العربي والفارسي والتركي ، فكان ذلك من عوامل التجديد في شعره الأصيل . - اشترك الفارس الشاعر في إخماد ثورة جزيرة كريد عام 1865 واستمر في تلك المهمة لمدة عامين أثبت فيهما شجاعة عالية وبطولة نادرة . - كان أحد أبطال ثورة عام 1881 الشهيرة ضد الخديوي توفيق بالاشتراك مع أحمد عرابي ، وقد أسندت إليه رئاسة الوزارة الوطنية في فبراير عام 1882 . - بعد سلسلة من أعمال الكفاح والنضال ضد فساد الحكم وضد الإحتلال الإنجليزي لمصر عام 1882 قررت السلطات الحاكمة نفيه مع زعماء الثورة العرابية في ديسمبر عام 1882 إلى جزيرة سرنديب . ظل في المنفى أكثر من سبعة عشر عاماً يعاني الوحدة والمرض والغربة عن وطنه ، فسجّل كل ذلك في شعره النابع من ألمه وحنينه . - بعد أن بلغ الستين من عمره اشتدت عليه وطأة المرض وضعف بصره فتقرر عودته إلى وطنه مصر للعلاج ، فعاد إلى مصر يوم 12 سبتمبر عام 1899 وكانت فرحته غامرة بعودته إلى الوطن وأنشد " أنشودة العودة " التي قال في مستهلها : أبابلُ رأي العين أم هذه مصرُ فإني أرى فيها عيوناً هي السحرُ - توفي البارودي في 12 ديسمبر عام 1904 بعد سلسلة من الكفاح والنضال من أجل إستقلال مصر وحريتها وعزتها . - يعتبر البارودي رائد الشعر العربي الحديث الذي جدّد في القصيدة العربية شكلاً ومضموناً ، ولقب بإسم " فارس السيف والقلم " |
رد: ديوان / محمود سامي البارودي
.
. قَلَّدْتُ جِيدَ الْمَعَالِي حِلْيَةَ الْغَزَلِ=وَقُلْتُ فِي الْجِدِّ مَا أَغْنَى عَنِ الْهَزَلِ يأبى لى َ الغى َّ لا يميلُ بهِ=عَنْ شِرْعَة ٍ الْمَجْدِ سِحْرُ الأَعْيُنِ النُّجُلِ أَهِيمُ بِالْبِيضِ فِي الأَغْمَادِ بَاسِمَة ً=عنْ غرة ِ النصرِ ، لا بالبيضِ في الكللِ لَمْ تُلْهِنِي عَنْ طِلابِ الْمَجْدِ غَانِيَةٌ=فِي لَذَّةِ الصَّحْوِ مَا يُغْنِي عَنِ الثَّمَلِ كمْ بينَ منتدبٍ يدعو لمكرمة ٍ=وَبَيْنَ مُعْتَكِفٍ يَبْكِي عَلَى طَلَلِ لَوَلا التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْخَلْقِ مَا ظَهَرَتْ=مَزِيَّةُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَلْيِ وَالْعَطَلِ فانهض إلى صهواتِ المجدِ معتلياً=فالبازُ لمْ يأوِ إلاَّ عاليَ القللِ ودعْ منَ الأمرِ أدناهُ لأبعدهِ=في لجة ِ البحرِ ما يغنى عنِ الوشلِ قدْ يظفرُ الفاتكُ الألوى بحاجتهِ=وَيَقْعُدُ الْعَجْزُ بِالْهَيَّابَة ِ الْوَكَلِ وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ تَسْلَمْ، فَرُبَّ فَتى ً=ألقى بهِ الأمنُ بينَ اليأسِ وَ الوجلِ وَ لا يغرنكَ بشرٌ منْ أخى ملقٍ=فرونقُ الآلِ لا يشفى منَ الغللِ لوْ يعلمُ ما في الناس منْ دخنٍ=لَبَاتَ مِنْ وُدِّ ذِي الْقُرْبَى عَلَى دَخَلِ فَلا تَثِقْ بِوَدَادٍ قَبْلَ مَعْرِفَةٍ=فَالْكُحْلُ أَشْبَهُ فِي الْعَيْنَيْنِ بِالْكَحَلِ وَاخْشَ النَّمِيمَة َ، وَاعْلَمْ أَنَّ قَائِلَهَا=يصليكَ منْ حرهاَ ناراً بلاَ شعلِ كمْ فرية ٍ صدعتْ أركانَ مملكة ٍ=وَمَزَّقَتْ شَمْلَ وُدٍّ غَيْرِ مُنْفَصِلِ فاقبلْ وصاتي ، وَ لا تصرفكَ لاغية ٌ=عنى ؛ فما كلُّ رامٍ منْ بنى ثعل إني امرؤٌ كفنى حلمي ، وأدبني=كرُّ الجديدينِ منْ ماضٍ وَ مقتبلِ فَمَا سَرَيْتُ قِنَاعَ الْحِلْمِ عَنْ سَفَهٍ=وَلاَ مَسَحْتُ جَبِينَ الْعِزِّ مِنْ خَجَلِ حلبتُ أشطرَ هذا الدهرِ تجربة ً=وَذُقْتُ مَافِيهِ مِن صَابٍ، وَمِنْ عَسَلِ فَمَا وَجَدْتُ عَلَى الأَيَّامِ بَاقِيَة ً=أَشْهَى إِلَى النَّفْسِ مِنْ حُرِّيَّة ِ الْعَمَلِ لكننا غرضٌ للشرَّ في زمنٍ=أَهْلُ الْعُقُولِ بِهِ فِي طَاعَة ِ الْخَمَلِ قامتْ بهِ منْ رجالِ السوءِ طائفة ٌ=أدهى على النفسْ منْ بؤسٍ على ثكلِ منْ كلَّ وغدٍ يكادُ الدستُ يدفعهُ=بُغْضاً، وَيَلْفِظُهُ الدِّيوانُ مِنْ مَلَلِ ذَلَّتْ بِهِمْ مِصْرُ بَعْدَ الْعِزِّ، واضْطَرَبَتْ=قواعدُ الملكِ ، حتى ظلَّ في خللِ وَأَصْبَحَتْ دَوْلَة ُ «الْفُسْطَاطِ» خَاضِعَة ً=بَعْدَ الإِباءِ، وَكَانَتْ زَهْرَة َ الدُّوَلِ قومٌ إذا أبصروني مقبلاً وجموا=غَيْظاً، وَأَكْبَادُهُمْ تَنْقَدُّ مِنْ دَغَلِ فَإِنْ يَكُنْ سَاءَهُمْ فَضْلِي فَلا عَجَبٌ=فَالشَّمْسُ وَهيَ ضِيَاءٌ آفَةُ الْمُقَلِ نزهتُ نفسيَ عما يدنيونَ بهِ=وَ نخلة ُ الروضِ تأبى شيمة َ الجعلِ بئسَ العشيرُ ، وبئستْ مصرُ منْ بلدٍ=أضحتْ مناخاً لأهلِ الزورِ وَ الخطلِ أرضٌ تأثلَ فيها الظلمُ ، وانقذفتْ=صواعقُ الغدرِ بينَ السهلِ وَ الجبلِ وَأَصْبَحَ النَّاسُ فِي عَمْيَاءَ مُظْلِمَةٍ=لَمْ يَخْطُ فِيهَا امْرُؤٌ إِلَّا عَلَى زَلَلِ لَمْ أَدْرِ مَا حَلَّ بِالأَبْطَالِ مِنْ خَوَرٍ=بَعْدَ الْمِراسِ، وَبِالأَسْيَافِ مِنْ فَلَلِ أَصَوَّحَتْ شَجَرَاتُ الْمَجْدِ، أَمْ نَضَبَتْ=غدرُ الحمية ِ حتى ليسَ منْ رجلِ ؟ لاَ يدفعونَ يداعنهمْ ، وَ لوْ بلغتْ=مسَّ العفافة ِ منْ جبنٍ ، وَ منْ خزلِ خَافُوا الْمَنِيَّة َ، فَاحْتَالُوا، وَمَا عَلِمُوا=أنَّ المنية َ لاَ ترتدُّ بالحيلِ فَفِيمَ يَتَّهِمُ الإِنْسَانُ خالِقَهُ=وَ كلُّ نفسٍ لها قيدٌ منَ الأجلِ ؟ هيهاتَ يلقى الفتى أمناً يلدُّ بهِ=مَا لَمْ يَخُضْ نَحْوَهُ بَحْراً مِنَ الْوَهَلِ فَمَا لَكُمْ لاَ تَعَافُ الضَّيْمَ أَنْفُسُكُمْ=وَلاَ تَزُولُ غَوَاشِيكُمْ مِنَ الْكَسَلِ؟ وَتِلْكَ مِصْرُ الَّتِي أَفْنَى الْجِلاَدُ بِهَا=لَفِيفَ أَسْلافِكُمْ فِي الأَعْصُرِ الأُوَلِ قومٌ أقروا عمادَ الحقَّ وامتلكوا=أَزِمَّة َ الْخَلْقِ مِنْ حَافٍ وَمُنْتَعِلِ جَنَوْا ثِمَارَ الْعُلاَ بِالْبِيضِ، وَاقْتَطَفُوا=منْ بينِ شوكِ العوالي زهرة َ الأملِ فَأَصْبَحَتْ مِصْرُ تَزْهُو بَعْدَ كُدْرَتِهَا=فِي يَانِعٍ مِنْ أَسَاكِيبِ النَّدَى خَضِلِ لَمْ تَنْبُتِ الأَرْضُ إِلاَّ بَعْدَمَا اخْتَمَرَتْ=أقطارها بدمِ الأعناقِ وَ القللِ شَنُّوا بِهَا غَارَة ً أَلْقَتْ بِرَوْعَتِهَا=أمناً يولفُ بينَ الذئبِ وَ الحملِ حَتَّى إِذَا أَصْبَحَتْ فِي مَعْقِلٍ أَشِبٍ=يردُّ عنها يدَ العادي منَ المللِ أخنى الزمانُ على فرسانها ، فغدتْ=منْ بعدِ منعتها مطروقة َ السبلِ فأيَّ عارٍ جلبتمْ بالخمولِ على=ما شادهُ السيفُ منْ فخرٍ على زحلِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْفَتَى عَقْلٌ يَعِيشُ بِهِ=فَإِنَّمَا هُوَ مَعْدُودٌ مِنَ الْهَمَلِ فبادروا الأمرَ قبلَ الفوتِ ، وانتزعوا=شِكَالَة َ الرَّيْثِ، فَالدُّنْيَا مَعَ الْعَجَلِ وَ قلدوا أمركمْ شهماً أخا ثقة ٍ=يكونُ رداءً لكمْ في الحادثِ الجللِ ماضي البصيرة ِ ، غلابٌ ، إذا اشتبهتْ=مسالكُ الرأي صادَ البازَ بالحجلِ إنْ قالَ برَّ ، وَ إنْ ناداهُ منتصرٌ=لَبَّى ، وإِنْ هَمَّ لَمْ يَرْجِعْ بِلا نَفَلِ يجلو البديهة َ باللفظِ الوجيزِ إذا=عزَّ الخطابُ ، وَ طاشتْ أسهمُ الجدلِ وَلاَ تَلَجُّوا إِذَا مَا الرَّأْيُ لاَحَ لَكُمْ=إنَّ اللجاجة َ مدعاة ٌ إلى الفشلِ قدْ يدركُ المرءُ بالتدبيرِ ما عجزتْ=عَنْهُ الْكُمَاة ُ، وَلَمْ يَحْمِلْ عَلَى بَطَلِ هَيْهَاتَ، مَا النَّصْرُ فِي حَدِّ الأَسِنَّة ِ، بَلْ=بقوة ِ الرأي تمضي شوكة ُ الأسلِ وَطَالِبُوا بِحُقُوقٍ أَصْبَحَتْ غَرَضاً=لِكُلِّ مُنْتَزِعٍ سَهْماً، وَمُخْتَتِلِ وَ لاَ تخافوا نكالاً فيهٍ منشوكمْ=فالحوتُ في اليمَّ لا يخشى منَ البللِ عيشُ الفتى في فناءِ الذلَّ منقصة ٌ=وَ الموتُ في العز فخرُ السادة ِ النبلِ لا تتركوا الجدَّ أوْ يبدو اليقينُ لكمْ=فالجدُّ مفتاحُ بابِ المطلبِ العضلِ طوراً عراكاً ، وأحيانا مياسرة ً=رياضة ُ المهرِ بينَ العنفِ وَ المهلِ حتى تعودَ سماءُ الأمنِ ضاحية ً=وَيَرْفُلَ الْعَدْلُ فِي ضَافٍ مِنَ الْحُلَلِ هذِي نَصِيحَة ُ مَنْ لاَ يَبْتَغِي بَدَلاً=بِكُمْ، وهَلْ بَعْدَ قَوْمِ الْمَرْءِ مِنْ بَدَلِ؟ أَسْهَرْتُ جَفْنِي لَكُمْ فِي نَظْمِ قَافِيَة ٍ=مَا إِنْ لَهَا فِي قَدِيمِ الشِّعْرِ مِنْ مَثَلِ كالبرقِ في عجلٍ ، والرعدِ في زجلٍ=وَالْغَيثِ فِي هَلَلٍ، وَالسَّيْلِ في هَمَلِ غَرَّاءُ، تَعْلَقُهَا الأَسْمَاع مِنْ طَرَبٍ=وَتَسْتَطِيرُ بِهَا الأَلْبَابُ مِنْ جَذَلِ حَوْلِيَّة ٌ، صَاغَهَا فكْرٌ أَقَرَّ لهُ=بِالْمُعْجِزَاتِ قَبِيلُ الإِنْسِ وَالْخَبَلِ تلوحُ أبياتها شطرينِ في نسقٍ=كالمرفية ِ قدْ سلتْ منَ الخللِ إِنْ أَخْلَقَتْ جِدَّة ُ الأَشْعَارِ أَثَّلَهَا=لَفْظٌ أَصِيلٌ، ومَعْنى ً غَيْرُ مُنْتَحَلِ تفنى النفوسُ ، وَ تبقى وَ هيَ ناضرة ٌ=على الدُّهُورِ بَقَاءَ السَّبْعَة ِ الطُوَلِ . |
رد: ديوان / محمود سامي البارودي
.
. طربتْ ، وَ لولاَ الحلمُ أدركني الجهلُ=وَعَاوَدَنِي مَا كَانَ مِنْ شِرَّتِي قَبْلُ فَرُحْتُ، كَأَنِّي خَامَرَتْنِي سَبِيئَة ٌ=منَ الراحِ ، منْ يعلقْ بها الدهرَ لا يسلو سَلِيلَة ُ كَرْمٍ، شَابَ فِي المَهْدِ رَأْسُهَا=وَ دبَّ لها نسلٌ ، وَ ما مسها بعلُ إِذَا وَلَجَتْ بَيْتَ الضَّمِيرِ، رَأَيْتَهَا=وراءَ بناتِ الصدرِ ، تسفلُ ، أو تعلو كَأَنَّ لَهَا ضِغْناً عَلَى الْعَقْلِ كَامِناً=فَإِنْ هِيَ حَلَّتْ مَنْزِلاً رَحَلَ الْعَقْلُ تعبرُ عنْ سرَّ الضميرِ بألسنٍ=منَ السكرِ مقرونٍ بصحتها النقلُ مُحَبَّبَة ٌ لِلنَّفْسِ، وَهْيَ بَلاَؤُها=كَمَا حُبِّبَتْ فِي فَتْكِهَا الأَعْيُنُ النُجْلُ يَكَادُ يَذُودُ اللَّيْثَ عَنْ مُسْتَقَرِّهِ=إِذَا ما تَحَسَّى كَأْسَهَا الْعَاجِزُ الْوَغْلُ تَرَى لِخَوَابِيهَا أَزِيزاً، كَأنَّهَا=خَلاَيَا تَغَنَّتْ فِي جَوَانِبِهَا النَّحْلُ سَوَاكِنُ آطَامٍ، زَفَتْهَا مَعَ الضُّحَى=يدا عاسلٍ يشتارُ ، أوْ خابطٍ يفلو دنا ، ثمَّ ألقى النارَ بينَ بيوتها=فطارتْ شعاعاً ، لا يقرُّ لها رحلُ مروعة ٌ ، هيجتْ ، فضلتْ سبيلها=فَسَارَتْ عَلَى الدُّنْيَا، كَمَا انْتَشَرَ الرِّجْلُ فبتُّ أداري القلبَ بعضَ شجونهِ=وأَزْجُرُ نَفْسِي أَنْ يُلِمَّ بِهَا الْهَزْلُ وَ ما كنتُ أدري - وَ الشبابُ مطية ٌ=إلى الجهلِ - أنَّ العشقَ يعقبهُ الخبلُ رمى اللهُ هاتيكَ العيونَ بما رمتْ=وَ حاسبها حسبانَ منْ حكمهُ العدلُ فَقَدْ تَرَكْتَنِي سَاهِي الْعَقَلِ، سَادِراً=إلى الغيَّ ، لاَ عقدٌ لديَّ ، وَ لاَ حلٌّ أَسِيرُ، وَمَا أَدْرِي إِلى أَيْنَ يَنْتَهِي=بِيَ السَّيْرُ، لكِنِّي تَلَقَّفُنِي السُّبْلُ فَلاَ تَسْأَلَنِّي عَنْ هَوَايَ؛ فَإِنَّنِي=وَرَبِّكَ أَدْرِي كَيْفَ زَلَّتْ بِيَ النَّعْلُ؟ فَمَا هِيَ إِلاَّ أَنْ نَظَرْتُ فُجَاءَة ً=بحلوانَ حيثُ انهارَ ، وَ انعقدَ الرملُ إِلَى نِسْوَة ٍ مِثْلِ الْجُمَانِ، تَنَاسَقَتْ=فرائدهُ حسناً ، وَ ألفهُ الشملُ منَ الماطلاتِ المرءَ ما قدْ وعدنهُ=كذاباً ؛ فلا عهدٌ لهنَّ ، وَ لاَ إلٌّ تكنفنَ تمثالاً منَ الحسنِ رائعاً=يُجَنُّ جُنُوناً عِنْدَ رُؤْيَتِهِ الْعَقْلُ فكانَ الذي لولاهُ ما درتُ هائماً=أَرُودُ الْفَيَافِي، لاَ صَدِيقٌ، وَلاَ خِلُّ فويلمها منْ نظرة ٍ مضرجية ٍ=رُمِيتُ بِهَا مِنْ حَيْثُ وَاجَهَنِي الأَثْلُ رُمِيتُ بِهَا وَالْقَلْبُ خِلْوٌ مِنَ الْهَوَى=فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى اسْتَقَلَّ بِهِ شُغْلُ لقدْ علقتْ ما ليسَ للنفس دونها=غَنَاءٌ، وَلاَ مِنْهَا لِذِي صَبْوَة ٍ وَصْلُ فَتَاة ٌ يَحَارُ الطَّرْفُ في قَسَمَاتِهَا=لها منظرٌ منْ رائدِ العينِ لا يخلو لَطِيفَة ُ مَجْرَى الرُّوحِ، لَوْ أَنَّهَا مَشَتْ=عَلَى سَارِبَاتِ الذَّرِّ مَا آدَهُ الْحِمْلُ لها نظرة ٌ سكرى ، إذا أرسلتْ بها=إلى كبدٍ ؛ فالويلُ منْ ذاكَ وَ الثكلُ تُريقُ دِمَاءً حَرَّمَ اللهُ سَفْكَهَا=وَتَخْرُجُ مِنْهَا، لاَ قِصَاصٌ، ولا عَقْلُ لنا كلَّ يومٍ في هواها مصارعٌ=يهيجُ الردى فيها ، وَ يلتهبُ القتلُ مصارعُ شوقٍ ، ليس يجري بها دمٌ=وَ مرمى نفوسٍ لا يطيرُ بهِ نبلُ هنيئاً لها نفسي ، على أنَّ دونها=فوارسَ ، لا خرسُ الصفاحِ ، وَ لاَ عزلُ مِنَ الْقَوْمِ ضَرَّابِي الْعَرَاقِيبِ وَالطُّلَى=إِذَا اسْتَنَّتِ الْغَارَاتُ، أَوْ فَغَرَ الْمَحْلُ إِذَا نَامَتِ الأَضْغَانُ عَنْ وَتَرَاتِهَا=فَقَوْمِيَ قَوْمٌ لاَ يَنَامُ لَهُمْ ذَحْلُ رجالٌ أولو بأسٍ شديدٍ ونجدة ٍ=فَقَوْلُهُمُ قَوْلٌ، وَفِعْلُهُمُ فِعْلُ إِذَا غَضِبُوا رَدُّوا إِلَى الأُفْقِ شَمْسَهُ=وَ سالَ بدفاعِ القنا الحزنُ والسهلُ مساعيرُ حربٍ ، لا يخافونَ ذلة ً=ألا إنَّ تهيابَ الحروبِ هوَ الذلُّ إذا أطرقوا أبصرتَ ، بالقومِ خيفة َ=لإطراقهمْ ، أوْ بينوا ركدَ الحفلُ وَ إنْ زلتِ الأقدامُ في دركِ غاية ٍ=تَحَارُ بِهَا الأَلْبَابُ كَانَ لَهَا الْخَصْلُ أولئكَ قومي ، أيَّ قومٍ وعدة ٍ=فلا ربعهمْ محلٌ ، وَ لاَ ماؤهمْ ضحلُ يَفِيضُونَ بِالْمَعْرُوفِ فَيْضاً، فَلَيْسَ فِي=عطائهمُ وعدٌ ، وَ لاَ بعدهُ مطلُ فزرهمْ تجدْ معروفهمْ دانيَ الجنى=عَلَيْكَ، وَبابَ الْخَيْرِ لَيْسَ لَهُ قُفْلُ تَرَى كُلَّ مَشْبُوبِ الْحَمِيَّة ِ، لمْ يَسِرْ=إِلَى فِئَة ٍ إِلاَّ وَطَائِرُهُ يَعْلُو بَعِيدُ الْهَوَى ، لاَ يَغْلِبُ الظَّنُّ رَأْيَهُ=وَ لاَ يتهادى بينَ تسراعهِ المهلُ تصيحُ القنا مما يدقُّ صدورها=طِعَاناً، وَيَشْكُو فِعْلَ سَاعِدِهِ النَّصْلُ إِذَا صَالَ رَوَّى السَّيْفُ حَرَّ غَلِيلِهِ=وَإِنْ قَالَ أَورَى زَنْدَهُ الْمَنْطِقُ الْفَصْلُ لهُ بينَ مجرى القولِ آياتُ حكمة ٍ=يَدُورُ عَلَى آدَابِهَا الْجِدُّ وَالْهَزْلُ تلوحُ عليهِ منْ أبيهِ وجدهِ=مَخَايِلُ سَاوَى بَيْنَهَا الْفَرْعُ وَالأَصْلُ فَأَشْيَبُنَا فِي مُلْتَقَى الْخَيْلِ أَمْرَدٌ=وَ أمردنا في كلَّ معضلة ٍ كهلُ لَنَا الْفَصْلُ فِيمَا قَدْ مَضَى ، وَهْوَ قَائِمٌ=لَدَيْنَا، وَفِيمَا بَعْدَ ذَاكَ لَنَا الْفَضْلُ . |
رد: ديوان / محمود سامي البارودي
.
. مَضَى اللَّهْوُ، إِلاَّ أَنْ يُخَبَّرَ سَائِلُ=وَوَلَّى الصِّبَا إِلاَّ بَوَاقٍ قَلاَئِلُ بواقٍ تماريها أفانينُ لوعة ٍ=يورثها فكرٌ على النأي شاغلُ فللشوقِ منى عبرة ٌ مهراقة ٌ=وَخَبْلٌ إِذَا نَامَ الْخَلِيُّونَ خَابِلُ أَلِفْتُ الضَّنَى إِلْفَ السُّهَادِ، فَلَوْ سَرَى=بِيَ الْبُرْءُ غَالَتْنِي لِذَاكَ الْغَوَائِلُ فللهِ هذا الشوقُ ! أيَّ جراحة ٍ=أسالَ بنا ؟ حتى كأنا نقاتلُ رضينا بحكمِ الحبَّ فينا ، وَ إننا=للدٌّ إذا التفتْ علينا الجحافلُ وَإِنّا رِجَالٌ تَعْلَمُ الْحَرْبُ أَنَّنَا=بنوها ، وَ يدري المجدُ ماذا نحاولُ إذا ما ابتنى الناسُ الحصونَ ، فمالنا=سِوَى الْبِيضِ وَالسُّمْرِ اللِّدَانِ مَعَاقِلُ فما للهوى يقوى عليَّ بحكمهِ ؟=أَلَمْ يَدْرِ أَنِّي الشَّمَّرِيُّ الْحُلاَحِلُ؟ وَ إني لثبتُ الجأشِ ، مستحصدُ القوى=إذا أخذتْ أيدي الكماة ِ الأفاكلُ إِذَا مَا اعْتَقَلْتُ الرُّمْحُ وَالرُّمْحُ صاحِبِي=عَلَى الشَّرِّ قَالَ الْقِرْنُ: إِنِّي هَازِلُ لَطَاعَنْتُ حَتَّى لَمْ أَجِدْ مِنْ مُطَاعِنٍ=وَنَازَلْتُ حَتَّى لَمْ أَجِدْ مَنْ يُنَازِلُ وَشَاغَبْتُ هَذَا الدَّهْرَ مِنِّي بِعَزْمَة ٍ=أَرَتْنِي سَبِيلَ الرُّشْدِ وَالْغَيُّ حَائِلُ إذا أنتَ أعطتكَ المقاديرُ حكمها=فأضيعُ شيءٍ ما تقولُ العواذلُ وَمَا الْمَرْءُ إِلاَّ أَنْ يَعِيشَ مُحَسَّداً=تَنَازَعُ فِيهِ النَّاجِذَيْنِ اْلأَنَامِلُ لَعَمْرُكَ مَا الأَخْلاَقُ إِلاَّ مَوَاهِبٌ=مقسمة ٌ بينَ الورى ، وفواضلُ وَ ما الناسُ إلاَّ كادحانِ : فعالمٌ=يسيرُ على قصدٍ ، وَ آخرُ جاهلُ فذو العلمِ مأخوذٌ بأسبابِ علمهِ=وَذُو الْجَهْلِ مَقْطُوعُ الْقَرِينَة ِ جَافِلُ فلا تطلبنْ في الناس مثقالَ ذرة ٍ=مِنَ الْوُدِّ؛ أُمُّ الْوُدِّ فِي النَّاسِ هابِلُ منَ العارِ أن يرضى الفتى غيرَ طبعهِ=وَأَنْ يَصْحَبَ الإِنْسَانُ مَنْ لاَ يُشَاكِلُ بَلَوْتُ ضُرُوبَ النَّاسِ طُرّاً، فَلمْ يَكُنْ=سوى " المرصفى َّ " الحبرِ في الناس كاملُ همامٌ أراني الدهرَ في طيَّ برده=وَفَقَّهَنِي حَتَّى اتَّقَتْنِي الأَمَاثِلُ أخٌ حينَ لا يبقى أخٌ ، ومجاملٌ=إذا قلَّ عندَ النائباتِ المجاملُ بعيدُ مجالِ الفكرِ ، لوْ خالَ خيلة ً=أَرَاكَ بِظْهَرِ الْغَيْبِ مَا الدَّهْرُ فَاعِلُ طَرَحْتُ بَنِي الأَيَّامِ لَمَّا عَرَفْتُهُ=وَ ما الناسُ عندَ البحثِ إلاَّ مخايلُ فلوْ سامني ما يوردُ النفسَ حتفها=لأَوْرَدْتُهَا؛ وَالْحُبُّ لِلنَّفْسِ قَاتِلُ فَلاَ بَرِحَتْ منِّي إِلَيْهِ تَحِيَّة ٌ=تناقلها عني الضحى والأصائلُ وَ لا زالَ غض العمرِ ، ممتنعَ الذرا=مَرِيعَ الْفِنَا، تُطْوَى إِلَيْهِ الْمَرَاحِلُ |
رد: ديوان / محمود سامي البارودي
.
عَصَيْتُ نَذِيرَ الْحِلْمِ فِي طَاعَة ِ الْجَهْلِ=وَأَغْضَبْتُ فِي مَرْضَاة ِ حُبِّ الْمَهَا عَقْلِي وَنَازَعْتُ أَرْسَانَ الْبَطَالَة َ وَالصِّبَا=إِلَى غَايَة ٍ لَمْ يَأْتِهَا أَحَدٌ قَبْلِي فخذْ في حديثٍ غيرِ لومي ، فإنني=بجبَّ الغواني عنْ ملامكَ في شغلِ إذا كانَ سمعُ المرءِ عرضة َ ألسنٍ=فما هوَ إلاَّ للخديعة ِ وَ الختلِ رُوَيْدَكَ، لاَ تَعْجَلْ بِلَوْمٍ عَلَى امْرِىء ٍ=أَصَابَ هَوَى نَفْسٍ؛ فَفِي الدَّهْرِ مَا يُسْلِي فليستْ بعارٍ صبوة ُ المرءِ ذي الحجا=إذا سلمتْ أخلاقهُ من أذى الخبلِ وَإِنِّي وَإِنْ كُنْتُ ابْنَ كَأْسٍ وَلَذَّة ٍ=لَذُو تُدْرَإٍ يَوْمَ الْكَرِيهَة ِ وَاْلأَزْلِ وَقُورٌ، وَأَحْلاَمُ الرِّجَالِ خَفِيفَة ٌ=صبورٌ ، وَ نارُ الحربِ مرجلها يغلي إِذَا رَاعَتِ الظَّلْمَاءُ غَيْرِي، فَإِنَّمَا=هلالُ الدجى قوسي ، وأنجمهُ نبلي أنا ابنُ الوغى ، والخيلِ ، والليلِ ، والظبا=وَسُمْرِ الْقَنَا، وَالرَّأْيِ، وَالْعَقْدِ، والْحَلِّ فَقُلْ لِلَّذِي ظَنَّ الْمَعَالي قَريبَة ً=رويداً ؛ فليسَ الجدُّ يدركُ بالهزلِ فَمَا تَصْدُقُ الآمَالُ إِلاَّ لِفَاتِكٍ=إذا همَّ لمْ تعطفهُ قارعة ُ العذلِ لَهُ بِالْفَلا شُغْلٌ عَنِ الْمُدْنِ وَالْقُرَى=و في رائداتِ الخيلِ شغلٌ عنِ الأهلِ إذا ارتابَ أمراً ألهبتهُ حفيظة ٌ=تميتُ الرضا بالسخطِ ، والحلمَ بالجهلِ فَلاَ تَعْتَرِفْ بِالذُّلِّ خَوْفَ مَنِيَّة ٍ=فَإِنَّ احْتِمَالَ الذُّلِّ شَرٌّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تَلْتَمِسْ نَيْلَ الْمُنَى مِنْ خَلِيقَة ٍ=فَتَجْنِي ثِمَارَ الْيَأْسِ مِنْ شَجَرِ الْبُخْلِ فما الناسُ إلاَّ حاسدٌ ذو مكيدة ٍ=وَ آخرُ محنيُّ الضلوعِ على دخلِ تِبَاعُ هَوًى ، يَمْشُونَ فِيهِ كَمَا مَشَى=و سماعُ لغوٍ ، يكتبونَ كما يملى وَمَا أَنَا وَالأَيَّامُ شَتَّى صُرُوفُهَا=بِمُهْتَضِمٍ جَارِي، وَلاَ خَاذِلٍ خِلِّي أَسِيرُ عَلى نَهْجِ الْوَفَاءِ سَجِيَّة ً=و كلُّ امرئً في الناسِ يجري على الأصلِ تَرَكْتُ ضَغِينَاتِ النُّفُوسِ لأَهْلِهَا=وَأَكْبَرْتُ نَفْسِي أَنْ أَبِيتَ عَلَى ذَحْلِ كذلكَ دأبي منذُ أبصرتُ حجتي=وليداً ؛ وَ حبُّ الخيرِ منْ سمة ِ النبلِ وَ ربَّ صديقٍ كشفَ الخبرُ نفسهُ=فعاينتُ منهُ الجورَ في صورة ِ العدلِ وَهَبْتُ لَهُ مَا قَدْ جَنَى مِنْ إسَاءَة ٍ=وَلَوْ شِئْتُ، كَانَ السَّيْفُ أَدْنَى إِلَى الْفَصْلِ وَ مستخبرٍ عني ، وما كانَ جاهلاً=بشأني ، وَ لكنْ عادة ُ البغضِ للفضلِ أَتَى سَادِراً، حَتَّى إِذا قَرَّ أَوَجَسَتْ=سويداؤهُ شراً ؛ فأغضى على ذلَّ وَمَنْ حَدَّثَتْهُ النَّفْسُ بِالْغَيِّ بَعْدَ مَا=تَنَاهَى إِلَيْهِ الرُّشْدُ سَارَ عَلى بُطْلِ وَإِنِّي لأَسْتَحْيِي مِنَ الْمَجْدِ أَنْ أُرَى=صَرِيعَ مَرَامٍ لا يَفُوزُ بِهَا خَصْلِي أقولُ وأتلو القولَ بالفعلِ كلما=أَرَدْتُ؛ وَبِئْسَ الْقَوْلُ كَانَ بِلا فِعْلِ أَرَى السَّهْلَ مَقْرُوناً بِصَعْبٍ، وَلا أَرَى=بغيرِ اقتحامِ الصعبِ مدركَ السهلِ و يومٍ كأنَّ النقعَ فيهِ غمامة ٌ=لها أثرٌ منْ سائلِ الطعنِ كالوبلِ تَقَحَّمْتُهُ فَرْداً سِوَى النَّصْلِ وَحْدَهُ=وَحَسْبُ الْفَتَى أَنْ يَطْلُبَ النَّصْرَ بِالنَّصْلِ لَوَيْتُ بِهِ كَفِّي، وَأَطْلَقْتُ سَاعِدِي=وَقُلْتُ لِدَهْرِي: وَيْكَ! فَامْضِ عَلى رِسْلِ فما يبعثُ الغاراتِ إلاَّ مهندى=وَ لا يركبُ الأخطارَ إلاَّ فتى ً مثلي |
رد: ديوان / محمود سامي البارودي
.
ردوا عليَّ الصبا منْ عصريَ الخالي=وَهَلْ يَعُودُ سَوَادُ اللِّمَة ِ الْبَالِي؟ ماضٍ منَ العيش ، ما لاحتْ مخايلهُ=في صفحة ِ الفكرْ إلاَّ هاجَ بلبالي ؟ سلتْ قلوبٌ ؛ فقرتْ في مضاجعها=بَعْدَ الْحَنِينِ، وَقَلْبِي لَيْسَ بِالسَّالِي لمْ يدرِ منْ باتَ مسروراً بلذتهِ=أني بنارِ الأسى منْ هجرهِ صالي يا غاضبينَ علينا ! هلْ إلى عدة ٍ=بالوصلِ يومٌ أناغي فيهِ إقبالي غِبْتُمْ؛ فَأَظْلَمَ يَوْمِي بَعْدَ فُرْقَتِكُمْ=وَ ساءَ صنعُ الليالي بعدَ إجمالِ قَدْ كُنْتُ أَحْسِبُني مِنْكُمْ عَلى ثِقَة ٍ=حتى منيتُ بما لمْ يجرِ في بالي لَمْ أَجْنِ فِي الْحُبِّ ذَنْباً أَسْتَحِقُّ بِهِ=عتباً ، ولكنها تحريفُ أقوالِ وَ منْ أطاعَ رواة َ السوءِ - نفرهُ=عَنِ الصَّدِيقِ سَمَاعُ الْقِيلِ وَالْقَالِ أدهى المصائبِ غدرٌ قبلهُ ثقة ٌ=وَأَقْبَحُ الظُّلْمِ صَدٌّ بَعْدَ إِقْبَالِ لا عيبَ فيَّ سوى حرية ٍ ملكتْ=أعتني عنْ قبولِ الذلَّ بالمالِ تبعتُ خطة َ آبائي ؛ فسرتُ بها=عَلى وَتِيرَة ِ آدَابٍ وَآسَالِ فَمَا يَمُرُّ خَيَالُ الْغَدْرِ فِي خَلَدِي=وَلاَ تَلُوحُ سِمَاتُ الشَّرِّ فِي خَالِي قلبي سليمٌ ، ونفسي حرة ٌ وَ يدي=مأمونة ٌ ، وَ لساني غيرُ ختالِ لَكِنَّني فِي زَمَانٍ عِشْتُ مُغْتَرِباً=في أهلهِ حينَ قلتْ فيهِ أمثالي بَلَوْتُ دَهْرِي؛ فَمَا أَحْمَدْتُ سِيرتَهُ=في سابقٍ من لياليهِ ، وَ لاَ تالي حَلَبْتُ شَطْرَيْهِ: مِنْ يُسْرٍ، وَمَعْسُرَة ٍ=وَذُقْتُ طَعْمَيْهِ: مِنْ خِصْبٍ، وَإِمْحَالِ فَمَا أَسِفْتُ لِبُؤْسٍ بَعْدَ مَقْدُرَة ٍ=وَ لاَ فرحتُ بوفرٍ بعدَ إقلالِ عَفَافَة ٌ نَزَّهَتْ نَفْسِي؛ فَمَا عَلِقَتْ=بلوثة ٍ منْ غبارِ الذمَّ أذيالي فاليومَ لا رسني طوعُ القيادِ ، ولاَ=قَلْبِي إِلَى زَهْرَة ِ الدُّنْيَا بِمَيَّالِ لَمْ يَبْقَ لِي أَرَبٌ فِي الدَّهْرِ أَطْلُبُهُ=إلاَّ صحابة ُ حرًّ صادقِ الخالِ وَأَيْنَ أُدْرِكُ مَا أَبْغِيهِ مِنْ وَطَرٍ=وَ الصدقُ في الدهرِ أعيا كلَّ محتالِ ؟ لا في " سرنديبَ " لي إلفٌ أجاذبهُ=فضلَ الحديثِ ، وَ لاَ خلٌّ ؛ فيرعى لي أبيتُ منفرداً في رأس شاهقة ٍ=مثلَ القطاميَّ فوقَ المربإِ العالي إذا تلفتُّ لمْ أبصرْ سوى صورٍ=فِي الذِّهْنِ، يَرْسُمُها نَقَّاشُ آمالِي تهفو بيَ الريحُ أحياناً ، ويلحفني=بردُ الطلالِ ببردٍ منهُ أسمالِ فَفِي السَّمَاءِ غُيُومٌ ذَاتُ أَرْوِقَة ٍ=وَ في الفضاءِ سيولٌ ذاتُ أوْ شالِ كَأَنَّ قَوْسَ الْغَمَامِ الْغُرِّ قَنْطَرَة ٌ=معقودة ٌ فوقَ طامي الماءِ سيالِ إذا الشعاعُ تراءى خلفها نشرتْ=بَدَائِعاً ذَاتَ أَلْوَانٍ وَأَشْكَالِ فَلَوْ تَرَانِي وَبُرْدِي بِالنَّدَى لَثِقٌ=لخلتني فرخَ طيرٍ بينَ أدغالِ غَالَ الرَّدَى أَبَوَيْهِ؛ فَهْوَ مُنْقَطِعٌ=فِي جَوْفِ غَيْنَاءَ، لاَ رَاعٍ، وَلاَ وَالِي أزيغبَ الرأس ، لمْ يبدُ الشكيرُ بهِ=وَ لمْ يصنْ نفسهُ منْ كيدِ مغتالِ كَأَنَّهُ كُرَة ٌ مَلْسَاءُ مِنْ أَدَمٍ=خَفِيَّة ُ الدَّرْزِ، قَدْ عُلَّتْ بِجِرْيالِ يظلُّ في نصبٍ ، حرانَ ، مرتقباً=نَقْعَ الصَّدَى بَيْنَ أَسْحَارٍ وآصَالِ يكادُ صوتُ البزاة ِ القمرِ يقذفه=مِنْ وَكْرِهِ بَيْنَ هَابِي التُّرْبِ جَوَّالِ لا يستطيعُ انطلاقاً منْ غيابتهِ=كأنما هوَ معقولٌ بعقالِ فذاكَ مثلي ، وَ لمْ أظلمْ ، وربتما=فضلتهُ بجوى حزنٍ ، وإعوالِ شَوْقٌ، وَنَأْيٌ، وَتَبْرِيحٌ، وَمَعْتَبَة ٌ=يا للحمية ِ منْ غذري وإهمالي أصبحتُ لا أستطيعُ الثوبَ أسحبهُ=وَقَدْ أَكُونُ وَضَافِي الدِرْعِ سِرْبَالِي وَ لاَ تكادُ يدي شبا قلمي=وَكَانَ طَوْعَ بَنَانِي كُلُّ عَسَّالِ فَإِنْ يَكُنْ جَفَّ عُودِي بَعْدَ نَضْرَتِهِ=فَالدَّهْرُ مَصْدَرُ إِدْبَارٍ وَإِقْبَالِ وَإِنْ غَدَوْتُ كَرِيمَ الْعَمِّ وَالْخَالِ=بصدقِ ما كانَ منْ وسمي وَ إغفالي راجعتُ قهرسَ آثاري ، فما لمحتْ=بصيرتي فيهِ ما يزري بأعمالي فَكَيْفَ يُنْكِرُ قَوْمِي فَضْلَ بَادِرَتِي=وَقَدْ سَرَتْ حِكَمي فِيهِمْ، وَأَمْثَالِي؟ أنا ابن قولي ؛ وحسبي في الفخارِ بهِ=وَ إنْ غدوتُ كريمَ العممَّ وَ الخالِ وَلِي مِنَ الشِّعْرِ آيَاتٌ مُفَصَّلَة ٌ=تلوحُ في وجنة ِ الأيامِ كالخالِ ينسى لها الفاقدُ المحزونُ لوعتهُ=و يهتدى بسناها كلُّ قوالِ فانظرْ لقولي تجدْ نفسي مصورة ً=فِي صَفْحَتَيْهِ؛ فَقَوْلِي خَطُّ تِمْثَالِي وَ لاَ تغرنكَ في الدنيا مشاكلة ٌ=بينَ الأنامِ ؛ فليسَ النبعُ كالضالِ إِنَّ ابْنَ آدَمَ لَوْلاَ عَقْلُهُ شَبَحٌ=مُرَكَّبٌ مِنْ عِظَامٍ ذَاتِ أَوْصَالِ |
رد: ديوان / محمود سامي البارودي
.
سَمَا الْمُلْكُ مُخْتَالاً بِمَا أَنْتَ فَاعِلٌ=و عادتْ بكَ الأيامُ وهيَ أصائلُ ربأتَ منَ العلياءِ قنة َ سوددٍ=يُقَصِّرُ عَنْهَا صَاغِراً مَنْ يُطَاوِلُ وَ أدركتَ في عصرِ الشبيبة ِ غاية ً=منَ الفضلِ لمْ يبلإْ مداها الأفاضلُ فَخَيْرُكَ مَأَمُولٌ، وَفَضْلُكَ وَاسِعٌ=وَظِلُّكَ مَمْدُودٌ، وعَدْلُكَ شَامِلُ مساعٍ جلاها الرأيُ ؛ فهي كواكبٌ=لها بينَ أفلاكِ القلوبِ منازلُ يقصرُ قابُ الفكرِ عنها ، وَ ينتهى=أخو الجدَّ عنْ إدراكها وَ هوَ ذاهلُ وَكَيْفَ يَنَالُ الْفَهْمُ مِنْهَا نَصِيبَهُ=وَأَقْرَبُهَا لِلنَّيِّرَاتِ حَبَائِلُ؟ إليكَ تناهى المجدُ ، حتى لوانهُ=أرادَ مزيداً لمْ يجدْ ما يحاولُ فَمُرْ بِالَّذِي تَهْوَاهُ؛ فَالسَّعْدُ قَائِمٌ=بما تشتهي ، واللهُ بالنصرِ كافلُ فَقَدْ تَصْدُقُ الآمَالُ وَالْحَزْمُ رائِدٌ=وَ تقتربُ الغاياتُ وَ النجدُّ عاملُ وَأَيُّ صَنِيعٍ بَعْدَ فَضْلِكَ يُرْتَجَى=وَأَنْتَ مَلِيكٌ فِي الْبَرِيَّة ِ عَادِلُ؟ يَعُمُّ الرِّضَا مَا قَامَ بِالْحَقِّ صَادِعٌ=وَتَبْقَى الْعُلاَ مَا دَامَ لِلسَّيْفِ حَامِلُ فيا طالباً مسعاتهُ ؛ لينالها=رويدكَ ؛ إنَّ الحرصَ للنفسِ خاذلُ فَمَا كُلُّ مَنْ رَاضَ الْبَدِيهَة َ عَاقِلٌ=وَلاَ كُلُّ مَنْ خَاضَ الْكَرِيهَة َ بَاسِلُ وَ لولا اختلافُ الناسِ في درجاتهمْ=لعادلَ " قسا " في الفصاحة ِ " باقلُ " هُوَ الْمَلِكُ الْمَكْفُولُ بِالنَّصْرِ جُنْدُهُ=إِذَا احْمَرَّ بَأْسٌ، أَوْ تَنَمَّرَ بَاطِلُ لهُ بدهاتٌ لا تغبُّ ، وعزمة ٌ=مؤيدة ٌ ، تعنو إليها الجحافلُ فآرأوهُ في المشكلاتِ كواكبٌ=وَهِمَّاتُهُ فِي الْمُعْضِلاَتِ مَنَاصِلُ تَدُلُّ مَسَاعِيهِ عَلَى فَضْلِ نَفْسِهِ=و للشمسِ منْ نورٍ عليها دلائلُ فَيَا مَلِكاً عَمَّتْ أَيَادِيهِ، وَالْتَقَتْ=بِهِ فِرَقُ الآمَالِ وَهْيَ جَوَافِلُ بكَ اخضرتِ الآمالُ بعدَ ذبولها=وَ حقتْ وعودُ الظنَّ وَ هيَ مخايلُ بسطتَ يدً بالخيرِ فينا كريمة ً=هيَ الغيثُ ، أوْ في الغيثِ منها شمائلُ وَ أيقظتَ ألبابَ الرجالِ ؛ فسارعوا=إلى الجدَّ ؛ حتى ليسَ في الناسِ خاملُ وَ ما " مصرُ " إلاّ جنة ٌ ، بكَ أصبحتْ=مُنَوِّرَة ً أَفْنَانُهَا وَالْخَمَائِلُ طلعتَ عليها طلعة َ البدرِ ، أشرقتْ=بلألائهِ الآفاقُ وَ الليلُ لائلُ وَأَجْرَيْتَ مَاءَ الْعَدْلِ فِيهَا؛ فَأَصْبَحَتْ=وَسَاحَاتُهَا لِلْوَارِدِينَ مَنَاهِلُ وَ لمْ يأتِ منْ أوطانهِ " النيلُ " سائحاً=إِلَى «مِصْرَ» إِلاَّ وَهْوَ حَرَّانُ سَائِلُ فَيَأَيُّهَا الصَّادِي إِلَى الْعَدْلَ وَالنَّدَى=هلمَّ ؛ فذا بحرٌ لهُ البحرُ ساحلُ مليكٌ أقرَّ الأمنَ وَ الخوفُ شاملٌ=و أحيا رميمَ العدلِ وَ الجورُ قاتلُ فَسَلْهُ الرِّضَا، وَانْزِلْ بِسَاحَة ِ مُلْكِهِ=فثمَّ الأماني ، والعلا ، والفواضلُ رَعَى اللَّهُ يَوْماً قَرَّبَتْنِي سُعُودُهُ=إلى سدة ٍ تأوى إليها الأماثلُ لثمتُ بها كفا ، هيَ البحرُ في الندى=تَفِيضُ سَمَاحاً، وَالْبَنَانُ جَدَاوِلُ نَطَقْتُ بِفَضْلٍ مِنْكَ، لَوْلاَهُ لَمْ يَدُرْ=لِسَانِي، وَلَمْ يَحْفِلْ بِقَوْلِيَ فَاضِلُ وَ لا أدعي أني بلغتُ بمدحتي=عُلاَكَ؛ وَلَكِنْ جُهْدُ مَا أَنَا قَائِلُ وَ كيفَ أوفى منطقَ الشكرِ حقهُ=وَدُونَ ثَنَائِي مِنْ عُلاَكَ مَرَاحِلُ؟ وَ حسبيَ عذراً أنكَ الشمسُ رفعة ً=وَكَيْفَ يَنَالُ الْكَوْكَبَ الْمُتَنَاوِلُ؟ لِتَهْنَ بِكَ الدُّنْيَا؛ فَأَنْتَ جَمَالُهَا=فلولاكَ أمسى جيدها وَ هوَ عاطلُ وَ دمْ للعلا ما ذرَّ بالأفقِ شارقٌ=وَمَا حَنَّ مِنْ شَوْقٍ عَلَى الأَيْكِ هادِلُ وَ لاَ زالتِ الأيامُ تتلو مدائحي=عليكَ ، ويمليها الضحى وَ الأصائلُ |
رد: ديوان / محمود سامي البارودي
.
أَلاَ، حيِّ مِنْ «أَسْمَاءَ» رَسْمَ الْمَنَازِلِ=وَإِنْ هِيَ لَمْ تَرْجِعْ بَيَاناً لِسَائِلِ خلاءٌ تعفتها الروامسُ ، والتقتْ=عَلَيْهَا أَهَاضِيبُ الْغُيُومِ الْحَوَافِلِ فلأياً عرفتُ الدارَ بعدَ ترسمٍ=أراني بها ما كانَ بالأمس شاغلي غدتْ وَ هيَ مرعى ً للظباءِ ، وَ طالما=غَنَتْ وَهْيَ مَأْوًى لِلْحِسَانِ الْعَقَائِلِ فَلِلْعَيْنِ مِنْهَا بَعْدَ تَزْيَالِ أَهْلِهَا=مَعَارِفُ أَطْلالٍ، كَوَحْيِ الرَّسَائِلِ فَأَسْبَلَتِ الْعَيْنَانِ فِيهَا بِوَاكِفٍ=منَ الدمعِ ، يجري بعدَ سحًّ بوابلِ دِيارُ الَّتِي هَاجَتْ عَلَيَّ صَبَابَتِي=وأَغْرَتْ بِقَلْبِي لاَعِجَاتُ الْبَلابِلِ منَ الهيفِ ، مقلاقُ الوشاحينِ ، غادة ٌ=سَلِيمَة ُ مَجْرَى الدَّمْعِ، رَيَّا الْخَلاَخِلِ إذا ما دنتْ فوقَ الفراشِ لوسنة ٍ=جفا خصرها عنْ ردفها المتخاذلِ تَعَلَّقْتُهَا فِي الْحَيِّ إِذْ هِيَ طِفْلَة ٌ=وَإِذْ أَنَا مَجْلُوبٌ إِلَيَّ وَسَائِلِي فَلَمَّا اسْتَقَرَّ الْحُبُّ فِي الْقَلْبِ وَانْجَلَتْ=غيابتهُ - هاجتْ عليَّ عواذلي فَيَا لَيْتَ أَنَّ الْعَهْدَ بَاقٍ، وأَنَّنَا=دوارجُ في غفلٍ منَ العيش خاملِ تَمُرُّ بِنَا رُعْيَانُ كُلِّ قَبِيلَة ٍ=فَمَا يَمْنَحُونَا غَيْرَ نَظْرَة ِ غَافِلِ صَغِيرَيْنِ لَمْ يَذْهَبْ بِنَا الظَّنُّ مَذْهَباً=بَعِيداً، ولَمْ يُسْمَعْ لَنَا بِطَوَائِلِ نَسِيرُ إِذَا مَا الْقَوْمُ سَارُوا غَدِيَّة ً=إلى كلَّ بهمٍ راتعاتٍ وَ جاملِ وَإِنْ نَحْنُ عُدْنَا بِالْعَشِيِّ أَضَافَنَا=إليهِ سديلٌ منْ نقاً متقابلِ فويلٌ لهذا الدهرِ ، ماذا أرادهُ=إلينا ، وقد كنا كرامَ المحاصلِ ؟ عَلَى عِفَّة ٍ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهَا=مبرأة ٌ منْ كلَّ غيًّ وَ باطلِ وَ لكنها الأيامُ لمْ تأتِ صالحاً=مِنَ الأَمْرِ إِلاَّ أَعْقَبَتْ بِالتَّنَازُلِ إِذَا مَا تَذَكَّرْتُ الزَّمَانَ الَّذِي مَضَى=تَسَاقَطُ نَفْسِي إِثْرَ تِلْكَ الْقَبَائِلِ قبائلُ أفنتها الحروبُ ، ولمْ تكنْ=لِتَفْنَى كِرَامُ النَّاسِ مَا لَمْ تُقَاتِلِ قَضَتْ بَعدَهُمْ نَفْسِي عَزَاءً، وأَصْحَبَتْ=عَشَوْزَنَتِي، وَانْقَادَ لِلذُّلِّ كَاهِلِي وَأَصْبَحْتُ مَغْلُولَ الْيَدَيْنِ عَنِ الَّتِي=أحاولها ، وَ الدهرُ جمُّ الغوائلِ صَرِيعُ لُبَاناتٍ تَقَسَّمْنَ نَفْسَهُ=وَغَادَرْنَهُ نَهْبَ الأَكُفِّ الْخَوَاتِلِ كأنيَ لمْ أعقدْ معَ الفجرِ راية ً=وَ لمْ أدرعَ باسمي للكميَّ المنازلِ وَلَمْ أَبْعَثِ الْخَيْلَ الْمُغِيرَة َ فِي الضُّحَا=بكلَّ ركوبٍ للكريهة ِ باسلِ نَزَائِعُ يَعْلُكْنَ الشَّكِيمَ عَلَى الْوَجَى=إذا عريتْ أمثالها في المنازلِ مِنَ الْقَوْمِ، بَادٍ مَجْدُهُمْ فِي شَمَالِهِمْ=وَ لاَ مجدَ إلاَّ داخلٌ في الشمائلِ إذا ما دعوتَ المرءَ منهمْ لدعوة ٍ=على عجلٍ - لباكَ غيرَ مسائلِ يكفكفُ أولى الخيلِ منهُ بطعنة ٍ=تمجُّ دماً ، مطعونها غيرُ وائلِ يكونُ عشاءَ الزادِ آخرَ آكلٍ=وَ يومَ اختلاجِ الطعنِ أولَ حاملِ قضوا ما قضوا منْ دهرهمْ ، ثمَّ فوزوا=إِلَى دَارِ خُلْدٍ ظِلُّهَا غَيْرُ زَائِلِ |
رد: ديوان / محمود سامي البارودي
.
ردَّ الصبا بعدَ شيبِ اللمة ِ الغزلُ=وَراحَ بِالْجِدِّ مَا يَأْتِي بِهِ الْهَزَلُ وَعَادَ مَا كَانَ مِنْ صَبْرٍ إِلَى جَزَعٍ=بَعْدَ الإِباءِ؛ وَأَيَّامُ الْفَتَى دُوَلُ فَلْيَصْرِفِ اللَّوْمَ عَنِّي مَنْ بَرِمْتُ بِهِ=فليسَ للقلبِ في غيرِ الهوى شغلُ وَ كيفَ أملكُ نفسي بعدَ ما ذهبتْ=يومَ الفراقِ شعاعاً إثرَ منْ رحلوا ؟ تَقَسَّمَتْنِي النَّوَى مِنْ بَعْدِهِمْ، وَعَدَتْ=عنهمْ عوادٍ ؛ فلا كتبٌ ، وَ لاَ رسلُ فالصبرُ منخذلٌ ، وَ الدمعُ منهملٌ=وَالْعَقْلُ مُخْتَبِلٌ، وَالْقَلْبُ مُشْتَغِلُ أرتاحُ إنْ مرَّ منْ تلقائهمْ نسمٌ=تَسْرِي بِهِ فِي أَرِيجِ الْعَنْبَرِ الأُصُلُ ساروا ، فما اتخذتْ عيني بهمْ بدلاً=إِلاَّ الْخَيَالَ، وَحَسْبِي ذَلِكَ الْبَدَلُ فَخَلِّ عَنْكَ مَلامِي يَا عَذُولُ، فَقَدْ=سرتْ فؤادي - على ضعفٍ بهِ - العللُ لاَ تَحْسَبَنَّ الْهَوَى سَهْلاً؛ فَأَيْسَرُهُ=خَطْبٌ لَعَمْرُكَ لَوْ مَيَّزْتَهُ جَلَلُ يَسْتَنْزِلُ الْمَلْكَ مِنْ أَعْلَى مَنَابِرِهِ=وَيَسْتَوِي عِنْدَهُ الرِّعْدِيدُ وَالْبَطَلُ فكيفَ أدرأُ عنْ نفسي وَ قدْ علمتْ=أَنْ لَيْسَ لِي بِمُنَاوَاة ِ الْهَوَى قِبَلُ؟ فَلَوْ قَدَرْتُ عَلَى شَيْءٍ هَمَمْتُ بِهِ=فِي الْحُبِّ، لَكِنْ قَضَاءٌ خَطَّهُ الأَزَلُ وَ للمحبة ِ قبلي سنة ٌ سلفتْ=فِي الذَّاهِبِينَ؛ وَلِي فِيمَنْ مَضَى مَثَلُ فإنْ تكنْ نازعتني النفسُ باطلها=وَأَطْلَعَتْنِي عَلَى أَسْرَارِهَا الْكِلَلُ فَقَدْ أَسِيرُ أَمَامَ الْقَوْمِ ضَاحِيَة ً=وَالْجَوُّ بِالْبَاتِرَاتِ الْبِيضِ مُشْتَعِلُ بِكُلِّ أَشْقَرَ قَدْ زَانَتْ قَوَائِمَهُ=حُجُولُهُ غَيْرَ يُمْنَى زَانَها الْعَطَلُ كَأَنَّهُ خَاضَ نَهْرَ الصُّبْحِ، فَانْتَبَذَتْ=يمناهُ وَ انبثَّ في أعطافهِ الطفلُ زُرْقٌ حَوَافِرُهُ، سُودٌ نَوَاظِرُهُ=خُضْرٌ جَحَافِلُهُ، فِي خَلْقِهِ مَيَلُ كأنَّ في حلقهِ ناقوس راهبة ٍ=باتتْ تحركهُ ، أوْ راعدٌ زجلُ يَمُرُّ بِالْوَحْشِ صَرْعَى فِي مَكَامِنِهَا=فما تبينُ لهُ شدا ؛ فتنخذلُ يرى الإشارة في وحى ؛ فيفهمها=وَ يسمعُ الزجرَ منْ بعدٍ ؛ فيمتثلُ لاَ يملكُ النظرة َ العجلاءَ صاحبها=حتى تمرَّ بعطفيهِ فتحتبلُ إنْ مرَّ بالقومِ حلوا عقدَ حبوتهمْ=وَ استشرفتْ نحوهُ الألبابُ وَ المقلُ تَقُودُهُ بِنْتُ خَمْسٍ؛ فَهْوَ يَتْبَعُهَا=وَ يستشيطُ إذا ها هي بهِ الرجلُ أُمْضِي بِهِ الْهَوْلَ مِقْدَاماً، وَيَصْحَبُنِي=ماضي الغرارِ إذا ما استفحلَ الوهلُ يَمُرُّ بِالْهَامِ مَرَّ الْبَرْقِ فِي عَجَلٍ=وَقْتَ الضِّرَابِ، وَلَمْ يَعْلَقْ بِهِ بَلَلُ تَرَى الرِّجَالَ وُقُوفاً بَعْدَ فَتْكَتِهِ=بِهِمْ، يُظَنُّونَ أَحْيَاءً وَقَدْ قُتِلُوا كأنهُ شعلة ٌ في الكفَّ قائمة ٌ=تهفو بها الريحُ أحياناً ، وتعتدلُ لولاَ الدماءُ التي يسقى بها نهلاً=لكادَ منْ شدة ِ اللألاءِ يشتعلُ يَفُلُّ مَا بَقِيَتْ فِي الْكَفِّ قَبْضَتُهُ=كُلَّ الْحَدِيدِ وَلَمْ يَثْأَرْ بِهِ فَلَلُ بَلْ رُبَّ سَارِيَة ٍ هَطْلاَءَ دَانِيَة ٍ=تَنْمُو السَّوَامُ بِهَا، وَالنَّبْتُ يَكْتَهِلُ كأنَّ آثارها في كلَّ ناحية ٍ=ريطٌ منشرة ٌ في الأرض ، أو حللُ يَمَّمْتُهَا بِرِفَاقٍ إِنْ دَعَوْتُ بِهِمْ=لبوا سراعا ، وَ إن أنزلْ بهمْ نزلوا قصداً إلى الصيدِ ، لا نبغي بهِ بدلاً=وَ كلُّ نفسٍ لها في شأنها عملُ حَتَّى إِذَا أَلْمَعَ الرُّوَّادُ مِنْ بَعَدٍ=وَ جاءَ فارطهمْ يعلو ويستفلُ تغازتِ الخيلُ ، حتى كدنَ منْ مرحٍ=يذهبنَ في الأرضِ لولاَ اللجمُ وَ الشكلُ فما مضتْ ساعة ٌ ، أوْ بعضُ ثانية ٍ=إِلاَّ وَلِلصَّيْدِ فِي سَاحَاتِنَا نُزُلُ فكانَ يوماً قضينا فيهِ لذتنا=كما اشتهينا ؛ فلا غشٌّ ، وَ لاَ دغلُ هذَا هُوَ الْعَيْشُ، لاَ لَغْوُ الْحَدِيثِ، وَلاَ=مَا يَسْتَغِيرُ بِهِ ذُو الإِفْكَة ِ النَّمِلُ إنَّ النميمة َ وَ الأفواهُ تضرمها=نَارٌ مُحَرِّقَة ٌ لَيْسَتْ لَهَا شُعَلُ فَاتْبَعْ هَوَاكَ، وَدَعْ مَا يُسْتَرَابُ بِهِ=فأكثرُ الناسِ - إنْ جربتهمْ - هملُ وَاحْذَرْ عَدُوَّكَ تَسْلَمْ مِنْ خَدِيعَتِهِ=إنَّ العداوة َ جرحٌ ليسَ يندملُ وَ عالجِ السرَّ بالكتمانِ تحمدهُ=فَرُبَّمَا كَانَ فِي إِفْشَائِهِ الزَّلَلُ وَلاَ تَكُنْ مُسْرِفاً غِرّاً، وَلاَ بَخِلاً=فبئستِ الخلة ُ : الإسرافُ ، وَ البخلُ وَ لا يهمنكَ بعضُ الأمرِ تسأمهُ=لا يَنْتَهِي الشُّغْلُ حَتَّى يَنْتَهِي الأَجَلُ وَاعْرِفْ مَوَاضِعَ مَا تَأْتِيهِ مِنْ عَمَلٍ=فَلَيْسَ فِي كُلِّ حِينٍ يَحْسُنُ الْعَمَلُ فالريثُ يحمدُ في بعض الأمورِ ، كما=في بعض حالاتهِ يستحسنُ العجلُ هَذَا هُوَ الأَدَبُ الْمَأْثُورُ، فَارْضَ بِهِ=علماً لنفسكَ ؛ فالأخلاقُ تنتقلُ منْ كلَّ بيتٍ إذا الإنشادُ سيرهُ=فليسَ يمنعهُ سهلٌ ، وَ لا جبلُ لمْ تبنَ قافية ٌ فيهِ على َ خللٍ=كلا ، وَ لمْ تختلفْ في رصفها الجملُ فلاَ سنادٌ ، ولا حشوٌ ، وَ لاَ قلقٌ=وَ لا سقوطٌ ، وَ لاَ سهوٌ ، وَ لا عللُ تغايرتْ فيهِ أسماعٌ وَ أفئدة ٌ=فَكُلُّ نَادٍ «عُكَاظٌ» حِينَ يُرْتَجَلُ لا تنكرُ الكاعبُ الحسناءُ منطقهُ=وَ لا يعادُ على قومٍ ، فيبتذلُ |
رد: ديوان / محمود سامي البارودي
.
عَمَّ الْحَيَا، وَاسْتَنَّتِ الْجَدَاوِلُ=وَفَاضَتِ الْغُدْرَانُ وَالْمَنَاهِلُ وَازَّيَّنَتْ بِنَوْرِهَا الْخَمَائِلُ=وَ غردتْ في أيكها البلابلُ وَ شملَ البقاعَ خيرٌ شاملُ=فصفحة ُ الأرضِ نباتٌ خائلُ وَجَبْهَة ُ الْجَوِّ غَمَامٌ حَافِلُ=وَ بينَ هذينِ نسيمٌ جائلُ تندى بهِ الأسحارُ وَ الأصائلُ=كأنما النباتُ بحرٌ هائلُ وَلَيْسَ إِلاَّ الأَكَمَاتِ سَاحِلُ=و شامخُ الدوحِ سفينٌ جافلُ مُعْتَدِلٌ طَوْراً، وَطَوْراً مَائِلُ=تهفو بهِ الجنوبُ والشمائلُ وَالْبَاسِقَاتُ الشُّمَّخُ الْحَوَامِلُ=مشمورة ٌ عنْ سوقها الذلاذلُ ملوية ٌ في جيدها العثاكلُ=معقودة ٌ في رأسها الفلائلُ للبسرِ فيها قانئٌ وَ ناصلُ=مُخَضَّبٌ، كَأَنَّهُ الأَنَامِلُ كَأَنَّهُ مِنْ ذَهَبٍ قَنَادِلُ=منَ العراجينِ لها سلاسلُ للمجنونِ بينها أزاملُ=تخالها محزونة ً تسائلُ لَهَا دُمُوعٌ ذُرَّفٌ هَوَامِلُ=كأنها أمُّ بنينَ ثاكلُ فِي جِيدِهَا مِنْ ضَفْرِهَا حَبَائِلُ=منَ القواديسِ ، لها جلاجلُ تَدُورُ كَالشُّهْبِ لَهَا مَنَازِلُ=فَصَاعِدٌ، وَدَافِقٌ، وَنَازِلُ وَ الماءُ ما بينَ الغياض سائلُ=تحنو على شطانهِ الغياطلُ كَأَنَّهَا حَوَائِمُ نَوَاهِلُ=وَالطَّيْرُ فِي أَفْنَانِهَا هَوَادِلُ تزهو بها الأسحارُ وَ الأصائلُ=فانهض إلى نيلِ المنى يا غافلُ وَ انعمْ ، فأيامُ الصبا قلائلُ=وَ المرءُ في الدنيا خيالٌ زائلُ وَ الدهرُ للإنسانِ يوماً آكلُ=وَ كلُّ شيءٍ في الزمانِ باطلُ |
الساعة الآن 07:22 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.9 Beta 3
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.