![]() |
قد لا يفيد الندم
بقلم: سمير الأسعد- قاص من فلسطين قد لا يفيد الندم طوال سنوات عمره الماضية لم يكن يقوى على مجرد النظر في عينيه، ويتحاشى مجادلته او معارضته. الى ان هرم وبدأت ذاكرته تخونه ولم تعد قدماه تحملانه، جسده الضخم تضاءل وشاخت عضلاته. كل الجبروت تلاشى مرة واحدة. كان يحمل له ضغينة لا مثيل لها وحقدا يملأ الآفاق .. والآن يجلس أمامه ضعيفا متهالكا تزيغ نظراته وصوته القوي أصبح همسا مبحوحا، ولسانه فيه تعرجات تبطأ من تسارعه. منذ كان طفلا وبعد ان تجاوز مرحلة الشباب وهو يهابه، وعندما تزوج قتل فيه رجولته أمام زوجته التي استقوت عليه وصادرت منه شخصيته. ما اسوأ تلك الأيام وما اشد قسوتها، يعمل ليل نهار ليرضي زوجة شريرة لا تقنع وأبا لا يستكين ولا يهدأ، أوامره لا تنتهي وشتائمه تسيل في مجرى لا يجف. قلة الاحترام والاهانة أمام أي كان. يكره الدكان ولا يحب زبائنه الذين كٌشف عنهم حجاب حياته الخاصة. كان يتمنى اليوم الذي يستطيع فيه الانتقام منه، لم يحس به كأب تجب إطاعته، رغم كونه ابنه الوحيد الذي بقي له بعد وفاة زوجته؛ تلك الأم التي عاشت وماتت دون ان تهنأ كغيرها من النساء وقضت حياتها كالجواري. أتى بها من بلاد بعيدة هاربة من أهلها الذين تحكمهم جاهلية القتل والثأر وامتهان النساء. لا يذكر منها الا دموعها وهذيانها وتمتماتها أثناء نومها. وعندما ضربتها جلطة على دماغها وأثناء وجودها في غرفة الإنعاش لم تتوقف عن التمتمة والهذيان. كانت لوحدها عندما أسلمت الروح، وكان قد أوصى شيخ الجامع بدفنها اذا ماتت أثناء غيابه في المدينة يحضر جنازة زوجة رئيس بلديتها. وعندما عاد بعد عدة أيام أقام لها العزاء ليوم واحد فقط. يجلس وحيدا بجانب سريره في المستشفى وهو يطالع عيناه الشاخصتان الى سقف الحجرة يوسوس له الشيطان بما لم يفكر به أبدا- قد يسترجع عافيته وتعود الأمور الى ما كانت عليه. لا بد ان تتغدى به قبل ان يتعشى عليك- كان كل أمله ان يخرج من جحيمه الى جنة الحرية التي كان لا ينام حتى يحلم بها ويعيش في ربوعها قبل ان يصحو على واقع الرجل الراقد على سرير الموت بعد ان سلب منه طفولته وشبابه. - تخلص منه الآن، لا احد يراك ولن ينتبهوا لما ستفعله. - ولكن لا حول له ولا قوة، لن يطفئ ذلك غل قلبي . - اسحب ذلك الأنبوب لدقيقة واحدة، وسينتهي الأمر بسرعة. قرّب يده قليلا ثم تراجع .. نار الانتقام تنتشر في عروقه، يشعر بحرارتها تلهب عينيه التي اغرورقت بالدموع، تجربة القتل الأولى صعبة، لديه الجرأة الآن ولكن شعور الندم أقسى وأمر المسامحة قد تقتل تردده وتغنيه عن الخطيئة، ولكن شهوة الثأر تستولي على كيانه. مد يده مرة أخرى وهو مصمم على إنهاء الأمر، امسك بالأنبوب وأغمض عينيه فشملته رجفة وهو يقبض على طرفه بشدة ليسحبه بكل قوة، وفجأة أعلن جهاز القلب توقفه عن العمل وملأ رنينه الغرفة حاول ان يتماسك ويسترد هدوئه الا ان أعصابه خانته فصرخ صرخة عظيمة تردد صداها في جنبات المستشفى وخر مغشيا عليه. |
رد: قد لا يفيد الندم
نهاية حزينة في جريمة قتل تمّت على يد أقرب المقرّبين نصّ يختصر لنا معاناة الكثيرين.. وكما تدين تدان أسلوب شيّق تناولت به صورة واقعية مؤلمة بوركت أخي سمير الأسعد وطاب حرفك |
رد: قد لا يفيد الندم
سلمت حواسكم أيها القدير
وهذه الأقصوصة الجميلة والموحية بمعان قيمة! محبتي والاحترام |
رد: قد لا يفيد الندم
لا أعرف لماذا يفعل هكذا الآباء الاستبداد بالرأي
الاستبداد في القرار بعيداً رأي الأبناء مما تؤدي إلى إلغاء شخصية الابن وتمنعه من ممارسة حقه في الحياة وفي المجتمع وفي إبداء الرأي وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على عقوق الآباء والأمهات لأولادهم، وذلك انطلاقا من مسؤولية الآباء تجاه أبنائهم، وهذه هي النتجة نص فيه الكثير ولكنه يمثل صورة واضحة من استبداد الآباء دمت بخير تحياتي |
رد: قد لا يفيد الندم
سرد شيق لمعاناة كبيرة يحمل همها الكثير من الأبناء
لكنها انتهت نهاية مأساوية حبذا لو انتهت بالعفو عند المقدرة ليحاسبه ربه دمت مبدعا |
رد: قد لا يفيد الندم
كل الاحترام والتقدير لكم جميعا احبائي وعزوتي. نحن نكتب من اجل المعرفة ولنتلمس الكثير الكثير من همومنا ومشاكلنا نحن العرب في محاولات جادة للاصلاح والتخلص من كل ما يعيقنا ويعيق وحدتنا. همومنا واحدة مشتركة اين ما كنا لعلنا نصل في كل عاداتنا وتقاليدنا وتصرفاتنا اليومية الى ما نصبو اليه من الحرية والديمقراطية والنصر المبين. يجب ان يحتوي كل نص على فكرة وعلى هدف في قمة الوضوح بعيدا عن التستر عن مساوئنا التي يجب ان تكون على المحك بكل الشفافية للمعالجة الناقدة البناءة.
على كل حال بطل القصة لم يقتل اباه وانما مات لوحده في اللحظة التي كان يحاول فيها قتله. مع كل تمنياتي للجميع بالسعادة والعمر المديد |
رد: قد لا يفيد الندم
المشكلة واقعية . لها عدة حلول . أحدها ما ذهب اليه الأخ الآسعد . المعني بالخطاب الآباء من وجهة نظري أكثر مما عنت الأبناء .
الاخ الاسعد وضع يده على جرح اجتماعي خطير بحاجة الى مداخلات الاقلام قبل المداخلات الجراحية . النهاية مؤلمة حقاً . كانت معبرة عن أحاسيس أبن مضطهد وليس عن احاسيس كاتب مرهفة . تحياتي لك . |
رد: قد لا يفيد الندم
|
الساعة الآن 06:04 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.9 Beta 3
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.