منتديات نبع العواطف الأدبية

منتديات نبع العواطف الأدبية (https://www.nabee-awatf.com/vb/index.php)
-   إنثيالات مشاعر ~ البوح والخاطرة (https://www.nabee-awatf.com/vb/forumdisplay.php?f=9)
-   -   في صباح العيد (https://www.nabee-awatf.com/vb/showthread.php?t=4650)

عبد الله راتب نفاخ 09-09-2010 09:48 PM

في صباح العيد
 
في صباح العيد

( أعرف أنهم ماتوا ، لكنني
لم أشعر إلا أنهم غابوا، و
الحبيب الغائب لا يتغير في
القلب مهما تراخت الأيام )
مصطفى صادق الرافعي
و جاء عيد جديد
و لا عيد يكون كأخيه الذي سبقه ، بل يأتينا و قد تبدلت في قلوبنا و حيواتنا أشياء كثيرة ، ذهبت أشياء و ولدت أشياء ، لكن مهما تغير فينا أو تغيرنا ، فإننا نبقى نمخر عباب هذا البحر الزاخر الذي كتب علينا أن نعبر لججه على غير هدى ......... هذا البحر الذي نسميه العمر .
يبدأ صباح العيد باكراً ، بتكبيرات معطرة بالحماسة تصدح بها المآذن ، و أنا مذ كنت صغيراً لم يجذبني في الدنيا شيء مثل صوتين ، صوت الأذكار التي ترفع من المآذن قبيل أذان الفجر ، فتغرقني في جو من الجلالة و تجليات الروح ، و أسبح بها في عوالم ملائكية راكباً زورق لحظات الليل الأخيرة ، و ما زلت إلى اليوم أسأل : أكنت بها أرتد إلى العالم الذي أتيت منه ،و كانت ما تزال بي بقية من ذكراه لأني حديث العهد به يومها .
و صوت تكبيرات العيد من مآذن حينا ، التي كانت ترافق أشعة شمس الصباح المخترقة نوافذ منزلنا القديم ، المذكرة بأن هذا اليوم ليس كأي يوم ، فهو يوم عيد .
أما اليوم ، فأجدني لا أرى لصلاة العيد معنى إلا إن أديتها في مسجد الحنابلة ذي الألف سنة ، أقدم بناء عرفته الصالحية ، و أجمل مساجدها على الإطلاق .
و بعد الفراغ من الصلاة أصعد مع الصاعدين في الطريق الجبلي الموصل إلى مقابر الصالحية القديمة ، التي لم يشتهر شيء في الصالحية شهرتها ، و لست أدري إلى اليوم لمَ كان أبناء هذه المنطقة يكثرون من بنائها ، أترى لصلة بينهم و بين الموت ؟؟ ... أم لهاجس به كان يحلق في رؤوسهم دوماً فيجذبهم إليه ؟؟
و مقبرة عائلتي أقربمن غيرها من المقابر و أقل ارتفاعاً ، و لذلك هي الأكثر ازدحاماً بمن سلكوا جسر العبور بين الدنيا و الآخرة ، فلا شك أن حاملي الميت مهما كانوا يحبونه فهم يستحبون التخلص من عبء حمله و الصعود به في طرقات قاسيون الشاقة بدفنه في أقرب المقابر إليهم .
و هناك في المقبرة أخلو إلى نفسي ، و إلى ذكرياتي مع سكانها ، أولئك الذين كنا نزورهم في بيوتهم ، فبتنا نزورهم هنا ، لكن ...... دون أن نراهم .
المقبرة هذه التي أطل منها على دمشق كلها ، فيمتزج الماضي بالحاضر في صورة واحدة أمام عينيَّ ، و رائحة الموت بمنظر الحياة ، و ذكرى الأحباب الراحلين بأزمات الواقع الخانق ، و الأحياء الذين بتنا نفقد بينهم الحب .
هناك ... في قبر واحد ... أبي و عميو جدي ، عالم لغوي و قاض كبير و مالك أراض ... !! ثلاثة لم يجمع بينهم إلا أنهم أقرباء ، و في قبر بجانبه جدتي و جدة والدي و عم آخر لي
رحمك الله يا أبا العلاء ، يا من تجاوزت بإنسانيتك حدودزمنك إلى كل زمان و كل أرض :
كم من لحد قد صار لحداً مراراً
ضاحك من تزاحم الأضداد
رحمهم الله .... عاشوا حياتهم في ظروف غير ظروفنا ، و أوساط غير أوساطنا ، ثم رحلوا عنا إلى المجهول الكبير ، فما عدنا نعرف من أمرهم شيئاً ، سوى أنهم كانوا في هذه الدنيا ، عاشوا بها أياماً ، ثم غابوا تحت هذا التراب .
و هناك ..... أحس بصلة تربطني بعالم من في تلك القبور ، و أرى أرواح أحبابي الذين غابوا تتجلى لي قي فضاء واسع و هم يلوحون لي في سلام ، بل كثيراً ما شعرت بقشعريرة غريبة تسري فيَّ ، كأن روحاً من أرواحهم ردت عليَّ سلامي ، أو لمستني .
آه منك أيها الموت ..... ألا تستطيع أن تخلي سنة من حصيلة جديدة ، من رفاق جدد تقتادهم إلى ما وراء الشفق الأزرق ، إلى العالم الذي لا نعرف عنه أكثر مما نقرأ في الكتب المقدسة ، تحرمنا منهم ، و تجعلنا نضيف إلى قائمة القبور التي نزورها قبوراً جديدة .
أفلا يحق لقلوبنا أن تعيش الفرح ، أن تتلمسه ، و هل كتب علينا أن نظل نتجرع كأس المرارة تجرعاً ، و أن نبقى ندور في دوامة آلامنا و أحزاننا إلى ما لا نهاية .
غادرنا بين العيدين أحباب جدد ، هوت أعمارهم كأوراق الخريف ، و تبددت أيامهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف .
فلئن كان عمرنا نهباً بين وداع و فراق ، و تذكر و تحسر ، و ذكرى و دمعة ، فمتى تسكن أرواحنا ؟؟ و متى نحس بطمأنينة السلام ؟؟ و متى نغمض أعيننا دون خوف من الآتي ، و متى يجيء عيد نثق أنه سيعود على كل من نحب و هم بيننا ؟؟
ألم بالقبر أغليه و ألثمه
و حولي الساخران الغيب و الأبد
أحبتي كلما غامت طيوفهم
هتفت لا تبعدوا عني و قد بعدوا

بدوي الجبل

شاكر السلمان 09-09-2010 10:24 PM

رد: في صباح العيد
 
بوح مثير للحزن وينبش في الرماد

تحية طيبة وتقدير

مرمر القاسم 09-09-2010 11:34 PM

رد: في صباح العيد
 
الأستاذ عبد الله راتب..رغم الألم:1 (41): كل عام و أنت بالف خير
مبارك عيدك

تحية ملء العيد:1 (41)::1 (5)::1 (41):

سمير عودة 09-12-2010 12:46 PM

رد: في صباح العيد
 
مبدعنا الرائع الأستاذ عبد الله راتب نفاخ
يقول تعالى :
(ولا تنس نصيبك من الدنيا)
الموت حق علينا جميعاً ولكن علينا عمارة هذه الأرض كما أمرنا الله حيث اختار آدم وذريته لخلافتة في الأرض
............
أشكرك على هذا النص العميق
والذي شوقني إلى دمشق
فكل ما فيها جميل جمال أرواح سكانها
وكل عام وأنت بخير
محبتي

عبد الله راتب نفاخ 11-17-2010 10:37 PM

رد: في صباح العيد
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شاكر السلمان (المشاركة 52175)
بوح مثير للحزن وينبش في الرماد

تحية طيبة وتقدير

بارك الله بك أيها الكريم
و بمرورك الطيب
لك التحايا

عبد الله راتب نفاخ 11-05-2011 04:55 PM

رد: في صباح العيد
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مرمر القاسم (المشاركة 52176)
الأستاذ عبد الله راتب..رغم الألم:1 (41): كل عام و أنت بالف خير
مبارك عيدك

تحية ملء العيد:1 (41)::1 (5)::1 (41):

بارك الله بك و عليك أستاذتي الغالية مرمر
كل عام و أنت بكل الخير

عبد الله راتب نفاخ 11-05-2011 04:56 PM

رد: في صباح العيد
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد سمير (المشاركة 52432)
مبدعنا الرائع الأستاذ عبد الله راتب نفاخ

يقول تعالى :
(ولا تنس نصيبك من الدنيا)
الموت حق علينا جميعاً ولكن علينا عمارة هذه الأرض كما أمرنا الله حيث اختار آدم وذريته لخلافتة في الأرض
............
أشكرك على هذا النص العميق
والذي شوقني إلى دمشق
فكل ما فيها جميل جمال أرواح سكانها
وكل عام وأنت بخير

محبتي

أستاذنا الغالي
أكرمكم الله و بارك بكم
و لكم كل التحايا و التقدير
سلمتم و دمتم

سفانة بنت ابن الشاطئ 11-13-2011 05:33 AM

رد: في صباح العيد
 
ما أدق ما وصفت لنا هنا من أجواء العيد ..

وكأننا شاركناك كل خطوة .. و غرقنا في عمق الكلمة

لنرسو على ضفة الحيرة و الحزن الموشح بالفرح الخجول ..

راق وعميقة كلماتك المواكبة للعيد .. مع بصمة الصالحية ..

وحنان الشام .. وصوت المؤذن .. وتكبيرات العيد

تقديري لك ولقلمك وعيدك مبارك


سفــانة


الساعة الآن 02:38 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.9 Beta 3
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.