سورة الحمد
الآيات
الْحَمْدُ ِللهِ رَبِّ الْعَـلَمِينَ (1) الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ (2) مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ(3) إِيّـاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (4) اهْدِنَا الصِّرَ طَ الْمُستَقِيمَ(5) صِرَ طَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّآلِّينَ(6)
التّفسير
1 ـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
دأبت الأمم والشّعوب على أن تبدأ كل عمل هام ذي قيمة باسم كبير من رجالها. والحجر الأساس لكل مؤسسة هامّة يوضع باسم شخصية مرموقة في نظر أصحابها، أي أن أصحاب المؤسسة يبدأون العمل باسم تلك الشّخصية.
ولكن، أليس من الأفضل أن يبدأ العمل في اُطروحة اُريد لها البقاء والخلود باسم وجود خالد قائم لا يعتريه الفناء؟ فكلّ ما في الكون يتجه إلى الزّوال والفناء، إلا ما كان مرتبطاً بالذات الأبدية الخالدة ... ذات الله سبحانه.
إنّ خلود ذكر الأنبياء سببه إرتباطهم بالله وبالقيم الإنسانية الإِلهية الخالدة كالعدالة وطلب الحقيقة، وخلود اسم رجل في التّاريخ مثل (حاتم الطّائي)، يعود إلى إرتباطه بواحدة من تلك القيم هي (السّخاء).
[26]
صفة الخلود والأبدية يختص بها الله تعالى من بين سائر الموجودات، ومن هنا ينبغي أن يبدأ كلّ شيء باسمه وتحت ظلّه وبالاستمداد منه. ولذلك كانت البسملة أوّل آية في القرآن الكريم.
والبسملة لا ينبغي أن تنحصر في اللفظ والصورة، بل لابدّ أن تتعدّى ذلك إلى الإِرتباط الواقعي بمعناها، وهذا الإِرتباط يخلق الإِتجاه الصحيح ويصون من الإنحراف، ويؤدي حتماً إلى نتيجة مطلوبة مباركة. لذلك جاء في الحديث النّبوي الشريف: «كُلُّ أمْر ذِي بَال لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ اسْمُ اللهِ فَهُوَ أَبْتَرُ»(1).
وأميرالمؤمنين(عليه السلام) بعد نقله لهذا الحديث الشريف قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ أَوْ يَعْمَلَ عَمَلا فَيَقُولُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فَإِنَّهُ يُبَارَكَ فيهِ»(2).
ويقول الإِمام محمّد بن علي الباقر(عليه السلام):
«... وَيَنْبَغي الإِتْيَانُ بِهِ عِنْدَ افْتِتَاحِ كُلِّ أَمْر عَظِيم أَوْ صَغِير لِيُبَارَكَ فيهِ»(3).
بعبارة موجزة: بقاء العمل وخلوده يتوقف على ارتباطه بالله.
من هنا كانت الآية الاُولى التي أنزلها الله على نبيّه الكريم تحمل أمراً لصاحب الرسالة أن يبدأ مهمته الكبرى باسم الله: (إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ...)(4).
ولذلك أيضاً فإنّ نوحاً(عليه السلام) ـ حين يركب السفينة في ذلك الطوفان العجيب، ويمخر عباب الأمواج الهادرة، ويواجه ألوان الأخطار على طريق تحقيق هدفه ـ يطلب من أتباعه أن يردّدوا البسملة في حركات السفينة وسكناتها. (وَقَالَ ارْكَبُوا فيهَا بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا ومُرْسَاهَا)(5). وانتهت هذه السفرة المليئة بالأخطار بسلام وبركة كما يذكر القرآن الكريم:
(قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَم مِنَّا وَبَرَكَات
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ بحار الأنوار، ج 16، باب 58. نقلا عن تفسير البيان، ج 1، ص 461.
2 ـ بحار الأنوار، مجلد 92، باب 29، ص 242.
3 ـ الميزان، ج 1، ص 21.
4 ـ العلق، 1.
5 ـ هود، 41.
[27]
عَلَيْكَ وَعَلى أُمم مِمَّنْ مَعَكَ)(1).