أصل الخير والشر
من بداية المقال الأول الذى يبحث أصل الخير والشر ينتقد نيتشه من يطلق عليهم علماء النفس الإنجليز، وهم ببساطة أصحاب الاتجاه النفعى، هم كانوا يرون أن الفعل الطيب اعتبر كذلك من قبل هؤلاء الذين يتلقونه، يعنى من تلقوا النفع من الأفعال الطيبة سموها كذلك ثم تم نسيان أصل المديح المباشر، لتصبح هذه الأفعال طيبة فى ذاتها. ولكن هذه الفكرة مرفوضة عند نيتشه، فالفعل الطيب من سماه هكذا هم من يفعلونه، وسنرى أن الفاعل دائما هو من يسمى عند نيتشه، هؤلاء هم من قاموا بالأفعال وقرروا أن هذه أفعال طيبة، على حد تعبيره "أفعال من الدرجة الأولى" فى مقابل الأفعال المنحطة والمبتذلة والسوقية. هذا سيكون مبررا لنيتشه نفسه ليقول إن من يصنع اللغة هم أصحاب السلطة. فى النهاية فأصحاب السلطة وأصحاب الرفعة والمتفوقون من الناس هم من صاغوا تسمية طيب ونسبوها لأفعالهم السامية، التى سيحاول نيتشه فيما بعد إثبات أنها ليست متصلة بالأفعال غير الأنانية (الأخلاقية بالمعنى الشائع). كانت حجة نيتشه ضد النفعيين أن النسيان الذى يتحدثون عنه غير مقبول، فما دام هناك منفعة فالأحرى أن نتذكرها دوما لا أن ننساها.
نيتشه يقول إن ما جعله يفكر فى أصل الأخلاق، أو أصل الطيب والشرير من هذا المنطلق هو التحليل اللغوى، ونذكركم أن نيتشه كانت دراسته لغوية أصلا. إن أصل كلمة طيب فى مختلف اللغات كانت مرتبطة بالتميز والنبل. هذا ينطبق أيضا على اللغة العربية، نحن نقول مثلا: "فلان من أصل طيب"، ونحن نذكر مثلا من لسان العرب: "الطيب من كل شىء أفضله". فى مقابل الخبيث – والكلام الآن لنيتشه - الذى هو العامى والرعاعى والمبتذل. أخذ نيتشه يناقش هذا من منطلق المصطلحات الألمانية فى الكتاب. كلمة (سىء) فى الألمانية كانت تعنى قديما "بسيط"، أو "عامى".
ولكن الطبقات العليا كانت تضم أيضا طائفة الكهنة، وبينما النبلاء يتصفون بأنهم "أرستقراطية مقاتلة" يعشقون القتال والنشاط والحركة وتكون تصرفاتهم تلقائية، يميل الكهنة للكسل وتجنب القتال. ليحدث صراع بين النبلاء والكهنة حول من هو صاحب المرتبة الأعلى.
نيتشه ليس بعيدا عن ربط أفكار بعينها عن الأجناس، فإذا كان الجنس الآرى هو الجنس الأعلى؛ الجنس الفاتح والمقاتل، فالأعراق الداكنة سوداء الشعر هى التى تؤدى – وهو لم يؤكد – إلى النكوص نحو أفكار الاشتراكية وغيرها من الأفكار البدائية. وهو أحال فكرة قلب القيم بشكل عام إلى اليهود "الجنس الكهنوتى".