ألإجهاز على الآثام بضراوة شاعر
لأمل الحداد ، في كل نص ، مهما كان جنسه .. لمسة خاصة ، من حيث الصياغة والاستعارة والتشبيه .. ولغة فيها الكثير من التصوف الروحي ، إضافة إلى ثيمة النص الكامنة غير المعلنة إلا من خلال التداعيات .. وهذا اشتغال يشي باشتباك محتدم منذ البدء .. بين العقدة والصراع ، أي قبل تولد الصراع بين أفكار النص .. بتعبير آخر ، هنالك ثمة صراع ضمني ، غير معلن .. وهنا أجدني منقاداً إلى وظيفة الوظيفة .. أي أن هنالك مشاكسات بين العقدة ووظيفة الصراع ، مسبوقة بصراع من نوع آخر .. هو ما يثير القلق ، بعكس الصراع المثار علناً .. فالصراع الاستقطابي هنا استجمع صراعات أخرى متناثرة لتحتشد وتكون صراعا آخر ، للصعود إلى مرحلة الذروة.
أي استنطاق وظيفة الوظيفة وطرح دلالات مضافة كعناصر مساعدة للكشف عن المدلول الصراعي المعلن ..
وصولاً إلى البوح ..
ودائما تجعلني أقف على ضفتين وما بينهما نص جار بسرعة عنيفة مبهرة بكل تموجاتها .. فأمل الحداد لا تجهد نفسها بالوصفية المكانية ولا بتأثيث الجو لإظهار ملامح السحر .. بل تمنح المتلقي فرصة تخيل هذه الملامح وكأنها تريد أن تقول .. جبهاتي محصنة بكم أيها المدججون بالمخيال ، ودروبي مضاءة بشموس مفترضة .. فتخيلوها وسأدع نوافذي مشرعة لاستقبال أصواتكم وهمساتكم ونميمتكم وشتائمكم أيضاً.
وفي هذا النص ابتكرت حاجزاً بين الـ هي والـ هو وجعلته يتخندق بالستائر ... ترى أي مخيال نزق هذا الذي شاكس المألوف .. بل أي مخيال هذا الذي اختزل بمفردة الستائر كل ماتعنيه مفردات السر والعفاف والستر والحجب والعتمة والجمال أيضا .. وأي جنون هذا الذي جعلها تلجأ إلى افتراض جسد صلد أسمته الغبار .. هذه المفردة الدالة على شيء بذاته علناً وعلى تراكمات وقهر وحقد ونوايا ضمناً .. إذاً نحن إزاء نص مختلف من حيث البنية والاشتراطات الأخرى إذا اعتبرناه نصاً واقعياً .. وسيدخلنا في دوامة الولاء إذا ما استعرضنا باقي الأساليب .. لكني رميته على خانة التعبيرية التي تحوم بصورة حلمية حول المشكلة ولا تغوص بعمقها وهذا ما أراحني من عناء الأسلبة.
وعوداً على مفردة الغبار نجدها افترضت هذا الحاجز بين البطلة وبين الغائب الذي كان حاضراً إلى ماقبل الاعتراف بتأمل .. وجعلته جسداً معاقاً مالم تصر على إجهاض الجنين / الرابط ، بعد أن أكدت على جبن أجهض محاولات الغضب والبكاء من الانفلات وكنوع من أنواع الثورة التي لم تعلنها لقتل ماض بكل حيثياته ومتعلقاته متشبثة بتمويه واضح حين اتهمته بالتشوه .. وهنا علينا أن نمعن النظر كثيراً .. هل هو مشوه فعلاً أم انها محاولة للتخلص من تهمة عدم الوفاء؟
ولكن بعد الانثيالات التي تراكمت تاكد لنا تشوهه روحياً من خلال متن النص المموسق شعريا.
إذاً هي لم تشتغل على الوحدات الثلاث ولم تلتزم بالمقدمة والوسط والخاتمة حرفياً ، وهذا ما يؤكد ما قلناه آنفا .. وإنما أحالتنا إلى ما أطلقه الشاعر سلمان داود ، بدراسته الموسومة ( شعرنة الأذى أو الإجهاز على آثامزم الواقعة بالكلمات ) وتركتنا نتابعها مخياليا وهي تسير في أجواء ممطرة بأناة محكوم بقهر وقلق مزمن .. وصوت الرعد ووميض البرق يربكان حبات المطر التي غسلت الشوارع لا القلوب .. آملة بحلم يسرق الهموم من عقر النوم ... لاعنة تجربة كانت ، بلا ملامح.