يا جميل ...يا كريم....
عديدة وكثيرة هي المواقف في حياتنا ....
منها ما ظلّ يهذي فينا ...
ومنها ما سدلنا عليه السّتار ولكنّه ظلّ يروح ويجيئ ويحضر ويغيب ....
ومنها ما يروم الكتمان والتّكتّم ....
يرحل مع مرارة ما اكتنفه ويروم الزّوايا المظلمة حتّى اذا نبشناه نبيت اللّيل في سهر وسهد....
وانّي يا أخي جميل لعزلاء الآن منها الاّ من موقف سأظلّ أحمّله ما تبقّى من عفويتي وأوشّحه من فترة من العمر سست فيها أمر النّاس ...
توليت منصبا ما جعلني في موقع متقدّم ومنحني تولي مشاغل النّاس...وما غلظ لي قلب ولاجفّت فيّ منابع الشّفقة والرّحمة بالنّاس ولا افقدني روعة الإحتكاك بالبسطاء والكادحين من النّاس وبالقرب من بؤسهم وشقاءهم....
وصادف أن زارني محافظ المنطقة الذي أنوبه في التّقسيم التّرابي التّابع لسلطته.....والنّاس على فقرهم وعراهم أباة كرام....لازمهم الفقر والضّيق واستبدّت بهم الخصاصة والفقر...
وكان لابدّ من بهرجة وتمجيد وتعظيم لساستنا ....فبعض البروتوكلات تفرض علينا التّنميق والتّلميع للصّور المتهرئة ....الى حدّ ان تجعل على قلبك أقفالا لا تردعها شفقة ولا يزعجها وخز ضمير....وانفلتت ألسنة المواطنين تروي ضيمها وتهميشها واقصاءها....وكان الموقف يفرض أن أكون في صفّ السّلطة ولمّا أحال لي المحافظ الكلمة لابسط ما تمّ من انجازات مع ضرورة التّضخيم ...وجدتني خارج المدار الذي يفترض أن أتحرّك فيه ....
انحياز تامّ ومبالغ فيه للنّاس ...وقع على اثره دعوتي الى مكتب المحافظ حيث كانت مقاضاتي عسيرة وعسيرة....ومن يومها صار الوضع مقلقا ومهتزّا بيني وبين [العرف المباشر]
لقد سرقت منّي السّياسة المعدمة أجمل فترات العمر فعشت تحت وطأة الإنظباط والبروتوكول ونمط حياة مقنّنة بما يجب وما لا يجب...حياة حيل فيها بيننا وبين ممارستها بصفةعاديّة بعيدة عن الأضواء والنّمطية المقيتة....
فحتّى جلّ مواقفنا فيها كانت تحت لواء سياسة مقيتة معدمة كأنّها لعبة بهلوانية تحرّكها قوالب وأنماط محدّدة ....
أخي جميل ليس فيّ من المواقف غير مواقف متصلّة بالنّاس البسطاء الطّيبين ...فزوايانا الخاصّة وأقاليمنا الدّاخلية أقفالها حديديّة لم تمكنّا من أن نشرّعها ونمارسها كغيرنا....
شكرا جميل لأنّك منحتني الإحساس بأنّ بعض مواقفي قد وجدت مساحتها هنا ولي عودة لاحطّ اوزار وأثقال النّفس هنا ...
....