آلمني ما قرأت من أسفار الليالي التعبى لمن سبقني فجال في خاطري أن أثبت ماكتبت قبل حينٍ من الدهر ...
وأنا جالسٌ في غرفتي الكئيبةِ قبالةَ الشبّاك أنفثُ بقايا دخانٍ وشيئاً من تأمّلاتِ الدجى تعتريني كلما لاحَ وميضٌ يضيء من الشواردِ ما تولى ! وقد تراخت إحدى النوافذ خاليةً من الزجاج ! منها أسمع ما كان يتواردُ إلى الآفاقِ من أزيزٍ تقشعرّ منه قلوبُ الواجمين ، أو رشقاتُ رصاصٍ من هنا وهناك ، أو صوتُ منادٍ وهو يقرأُ قصاصةً جاءته ينعى بها أحّد الذين سقطوا من رفقائه أو أقربائه أو جيرانه . هنا دلفت إليّ أمّي تومــأُ بيدها لا تريد إيقاظ الصغار النائمين ، هرعتُ مسرعاً وأنا لا ألوي على شيءٍ سوى حبّي الجارف لها عساني أكون من البارّين ، إذا بها تشكو من ألمٍ في الفؤاد أوحاه داءُ " ضغط الدم " الذي قد لا يمهل صاحبه .
خرجتُ – والظلام الدامس يزيد الداءَ داءً – لعلي أعثر على مَن يسعف أمّي ، وأنّى ليَ ذلك وحظر التجول يحرق ما تبقّى من
آمال الوقت الثمين ! ، لكنّني خاطرتُ بروحي كي أصل إلى أقرب نقطة تفتيش ، وقبيل اقترابي بخطوات عاجلتني رصاصة مرّت
من فوقي تنبيهاً !، توقفتُ وأخذتُ ألوّح بخرقةٍ بيضاء بيدي الوحيدة ! حتى إذا وصلت وأنا أتمتمُ بالكلام مع أحّد المترجمين ! قالوا :
إذهبْ وسوف نبعث بالإسعاف !.
رجعت وجلست مع أمّي ، مرّةً أصبّرها ببعض خلجاتٍ ، أو أحكي عن الخاليات ، أو ، أو ... وهي ترنو إلى وحيدها والدمع يكادُ يفرّ من أحداقها ! .
ساعةٌ ، وساعتان ، وثلاث ، ولا من مسعفٍ ، حتى إذا بزغ الفجرُ وانقضى حظر التجوال أسرعنا بها إلى المشفى
وقد أمسكتْ هذه المرة عن الكلام ! ، قال الطبيبُ : لقد تأخّرتم كثيراً ..... !!!! ، وما هو إلا زمنٌ حتى فارقتْ الروحُ السعيدة
الجسدَ المتعب راحلة إلى بارئها تخبره – وهو أعلم – بما فعل المجرمون بفلّوجة المؤمنين وأهلها الصابرين .....
عدتُ إلى غرفتي ونافذتي الحزينة ولكن لأسمع هذه المرّة نعيَ أمّي ..............
أأمّ ريـــــاضٍ : مـــذ رحـلتِ وبـيـنـنـا ... المصائبُ تترى ، والمدى بات خائرا
فلا الأمن يُرجى ، لا الأمان ، وعيشنا ... زعــافٌ ، وصار الظلم للفجر ساترا
نــقــلّــب بالأنّـــات نرجـــــو مــواردا ... ونأوي كهـوف الصبر نبغي مصادرا
فلا الفرج الموعـــود يأتي ، ولا الهنا ... يُســــاعفنا ، حتّـــى طفقـتُ مهاجرا
ذرفت المـــآسي قـــد ملـلت جحـيمها ... أقول عســى الأيّام تجـني العواطـــرا
عســــانا غــدا نأتــي إليك وعندنــــا ... ســـحائبُ إيمـــــانٍ تفيــض محـــابرا
والاّ فــما الدنيــــا أحـــقّ مـــن التـي ... بـها الراحـة الكبرى تنير المصـــابرا
**************************
|