منتديات نبع العواطف الأدبية - عرض مشاركة واحدة - القصص المشاركة في مسابقة الوفاء في القصة القصيرة 2013
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-16-2013, 01:00 PM   رقم المشاركة : 10
روح النبع
 
الصورة الرمزية عواطف عبداللطيف





  النقاط : 100
  المستوى :
  الحالة :عواطف عبداللطيف غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: القصص المشاركة في مسابقة الوفاء في القصة القصيرة 2013

القصة رقم (9)

لم يبق إلا.. ذكريات


تبدو خيوط الشمس المنسابة كسنابل متمايلة تطل على صفحة وجهها المشبع بالكآبة، تتحرك بملل شديد ، تراوغ مداهمة رُسل الصباح وهي تنفض عنها غطاء السرير ، تتوجه إلى الحمام تجر أحزانها وبضع تساؤلات تشي بخيبة ماضية لا تزال تقتات على بعض أمل يلوح في عينيها من بعيد... كعادتها لم تطل البقاء ، فهي ملتزمة بتلبية دعوة إفطار مع إحدى الصديقات، هناك على شاطئ البحر ...
توجهت نحو الخزانة لتنتقي هندامها في عُجالة.. متجهمة تحاول تجاهل كل ما تختزنه من ذكريات ملونة بين ملابسها الساكنة تعاني الشحوب ؛ فكل مشجب يحتضن ذكرى ، وكل ذكرى تجتث لحظة سعادة عاشتها .. ألوان رسمت تفاصيل حياتها .. وخطتْ سطور دفتر يومياتها .. لم تنجح في دفعها بعيدا.. حين صافحت عيناها ثوبها الأزرق الملكي ، يا له من رمز للقائهما الأول ، فقد وهبته لهما الصدفة ؛ ليحوِّل مجرى حياتها من خلال إيماءة سلام ، ونظرة عابرة تكفّلت باحتلال مساحة من تفكيرها ، ودقات من قلبها الرقيق...
بعيون متوجسة تلمح طاقمها الأخضر الربيعي .. تأملته لثوان كانت كافية لتتسع ذاكرتها بالزاوية الجنوبية في مطعم الأكلات البحرية الشهير... أو " ركن البوح" كما أحبا أن يطلقا عليه معاً ، كان هو الشاهد الوحيد على نقطة البداية..
راحت تلك الذكريات تدفعها تدريجيا للفستان الترابي الموشح بالقليل من الخيوط الذهبية ذات الملمس الحريري .. تتنهد بعمق ، و تسبل عينيها ؛ فقد كان يمثل لها فستان التفاؤل و الحظ الجميل ، بل رمزاً من رموز الأمل في حياتها ...
حاولت تجاهل قطرات من الدمع ، تشيح نظراتها بعيدا خلف تلكـ الذكرى ، لكنها تصطدم بأحداث تهرول خلفها و طيف تلك اللوحة البديعة التي رسمتها بريشةٍ حالمةٍ تعيدها ليوم كان فاصلاً في حياتها ، فقد غمرها لأول مرة بالسعادة .. حين منحها فرصة التربع على عرش قلبه ، وتقدم لخطبتها .. يومها ارتدت هذا الفستانٍ الذهبي الذي يشع بالضياء و الحيوية ، و يزيدها جمالاً فوق جمال.. قررت يومها أن تضع بصمتها على صفحة الشمس ، لتكون مشرقة في حياته ، كشمسٍ لا تغيب أبدا .. أضحت حديث الأهل والأحبة ... يا الله..تغمض عينها على تلكـ الذكرى، تحلق على جناح الحلم؛ فيتسلل صوته مداعباً لحظاتها اليائسة برقة النسيم..ترتسم ابتسامة خفيفة على شفتيها، لم تلبث أن غادرتها، حين تعلقت عينيها بطاقمها الفضي المطرز بالأسود ..!! أعادها عنوة لواقع مُرّ.. يحمل إليها ألم الفراق منذ تلك الليلة القاسية..
مشاهد كثيرة تستبيح حواجز الوعي بطريقة همجية، تسترجع خلالها أول لحظة خصام بينهما، حين تحتل الغيرة مساحة الفرح، فيتبدل حزنا وألماً؛ لتتحول لمواقف مكررة، تساهم في إخماد وهج ذلك الحب..
تستسلم للحزن ، تحاول إغلاق خزانتها.. لكن الثوب الأبيض الراكد هناكـ خلف الفساتين المعلقة، راح يفرض حضوره.. فترتسم ألوان زهوره ، وتتهادى في انسجام على امتداده، لكن ذلك البياض الساحر استحال لسوادٍ يجتاح القلوب، وتلك الزهور البكر.. تستحيل إلى ذبول .. يفرض بينهما ما لم تتوقعه يوماً أو تتمناه، كان جدالاً في مكان عام - غيرة وشك - تلته صفعة من يده؛ أغلقت كل منافذ الأمل في وجهها..
لم تتمالك نفسها والمشاهد تنهمر كزخات المطر؛ تدمي قلبها الجريح.. انفجرت مآقيها التي طالما أخفت ثورتها تحت دثار الكبرياء ؛ أغلقت الخزانة بانفعال هستيري، وتراجعت بضع خطواتٍ؛ ليسقط جسدها النحيل على السرير تتدثر تحت الغطاء من جديد؛ فقد انعكست هذه الرحلةالمريرة في دهاليز عقلها.. ذكريات لفيضان نهر من الحنين وهي تصر على عدم الارتباط بغيره ..
تقرر الرحيل، لعلها تظفر بلقائه ولو من خلال حلم يداعب ذاكرتها المرهقة، لكنها لم تكن تعلم أنها تسلم جسدها المتوهج للوحدة تطفؤه، وإلى اليأس ليغلق مياسم روحها، لتمتطي صهوة الموت في رحلة أخيرة..!












التوقيع