............................................
الفاضلة كوكب
المقالة التالية التي نقلتها من الشبكة العنكبوتية ولا أعرف صاحبها ، تجيب على تساؤلك
2. مفهوم الحداثة في المستوى الايقاعي
تتجلى (بصمة الذات) عند شعراء الديوان في موقفهم من الوزن والقافية، فبعد أن أفادوا ممّا بُثّ في كتاب (الوسيلة الادبية) من نظرة للتحرر من قيود الاوزان العروضية، ومن مطالبة بمفهوم جديدة للشعر يخالف التعريف السائد الذي ينص على انه كلام موزون مقفى(4)، وبعد أن افادوا مما عرفوه عن تجديد الغربيين في الوزن والقافية(5)، قاموا بمحاولات تجديدية تجريبية في الوزن والقافية. ولم تكن محاولات التجديد هذه نتيجة عجزهم في النظم في القالب القديم، ولم تكن المسألة ايضاً رغبة في التخفف من أعباء الوزن والقافية، وانما كان دافعهم الحقيقي هو جعل موسيقى شعرهم خاضعة لحالة الشاعر النفسية والشعورية التي يصدر عنها(6)، ولاسيما أنهم احسّوا أن مشاعرهم ووجداناتهم لايمكن حصرها في البحور الخليلية، وانهم بحاجة الى موسيقى ترتبط بحالة شعورية معينة لشاعر بذاته، فتعكس هذه الحالة في صورة منسقة على نحو خاص، لا في صورتها القديمة(1).
وشعراء الديوان لم يقوموا بإلغاء الوزن والقافية، وانما أدخلوا عدداً من التعديلات ليحقق الشاعر من نفسه ومن ذبذبات مشاعره مالم يكن يستطيع تحقيقه في القالب القديم(2).
وقد استغل (العقاد) المقدمة التي كتبها لديوان (المازني) ليبث فيها أفكاره ولاسيما التجديد في الوزن والقافية، فهو يرى ان كتابة الشعر بالقالب القديم قيد لحرية الشاعر(3)، و "ان اوزاننا وقوافينا اضيق من ان تنفسح لاغراض شاعر تفتحت مغالق نفسه، وقرأ الشعر الغربي، فرأى كيف ترحب اوزانهم بالاقاصيص الطويلة والمقاصد المختلفة، وكيف تلين في ايديهم القوالب الشعرية، فيودعونها ما لاقدرة لشاعر عربي وضعه في غير النثر"(4). ودعا الى ان يكون نصيب الشعر من الفكر اوفر وأوسع بحيث لا تطغى الرنة والقافية عليه(5)، وتحدث عن التنويع القافوي واثر ذلك في التهيئة للتجديد المطلوب اذ قال: "رأى القراء بالأمس في ديوان (شكري) مثالاً من القوافي المرسلة والمزدوجة والمتقابلة ، وهم يقرأون اليوم في ديوان (المازني) مثالاً من القافيتين المزدوجة والمتقابلة، ولا نقول ان هذا هو غاية المنظور من وراء تعديل الاوزان والقوافي وتنقيحها، ولكنا نعدّه بمثابة تهييء المكان لاستقبال المذهب الجديد، اذ ليس بين الشعر العربي وبين التفرع والنماء إلاّ هذا الحائل، فاذا اتسعت القوافي لشتى المعاني والمقاصد، وانفرج مجال القول ، بزغت المواهب الشعرية على اختلافها ورأينا بيننا شعراء الرواية، وشعراء الوصف، وشعراء التمثيل"(6)، وطالب بالانتفاع مما يفعله شعراء الغرب(1)، وهكذا يتبين لنا ان التجديد العروضي عند (العقاد) جاء نتيجة تاثره بالتجديد العروضي عند الغرب(2)،لا لغرض التقليد بل لفسح المجال لبزوغ (بصمات) مواهب شعرية متميزة.
وأسهمت (بصمة الذات) عند (المازني) بالتمسك بالوزن في الشعر لصلته القوية بالعاطفة، بل كان من اوائل الشعراء الذين اقاموا علاقة بين العاطفة والوزن(3)، وعبّر عن ذلك قائلاً: ان كل عاطفة، عندما تسيطر على الروح وتنساب باعتدال [...] تبحث دائماً عن لغة تلائم انسيابها... فالعواطف العميقة الدائمة كانت دائماً تبحث عن تعبير لها في لغة موزونة، فكلما عمقت المشاعر كانت التراكيب الموزونة أشد بروزاً وتأثيراً"(4). ومن هذا المنطلق دافع (المازني) عن الوزن، ورفض الترخص به، ونقد الشعر المنثور وعدّ من ينظمه على مرتبة عالية من الجهل والغباء لانهم لايستخدمون الوزن في نظمهم هذا، اذ قال: "ان جهلاً عظيماً قد نزل بالناس، لأنك ترى اغلب الناس في هذا البلد المسكين يصرون ان الوزن غير ضروري في الشعر، وان هناك كتابة هي شعر لكنها لاتستخدم الوزن. ان هذا الجهل والغباء قد دفع بعض الناس ليجربوا هذا النوع الجديد من الشعر، حاسبين أنهم قد انجزوا شيئاً جيداً وأنهم اخترعوا نوعاً جديداً من الفن"(5). وربما يكون لرأي (المازني) في الوزن ارتباط تأثر برأي (هيجل) الذي يؤكد فيه ان الوزن أول ما يستوجبه الشعر، وانه ألزم مما عداه.(6)
اما القافية فعلى الرغم من انها قيد لحرية الشاعر كما يراها، إلا أنها قيد –نظام- لازم لخير الجماعة وليس عبئاً على الشاعر(7).
اما (شكري) فلم يقدم آراء نقدية في الوزن والقافية واثرهما في الشعر، ولكنه كان اول البادئين بكتابة الشعر المرسل، ومن اوائل الشعراء الذين تمردوا على القافية الموحدة، ورأى فيها عائقاً عن الوحدة العضوية للقصيدة فأسهم بذلك في وضع اساس القصيدة العربية الجديدة(1).
وعلى الرغم مما يلاحظ من تقاطع في آراء شعراء الديوان احياناً الا أن تلك الآراء نفسها كانت تعبر عن وجهات نظرهم الساعية الى تحقيق الذات وابراز (بصمتها) الخاصة.