لو قال قائل : إن الله عز وجل قال في أول الآية { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ } وقال في آخرها { وَاتَّقُواْ اللّهَ} وفرق بين كلمة ( الرب ) وكلمة ( الله ) لأن كلمة الرب تدل على الترغيب ، يعني أنت يا أيها العبد الذي أكرمك الله عز وجل وأحسن إليك عليك أن تتقيه ، إن لم ينفع هذا فتذكر أنه هو الله وأنه شديد العقاب ، يعني من لم ينتفع بهذا الأمر بأن يكون راغبا في التقوى عليه أن يتقي الله عز وجل لأنه شديد العقاب .
{ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ }
يعني يسأل بعض الناس بعضا ، يقول " أسألك بالله أن تفعل كذا ، ومن سئل بالله فيُعطى ما لم يسأل حراما أو يسأل شيئا يضر بأخيه المسلم ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما في السنن ( من سألكم بالله فأعطوه )
{ وَالأَرْحَامَ }
يعني واتقوا الأرحام من أن تقطعوها – سبحان الله – نحن خُلقنا من نفس واحد فأمرنا أن نتآلف وأن نتعاضد ويحب بعضنا بعضا ، ثم ذكر الأرحام لأن الأرحام هم مخلوقون من آدم ففيه تأكيد على أن أحق من يُحب ويُكرم الأرحام .
من هم الأرحام ؟
قال بعض العلماء هم الأقرباء ، فكل قريب هو من الأرحام .
والصحيح : أن من اجتمعت معه بولادة ر حم فهو من أرحامك
مثال " خال أبيك " أنت أتيت من رحم أمك عن طريق أبيك ، وأبوك أتى من رحم جدتك ، جدتك اجتمعت مع أخيها الذي هو خال أبيك ، إذاً خال أبيك من الأرحام .
" ابن عمك " نفس القضية ، ولذلك المصاهرة لا تدخل ، صهرك الذي هو زوج ابنتك أو أبو زوجتك ليس بذي رحم ، بعض الناس يقول هذا نسيبي وبعضهم يقول هذا رحيمي ، هذا خطأ من حيث الشرع ، لأن النسيب والرحيم من اجتمعت معه في ولادة رحم ، ولذلك بعض الناس يقول – ولعل هذا من باب الاحترام والتقدير – لكن ليفهم أن هذا اللفظ خطأ في الشرع ، فلو طُبِّق على قاعدة الشرع - فهذا خطأ – بعض الناس يقول لوالد الزوجة خالي ، وبعضهم يقول عمي ، هذا ليس بصحيح ، عمك هو أخو أبيك ، خالك هو أخو أمك .
{ وَالأَرْحَامَ }
يعني واتقوا الأرحام أن تقطعوها ، ولذلك جاءت الأحاديث في عِظم الأرحام وأنه يوجب أن توصل ’ قال عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري ( ليس الواصل بالمكافئ ) بعض الناس يقول لم يصلني كيف أصله ؟ هذا خطأ ، قال صلى الله عليه وآله وسلم ( ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل من يصل رحمه إذا قُطعت )
وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم لما سأله ذلك الرجل ( قال إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي ، فقال عليه الصلاة والسلام ( إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المَلّ ) يعني الرماد الحار ( ولا يزال لك عليهم من الله ظهير ما دمت على ذلك )
وهنا مسألة مهمة ، وهي :
ما ضابط صلة الأرحام ؟
صلة الأرحام متعددة الأنواع ، إما أن تكون بالزيارة وإما أن تكون بالمال ، وإما أن تكون بالاتصال ، فكلٌ على حسبه ، وكلما كان قريبا منك من حيث الرحم كلما كانت صلته أقوى ، فصلة الأخ ليست كصلة ابن العم مثلا ، وتختلف باختلاف الأشخاص ، بعض الناس لو لم تزره في السنة إلا مرة واحدة لما عتب عليك شريطة أن تعطيه مالا ، بعض الناس عنده الصلة بالمال من أعظم ما يكون ، ولذلك لو أن الإنسان لم يزر أرحامه إلا بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة أو أربعة ، هل وقع في الحرام أم لا ؟ هل يعتبر أنه قاطع أم لا ؟
ولاسيما أن الناس انشغلوا في هذا الزمن ، بخلاف العصور السابقة ، ترى قريبك ورحيمك في اليوم أكثر من مرة ، لأن البنيان قريب والكل مجتمع ، وحتى القلوب كانت مجتمعة ، بينما في هذا العصر تباعدت المساكن وأحيانا تكون المساكن قريبة ولكن القلوب بعيدة .
فما ضابط الصلة ؟
ضابط الصلة يرجع إلى العرف ، فكل ما تعارف الناس عليه أنه صلة من حيث المدة فهو صلة ، بعض الناس من الأقرباء لو زرته في ثلاثة أشهر مرة واحدة أعدها صلة ، وبعضهم لا يعدها صلة ، إذاً ننظر إلى عرف الناس ، فما عده الناس صلة من حيث الزمن فهو صلة .
لو قال قائل : لو أن العرف اتفق على ألا يصل بعضنا بعضا ً ؟
هنا نقول العرف يُطرح ، لم ؟ لأن الشرع أمر بذلك ، لكن الضابط والمدة والمقدار لم يحددها الشرع فترجع إلى العرف .
ثم قال عز وجل :
{ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }
يعني شاهدا ومراقبا لكم ، وفي هذا أمر بالإحسان في طاعة الله ، كما جاء في صحيح مسلم ( أن تعبد الله كأنك تراه )
أُمر بالتقوى في أول الآيات ، لكن ليتذكر أن الله عز وجل رقيب عليه إذا خالف هذه التقوى ، مراتب الدين ثلاث " الإسلام والإيمان والإحسان " أعظمها الإحسان ، والإحسان له درجة وهذه الدرجة لها مرتبتان ، الأولى ( أن تعبد الله كأنك تراه ) يعني حينما تصلي كأنك ترى الله عز وجل ، إن لم تستطع هذه الدرجة ( فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) يعني اعلم أنه يراك { إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }
يعني من أخل بتلك التقوى فالله رقيب وحسيب عليه ، ولذلك قال ( رقيب ) على وزن فعيل ، وهي من صيغ المبالغة ، لا يفوته شيء عز وجل { لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }سبأ3
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم الإيمان والإحسان في القول وفي العلم ، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.