عرض مشاركة واحدة
قديم 01-03-2014, 10:58 PM   رقم المشاركة : 9
أديب
 
الصورة الرمزية حسن العلي






  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :حسن العلي غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: ما هي القصيدة الومضة ؟..المحتوى والشكل ..دراسات شاملة ومصادر عديدة


سماتها
تتميز القصيدة الحديثة بمجموعة من السمات و الخصائص العامة التي اکتسبت من الطبيعة الشعرية الحديثة و من طبيعة التکنيکات المستخدمة في بنائها، و لعل من المفيد في تحديد سمات «الومضة الشعريّة» أن نتعرف علي هذه السمات قبل ان نعرض بالتفصيل لسمات الومضة الشعريّة، من أبرز هذه السمات هي:
أ: التفرد و الخصوصية؛ أي لا يمکن تصنيف القصيدة الحديثة تحت أي غرض من الأغراض الشعرية العامة التي انحصر فيها التراث الشعري القديم من مدح و فخر و هجاء و رثاء و وصف و غزل و ... إن الشاعر الحديث يهدف إلي أن تکون قصيدته إبداعاً بکراً و من ثم فهو شديد الحرص علي أن ينظر إلي الوجود من زاوية لم يسبق لأحدٍ قبله أن ينظر إليه منها، و أن يعالج هذه الرؤية الخاصة بطريقة فنية متفردة. (عشري زايد،2008/ 21)
من هنا تکتسب القصيدة الحديثة خصوصيتها و تفردها، و لا تکون مجرد تکرار لما سبق قوله مئات المرات بطريقة أخري.
ب: الترکيب؛ لتنوع الأداوت الفنية التي يستخدمها الشاعر و طريقة استخدامه لها، و لميل القصيدة الحديثة إلي أن تکون کياناً متفرداً خاصاً، أصبح بناء هذه القصيدة علي قدر من الترکيب و التعقيد يقتضي من قارئها نوعاً من الثقافة الأدبية و الفنية الواسعة (السابق / 24).
ج: الوحدة؛ علي الرغم من أن القصيدة الحديثة تترکب من مجموعة من العناصر و المکونات المتنوعة، و المتنافرة في بعض الأحيان، فإن ثمة وحدة عميقة تؤلف بين هذه العناصر، و تنحصر فيها هذه المکونات المتناثرة المتنافرة لتصبح کياناً واحداً متجانساً، لا تفکک فيه و لاتنافر.
د: الإيحاء و عدم المباشرة؛ من السمات البارزة في القصيدة الحديثة أنها لا تعبر تعبيراً مباشراً عن مضمون محدد واضح، و إنما تقدم مضمونها الشعري بطريقة إيحائية توحي بالمشاعر و الأحاسيس و الأفکار و لا تحددها أو تسميها، و نتيجة هذا، فإنّ القصيدة الحديثة لاتحمل معني واحداً متفقاً عليه، و من الخطأ أن نتطلب من کل قصيدة أن يکون لها معني واقعي وحيد، لأن الشاعر لو کانت لديه فکرة محددة واضحة المعالم يريد إيصالها إلي القاريء لما لجأ إلي الشعر أسلوباً لنقلها، و لآثر عليه النثر الذي هو أکثر قدرة علي تحديد المعاني والأفکار و توضيحها.(السابق/35 )
الإيحاء الذي يهدف إليه بناء القصيدة الحديثة يتطلب من الشاعر ألايصرح بکل شيءٍ لأنّه يلجأ إلي إسقاط بعض عناصر البناء اللغوي مما يثري الايحاء و يقويه من ناحية و ينشط خيال المتلقي من ناحية أخري لتأويل هذه الجوانب المضمرة.
أما فما يتعلق بالبنية المتميزة لقصيدة النثر والومضة الشعريّة وليدة ظهورها «فلابد أن نلاحظ اعتمادها علي الجمع بين الإجراءات المتناقضة؛ أي أنها تعتمد علي فکرة التضاد، و تقوم علي قانون التعويض الشعري، إذ إنّها تتألف من ثلاثة عوامل متزامنة تنصبّ کلّها في بؤرة واحدة لإحداث فعاليتها الجمالية، و هي بالترتيب:
أ – تعطيل الأوزان العروضية المتداولة.
ب- تفعيل أقصي الطاقات الشعرية الممکنة.
ج- إبراز الاختلاف الدلالي الحادّ.» (فضل، 1995 / 219).
لکي يحقق الشاعر المعاصر لقصيدته سمة الإيحاء فإنه يلجأ إلي استخدام مجموعة من الأدوات و التکنيکات الفنية بعضها مستمد من التقاليد الموروثة للشعر منذ أقدم عصوره، کاللغة الشعريّة،و الصورة الشعرية، و الموسيقي الشعريّة، المتمثلة في الوزن و القافية و بعضها الآخر من التقاليد الشعريّة الحديثة؛ کالرمز، و المفارقة التصويرية، و غير ذلک من الأدوات الفنية التي ابتکرها الشاعر الحديث، و بعضها الثالث استعاره الشاعر من الفنون الأدبية الأخري، تراثية کانت، أو حديثة ، حيث استمدّ من الفنون الأدبية العربية التراثية بعض قوالبها الفنية کقالب المقامة، و التوقيع مثلاً، کما استمد من الرواية الحديثة والمسرحية الحديثة بعض تکنيکاتها أيضاً؛ فقد استعار من الرواية الحديثة أسلوب الارتداد (الفلاش – باک)، و المونولوج الداخلي، و غير ذلک من تکنيکات الرواية الحديثة، کما استعار من المسرحية أخص تکنيکاتها بها مثل تعدد الأصوات، و الحوار، و الصراع، بل إن بعض القصائد الحديثة استعارت القالب المسرحي بکل مکوناته و عناصره. (عشري زايد، السابق / 39- 40)
يبدو أنّ الومضة الشعرية لم تصبح حتي الآن في الشعر العربي المعاصر، نوعاً أدبياً مستقلاً قد استقرّت أعرافه و تأصّلت تقاليده، بالرغم من اندفاع شعراء المبدعين اليوم نحوها، و لکن لها مکان متميزٌ باعتبارها أحد التنويعات البارزة في الحداثة الشعريّة؛ بما أنّ الومضة الشعريّة تحاول إلغاء الشکل القديم للقصيدة العروضية، لابد أن تتسم بسمات و أشکال جديدة. فما هي سمات هذا الشکل و خواصه الجمالية؟

الوحدة العضوية
اتسمت قصيدة الومضة بالصفات العامة للقصيدة الحديثة، لقد تأثرت قصيدة الومضة بالوحدة العضوية الموجودة في القصيدة الحديثة، بحيث لم يعد نادراً أن نجد القصيدة تجمع بين أشياء بينها من التباعد و التنافر الظاهريين أکثر مما بينها من الترابط، و مبالغة في هذا الاتجاه فإننا کثيراًما نجد شاعر الومضة يسقط أدوات الربط اللغوي بين أجزاء القصيدة، حتي لتبدو القصيدة في بعض الأحيان أشبه ما تکون بمجموعة من العبارات و الجمل المفککة المستقلة الواقعة بذاتها في الفراغ، و لکن يکون هناک رباط وثيق خفي يضم شتات هذه الأجزاء المتنافرة في کيان واحد شديد التمسّک.
فالوحدة العضوية هي شرط أساسي في بناء الومضة الشعريّة، «فهي وحدة متکاملة متداخلة في الفعل الشعري و الاستدلالي، و بالتالي الانفعالي الشعوري و ليس لها أي ارتباط عضوي مسبق بأي شکل من أشکال القصيدة التي لا تحقق مثل هذه الوحدة العضوية المتکاملة». (حجّو، 2002)
ينبغي أن تکون للومضة الشعريّة وحدة عضوية مستقلة لأنها تقدم عالماً مکتملاً يتمثل في تنسيق جمالي متميز يختلف عن الأشکال الفنية الأخري من قصة قصيرة، أو مقالة أو رواية.

بناء الومضة
اللافت للنظر في شکل جميع الومضات الشعريّة أنها تکتب تارة علي شکل قصيدة التفعلة، و تارة علي شکل قصيدة النثر و أن منها ما يجمع بين التفعله وقصيدة النثر. توقف خليل الموسي في مقالته بعنوان «الأبنية الفنية في تجربة الحداثة الشعريّة في سورية»، عند أشکال الومضة الشعريّة و هيکليتها، في أعمال الشاعرين، و هما نزار قباني و أدونيس، و ذهب إلي أن أشکال الومضة الشعريّة التي استخدمها الشاعران خمسة هي :
1- الومضة ذات البنية المرکّزة التعريفية ؛التي تعدّ بمنزلة العنوان من المجموعة فهي تقول کل شيء عن المجموعة أو هي تختصرها بعدد قليل من الأبيات. نحو قول نزار قباني في مجموعته «قالت لي السمراء» :
قَلبي کمنفَضة الرمادِ ... أنا
أن تنبشي ما فيه تحترقي
شعري أنا قلبي ... و يظلمُني
من لا يري قلبي علي الورق
(قباني، الأعمال الشعرية الکاملة / 86)
2- الومضة ذات البنية المرکزة التقابلية؛ و هي صورة مقابل صورة ضدية أوحاله مقابل حالة مختلفة، نحو قول نزار قباني في قصيدته«هوامش علي دفتر النکسة»:
جلودنا ميتة الإحساس
أرواحنا تشکو من الإفلاس
أيامُنا تدور بين الزّار
و الشطرنج
والنعاس
هل «نحن خير أمة أخرجت للناس» (قباني، الأعمال السياسية الکاملة / 3: 86)
3- ومضة البيت المفرد ذات البنية المغلقة؛ تعتمد هذه الومضة علي البيت الواحد هذا النوع يوکّد علي وحدة البيت الذي کانت سائدة في الاحکام النقدية عند القدماء. نحو:
بالناي و المزمار ... لا تحدث انتصار (قباني، 1993/ 3:78)
الومضة في هذا النوع تقوم أولاً و أخيراً علي الفکرة فهي بنت الفکرة أکثر مما هي بنت الاحساس، و هي بنت العمل الحاد المضني أکثر مما هي بنت العفوية و الاحساس:
يوجعني أن أسمع الأنباء في الصباح
يوجعني
أن أسمع النباح (السابق / 3: 81)

4- الومضة ذات البنية المفتوحة؛ و هي ومضة تننهي نهاية مفتوحة علي التأويل، أو هي مفتوحة علي نصوص سابقة أو معاصرة «تناص»:
و ما کنت أعلمُ ...
حين شَطبتُکِ من دفتر الذکريات
بأنّني سأشطُبُ نصفَ حياتي
(قباني، الأعمال الشعرية الکاملة / 3: 786)
5- الومضة ذات البنية الحلزونية؛ و هي مجموعة دفقات أو موجات تنطلق من نقطة واحدة، حتي تکتمل دورة القصيدة، و يشبه عزالدين اسماعيل هذه البنية بالسلک الحلزوني الذي يبدو في النظرة الأفقية إليه مجموعة من الحلقات المستقلة، و لکّنها في الحقيقة مترابطة يربط بينها الموقف الشعوري الأول، و هي مجموعة من الدوائر التي تنتهي عند نهاية واحدة (1972 /261) من أمثلة هذه البنية لنزار:
في البدء کان الشّعرُ
و النثرُ هو استثناء
في البدء کان البحرُ
و البرُّ هو استثناء
في البدء کنتِ أنتِ ...
ثم کانتِ النساءُ (السابق/2: 812)

علامات الترقيم
تأثرت القصيدة العربية الحديثة بالمدرسة الرمزية في تحرر لغتها الشعرية من الروابط و الصلات المنطقية التي تربط الجمل و الألفاظ بعضها إلي بعض، حتي إن بعض قصائدها کانت تتألف من مجموعة من الجمل المتجاورة بدون ترابط، لقد تأثرت الومضة الشعرية بمثل هذا الاتجاه فشاع في الکثير من نماذجها توالي الجمل بدون أدوات ربط لغوي تصل ما بينها.
«إن علامات الترقيم و الفصل، تمثل عنصراً هاماً في النظام الطباعي للقصيدة الحديثة، تتحول من مجرد محدد لعلاقات المفردات في الجملة إلي محدد للعلاقات بين أجزاء النص ککل» (البحراوي، 1996 / 47) إلّا أن هذا المحدد الذي يوجب نمطاً معيناً من العلاقات بين المقاطع لايتداخل تداخلاً جوهرياً في باطنية التجربة الشعريّة في القصيدة، إذا تظل القصيدة المقطعية، خاضعة لخصوصية تجربتها المفردة التي ينظر إليها بعض النقاد، بوصفها ظاهرة شعرية موجودة بشکل فعلي ميداني في النسق النصي اللغوي، بحيث يصعب فصل عناصرها.(حلوم، 2001 / 140)
شاعر الومضة تارة يمتنع عن وضع إشارات الترقيم اللازمة للتحديد البنائي و المنطقي و نحو قول نبيلة الخطيب:
كم هو عارٌ
من يخلَع جلدَه
ليرقّعَ ثوبه (2004/109)
أو:
حين رأيت الندي علي الأزهار
أدركتُ سرَّ غيابك
كلَّ صباح (علوش،2002/نفلاً عن ديوان سليمان نحيلي)
و تارة يستعين بأشکال عدة للتنقيط و الفصل من أجل تمزيق وحدة الجمله و تقطيعها في أجزاء مبعثرة کذاته، و هذا نموذج من شعر أدونيس، يقول:
لا، لا. أحبّ، أن أثِقا
و بسطتُ أجنحتي، و منحتها الأفقا
فتناثرت مِزَقا ... (أدونيس ،1988/9)
أو:
أنت أمير!!!
أنا أمير!
فمن تري يقود هذا الفيلق الكبير!!
(المناصرة،الأعمال الشعرية/154)

شكل الكتابة و توزيع النص
إلي جانب تقنيات التنقيط والترقيم يلعب شکل الکتابة و توزيع النص، نصاً أوکل علي حدة، دوراً فعالاً في تفکيک الجملة، و إعادة تقييم مکوناتها، نحو قول نزيه أبي عفش الذي لم يجعل عنواناً و أنما بدأت بمجموعة من النقط:
هذه الجثة هي أنا
متربصاً خلف قناع موت
أما أنت ... فلا تکثرت
ربما:
القناع وجهک. (بدور، 2002، نقلاً عن نزيه أبي عفش، الله يبکي)
أبو عفش في ومضته السابقة عمد إلي تقطيع العبارة إلي أجزاء موزعة بشکل غير منتظم علي أسطر متعددة، تارکاً مِن کل سطر و آخر مسافة من البياض العازل.
تعرف قصيدة الومضة بأنّها« مجموعة من المشاهد المنفصل بعضها عن بعض كل الانفصال، يكاد كلّ مشهد فيها أن يقوم بذاته، ولكننامانلبث أن ندرك إدراكاً مبهماً أنّ شيئاًما يصادفنا في كل مشهد، كأنّه يتخذ في كل مرة قناعاً جديداً حتي إذا ما انتهت القصيدة أدركنا أن هذه المشاهد لم تكن أقنعة بل مظاهر مختلفة لحقيقة واحدة»(الصمادي،2001/26) و بذلك يقوم بناء القصيدة علي مجموعة من المقطعات و لكل مقطعة عنوان مستقل، و تتخذ في بعض الأحيان أرقاماً أيضاً.

قافية الومضة
ترتکز قصيدة الومضة علي تعطيل المُعامل الاساسي في التعبير الشعري، و هو الاوزان العروضية و القافية، دون أن تشلّ بقية امکانات التعبير في أبنيتها التخيلية و الرمزية، فقصيدة الومضة تجعل القاريء قادراً علي إغفال الوزن و القافية و التحرر منهما مع ابقائه علي الايقاع الداخلي فهي التي تبرهن علي أن الايقاع لا يقتصر علي الشکل العروضي الجاهز بل يتداخل في نسج اللغة الشعريّة بمستوياتها المختلفة.
أما قافية الومضة، فيسعي شاعر الومضة إلي تحريرها من القافية التقليدية و هو يميل إلي أشکال ثلاثة وفقاً لشکل القافية:
1- قصيدة تبني علي سطور تتبع قوافي محددة کقول نزار قباني:
السرُّ في مأساتنا
صراخنا أضخم من أصواتنا
وسيفنا
أطول من قامتنا (1993/3:76)

2- قصيدة تبني علي سطور تتبع القوافي المتداخلة، کما في قول أدونيس:
قال الغد الحائرْ:
«إن طفر اللحنُ
من شفتيْ طائرْ
لايطربُ الغصنُ». (أدونيس،السابق/17)

3- قصيدة تبني علي سطور تتبع القوافي المتعانقة، کقول شاکر مطلق في ومضته التي حملت عنوان «محطة»:
تحت ضوء القمر الفضي
ظل الزيزفون
يتلاشي في العيون
و مياه النهر تمضي
في سکون (بدور، 2002/ نقلاً عن تجليات عشتارلشاکر مطلق)
بعد دراسة قافية الومضة في ديوان أشهر شعراء الومضة من أمثال سعدي يوسف، أدونيس، عزالدين المناصرة، و نزار قباني، و... تبين لن أنّ القافية ليست واحدةعند شعراءها و لا عند شاعر واحد، و لذلك يتعذر أن تنحصر في تقسيم محدد لاتتجاوزه، لأنّ قصيدة الومضة لاتلتزم بالقافية و الأوزان بل الفكرة الشعرية هي الغالبة فيها.

لغة الومضة
إن نتأمل في الجذر اللغوي لکلمة «القصيدة» مضافة إلي «الومضة» فسوف نجد يشير إلي فکرتين متلازمين: إحداهما هي القصد والتعمد أي أنّ القصيدة هي «الکلام المقصود في ذاته» أي هي لغة فنية و ليست مجرد وسيلة للتواصل، أما المعني الثاني فهو «الاقتصاد اللغوي» أي أن اللغة التي تنظم في قصيدة الومضة لابد لها أن تتسم بالقصد والترکيز و التکثيف، لأنَّ الومضة من سماتها لغوياً السرعة و اللمعان فهي تتسم بالاقتصاد و هذا الاقتصاد جوهري في قصيدة الومضة لأنه مظهر الشعريّة فيها، فهي عندما تحذف فيها حروف العطف أو الوصل مثلاً تتحقق اقتصادها الخاص الذي لابدَّ أن يختلف عن بقية أنواع الشعر.
اللغة هي المادة الأولي الّتي يشکل منها و بها البناء الشعري أي انها الأداة الأمّ التي تخرج کل الأدوات الشعريّة الاخري من تحت عبادتها.
الومضة الشعريّة هي شکل من أشکال الحداثة التي تتناسب مع مقتضيات العصر الحديث و متطلباته، و لهذا لغتها خالية من الکلمات الميتة أو الوعرة، و هي تعبّر عن المألوف بکلمات مألوفة مستقاة من واقع الحياة المعيشية، و هي خالية من الکلمات الرنانة الفخمة التي يراد منها إثارة الاحتدام العاطفي رغبة في التحرر من القيود الخارجية.
نلاحظ في قصيدة الومضة وجوداً مميزاً للمفردات الدارجة أو الواقعية علي أساس مبدأ ينطلق من أن لغة الناس يجب أن تکون لغة الشاعر. و ليس المقصود بلغة الناس تلک اللغة المتداولة في الحياة اليومية؛ إنما المقصود استخدام تلک اللغة التي تعمل علي استبدال التعابير و المفردات القديمة بتعابير و مفردات جديدة مستمدة من صميم التجربة ... من حياة الشعب.
«ولا بد من الإشارة إلي أن قصيدة الومضة لاتستخدم اللغة بمعناها القاموسي التعييني، إنها کتابة تري في اللغة شفافيتها و تواصليتها القائمة علي تأويلاتها، لذا فهي تعبير شکلي تغلب عليه المعاناة و التمرد و الرفض، تستمد منابعها من قوة اليأس و الحاجة إلي التعبير الذاتي باللغة الذاتية. و صارت وظيفة اللغة أن تساير تجربة الشاعر بکل ما فيها من الغني و التواتر و التناقض و الحساسية». (بدور، 2002).

المفاجأة
إنّ الومضه الشعرية عالم خيالي مركب علي نحو خاص، يهدف إلي تحقيق ذات الشاعر في تكوين موضوعي قائم بذاته و بهذا تكون الومضة تغييراً في نظام التعبير عن الأشياء، يقول أدونيس:
بَكَتِ المئذنة
حين جاء الغريب – اشتراها
و بني فوقها مدخنة
إيحاء المئذنة في تجربة القارئ بعيد عن البكاء، قد يكون السكينة، الأمن، السلام، الجلال، السلام، الخشوع لله، لكنه ليس البكاء!!ثم يأتي الغريب ليشتري ما لايباع و يبني فوقها ما يناقض رموزها جميعاً. المفاجأة بارزة في هذه القطعة التي ذكرها المناصرة من ديوان زياد العناني:
أمّي دوّخها السُكَّري، بتَروا قدميها
أمّي،ماذا عنّي
كيف أبحث عن جنة تحت الأقدام!! (2002/170)







  رد مع اقتباس