عرض مشاركة واحدة
قديم 04-01-2010, 02:10 AM   رقم المشاركة : 3
الى رحمة الله





  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :د. حسين علي محمد غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
افتراضي رد: مع الروائي محمد جبريل

كيف تُكتب الرواية الجديدة؟

بقلم: محمد جبريل
...................

كانت المعادلة الصعبة التي طرحت نفسها في البداية. هي أن أكتب ما أطمئن إليه. وأن يطمئن القاريء إلي قيمة ما أكتب. وبالتحديد. فقد كنت أحب أن أضع القصة في الإطار الذي أتصوره في عصرنا مناسباً لها. وليس في إطار السلفية الثابتة. ولم يكن التجديد لمجرد التجديد هو هدفي في الحقيقة. بقدر ما كان يصدر عن نظرة يقينية أن دائرة الفنون الخلاقة مكتملة. وأن الأسلوب الذي يعالج به الفنان لوحة. ربما يفيد منه كاتب القصة القصيرة. والوسائل التكنيكية التي يلجأ إليها كاتب السيناريو السينمائي قد تحقق التأثير ذاته في رؤية أدبية. والهارموني الذي يحرص عليه المؤلف الموسيقي هو ما يحقق للقصيدة الشعرية وحدتها العضوية. ولفرجينيا وولف مقولة شهيرة "في ديسمبر 1910. أو حوالي هذا التاريخ. تغيرات الطبيعة الإنسانية". وكانت فرجينيا وولف تقصد بتغير الطبيعة الإنسانية. تغير المعرفة بالطبيعة الإنسانية. أما التاريخ الذي كان بداية لذلك التغير. فهو تاريخ إقامة معرض للرسامين بعد الانطباعون في لندن. عرضت فيه أعمال لسيزان وفان جوخ وماتيس وبيكاسو. كانت تمثل ثورة علي المدرسة الانطباعية في الفن التشكيلي. والتي تقف في موازاة المدرسة الطبيعية في الرواية "حددت فرجينيا وولف تاريخ الثورة علي المدرسة الانطباعية في الفن التشكيلي. والطبيعية في الرواية. بأنه ديسمبر .1910 مع ذلك. فإن محاولات نجيب محفوظ في الأربعينيات من القرن العشرين جاءت أشبه بثورة في دنيا الرواية العربية!". بلغ يقيني بصلة الفنون بعضها ببعض. وضرورة تأثر كل فن بالفنون الأخري. أني رفضت "قد" في رأي سارتر بأن الفنون في عصر واحد قد تتبادل التأثير فيما بينها. ذلك لأني كنت أومن ومازلت بضرورة إن لم يكن بحتمية ذلك التأثر والتأثير الذي تتبادله فنون العصر الواحد. وطبيعي أن الرفض ينسحب علي قول ميشيل بوتور بأن الرواية الجديدة انتهت "ومهمتها كانت إزالة الحواجز بين الفنون". إنه رأي متناقض وغير منسجم. لأن إزالة الحواجز بين الفنون ليست عملاً طارئاً. ولا وقتياً. ولا تعبيراً عن مودة موسمية. إن الأدب علي نحو ما محور لبقية الفنون. نقطة جذب واتصال. إيقاع المفردات والتعبيرات يتسلل إلي الأذن. فيحمل طبيعة الموسيقي. ويطالع العين. فيحمل طبيعة الفن التشكيلي. وقد استطاعت الرواية عندما لجأت إلي فنيات الإبداعات الأخري أن تغادر عنق الزجاجة. تجاوز الاستاتيكية إلي ديناميكية متجددة. تستوعب الإبداعات الأخري. وتسيطر وربما تفوقت عليها.
الرواية هي أشد الأجناس الأدبية قدرة علي احتواء بقية الأجناس من قصة وشعر وحوار درامي. وهي الأشد قدرة علي استيعاب الفنون الأخري من مسرح وسينما وموسيقي وفن تشكيلي إلخ. بل إنها الأشد قدرة علي احتواء الموروث الشعبي والأسطورة والاجتهاد الفلسفي والمشكلة الاجتماعية والواقعة التاريخية والتحليل النفسي. بحيث تتشكل من ذلك كله أو بعضه ضفيرة العمل الروائي.
أخيراً. فإن الرواية هي الأشد قدرة علي احتواء الإنسانيات في اطلاقها. واستيعابها لصالح بنائها المضموني والشكلي. بما يجعل من الرواية فناً يعني بالتواصل والمعرفة معاً.
تعبير الرواية الجديدة يستفز التأمل. ذلك لأنه سوف تولد دائماً رواية جديدة. إلي جانب أن الرواية الجديدة لاتعني اتجاهاً محدداً لكل الأدباء. فاتجاه ميشيل بوتور مثلاً يختلف عن اتجاه ناتالي ساروت وآلان روب جرييه. واتجاه جرييه يختلف عن اتجاه ساروت وبوتور إلخ. ولعلي أوافق جرييه علي قوله بأن تعبير الرواية الجديدة ليس دلالة علي مدرسة بل ولا جماعة معينة من كتاب يعملون بطريقة واحدة. وإنما هي تسمية مناسبة تشمل كل من يبحثون عن أشكال جديدة للرواية. قادرة علي التعبير عن علاقات جديدة. أو علي خلق هذه العلاقات بين الإنسان والعالم.
كانت الرواية جديدة دائماً. وينبغي أن تظل كذلك. حقق جدة الرواية كل في زمانه جوجول وبلزاك وتورجنيف وفلوبير وزولا وديكنز وديستويفسكي وبروست وفرجينيا وولف وكافكا وجويس وهمنجواي ومحفوظ وعشرات غيرهم.







  رد مع اقتباس