دوقلة المنبجي
قصيدتنا اليتيمة جاءت يتيمة من نواحٍ كثيرة، فهي يتيمة الأب إذ أن شاعرها لم يُعرف من أثره غيرها، ومات على الأغلب غيلة قبل أن يحقق مراده من نظم القصيدة كما يزعم هذا إن صح نسبها وكانت مولوداً شرعيا لدوقلة المنبجي.
وهي يتيمة من حيث معانيها ووصفها وإن أقتربت من الوصف المادي الذي خلا من وصف معاناة العاشق وربما يدل على وصفه المثالي على أنه لم ير دعد قط.
وقد لا يعرف عن شاعرها سوى اسمه.
والقصيدة من البحر الكامل.
وقصتها تقول ( على ذمة الرواة ) ... ان ملكة في اليمن أو أميرة دعت الشعراء إلى التباري في مدحها ووصفها وذكر جمالها ... على أن تتزوج صاحب أجود قصيدة ... وبينما شاعر اليتيمة في طريقه إلى اليمن ... قابله آخر ولم تكن قصيدته تصل مستوى اليتيمة لا معنىً ولا حبكةً ولا لفظاً ... فقتل صاحب اليتيمة وأخذ القصيدة وقصد ديار جميلة الجميلات الملكة اليمنية ليلقيها بين يديها لعلها تكون سببا بالفوز بقلبها والزواج منها وهو الهدف المنشود .
وقف صاحبنا بين يدي الملكة وأخذ يلقي القصيدة التي كانت تصف كل جزء من جسد الأميرة من أعلى رأسها إلـى أخمص قدميها ولم تهمل جزءاً منه ... والمفاجأة كانت عندما أُنشد البيت:
أن تُـتهمي فتهامة وطني .......... أو تُـنجدي إن الهـوى نجدُ
حينها صرخت الأميرة ( وا بعلاه ... وا بعلاه ... لقد قتل الرجل زوجي المرتقب ) وتجمع الحرس والحاشية وأخذوا يستفهمون ويتساءلون : ما الخبر ؟؟؟ فشرحت لهم أن شاعرها من تهامة لقوله ( أن تـُتهمي فتهامة وطني ) ... بينما منشدها من نجد حسب ما يوحي لسانه بذلك والشطر الثاني من البيت!!! ... فأمسكوا بالرجل المنشد وضيقوا عليه الخناق ... فاعترف بما حدث فقتلوه ... وللأسف لم يكن يُعرف اسم شاعر القصيدة الحقيقي قبل قتله ... ولذا لم يعرف لها قائل مؤكد ... وقيل بأن قائلها هو سعيد بن حميد المكنى بـ ( دوقلة المنبجي )
اليتيمة
واليتيمه تنطق بشاعرية شاعر أصيل , تفنن في وصف محبوبته(( دعد)) فلقد صورها ورسمها حتى يبدو للقارى أنه يراها
من دقة الوصف....وهي قصيده رقيقه وعذبه وقد أحتوت على كل العناصر للقصيده العربيه التقليديه من وقوف على
الاطلال ووصف المحبوبه والشكوى من الهجر والصدود الفخر والكبرياء
اليتيمة
هَل بِالطُلولِ لِسائِلِ رَدُّ = أَم هَل لَها بِتَكَلُّم عَهدُ
أبلى الجَديدُ جَديدَ مَعهَدِها = فَكَأَنَّما هو رَيطَةٌ جُردُ
مِن طولِ ما تَبكي الغيومُ عَلى = عَرَصاتِها وَيُقَهقِهُ الرَعدُ
وَتُلِثُّ سارِيَةٌ وَغادِيَةٌ = وَيَكُرُّ نَحسٌ خَلفَهُ سَعدُ
تَلقى شَآمِيَةٌ يَمانِيَةً = لَهُما بِمَورِ تُرابِها سَردُ
فَكَسَت بَواطِنُها ظَواهِرَها = نَوراً كَأَنَّ زُهاءَهُ بُردُ
يَغدو فَيَسدي نَسجَهُ حَدِبٌ = واهي العُرى وينيرُهُ عهدُ
فَوَقَفت أَسأَلَها وَلَيسَ بِها = إِلّا المَها وَنَقانِقٌ رُبدُ
وَمُكَدَّمٌ في عانَةٍ جزأت = حَتّى يُهَيِّجَ شَأوَها الوِردُ
فَتَبادَرَت دِرَرُ الشُؤونِ عَلى = خَدّى كَما يَتَناثَرُ العِقدُ
أَو نَضحُ عَزلاءِ الشَعيبِ وَقَد = راحَ العَسيفَ بِملئِها يَعدو
لَهَفي عَلى دَعدٍ وَما حفَلت = إِلّا بجرِّ تلَهُّفي دَعدُ
بَيضاءُ قَد لَبِسَ الأَديمُ أديم = الحُسنِ فَهُوَ لِجِلدِها جِلدُ
وَيَزينُ فَودَيها إِذا حَسَرَت = ضافي الغَدائِرِ فاحِمٌ جَعدُ
فَالوَجهُ مِثلُ الصُبحِ مبيضٌ = والفَرعُ مِثلَ اللَيلِ مُسوَدُّ
ضِدّانِ لِما اِستَجمِعا حَسُنا = وَالضِدُّ يُظهِرُ حُسنَهُ الضِدُّ
وَجَبينُها صَلتٌ وَحاجِبها = شَختُ المَخَطِّ أَزَجُّ مُمتَدُّ
وَكَأَنَّها وَسنى إِذا نَظَرَت = أَو مُدنَفٌ لَمّا يُفِق بَعدُ
بِفتورِ عَينٍ ما بِها رَمَدٌ = وَبِها تُداوى الأَعيُنُ الرُمدُ
وَتُريكَ عِرنيناً به شَمَمٌ = وتُريك خَدّاً لَونُهُ الوَردُ
وَتُجيلُ مِسواكَ الأَراكِ عَلى = رَتلٍ كَأَنَّ رُضابَهُ الشَهدُ
والجِيدُ منها جيدُ جازئةٍ = تعطو إذا ما طالها المَردُ
وَكَأَنَّما سُقِيَت تَرائِبُها = وَالنَحرُ ماءَ الحُسنِ إِذ تَبدو
وَاِمتَدَّ مِن أَعضادِها قَصَبٌ = فَعمٌ زهتهُ مَرافِقٌ دُردُ
وَلَها بَنانٌ لَو أَرَدتَ لَهُ = عَقداً بِكَفِّكَ أَمكَنُ العَقدُ
وَالمِعصمان فَما يُرى لَهُما = مِن نَعمَةٍ وَبَضاضَةٍ زَندُ
وَالبَطنُ مَطوِيٌّ كَما طُوِيَت = بيضُ الرِياطِ يَصونُها المَلدُ
وَبِخَصرِها هَيَفٌ يُزَيِّنُهُ = فَإِذا تَنوءُ يَكادُ يَنقَدُّ
وَالتَفَّ فَخذاها وَفَوقَهُما = كَفَلٌ كدِعصِ الرمل مُشتَدُّ
فَنهوضُها مَثنىً إِذا نَهَضت = مِن ثِقلَهِ وَقُعودها فَردُ
وَالساقِ خَرعَبَةٌ مُنَعَّمَةٌ = عَبِلَت فَطَوقُ الحَجلِ مُنسَدُّ
وَالكَعبُ أَدرَمُ لا يَبينُ لَهُ = حَجمً وَلَيسَ لِرَأسِهِ حَدُّ
وَمَشَت عَلى قَدمَينِ خُصِّرتا = واُلينَتا فَتَكامَلَ القَدُّ
إِن لَم يَكُن وَصلٌ لَدَيكِ لَنا = يَشفى الصَبابَةَ فَليَكُن وَعدُ
قَد كانَ أَورَقَ وَصلَكُم زَمَناً = فَذَوَى الوِصال وَأَورَقَ الصَدُّ
لِلَّهِ أشواقي إِذا نَزَحَت = دارٌ بِنا ونوىً بِكُم تَعدو
إِن تُتهِمي فَتَهامَةٌ وَطني = أَو تُنجِدي يكنِ الهَوى نَجدُ
وَزَعَمتِ أَنَّكِ تضمُرينَ لَنا = وُدّاً فَهَلّا يَنفَعُ الوُدُّ
وَإِذا المُحِبُّ شَكا الصُدودَ فلَم = يُعطَف عَلَيهِ فَقَتلُهُ عَمدُ
تَختَصُّها بِالحُبِّ وُهيَ على = ما لا نُحِبُّ فَهكَذا الوَجدُ
أوَ ما تَرى طِمرَيَّ بَينَهُما = رَجُلٌ أَلَحَّ بِهَزلِهِ الجِدُّ
فَالسَيفُ يَقطَعُ وَهُوَ ذو صَدَأٍ = وَالنَصلُ يَفري الهامَ لا الغِمدُ
هَل تَنفَعَنَّ السَيفَ حِليَتُهُ = يَومَ الجِلادِ إِذا نَبا الحَدُج
وَلَقَد عَلِمتِ بِأَنَّني رَجُلٌ = في الصالِحاتِ أَروحُ أَو أَغدو
بَردٌ عَلى الأَدنى وَمَرحَمَةٌ = وَعَلى الحَوادِثِ مارِنٌ جَلدُ
مَنَعَ المَطامِعَ أن تُثَلِّمَني = أَنّي لِمَعوَلِها صَفاً صَلدُ
فَأَظلُّ حُرّاً مِن مَذّلَّتِها = وَالحُرُّ حينَ يُطيعُها عَبدُ
آلَيتُ أَمدَحُ مقرفاً أبَداً = يَبقى المَديحُ وَيَذهَبُ الرفدُ
هَيهاتَ يأبى ذاكَ لي سَلَفٌ = خَمَدوا وَلَم يَخمُد لَهُم مَجدُ
وَالجَدُّ حارثُ وَالبَنون هُمُ = فَزَكا البَنون وَأَنجَبَ الجَدُّ
ولَئِن قَفَوتُ حَميدَ فَعلِهِمُ = بِذَميم فِعلي إِنَّني وَغدُ
أَجمِل إِذا طالبتَ في طَلَبٍ = فَالجِدُّ يُغني عَنكَ لا الجَدُّ
وإذا صَبَرتَ لجهد نازلةٍ = فكأنّه ما مَسَّكَ الجَهدُ
وَطَريدِ لَيلٍ قادهُ سَغَبٌ = وَهناً إِلَيَّ وَساقَهُ بَردُ
أَوسَعتُ جُهدَ بَشاشَةٍ وَقِرىً = وَعَلى الكَريمِ لِضَيفِهِ الجُهدُ
فَتَصَرَّمَ المَشتي وَمَنزِلُهُ = رَحبٌ لَدَيَّ وَعَيشُهُ رَغدُ
ثُمَّ انثنى وَرِداوُّهُ نِعَمٌ = أسدَيتُها وَرِدائِيَ الحَمدُ
لِيَكُن لَدَيكَ لِسائِلٍ فَرَجٌ = إِن لِم يَكُن فَليَحسُن الرَدُّ
يا لَيتَ شِعري بَعدَ ذَلِكُمُ = ومحارُ كُلِّ مُؤَمِّلٍ لَحدُ
أَصَريعُ كَلمٍ أَم صَريعُ ردى = أَودى فَلَيسَ مِنَ الرَدى بُدُّ
-
كتاب ( أجمل ما قيل في الغزل من الشعر العربي ) إعداد : خالد منير حجازي الطبعة الثالثة 1418 هـ
في الصفحة ( 39 ـ 42) أورد القصيدة ونسبها لدوقلة المنبجي .. ( * ) القصيدة أعلاه منقولة من نفس الكتاب ..
2-كتاب ( كتاب الغزل ) لـ : جودت فخر الدين و حسن عبد الله .. دار المناهل للطباعة والنشر والتوزيع .. ودار الحرف العربي للطباعة والنشر والتوزيع ..الطبعة الثانية 1419 هـ ـ 1998م
في الصفحة ( 120 ) أوردا هنا بعضاً من القصيدة وقد قالا في تذيلهما للقصيدة ( قصيدة مشهورة ، تنسب إلى علي بن جبلة ، والأرجح أنها لشاعر مجهول ، ومن هنا اسمها : اليتيمة ) أ . هـ .
3- كتاب ( الموسع في أروع ما قيل في الحب والغزل ) إعداد : إميل ناصيف ..( جروس برس )
طرابلس ـ لبنان .. الطبعة : بدون .
في الصفحة ( 162 ـ 164 ) أورد المؤلف بعضاً من القصيدة وقال في مقدمته عن القصيدة : ( لم يعرف قائلها ، وقد حلف أربعون شاعراً على انتحالها ، ثم غلب عليها ثلاثة : أبو الحسن علي بن جبلة العكوك المتوفي سنة 838 هـ ، وأبو جعفر محمد بن عبد الله الملقب بأبي الشيص المتوفي سنة 811 هـ ، ودوقلة بن العبد المنبجي .. ) أ . هـ ..
4- كتاب ( أجمل عشرين قصيدة غزل ) لـ : فاروق شوشة .. الطبعة الثانية .. دار النهضة للنشر والتوزيع .. أوردها للشاعر : دوقلة المنبجي