عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-2009, 01:28 PM   رقم المشاركة : 3
روح النبع
 
الصورة الرمزية عواطف عبداللطيف





  النقاط : 100
  المستوى :
  الحالة :عواطف عبداللطيف غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي

قصيدة(لا تعذليه)

لابن زريق البغدادي المتوفى سنة(420هـ)

وحيدة أبن زيق .. لم يعرف له غيرها من القصائد

لا تقليلاً من شاعرية هذا الرجل .. فمن يبدع في مثل هذا

فإن له شأناً في الشعر .. ولكن لم يصل للتراث العربي غيرها

وهي كافيه لتدلنا على هذه الشخصيه الفذه

وقد نقلت لكم هذا التعريف اليتيم عن شخصيته ..



هوأبو علي الحسن بن زريق الكاتب الكوفي، من ساكني الكرخ، كان كاتبا في ديوان الرسائل، ويبدو انّ حاله رقّت فخطر له أن يذهب الى الأندلس متكسباً بشعره. فاذا صحّ أن وفاته كانت نحو 420 هـ وأنه كان ميتاً لمّا ألفّ الثعالبي (428 هـ) "يتيمة الدهر" فيكون قد جاء الى الأندلس في أيّام الفتنة (400 - 422) واضطراب الأحوال وتنازع الخلفاء والولاة والعرب والبربر، ولم يكن في ذلك الحين موافقا للتكسب بالشعر. ويقال ان ابن زريق مدح ملك، الأندلس، ولا سبيل الى معرفة اسمه، بقصيدة لم تصل الينا، فأجازه بجائزة ضئيلة.

فعاد ابن زريق آسفا الى الخان الذي كان ينزلُ فيه ونظم القصيدة العينية المشهورة، وقيل ايضا: ان صاحب الأندلس كان قد أراد امتحان نفس ابن زريق بالجائزة الضئيلة، فطلب ابن زريق بعد بضعة أيام، فوجده في الخان ميتا والقصيدة عند رأسه .



ويذكر صاحب " مصارع العشاق " ان الشخص الذي مدحه هو ابو عبد الرحمن الأندلسي ، وحين اصغى هذا الى البيتين



والحرص في الرزق، والأرزاق قد قسم تبغـي، الا ان بغـي المـرء يصـرعـه
اعْتضْتُ من وجه خلـي، بعـد فرقتـه، ***كاسـا اجـرع منـهـا مــا أجـرعـه


بكى حتى اخضلت لحيته وقال: وَدَدْتُ ان هذا الرجل حي وأشاطره نصف ملكي.

وليس هناك من دليل بين فيما اذا كان الحسن بن زريق هو محمد بن زريق الكوفي الكاتب الذي ورد ذكره في يتيمة الدهر ووقف عنده عبد اللطيف عقل ليصدّر مطولته بالبيتين اللذين رويا عنه. فلم يشر فاروق شوشة الى هذا، كما انه لم يأت على ذكر البيتين، وانما ذهب الى القول: " والغريب ألا يكون لابن زريق غير هذه القصيدة .. ولهذا استحق فضل البقاء والذكر بقصيدة واحدة..

ولا يضيف شوشة أية معلومات الى تلك التي اوردها فروّخ سوى ما استشفه من قراءة القصيدة حيث يقول :" فاذا ما تساءلنا عن الشاعر وعن سائر شعره فلن نظفر من بين ثنايا الصفحات بغير بضعة سطور تحكي لنا مأساة الشاعر ... الذي ارتحل عن موطنه الأصلي في بغداد قاصداً بلاد الأندلس، علّه يجد فيها من لين العيش وسعة الرزق ما يعوضه عن فقره، ويترك الشاعر في بغداد زوجة يحبها وتحبه كل الحب، ويخلص لها وتخلص له كل الاخلاص. من أجلها يهاجر ..

وقال فيها بعض العلماء:
من تفقه بالشافعي
وقرأ بقراءة أبي عمرو البصري
وتختم بالعقيق
وحفظ قصيدة ابن زريق
فقد استكمل الظرف
هذه القصيدة من أجمل الشعر العربي، فقد عجّت بالصور والشجن وجزالة اللفظ، وموسيقى النظم، وحلو التعبير. فهي من القلب إلى القلب. وستجد على مر العصور قلوباً تستقبلها، وقد وقعت على أوتارها بنغم تجاوز حتى عذب نغمها في الأذن.

تعبّر هذه القصيدة عن قصة حب وإلفة فرّقت الهجرة فيها بين زوجين، وهو ما ينطبق على كل هجرة حين تفرّق بين الأم والأب وأولادهما، أو إذ تفرّق بين الأشقاء، أو في ما بين الأصدقاء، أو بين المرء ووطنه.


فكل من عانى تلك الآلام أو الأبعاد الشخصية والنفسية سيجد في قصيدة ابن زريق ما يعبّر عن تجربة عاشها وإن اختلف الشكل. بل ان قصيدة ابن زريق تصيب، أيضاً، من يفقد حبيباً أو عزيزاً من خلال الموت أو الاستشهاد.
وهكذا حدث لابن زريق ما كان منه جزعاً خائفاً ، فقد طال الفراق ووقع الموت قبل أن تنتهي هذه الهجرة. فكل مهاجر يظن ان هجرته قصيرة، وانه سيعود إلى من يحب، وانه لن يفجع بأحد محبيه، أو يفجع محبّوه به. ولكن من يتحقق حلمه أو ظنه فهم القلة. فقصيدة ابن زريق كما يُرْوى يتيمة، وهي بالتأكيد، ولكن لا يمكن أن تكون الوحيدة إلاّ بفقد شعره. لأن من يكتب هذه القصيدة، وبهذا المستوى يكون شاعراً فذاً له مع الشعر باع طويل، وتجربة ممتدة.
ويُروى بأن قصة ابن زريق وقصيدته هذه بأنها وجدت تحت وسادته وكان قد فارق الحياة، ولهذا تكون آخر ما قاله، وهو يشعر ان منيّته قد دنت.
في التفسير
يشعر ابن زريق ان زوجه تعذله (تلومه) فيعترف لها انها كانت على حق حين حاولت ثنيه عن الرحيل. لكنه يقول لها، وقد حسِبها تلح في نصحه، ان كثرة النصح أضرّت به. ولهذا يطالبها باستخدام الرفق في لومه وتأنيبه. لأنه متعب القلب (مضنى) إلى حد الوجع، فما واجهه من صعاب وخطوب (ضربات ونكسات وانكسارات) ضيّقت أضلعه أي لم يعد يحتمل. فلماذا الإكثار من لومه في حين يكفيه ما لاقى من لوعة الفراق (التشتيت) وعنده في كل يوم ما يُروّعه (يخيفه ويفزعه).
ثم يروي القصة من أولها بالإشارة إلى زوجه إذ استودع حيّ "الكرخ" في بغداد قمراً. ويصف كيف ودّعه وقد تمنى لو ان صفو الحياة يودّعه بدلاً من ذلك الوداع الذي تم بالرغم منه.
ثم يرسم صورة شعرية متحرّكة مليئة بالرمز ونظمها يزخر بالشَجَن:
وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً وَأَدمُعِي مُستَهِلاّتٍ وَأَدمُعَهُ
تَشبَّثَ: استمسك كما يستمسك الغريق بخشبة نجاة. فهذا أكثر من مجرد عناق أو وداع، كما هو حادث في كثير من حالات الفراق.
ولهذا يقسم، وهو صادق، ان ثوب الصبر ممزق (منخرق) بسبب الفراق الذي أرقّعه، بلا جدوى. وهنا يمضي في الاعتراف و"النقد الذاتي". فيقول أحاول أن أجد الأعذار للجناية التي ارتكبَها بحق من يحب أي بفراقه. لكن كل الأعذار لا تسوّغ "جرمه". ويضيف انه كان يملك شيئاً عظيماً لم يقدّره ولهذا يستحق أن يفقده تماماً كمن لا يحسن سياسة المـُلْك فيُخلَعَهُ. وهذا أمر طبيعي بالنسبة إلى من يلبس "ثوب النعيم" (مهما بدا متواضعاً) ولا يشكر الله عليه فإن الله ينـزعه.
وهكذا لم يعد يرتاح جنبه وهو نائم على فراشه كما كان حال زوجه التي لم يعد يرتاح لها جنب في فراش.
ثم يكرر ما يحدث مع الكثيرين ممن ينوون الهجرة وهو انه ما كان يتصوّر ان الدهر سيفجعه بحبيبه أو يفجع حبيبه به إلى أن تأكد بأن الفراق مدّ يداً بخيلة ضنينة منعت عنهما اللقاء. وهكذا وقع ما كنت أحْذرُه وأفزع منه حيث وقعت الفاجعة.. فاجعة الموت.
هذه القصيدة يُنصح بحفظها، خصوصاً، من قِبل من يحبون الأدب والشعر أو يتطلعون إلى امتلاك القدرة الشعرية فهي نموذج لشعر فذّ لا يبلى مع الأيام ويصعب الوصول إلى مثله
.

لا تعذلـيـه فــإن الـعـذل يولـعـه
قـد قلـت حقـاً ولكـن ليـس يسمعـه
جاوزت فـي لومـه حـداً أضـر بـه
مـن حيـث قـدرت أن اللـوم ينفـعـه
فاستعملـي الرفـق فـي تأنيبـه بــدلاً
من عذله فهو مضنـى القلـب موجعـه
قـد كـان مضطلعـاً بالخطـب يحملـه
فضيقـت بخطـوب الـدهـر أضلـعـه
يكفيـه مـن لوعـة التشتيـت أن لــه
مـن النـوى كـل يـوم مـا يـروّعـه
مـا آب مــن سـفـر إلا وأزعـجـه
رأي إلـى سـفـر بالـعـزم يُزمـعـه
كأنمـا هـو فــي حــل ومرتـحـل
مـوكــل بـفـضـاء الله يـذرعــه
إنِ الزمـان أراه فـي الرحيـل غـنـى
ولو إلى السـد أضحـى وهـو يزمعـه
ومـا مجـاهـدة الإنـسـان توصـلـه
رزقـاً ولا دعـة الإنـسـان تقطـعـه
قـد وزع الله بيـن الخـلـق رزقـهـمُ
لـم يخلـقِ الله مـن خـلـق يضيـعـه
لكنهـم كلفـوا حرصـاً فلسـت تــرى
مسترزقـاً وسـوى الغـايـات تُقنـعـه
والحرص في الرزق_والأرزاق قد قسمت
بغـي ألا إن بغـي المـرء يصـرعـه
والدهر يعطي الفتى مـن حيـث يمنعـه
إرثـاً ويمنعـه مـن حـيـث يطمـعـه
أستـودع الله فـي بغـداد لـي قـمـراً
بالكـرخ مـن فلـك الأزرار مطلـعـه
ودعـتـه وبــودي لــو يودعـنـي
صفـو الحـيـاة وأنــي لا أودعــه
وكم تشبث بـي يـوم الرحيـل ضحـىً
وأدمـعـي مسـتـهـلاتٌ وأدمـعــه
وكـم تشفـع لــي كـيـلا أفـارقـه
وللـضـرورات حــال لا تُشـفـعـه
لا أكـذب الله, ثـوب الصبـر منخـرق
عـنـي بفرقـتـه لـكــن أرقّـعُــه
إنـي أوسـع عـذري فــي جنايـتـه
بالبيـن عنـه وجـرمـي لا يوسـعـه
رزقـت ملكـاً فلـم أحسـن سياسـتـه
وكـل مـن لا يسـوس المُلـكَ يُخلعـه
ومـن غـدا لابسـاً ثـوب النعيـم بـلا
شـكـر علـيـه فــإن الله يـنـزعـه
اعتضت من وجـه خلّـي بعـد فرقتـه
كأسـاً أجـرّع منهـا مــا أجـرعـه
كم قائـل لـيَ ذقـت البيـن قلـت لـه
الذنـب والله ذنـبـي لـسـت أدفـعـه
ألا أقمـت فـكـان الـرشـد أجمـعـه
لـو أننـي يـوم بـان الرشـد اتبـعـه
إنــي لأقـطـع أيـامـي وأنـفـدهـا
بحسـرة منـه فـي قلـبـي تقطـعـه
بمـن إذا هجـع الـنـوام بــتُّ لــه
بلوعـة منـه ليلـي لـسـت أهجـعـه
لا يطمئـن لجنبـي مضـجـع وكــذا
لا يطمئـن لـه مـذ بنـتُ مضجـعـه
ما كنـت أحسـب أن الدهـر يفجعنـي
بــه ولا أن بــي الأيــام تفجـعـه
حتـى جـرى البيـن فيمـا بيننـا بيـد
عسـراء تمنعـنـي حـظـي وتمنـعـه
قد كنت من ريب دهـري جازعـاً فرقـاً
فلـم أوق الـذي قـد كنـت أجـزعـه
بالله يـا منـزل العيـش الـذي درسـت
آثـاره وعفـت مــذ بـنـتُ أربـعـه
هـل الزمـان معـيـدٌ فـيـك لذتـنـا
أم الليالـي التـي أمضـتـه ترجـعـه
فـي ذمـة الله مـن أصبحـت منـزلـه
وجـاد غيـث علـى مغنـاك يُمـرعـه
مـن عنـده لـي عـهـد لا يضيـعـه
كمـا لـه عهـد صــدق لا أضيـعـه
ومـن يـصـدع قلـبـي ذكــره وإذا
جـرى علـى قلبـه ذكـري يصـدعـه
لأصـبــرن لـدهــر لا يمتـعـنـي
بـه ولا بـي فــي حــال يمتـعـه
علمـاً بـأن اصطبـاري معقـبٌ فرجـاً
فأضيـق الأمـر إن فكـرتَ أوسـعـه
عسـى الليالـي التـي أضنـت بفرقتنـا
جسمـي ستجمعنـي يومـاً وتجمـعـه
وإن تـغُـل أحــداً مـنــا منـيـتـه
فمـا الــذي بقـضـاء الله يصنـعـه؟












التوقيع

آخر تعديل ناظم الصرخي يوم 04-02-2019 في 04:55 AM.
  رد مع اقتباس