من المحرر
النيل
بقلم: محمد جبريل
.....................
من حديث أنس في حديث المعراج. أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : "ثم رفعت الي سدرة المنتهي. فإذا نبقها مثل قلال هجر. وإذا ورقها مثل آذان الفيلة.
قلت : ما هذا ياجبريل؟
قال : هذا سدرة المنتهي.
واذا اربعة أنهار : نهران باطنان. ونهران ظاهران.
قلت : ماهذا ياجبريل؟
قال : أما الباطنان فنهران في الجنة. وأما الظاهران فالنيل والفرات "خطط المقريزي -1/91".
لقد ظهرت الاراضي الخصبة في مصر مع نهر النيل. الذي حول طبيعة الارض في الوادي والدلتا من صخور رملية في الجنوب. وجيرية في الشمال الي تربة رسوبية بما يطرحه فوقها من طمي "يقول ابن فضل الله العمري : "ساقه الله تعالي الي مصر. وأحيا به بلدة ميتة. وسقاه امة عظمي. وان لم تكن هي المتفردة بنفعه فإنها كالمنفردة".
النيل من المنبع الي المصب يمر في تسع دول هي : بوروندي. رواندا. الكونغو الديمقراطية. تنزانيا. أوغندا. وكينيا.. اثيوبيا. السودان. ومصر واذا كانت مصر هبة النيل. فإن النيل هو الذي اختار موقع القاهرة عاصمة لمصر. ذلك لانه عند هذا الموقع يلتقي الوادي بالدلتا. الممتدة الي الشرق والغرب.
وثمة ظاهرة يجدر بنا التوقف امامها. وهي ان توالي الاديان والمذاهب والحكام علي مصر. لم يحل بين المصريين والاحتفال بوفاء النيل. ظل الاحتفال عادة ثابتة. متكررة. لا يكتفي الحاكم ايا يكن بقبولها. لكنه حتي ولو مسايرة لمشاعر الناس! كان يشارك فيها بحضوره الشخصي. أو بإنابة بعض وزرائه.
كان رصد المقياس يستبق دائما احتفال فتح الخليج. فإذا حل الوقت. ولم يصل النيل الي معدله المعتاد. صلي الحاكم ركعتين. وطالب القضاة بالابتهال الي الله حتي يفيض النهر بمياهه. فإذا وصل المنسوب الي معدله المطلوب. بدأت الاحتفالات. ويأمر الحاكم بكسر سد الخليج لتدخله مياه النيل.
النيل هو ترمومتر الحياة في الارض المصرية. يأتي الفيضان. يرتفع النيل. فيغرق ماعلي الضفتين. ويتلف المزروعات. وترتفع اسعار الغلال فإذا امتنع ورود الفيضان. وتناقصت مياه النيل. وتناقصت مياه الري بالتالي. فتجف المزروعات. ويقل الانتاج الزراعي. وترتفع الاسعار. وربما زادت الظروف من قسوتها فتنشر الجدب والموت والدمار.
لقد تعلم المصريون الكثير من النيل. كانت الزراعة بالطبع هي اول ماتعلموه اصبحوا بفضله اول مجتمع زراعي في تاريخ الجنس البشري. وتعلموا من اجل الزراعة الكتابة والحساب والهندسة والفلك وعلم قياس الارض. علمهم فيضان النيل ان السنة تتكون من 365 يوما وربع يوم وانها تنقسم كذلك الي فصول ذات خصائص ثابتة. يفيده في اختيار مواعيد الغرس والارواء والرعاية والحصاد ومياه النيل- منذ تخلق الحياة علي ضفتيه تمثل المصدر الرئيس لهذه الحياة. وفي المقابل فإن فيضانه في حالتي الزيادة او الشّْح يمثل خطرا مؤكدا. تنتشر المجاعات. ويعم الغلاء. وتتفشي الأوبئة.
النيل هو الذي علم المصريين الخوف من الفيضان. من حيث فيضانه الوافر. او تحاريقه التي تهلك. لذلك كانوا يسترضونه -كما تروي الاسطورة -بأغلي فتياتهم. والنيل وسيلة اساسية للمواصلات والتجارة بين المدن المصرية. والنيل كذلك مصدر حيوي لطعام المصريين. بما تشتمل عليه مياهه من اسماك. بل ان النيل علي امتداد العصور كان المتنفس شبه الوحيد لابناء المدن والقري المتصلة علي شاطئيه. "للكلام بقية".
...............................
*المساء ـ في 29/5/2010م.