كان َطبيعيا ًجداً أن يداهمَك ِالإرباك عند لقائنا ، لأنّكِ لطالما كنت تقرأين حضوري في كلمات ، وتبتسمين في كلمات ، وتعبسين وتضحكين وتغيبين في كلمات ، هي الكتابة ُ كانت الجسر الذي ينقلني إليك أو ينقلك إلي أو ينقل كلانا إلى الآخر ...
هل الكلمة قناع ، تُخفي ما يدور في نفوسنا ، هل تمنحنا وسائل التجميل ، فنحاول من خلالها أن نظهر بصورة نقية بلا تجاعيد ؟ تخفي ملامحنا خلف حروفها ، نتظاهر بالضحك والألم يعتصرنا ، أو ندّعي الحزن والبهجة تسري في ملامحنا ...هل تحولنا فجأة ً لكائنات ٍ من الورق ؟ نلتقي ونفترق على ورق ، نضحك ونبكي على ورق ، نحبُّ ونعطي منْ نحبّ رحيق مشاعرنا على الورق ..ونقرر الغياب بكلمة ٍ على الورق ..
لكل ذلك كنت مرتبكة ً جدا ، لأنّك هذه المرّة واضحة تماما ، لا حائل بيننا ولا أقنعة ..هذه المرّة أنت هي أنت ..بكامل أناقتك وجمالك وارتباكك ..بملامحك المدهشة وضحكتك الممزوجة بالخجل والحياء ..
كنتُ وأنا أطيلُ النظرَ في ملامح وجهكِ أفتّشُ عن مواعيد حضوري في ملامحك ، هل هذه الشفاه التي كانت تستدير كفوهة ناي وهي ترسم حرف اسمي الأول ؟ هذه ابتسامتك التي كانت ترتسم ُوأنتِ تقرأين حروفا ً مجنونة ً كتبتها في منتصف ليل بارد ..وهذه هي الأهداب ُالتي تنسدل كستائر على عيونك حين تغمضين خجلاً من نظراتي الجريئة ..نظراتي التي تحملُ كل أبجديات الشوق هل كنت تحبذين َأن يبقى اللقاء على الورق ؟ .
قلتُ لك : هل كان حديثنا باقةً من وردٍ بلاستيكية تهتمين في تنسيقها ؟ حديثنا مثل هذه الباقة بلا رائحة ولا عبق ، ما قيمة الكلمات إن لم تكنْ نابعة من القلب ..نابعة من الروح ، تحترق في جمرات اللهفة ، نلمح صدقها ونشمّ نقاءها ؟ ما قيمة الكلمات إن ْلمْ تتجاوزرسم الحروف ؟ .
ما قيمة أن نكتبَ ما لا نحسّ به ، وكأننا نكتبُ واجبا مدرسيا ونخشى من عقاب ِ المعلّم إن تركناه ..لماذا لا نكتب كما تشدو البلابل على الأغصان في الحدائق ؟ تشدو رغبة ً منها في الشدو .
كنتُ أطيل النظرَ في ملامح وجهك ِ باحثاً عن حضوري ، عن مواعيد لم تكتمل ، عن شريط ذكريات ٍمليء بالشوق والأمنيات ...