ليتني كنتُ لقيطاً
بقلم: وديع فلسطين
.................... ..
«لويس فلسطين» مدرس مصري يعمل في وزارة المعارف المصرية، وقد اختارته هذه الوزارة نفسها للسفر على نفقتها الخاصة إلى أسبانيا في بعثة دراسية في معهد فاروق الأول. وهو مصري قبطي صعيدي، وأبوه مصري قبطي صعيدي،وجده مصري قبطي صعيدي، وأسرتُه كلها مصرية أباً عن جد، ونسباً بعد نسب، ولم يسبق له أو لأحد من أسرته أن غادر مصر، لا مُهاجراً ولا سائحاً ولا مُتنزهاً حتى يُمكن أن يُشك في اختلاط الدم أو النسب أو الأصل.
وأرسلت وزارة المعارف المصرية خطاباً إلى وزارة الداخلية تطلب فيه منح جواز سفر مصري لهذا الشاب المصري ليُسافر في البعثة المصرية التي ستعود بالنفع ـ آخر الأمر ـ على مصر. فطلب موظفو إدارة جوازات السفر شهادة ميلاد الشاب، فقدمها لهم، ولكنها لم تكف لإثبات مصريته.
فطلبوا منه شهادة القٌرعة فقدّمها لهم، ولكنها لم تكف.
ثم طلبوا شهادة قرعة والده فقدّمها لهم، ولكنها لم تكف.
ثم طلبوا شهادة من الكنيسة التي يتبعا فقدّمها لهم، ولكنها لم تكف.
ثم طلبوا شهادة ميلاد أبيه، أبيه المولود من خمسة وسبعين عاما، والمتوفى منذ خمسة وعشرين عاماً، وذلك لأن حضرات الموظفين الأكفاء الأذكياء يريدون الاطمئنان إلى أن جد هذا الشاب كان مصريا.
وأنا أتحدّى حضرة مدير عام إدارة جوازات السفر أن يُبرز لنا شهادة ميلاد والده لنعرف منها هل كان جده مصريا أو غير مصري!
إن تصرفات إدارة جوازات السفر سخف لا مثيل لـه في العالم، سخف تضحك منه العقول البصيرة.
ولو كان «لويس فلسطين» لقيطاً وُجِد على قارعة الطريق، لما وجد من يطعن في جنسيته من موظفي وزارة الداخلية لأن القانون يعتبر كل لقيط مصريا قحا، ولو كان أجنبيا ابن أجنبي، أما الأشراف أبناء الأشراف، والمصريون أبناء المصريين، والقبط الفراعنة أحفاد القبط الفراعنة فإن حضرات موظفي وزارة الداخلية يطعنون في جنسيتهم، ويدّعون من الذكاء والحذق ما يجعل جميع أعمالهم حماقة خرقاء.
أما وقد أعيانا محادثة حضرات الموظفين في إدارة الجوازات كباراً وصغاراً، فليس أمامنا إلا أن نعرض شكوانا هذه على معالي فؤاد سراج الدين باشا ليتفضل فيأمر باستخراج جواز السفر، حتى يكون هذا الشاب في مدريد قبل بدء الدراسة بأيام.
ــــــــــــــ
المصدر: وديع فلسطين: إلى معالي وزير الداخلية: ليتني كنتُ لقيطاً، فجنسية اللقيط المصرية لا يُطعن فيها، ما رأي معالي فؤاد سراج الدين باشا؟، صحيفة «المقطم»، في 1/10/1951م.