والكتاب هو: جملة ما هو موجود بين الدفّتين.
آ- وردت مفردة "كتاب" 98 مرّة في القرآن الكريم يراد بها كتاب الله القرءان، كما في قوله تعالى:
1- ذلِكَ الْكِتَابُ لَارَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ البقرة (2)
2- أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ البقرة (44)
ب- وكذلك وردت مفردة الكتاب 75 مرة وقد استعملها القرآن الكريم بمعنى ما أُنزِلَ على الأنبياء والرسل عليهم السلام من كلام الله تعالى المُوحَى إليهم، كما في قوله تعالى:
1- وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ البقرة (53)
2- فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ البقرة (79)
ج_ وتارة استعمل الكتاب بمعنى خصوص المكتوب على نحو المراسلات والمخاطبات، كما في قوله تعالى- في معرض حكايته لقصة النبي سليمان عليه السلام وملكة سبأ:
1- اذْهَب بِّكِتَابِي هَٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ النمل (28)
2- قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ النمل (29)
د- وتارة استعمل بمعنى صحيفة أعمال الإنسان، كما في قوله تعالى:
1- وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا الإسراء (13)
2- اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا الإسراء (14)
3- يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَٰئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَايُظْلَمُونَ فَتِيلًا الإسراء (71)
4- وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَايَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا الكهف (49)
5- وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ الزمر (69)
6- فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ الحاقة (19)
7- وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ الحاقة (25)
8- فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ الانشقاق (7)
9- وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ الانشقاق (10)
10- وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ الجاثية (28)
11- هَٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ الجاثية (29)
12- وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا النبأ (29)
هـ - وأخرى استعملت مفردة الكتاب كمعنى للموعد أو للمدة الزمنية كما في:
1- وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْخِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْسَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُواقَوْلًا مَّعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَرالْكِتَابُرأَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ البقرة (235) -
2- وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ آل عمران (145)
3- فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا النساء (103)
وأخرى للدليل أو البرهان كما في قوله تعالى: فَأْتُوابِكِتَابِكُمْإِن كُنتُمْ صَادِقِينَ الصافات (157)
هذا بالنسبة لمفردة الكتاب أما بالنسبة لتفسير الآية 13 من سورة الإسراء (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَالْقِيَامَةِكِتَابًايَلْقَاهُ مَنشُورًا)الإسراء (13)
فقد جاء في تفسير ابن كثير (يقول تعالى بعد ذكر الزمان وذكر ما يقع فيه من أعمال بني آدم { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه}، وطائره: هو ما طار عنه من عمله، كما قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: من خير وشر، ويلزم به ويجازى عليه، { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} ، وقال تعالى: { عن اليمين وعن الشمال قعيد . ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} ، وقال: { وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون} ، والمقصود أن عمل ابن آدم محفوظ عليه قليله وكثيره، ويكتب عليه ليلاً ونهاراً، صباحاً ومساء، وقال الإمام أحمد عن جابر سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (لطائر كل إنسان في عنقه) وقوله: { ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا} أي نجمع له عمله كله في كتاب، يعطاه يوم القيامة، إما بيمينه إن كان سعيداً، أو بشماله إن كان شقياً { منشورا} أي مفتوحاً يقرؤه هو وغيره، فيه جميع عمله من أول عمره إلى آخره { ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر} ، ولهذا قال تعالى: { اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} أي إنك تعلم أنك لم تظلم ولم يكتب عليك إلا ما عملت، لأنك ذكرت جميع ما كان منك، ولا ينسى أحد شيئاً مما كان منه، وكل أحد يقرأ كتابه من كاتب وأمي)
وفي تفسير الطبري ({ وَكُلّ إِنْسَان أَلْزَمْنَاهُ طَائِره فِي عُنُقه } قَالَ : الطَّائِر : عَمَله , قَالَ : وَالطَّائِر فِي أَشْيَاء كَثِيرَة , فَمِنْهُ التَّشَاؤُم الَّذِي يَتَشَاءَم بِهِ النَّاس بَعْضهمْ مِنْ بَعْض . { وَنُخْرِج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا } فَقَرَأَهُ بَعْض أَهْل الْمَدِينَة وَمَكَّة , وَهُوَ نَافِع وَابْن كَثِير وَعَامَّة قُرَّاء الْعِرَاق { وَنُخْرِج } بِالنُّونِ { لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا } بِفَتْحِ الْيَاء مِنْ يَلْقَاهُ وَتَخْفِيف الْقَاف مِنْهُ , بِمَعْنَى : وَنُخْرِج لَهُ نَحْنُ يَوْم الْقِيَامَة رَدًّا عَلَى قَوْله { أَلْزَمْنَاهُ } وَنَحْنُ نُخْرِج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كِتَاب عَمَله مَنْشُورًا . وَكَانَ بَعْض قُرَّاء أَهْل الشَّام يُوَافِق هَؤُلَاءِ عَلَى قِرَاءَة قَوْله { وَنُخْرِج } وَيُخَالِفهُمْ فِي قَوْله { يَلْقَاهُ } فَيَقْرَؤُهُ : " يُلَقَّاهُ " بِضَمِّ الْيَاء وَتَشْدِيد الْقَاف , بِمَعْنَى : وَنُخْرِج لَهُ نَحْنُ يَوْم الْقِيَامَة كِتَابًا يُلَقَّاهُ , ثُمَّ يَرُدّهُ إِلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , فَيَقُول : يَلْقَى الْإِنْسَان ذَلِكَ الْكِتَاب مَنْشُورًا
وفي تفسير القرطبي (قوله تعالى { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} قال الزجاج : ذكر العنق عبارة عن اللزوم كلزوم القلادة للعنق. وقال ابن عباس { طائره} عمله وما قدر عليه من خير وشر، وهو ملازمه أينما كان. { ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا} يعني كتاب طائره الذي في عنقه. وقرأ الحسن وأبو رجاء ومجاهد { طيره} بغير ألف؛ ومنه ما روي في الخبر (اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا رب غيرك).
وفي تفسير الشعراوي (وقوله تعالى: { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } [الإسراء: 13]
وهو كتاب أعماله الذي سجَّلتْه عليه الحفظة الكاتبون، والذي قال الله عنه:{ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } [الكهف: 49] هذا الكتاب سيلقاه يوم القيامة منشوراً. أي: مفتوحاً مُعدَّاً للقراءة.
أما عن الحساب في تفسير الطبري ({ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّه مَوْلَاهُمْ الْحَقّ أَلَا لَهُ الْحُكْم وَهُوَ أَسْرَع الْحَاسِبِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : ثُمَّ رُدَّتْ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ تَوَفَّوْهُمْ فَقَبَضُوا نُفُوسهمْ وَأَرْوَاحهمْ إِلَى اللَّه سَيِّدهمْ الْحَقّ . { أَلَا لَهُ الْحُكْم } يَقُول : أَلَا لَهُ الْحُكْم وَالْقَضَاء دُون مَنْ سِوَاهُ مِنْ جَمِيع خَلْقه .
القرطبي (قوله تعالى { ثم ردوا إلى الله} أي ردهم الله بالبعث للحساب. { مولاهم الحق} أي خالقهم ورازقهم وباعثهم ومالكهم. { الحق} بالخفض قراءة الجمهور، على النعت والصفة لاسم الله تعالى. وقرأ الحسن { الحق} بالنصب على إضمار أعني، أو على المصدر، أي حقا. { ألا له الحكم} أي اعلموا وقولوا له الحكم وحده يوم القيامة، أي القضاء والفصل. { وهو أسرع الحاسبين} أي لا يحتاج إلى فكرة وروية ولا عقد يد.
هنا نأتي الى منطق العقل {أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَاسِبِينَ } وساعة يسمع إنسان { أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ } فالواحد منا يعلم أنه سبحانه يحكم بين الخلق بداية من آدم إلى أن تنتهي الدنيا، وكل واحد منا تتشابك مسائله مع غيره، وما دام الله الحكم فليس لغيره معه حكم، ويحكم بين الخلق جميعاً وفعله لا يحتاج إلى زمن، ونتذكر هنا الإمام عليّا - كَرمّ الله وجهه - حين قالوا له: كيف يحاسب ربنا الناس جميعا في وقت واحد، وبمقدار حلب شاة كما قال بعضهم؟ فقال الإمام عليّ: " كما يرزقهم في وقت واحد يحاسبهم في وقت واحد "، وهذه مسألة سهلة ليس فيها أدنى صعوبة أبداً. وقديماً عندما كانوا ينيرون الطرقات كانوا يشعلون المسارج: هنا مسرجة، وهناك مسرجة، وعلى البعد مسرجة ثالثة، وكان الوقاد يمشي ليشعل المسارج.. إلخ، وارتقى العقل البشري المخلوق لله واستطاع أن ينير الطرقات بالطاقة الكهربائية أو الطاقة الشمسية وفي وقت واحد.
جزاكم الله الف خير