رابط النّص المشتغل عليه
https://www.nabee-awatf.com/vb/showthread.php?t=25151
حين يزهر تشرين
نص للأديبة المصرية منية حسين
نصّ يفيض بشتّى النّوازع النّفسيّة..به معان ذات صلة بالأبعاد الوجدانية...عنوانه عتبة هامّة في استجلاء دلالاته وهوعلى صلة وثيقة بالحياة والتّجدّد..ولذلك سنقف على استعمالات لعناصر الطّبيعة(الرّيح...الأوراق الصّفراء...لون الارض ..المطر..الشمس...الضباب) مستلهمة من طابعها الإنقلابي المتغيّرما ينصهر مع ما يعتمل في نفسها الجيّاشة .
فتشرين يمنح الكاتبة مساحات تعبيريبة عميقة ويغدو مستوعبا لشتّى الأنفعالات والأشجان لتزامنه مع فصل الخريف .فالخيط الرّابط بين الشّهر والفصل وهو الذي سيمنح النّص المادة اللغوية المخصوصة....وقد اتصلت هذه المادّة ب
وجدان الكاتبة
ففي النّص أبعاد وجدانية أهمّها الحزن
شيئ ما يحضرنتي منك
يوثق الحبّ على خارطة الوجع
أبحث عن نفسي الضاّئعة
هذا المساء التشريني الحزين
أجترّ قلبي الرّاحل في بقايا ضمائر...
محاولة يائسة لقطف ندف الفرح
كمانلاحظ بعض العبارات التي استعملتها الكاتبة لإضفاء طابع الحزن على عناصر الطّبيعة كقولها(البحر الغائب...المطر الأخرس...الأوراق الصّفراء تتسكع في شوارع تحبل برائحة الشقاء....مساء غائم ...يكوّب الشّمس في عبّ الضّباب....)
فحزنها المتكوّر المتلبّد في أعماقهايخرّج من الطّمر فتسقطه على الطّبيعةوالعالم الخارجي ليصير بنفس الحزن والشجن
وقد لجأت في هذا الى جمل قصيرة اسمية حينا وفعلية أخرى مستعملة في الأفعال صيغة المضارع على غرار
يحضرني منك...يوثّق ...تهب ...أ[حث...أهتك...أكدّس الشوق...أشهق.. ويبقى للصيغة الصرفية في المضارع دلالة على المعيش في احاسيسها
ويمنح المعاناة استمراريّة. وقد ورد فعلان فقط بصيغة الأمر في قولها
قومي ياقطرة الحبر وتناوبي هذا المساء التشريني الحزين
وكأنّي به هنا قد استعملته في ذروة توترها من المساء التشريني الحزين مستنفرة مستنهضة القلم والحرف والملكة للتّعبير عن جهامة ما خلّف بوجدانها .
أمّا الضمائر المهيمنة على النّص استعمالا...وقد جاءت تارة ظاهرة وأخرى متصلة أو منفصلة أو مستترة
وقد هيمنت الضمائر المتصلة على النص فجاء استعمال المتكلم طاغيا باعتباره متصّل بالذّات وهواجسها وانفعالاتها (11فعلا) يليه الغائب المتصل بفعل او اسم فالمخاطب
الصّور الشّعريّة في النّص وأدواتها
النّص يعجّ بجمال الصّور الشّعرية
وقد جاءت في مادة لغويّة باذخة وهو مايسّر ادراكها ذهنيّا عند متلقيها وقد توسلت في هذا بالمحسنات البلاغية أهمّها المجاز والوصف التّشبيهي والإستعارة
ففي هذه المقاطع المستدَلّ بها على غرار
الليل القاطن في العظام حدّ مسقط النّخاع
ذاك البحر الغائب في البكاء
المطر الأخرس
حقيبة تحمل في احشائها غبارات المطارات مساء كسنبلة لا تكسر
كطعم الرجفة
تشرين رصاصة زيفوا لها وجهتها فاحترقت
المعنى المخبّا في سريرة الحلم
وقد تمّ توظيف هذه المحسنات البلاغيةفي توليد المعنى من هذه الصور الشعريةوحملت معاني التوجّع والتوجّس في صلة وثيقة مع ماهيمن على المبدعة حين يزهر تشرين من حولها
فاستنطقنا من خلاله صور ا رائعة الشّجن
غواية الريح للأوراق
احلام الصغار
عراك الساعات في الوجوه الذاهبة الى اللاشيئ
الحلم المدفون
الينابيع الغائرة في الطين
فهذا النّص يحمل إلينا خبايا نفس تعيش صراعات ومعاناة وأشجانا يتلبس فيها اليأس بالأمل والفقد بالحياة وما يجيش من أحاسيس موصولة بالحياة وأطوارها بالوطن وأزمنته...بالواقع والحلم ..
به أبعاد رمزيّة فائقة تعبر عن الأحلام والمعاناة وما تداعى ...
رغم ما هيمن على لغته من شجن فمداراته خصبة وقد أزهر فينا تشرين
فالغيمة ماء والأرض وطن والسحاب انهمار والغياب جسور عبور نحو الأجمل
تحياتي لك صديقتي المبدعة منية حسين فكم تذهلني كتاباتك المتأثّرة بوجدانك المرهف ...وليبق نصّك (حين يزهر تشرين فينا ) شاهدا على عذوبة عذابات الكتابة عندك