قصيدة رائعة تضجّ بترسانة من الأحاسيس تأخذ متلقيها منذ العنوان الى ان يجوس بداخلها تقصيا لدلالاتها ومعانيها وأبعادها الفنيّة
يقول الشاعر في مستهلها
.
مضيتُ بدربهِ في الليلِ مَرَّه
وأهرقتُ الخواءَ بدلوِ نبرَه
.
مضيتُ وكانَ في ظنّي التباسٌ
بأنَّ القلبَ لا يُروى بقطرَه
.
وكنتُ أخالهُ تسويفَ حِينٍ
هنيهاتٍ تلوّنها المسرَّه
.
فالبحث في مآل الشاعر مرتهن بما ظنّ وتصوّر
وقد أدّت العبارات
خواء..
ظنّ...
التباس...
تسويف..
فالبحث عن حالة توازن للقلب وللعواطف وللأحاسيس جعلت الحالة الوجدانية للشاعر في مدّ وجزر
ليبدو أأكثر تبرّما وإحباطا في قوله
.
مسامرةٌ تواسي لؤمَ ضجري
وتسرقُ من شقائي ما أسرَّه
.
صحبتُ اليأسَ عاقرني سنيناً
وألبسني يبابُ العشقِ قبرَه
.
فاتسّاع حلمه لم ينته بغير ضيق ...
وقد حوت القصيدة أوصافا خارقة دقيقة نسجت شكلا تعبيريا مارس سلطته الدلالية بتفوّق وامتياز كقوله هنا
مسامرةٌ تواسي لؤمَ ضجري فالمواساة عادة ما تكون للتّخيف ولكنها مواساة للؤم ضجر
وتسرقُ من شقائي ما أسرَّه...والمقابلة بين الشّقاء والفعل سرّ تعمّق شعورنا بذروة شقاء الشّاعر
.
صحبتُ اليأسَ عاقرني سنيناً...صحبته لليأس ومعاقرته له
وألبسني يبابُ العشقِ قبرَه......وكذلك يباب العشق...القبر...
كماعتدتُ الحياةَ بلا حياةٍ...حياة بلا حياة
وآلفتُ النسيمَ بألفِ حسرَه....نسيم ....وحسرة
فما نلاحظه أنّ المفردات تُنشئ فيما بينها ضوابط تحدّد الدلالة وتصريف المعنى
وكلّما تقدمنا في قراءة القصيدة نلاحظ قدرة الشاعر على حسن التّصرف في السجلات اللّفظية التي لا تخطئ مقاصده
وقد جاء البيت الأخير بدفقة شجن قويّة تصهد الرّوح وتخترقها دفعة واحدة مع طعنة سكين وشفره
.
قطعتُ الوقتَ كي أحظى بأنسٍ
فباغتني بسكّينٍ وشفرَه
فكل التّقدير لهذا المبدع .
.