من الموسوعة الأدبية الشاملة

عظماء بنى أمية - الحلقة 3
=============
بدأت تتسرب إلى القصر أخبار عجيبة عن الخليفة الجديد ، فمن خادمٍ يدخل مسرعا يخبر بأن الخليفة رفض مراكب الخلافة ، وألغى الموكب المعتاد ، وركب دابته . وآخر يأتى يقول إن الخليفة أعلن إلغاء حفلات البيعة بما كان لها من العظمة والجلال ، وثالث يقول إنه أبى أن يمد يده إلى شيئٍ من أموال الخزانة ! وتسمع فاطمة هذه الأخبار فلا تكاد تصدقها ! إنها تعرف زوجها الشاب المتفتح قلبه لنعيم الدنيا ، الغارق فى الرفاهية والمتع الحلال . فما له يعرض عن الدنيا التى جاءته مقبلة عليه ، ملقية بكل ما فيها من جميلٍ وجليلٍ عند قدميه ؟
وعاد الخليفة إلى قصره ، ولكنه عاد رجلا جديدا . لقد تبدل فيه كل شيئ ، ورأى أهله فى بيعته بوادر الشقاء ! وتلقته فاطمة ، فإذا الأيام الثلاثة التى غاب فيها عنها ، قد فعلت فيه فعل ثلاثة قرون . وإذا هو شاحب الوجه من أثر السهر فى مصالح الناس ، مضطرب الأوصال من ثقل الأمانة وخوف الله ، فانشعب قلبها رأفةً به ، وإشفاقا عليه .
وقال لها: "يا فاطمة ، قد نزل بى هذا الأمر ، وحُمّلت أثقل حمل ، وسأُسأل عن القاصى والدانى عن أمة محمد ، ولن تدع هذه المهمة فضلةً من نفسى ولا من وقتى أقوم بها بحقك علىّ ، ولم تبق لى أربا فى النساء ، وأنا لا أريد فراقك ، ولا أوثر فى الدنيا أحدا عليك ، ولكنى لا أريد ظلمك ، وأخشى ألا تصبرى على ما اخترته لنفسى من ألوان العيش ، فإن شئت سيّرتك إلى دار أبيك..قالت: وماذا أنت صانع؟ قال: إن هذه الأموال التى تحت أيدينا ، وتحت أيدى إخوتك وأقربائك قد أُخذت كلها من أموال المسلمين ، وقد عزمت على نزعها منهم وردها إلى المسلمين ، وأنا بادئٌ بنفسى ، ولن أستبقى إلا قطعة أرضٍ لى ، اشتريتها من كسبى ، وسأعيش منها وحدها ، فإن كنت لا تصبرين على الضيق بعد السعة فالحقى بدار أبيك ! قالت: وما الذى حملك على هذا؟ قال: يا فاطمة ، إن لى نفسا تواقة ، ما نالت شيئا إلا اشتهت ما هو خيرٌ منه ، اشتهيت الإمارة فلما نلتها اشتهيت الخلافة ، فلما نلتها اشتهيت ما هو خيرٌ منها ، وهو الجنة .