من الموسوعة الأدبية الشاملة

عظماء بنى أمية - الحلقة 5 والأخيرة
وانقطع فجأة عيش النعيم ، الذى قلما ذاق مثله المترفون ، وجاء عيش شدة وضيق قلّ أن عرف مثله الفقراء المدقعون . ما انقطع لأنهما افتقرا بعد غنى ، ولا لأن الدنيا أنزلت بهما مصائبها وأرزاءها ، ولكن انقطع لأنهما آثرا نعيما أبقى وأخلد ، نعيما لا يزول ، على حين يزول كل نعيمٍ فى الدنيا . وبدأ عمر فأعتق الإماء والعبيد ، وسرّح الخدم ، وترك القصر ، وردّ ما كان فيه إلى بيت المال ، وسكن دارا صغيرة شمالى المسجد . وكان فى دار الحكم أقدر حاكم ، وأحزم ملك ، وأعدل خليفة ، فإذا جاء داره هذه الصغيرة ، كان فيها كواحدٍ من غمار الناس .
جاءت امرأة مرة من مصر ، تريد أن تلقى الخليفة ، فهى تسأل عن قصره ، فدلوها على داره ، فوصلت ، فوجدت امرأة على بساطٍ مرقع ، بثيابٍ عتيقة ، ورجلا يديه فى الطين ، يصلح جدارا فى الدار ، فسألت ، فدهشت لما علمت أن المرأة القاعدة على البساط هى فاطمة بنت عبد الملك ، وارتاعت منها وتهيبتها ، فآنستها فاطمة حتى اطمأنت إليها وأنست بها ، فقالت لها: يا سيدتى ألا تتسترين عن هذا الطيّان؟ فابتسمت فاطمة وقالت: هذا الطيان هو أمير المؤمنين !
رحمة الله على أولئك الناس . أولئك والله همُ الناس .