ذكرى من أرشيف الإذاعات المصرية
=====================
كانت الأعوام التى سبقت حرب 67 فى مصر عهدا فريدا فى نظرى من حيث أدب الحماسة من أناشيد وأغنيات كثيرة لا تُحصى ولا تُعد كنت اسمعها من الإذاعات المصرية طيلة اليوم . ومن كثرة اندماجى وجدانيا مع تلك الأناشيد كنت أحفظ معظمها وأرددها مع من يؤدونها بحناجر قوية تُلهب المشاعر . الحقيقة أننى كنت أحب تلك الأناشيد حبا خالدا ذاب فى دمى ولا زالت تدور مع دورته إلى يومنا هذا . وكنت وما زلت أعتبر ذلك النوع من الغناء الحماسى من إذاعة "صوت العرب" و"إذاعة القاهرة" فئةً خالدةً من الأدب العربى المعاصر . صحيحٌ أن حالة الحرب مع العدو الإسرائيلى انتهت مع مصر . ولكن الأمر ليس كذلك معى شخصيا . إن إنهاء العداء كان قرارا يخص الساسة المصريين ولا يخصنى أنا شخصيا من قريبٍ أو من بعيد . إن لى عالمى الخاص جدا والذى لا أعترف فيه بشيئٍ اسمه دولة اسرائيل تكون قائمة فى حلق العالم الإسلامى . ذلك أمرٌ أحتفظ به لنفسى ولا أجهر به . المهم هنا هو الفقد العظيم الذى أشعر به نتيجة إغلاق تلك الفئة الخالدة من الأدب العربى فجأةً وبلا مقدمات وحفظها فى الأرشيف بلا أدنى رحمة . كانت أناشيد وقصائد عظيمة من شعراء كبار وملحّنين عباقرة وفنانين عمالقة أذكر منهم ، على سبيل المثال لا الحصر ، عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وكمال الطويل وبليغ حمدى...إلى آخر تلك الكوكبة من القمم الفنية فى مصر فى أداءٍ جماعى يلهب الخيال ويبث فى الوجدان أن يهود اسرائيل هم هم نفس اليهود الذين غدروا بالنبى محمد ونقضوا عهدهم معه وخططوا لقتل الرسول بدسّ السم في الشاة وبإلقاء صخرةٍ عليه وهو في زيارةٍ لديارهم وحرضوا القبائل العربية على غزوة الأحزاب . للساسة ما شاءوا أن يقرروا ولكن ذلك لا يغيرّ نظرتى الخاصة للأمور . إن تلك الفئة الأدبية الخالدة من الغناء الحماسى المصرى لم يُغلق ملفها فى مخيلتى ولم يتم حفظها بل هى حيةٌ تتردد فى ذاكرتى إلى يومنا هذا وتعيش فيها قويةً نابضةً وكأنها تنتظر أجيالا قادمةً من الشباب المسلم . أجيالا لا تنسى غدر اليهود وخبثهم وعداءهم الأبدىّ للمسلمين .