السيمفونية الاخيرة
لست أدري كيف حملتني خطواتي إلى هذا المكان ،ولا إن كنت يقظة أو على أبواب حلم جميل.
كل ما أعرفه انّني هنا أمتّع النّظر بما أرى من حولي.أينما قلّبت الطرف لا أرى غير فضاء أخضر يبعث على الامل و يغرس في النفس ثمار السكينة والطمأنينة.
افترشت البساط الاخضر ، أكاد أجزم انّه لا نهاية له، عسى أن أعيد للفكر بعضا من وعيه فيكفّ عن التأمل و التساؤل كي أنعم بهذا الجمال قبل أن يخدّرني سحره .
رفعت رأسي نحو الأفق فرأيتها هناك تنظر إلي بنظرات لؤلؤية وهي ترسل خيوطها الذهبية لتشعرني بدفء حميمي تارة و أخرى يرتعش لها جسدي كرعشة اللقاء بعد الفراق.
لا أظن كنت بمفردي ،سمعت صوتا يهمس لي :هيا انهضي وطوفي بأرجاء المكان.قمت على الفورووأنا ألتفت يمنة ويسرة عسى أن ألمح صاحب الصوت.الدافئ
عرفت بعد حين أنّه أناي جاء برفقة سندباد ليحملاني فوق البساط السحري ،كم كان المنظر ساحرا و أنا أتمايل تيها والشمس لا تزال هنا وقد رسمت على جبيني آخر قبلة قبل الرحيل.رأيتها وهي تحاكي الليل من بعيد وترسم له طريق العودة .هي تعرف أنّ كرسي إمارتها سيؤول له بعد بضع ساعات.
ولكنّها كانت تمهّد له الطريق وتوصيه بي خيرا إذا حلّ الظلام،ولفّني بجناحيه .
وبعد ثوان لم أعد أراها ،ترى هل حلّ موعد رحيلها قبل الأوان؟
نظرت إلى الاعلى كي أعرف من حجب نورها عنّي ،إنّه مشهد آخر يسحر الألباب، ويدغدغ الوجدان.نفق طبيعي أخضر؟
كانت على استقامة واحدة ،باسقة ، كثيفة تعانقت أغصانها في حنو وتشابكت، يعجز من يحاول فكّها.
جلست تحت إحداها فرأيت أعشابا صغيرة تقاسمها الحياة ،داعبتها الرياح فتمايلت في خجل و كأنّها تلقي التحية.
لفت انتباهي مخلوقات صغيرة في ذهاب و إيّاب دون كلل ولا ملل،والعجيب في الأمر ردّة فعلها .كلّما لمستها أناملي غيّرت الاتجاه و كأنّها تدرك ما يحيط بها من خطر.
وفجأة سمعت لحنا شجيّا منبعثا من الجهة الغربية ، رحت أتبعه ، والصوت يزداد قوة وسحراوفضولي يزداد معه لمعرفة مصدره
كان صوت خرير المياه ،لم أشأ أن أتمتّع بسماع هذه السيمفونية الطبيعية حتى أيقظني رجل رحيم وأنا على قارعة الطريق وقد بلّلتني الأمطار وجسمي محموم يرتعش من البرد،
فعرفت حينها أنني وبائعة الكبريت توأمان.
بقلم ليلى بن صافي