مواساة
مهداة لكل أب وأم عراقية فقدت ابنا لها في تفجيرات بغداد هذا اليوم الثلاثاء 8/12/2009
أدعو الله أن يسكن شهداءنا الجنة ويلهم ذويهم الصبر والسلوان
بكاؤكُما يَشْفِي وإن كان لا يُجد = فجودا فقد أودى نظيرُكمَا عندي
بُنَيَّ الذي أهدْتهُ كَفَّايَ للثَّرَى = فيا عزَّةَ المُهْدَى ويا حَسْرَةَ المُهْدِي
ألا قَاتَلَ اللَّهُ المنايا وَرَمْيَها = منِ القومِ حَبّاتِ القلوبِ على عَمْدِ
توخَّى حِمَامُ الموتِ أوسطَ صبيتي = فللـه كيف اخْتارَ واسطةَ العِقْدِ
على حين شمتُ الخيرَ مِنْ لَمَحاتِهِ = وآنستُ من أفعالِه آيةَ الرُّشدِ
طواهُ الرَّدى عنِّي فأضحى مَزَارُهُ = بعيداً على قُربٍ قريباً على بُعدِ
لقد أنجزتْ فيه المنايا وعيدَها = وأخْلَفَتِ الآمالُ ماكان مِنْ وَعْدِ
لقد قلَّ بين الْمَهْدِ واللَّحْدِ لُبْثُهُ = فلم ينسَ عهْدَ المهدِ إذ ضمَّ في اللَّحدِ
تنغَّصَ قَبلَ الرِّيِّ ماءُ حَياتِهِ = وفُجِّعَ منه بالعُذُوبَةِ والبردِ
ألحَّ عليه النَّزفُ حتى أحالَهُ = إلى صُفرةِ الجاديِّ عَنْ حُمْرَةِ الوردِ
وظلَّ على الأيدي تساقَطُ نَفْسُه = ويذوِي كما يذوي القضيبُ من الرَّنْدِ
فَيالكِ مِنْ نَفْسٍ تَسَاقَطُ أنفساً = تَسَاقُطَ دُرٍّ مِنْ نِظَامٍ بلا عِقْدِ
عَجبتُ لقلبي كيف لم ينفطرْ لـهُ = ولوْ أنَّهُ أقسى من الحَجَرِ الصَّلدِ
بودِّيَ أني كنتُ قُدِّمْتُ قَبْلَهُ = وأنَّ المنايا دُونَهُ صَمَدَتْ صَمْدِي
ولكنَّ ربِّي شاءَ غيرَ مشيئتي = وللرَّبِّ إمضاءُ المشيئةِ لا العبدِ
وما سرَّني أَنْ بِعْتُهُ بثوابِه = ولوْ أنَّه التَّخْليدُ في جنَّةِ الخُلدِ
ولا بِعْتُهُ طَوعاً ولكن غُصِبْتُه = وليس على ظُلْمِ الحوداثِ مِنْ مُعْدِي
وإنّي وإن مُتِّعْتُ بابْنَيَّ بعْده = لَذاكرُه ما حنَّتِ النِّيبُ في نجدِ
وأولادُنا مثلُ الجَوارحِ أيُّها = فقدناه كان الفاجعَ البَيِّنَ الفَقْدِ
لكلٍّ مكانٌ لا يسُدُّ اخْتِلاَلَهُ = مكانُ أخيه في جَزُوعٍ ولا جَلْدِ
هلِ العينُ بعدَ السَّمْعِ تكفي مكانَهُ = أم السَّمعُ بعد العينِ يَهْدِي كما تَهْدي
لَعمْري:لقد حالتْ بيَ الحالُ بعدهُ = فيا ليتَ شِعري كيف حالتْ به بعدِي
ثَكِلتُ سُرُوري كُلَّه إذْ ثَكِلْتُهُ = وأصبحتُ في لذَّاتِ عيشي أَخا زُهْدِ
أرَيحانَةَ العَينينِ والأنفِ والحشا: = ألا ليتَ شعري هلْ تغيَّرتَ عنْ عَهْدي
سأسقيكَ ماءَ العين ما أَسْعدتْ به = وإن كانَتِ السُّقيا مِنَ الدَّمعِ لا تُجدي
أعينيَّ:جودا لي فقد جُدْتُ للثَّرى = بأنْفَسَ ممَّا تُسأَلانِ من الرِّفدِ
أعينيَّ:إنْ لا تُسعداني أَلُمْكُما = وإن تُسعداني اليومَ تَستوجِبَا حَمْدي
عذرتُكما لو تُشْغلانِ عَنِ البكا = بنومٍ،وما نومُ الشَّجِيِّ أخي الجَهْدِ!
أَقُرَّةَ عَيْني:قدْ أَطَلْتَ بُكاءَها = وغادرْتَها أقْذَى مِنَ الأعْيُنِ الرُّمْدِ
أَقُرَّةَ عيني:لو فَدى الحَيُّ ميِّتاً = فديتُك بالحوباء أوَّلَ مَنْ يَفْدِي
كأنِّيَ ما استَمْتَعتُ منك بنظرة = ولا قُبلَةٍ أحلى مذَاقاً من الشَّهدِ
كأنَّيَ ما استمتعتُ منك بِضَمَّةِ = ولا شمَّةٍ في ملْعبٍ لك أو مَهْدِ
ألامُ لِمَا أُبدي عليْك مِنَ الأسى = وإني لأخفي منه أضعافَ ما أبدي
محمَّدُ:ما شيءٌ تُوهِّمُ سَلوةً = لقلبي إلاَّ زاد قلبي مِنَ الوجْدِ
أرى أَخَوَيْكَ الباقِيَيْنِ فإنما = يكونان للأحزَانِ أوْرَى مِنَ الزَّنْدِ
إذا لعِبا في مَلْعَبٍ لك لذَّعا = فؤادي بمثْلِ النارِ عنْ غيرِ ما قَصدِ
فما فيهما لي سَلوةٌ بلْ حَزَازَةٌ = يَهيجانِها دُوني وأَشقى بها وحدي
وأنتَ وإن أُفردْتَ في دار وحْشةٍ = فإنِّي بدارِ الأنسِ في وَحْشَةِ الفردِ
أودُّ إذا ما الموتُ أوفدَ مَعشَرا = إلى عَسْكِر الأمواتِ أنِّي مِنَ الوفْدِ
ومَنْ كانَ يَستَهْدي حَبِيباً هَديَّةً = فطيفُ خيالٍ منكَ في النومِ أستهدي
عليك سلامُ اللـهِ منِّي تَحِيَّةً = ومِنْ كلِّ غيثٍ صادقِ البرْقِ والرَّعدِ
الشاعر العربي الكبير / ابن الرومي