من الموسوعة الثقافية

كيف مات ســــــقراط؟
قال : من تعنى؟
قلت : سقراطيس . مشى بتعاليمه كما تعلم بين أثينا ، ليصلح فسادا ، ويقوّم اعوجاجا . وقام فيهم يجادل ويناقش ، ويعلـّمهم فى مناقشاته ومجادلاته ، ومن التعليم والتنوير إثارة . فلما أحست الدولة بالخطر اتهمته بإفساد شبابها ، وحكمت عليه بالموت ، يشربه سمّاً . واجتمع عليه تلاميذه يمهـّدون له الهرب، فأبى الهرب . وبالمنطق أخذ يحاورهم ، ويداورونه ويداورهم . وكان منطقه أنه مواطن يؤمن بالدولة ، وبسلطانها شاملاً كاملاً . ومن حيث أنه رضى أن يكون مواطنا فقد ارتبط بالولاء للدولة . والهرب نقضٌ لهذا الولاء . ونقض الولاء نقضٌ للفلسفة وذهابٌ بها . وإذن فليُـبق على تعاليمه فلا تذهب سدى . وجب عليه الاحتفاظ بهذا الولاء . وشرب السم فى حضرة تلاميذه ، وأخذ يمشى ذهابا وجيئة حتى أعجزه السم فرقد . ثم مات .
واتخذ العالم عبْر القرون من هذا الحادث مثلا للتسامى الخلقى عظيما . وأحسبك يا صاحبى ترى معى أن هذا المنطق ، والدولة دولة سُوء ، زاد حتى بلغ الحد الفاصل بين العقل والجنون . قال صاحبى :
- اذن أنت ترى أن سقراط كان مجنونا ؟ قلت :
- أما فى هذه فنعم . إن الجنون علـّة ، والعلة مرض . ومن المرض الطارئ الذى لايلبث أن يزول ، ومن المرض المقيم .
بالطبع لم يرض صاحبى الذى يدْرس المنطق عن هذا . إن سقراط عنده أرفع من أن يّوصف بالجنون ، ولو لساعة ، لا سيما وأنا أدّعى أن جنونه كان بسبب منطقه ، ودولة الســـُوء ليس لها منطق سوى الشر !!