البديهـــــة فى التفكـــــير
يا جمــــــاعة هل عقــــــل الإنســــــان واحـــــد فى أى بقعـــــــة فى العالــــــم ؟ أم أنه يختلــــــف من مكان لآخر ؟ هل هو نفســــــه إن كان أبيضـــا أو أســــــودا أم أنه يعـــــــتمد على اللـــــــون ؟ من البديهــــــيات عندى أن 1 + 1 = 2 . من البديهــــيات أن 5 أكبر من 3 . من البديهــــيات أن القطة أصغر من الفيل ... إلخ إلخ
أنا عندى ، وأنا مار بطـــــريقٍ ما فوجدت حائطا مبنيا من طين فى شكل مربع ارتفاعه عدة أمتار ، فى طريق صحراوى جبلى غيرمطـــــروق ، فإنه من البديهـــــــى أن إنســـــــانا ما قــــــام بهـــــذا البنــــــاء فى وقــــت ما . وأنه لم يقـــــم من تلقـــــاء نفســـــه مصــــــادفة . هل أنا شــــــاذٌ فيما افترضـــــــت ؟ أم أن كل الناس يشــــــاركونى فى هذا الافتراض ؟ الآن وقد علمــــت ســــيرتى وطبيعـــــتى فأنا لا أؤمن بصــــرحٍ قائمٍ أمامى لم يفعـــــله فاعــــل ٌ عاقــــلٌ أو حكـــــيمٌ فى وقتٍ ماضٍ من الزمـــــن . ماذا يعـــنى ذلك ؟ إن وجـــــدت قصــــرا أمامى فهنالك من شـــــيده . وإن وجـــدت بيتا فهنالك من بناه . وإن وجــــدت حيوانا مقتولا فهنالك من قتله . وإن وجدت جبلا فهنالك من رصــــــف حجارته . وإن وجدت نهــــــرا فهنالك من شـــــق مجراه وصــــنع ماءه وأجراه فيه . وإن كان هنالك كوكــــــب بعيد فلا بد من أن قوىً عاقلة حكـــــيمة موجودة فى ذلك المكان صــــــنعت ذلك الكوكـــب ووضعته هنالك حيث لا يســـــقط ولا يصـــطدم بكوكب آخر . وإن رأيت سلسلة جبال شاهقة فلن تكون نشأت هناك إلا وهنالك من أنشأها . ولا غازٍ فى الفضاء ولا قمرٍ ولا شمس إلا وله موجد.. وباختصار لا تقع عينى على جســــــم محســــوسٍ أمامى ، كائنا ما كان ، إلا ووراءه قوة حكيمة هى الفاعلـــــــة فى وجــــــوده والمتســــببة فى كـــــونه . ولا شيئ يعقـــــــله عقــــلى يوجــــد بدون موجــــــد . هــــــذا من بديهيات عقـــــــلى ، فهـــــل يختلــــــــف معى إنســـــان آخـــر أبيضـــــا كان أو أحمـــــــرا أو أوربيا أو أستراليا أو آسيويا أو شرقيا أو غربيا ؟
---------------------------------------------------------------
الحقيقـــــــــــــــــــــة المطلقــــــــــــــــــــــــــــــــة
انتقل إلى العالم الآخر صديقٌ آخر لى كنت ممن أحســــبهم لا يموتون . فهنالك أناس معينون فى حياتى ، وبينى وبين نفســى الداخلــــية " أقوى من الموت " . لا يشاركنى فى هذا الســـــر أحدٌ مهمـــا كان عزيزا أو قريبا لى فأنا أحتفظ به لنفســـى خاصـــة وأتســــلى به مع نفســـى فقـــط . فلان وفلان وفلان لن يموتوا أبدا . دائمـــا صحتهم جيدة ، دائما شــباب مهمــا كبروا ، دائما يقدمون المشــــورة عندما يمرض أحد ، دائما يوجدون فى المقابر عندما يمـــوت أحد ، ودائما من المعزين ومن الموجودين فى المناســـبات العامة . تكرر هذا المنظـــر عندى لســـنوات عديدة حتى نشـــأ فى نفسـى اعتقــــادٌ داخلى بأن هــؤلاء النفـــــر لا يموتون . يمـــوت غيرهم من أبناء بلدتنا كما يموت الناس ولكـــن فلانا وفلانا وفلانا بالتحــديد معصــــومون من الموت .كيف يموتون وهم من يُشـــــرفون على الموت ويحفظــــــون بقــــاء الناس واســـتمرار الحيـــــاة فى البلـــــدة . هـــذه الخواطــــــر ســـرية جدا فلا أشـــــى بها لأحـــــد لأى مخلوق حــتى وإن كانوا هـــم " الناس المعينون فى حياتى والمعصومون من الموت " .
هـذه القاعدة تســقط أحيانا ، فقد توفى أحد هؤلاء النفـــر العـــام الماضى على غير العــادة وفوجئت بالخبر ولم أكد أصــدق ، ولكـــنها كانت الحقــيقة . وصارت حقيقة مؤكدة واستيقنت بها مع مرور الأيام . ولكــــن يا للهــــول ، فقد ترامى إلى ســــمعى صباح اليوم خبر وفاة معصــومٍ آخر من أولئك النفـــــر . وهــذا مما يؤكــــد لى " عـدم صمـــــود " تلك الحقـــيقة ، التى لم يشـــاركنى فيها أحدٌ من الناس ، والذى ظل ســـرا دفينا بينى وبين نفســى ، طــــيلة هــذه الســــنين .
الآن عرفت الحقيقــــــة المطـــــلقة . وهى ألا أحد ، مهـــــما طـــال تواجده ومهما رأينا وجهـــــه فى المناسبات العديدة ، ومهما ظننت أنا شــخصيا أنه أقوى من الموت ، سيدوم طويلا جدا فى هـــذه الدنيـــــا ! !